المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضل سورتي الفلق والناس - تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌السَّنَد

- ‌رِوَايَة المُصَنّف رَحْمَة الله للعدة

- ‌تحفة الذَّاكِرِينَ بعدة الْحصن الْحصين

- ‌تَرْجَمَة ابْن الْجَزرِي رحمه الله

- ‌خطْبَة ابْن الْجَزرِي رحمه الله

- ‌فِي‌‌ فضل الذّكروَالدُّعَاء وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وآداب ذَلِك

- ‌ فضل الذّكر

- ‌دُعَاء عمر بن عبد الْعَزِيز رحمه الله

- ‌فضل الذّكر على الصَّدَقَة

- ‌استشكال بعض أهل الْعلم لهَذَا الحَدِيث وَالْجَوَاب عَنهُ

- ‌أفضل الْأَعْمَال ذكر الله

- ‌استشكال بعض أهل الْعلم

- ‌تَفْضِيل الذّكر على الْجِهَاد

- ‌مثل الَّذِي يذكر الله وَالَّذِي لَا يذكرهُ كالحي وَالْمَيِّت

- ‌فضل الدُّعَاء

- ‌بحث نَفِيس فِي كَون الدُّعَاء يرد الْقَضَاء

- ‌فضل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فِي آدَاب الذّكر

- ‌فصل فِي آدَاب الدُّعَاء

- ‌سيد الْمجَالِس قبالة الْقبْلَة

- ‌مسح الْوَجْه باليدين فِي الدُّعَاء

- ‌وَجه التوسل بالأنبياء بالصالحين

- ‌فِي أَوْقَات الْإِجَابَة وَأَحْوَالهَا وأماكنها وَمن يُسْتَجَاب لَهُ وَبِمَ يُسْتَجَاب وَاسم الله الْأَعْظَم وأسمائه الْحسنى وعلامة الاستجابة وَالْحَمْد عَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَوْقَات الْإِجَابَة وَأَحْوَالهَا

- ‌فصل فِي أَمَاكِن الْإِجَابَة وَهِي الْمَوَاضِع الْمُبَارَكَة

- ‌فصل الَّذين يُسْتَجَاب دعاؤهم وَبِمَ يُسْتَجَاب

- ‌فصل فِي بَيَان اسْم الله الْأَعْظَم

- ‌ مَا ورد فِي تعْيين الِاسْم الْأَعْظَم

- ‌اخْتلف فِي الِاسْم الْأَعْظَم على نَحْو أَرْبَعِينَ قولا

- ‌أرجح مَا ورد فِي تعْيين الِاسْم الْأَعْظَم

- ‌فصل فِي فضل أَسمَاء الله الْحسنى

- ‌فصل فِي عَلامَة استجابة الدُّعَاء

- ‌فِيمَا يُقَال فِي الصَّباح والمساء وَاللَّيْل وَالنَّهَار خُصُوصا وعموما وأحوال النّوم واليقظة

- ‌فصل فِي أذكار الصَّباح والمساء

- ‌فصل فِيمَا يُقَال فِي اللَّيْل وَالنَّهَار جَمِيعًا

- ‌فصل فِيمَا يُقَال فِي النَّهَار

- ‌فصل فِيمَا يقْرَأ فِي اللَّيْل

- ‌فصل فِي النّوم واليقظة

- ‌فصل فِي آدَاب الرُّؤْيَا

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بالطهور وَالْمَسْجِد وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالصَّلَاة الرَّاتِبَة وصلوات منصوصات

- ‌فصل الطّهُور

- ‌فصل فِي أذكار الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد

- ‌فصل الْأَذَان

- ‌فصل فِيمَا يُقَال فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة

- ‌سُجُود التِّلَاوَة

- ‌مَا يُقَال بَين السَّجْدَتَيْنِ

- ‌التَّشَهُّد

- ‌صفة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ

- ‌فضل التَّطَوُّع

- ‌فصل الصَّلَوَات المنصوصات

- ‌صَلَاة الطّواف

- ‌صَلَاة الْكَعْبَة

- ‌صَلَاة الإستخارة

- ‌صَلَاة الزواج

- ‌صَلَاة التَّوْبَة

- ‌صَلَاة الْآبِق والضياع

- ‌صَلَاة حفظ الْقُرْآن

- ‌صَلَاة الضّر وَالْحَاجة

- ‌صَلَاة التَّسْبِيح

- ‌صَلَاة الْقدوم من السّفر

- ‌فصل الزَّكَاة

- ‌فصل السّفر

- ‌فصل الْحَج

- ‌فصل الْجِهَاد

- ‌فصل النِّكَاح

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بالشخص من أُمُور مختلفات بإختلاف الْحَالَات

- ‌فصل فِي نَفسه

- ‌فصل المَال وَالرَّقِيق وَالْولد

- ‌فصل الرُّؤْيَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يُقَال عِنْد سَماع صياح الديكة وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة السَّلَام ورده

- ‌فِيمَا يهم من عوارض وآفات فِي الْحَيَاة إِلَى الْمَمَات

- ‌دُعَاء الكرب والهم وَالْغَم والحزن

- ‌مَا يُقَال عِنْد الْفَزع

- ‌مَا يُقَال لهرب الشَّيَاطِين

- ‌مَا يَقُوله من خدرت رجله

- ‌مَا يُقَال عِنْد الْغَضَب

- ‌فصل فِيمَا يَقُوله حد اللِّسَان

- ‌مَا يُقَال إِذا ابْتُلِيَ بِالدّينِ

- ‌مَا يَقُول لمن أُصِيب بِعَين

- ‌مَا يُقَال للمصاب بلمة من الْجِنّ

- ‌مَا يُقَال للمعتوه

- ‌مَا يُقَال للديغ

- ‌مَا يُقَال للمحروق

- ‌مَا يَقُول من احْتبسَ بَوْله أَو بِهِ حَصَاة

- ‌مَا يُقَال لمن بِهِ قرحَة أَو جرح

- ‌مَا يَقُول من أَصَابَهُ رمد

- ‌مَا يَقُول من حصل لَهُ حمى

- ‌مَا يَقُول من اشْتَكَى ألما أَو شَيْئا فِي جسده

- ‌مَا يَقُول إِذا عَاد مَرِيضا

- ‌مَا يَقُول المحتضر

- ‌مَا يَقُوله من مَاتَ لَهُ ولد

- ‌مَا يُقَال فِي العزاء

- ‌كَيْفيَّة الصَّلَاة على الْمَيِّت

- ‌مَا يُقَال إِذا وَضعه فِي الْقَبْر

- ‌مَا يُقَال إِذا فرغ من الدّفن

- ‌مَا يُقَال إِذا زار الْقُبُور

- ‌فصل الذّكر

- ‌حَدِيث البطاقة

- ‌فصل الاسْتِغْفَار

- ‌فضل الْقُرْآن الْعَظِيم وسور مِنْهُ وآيات

- ‌فضل سُورَة الْفَاتِحَة

- ‌فضل سُورَة الْبَقَرَة

- ‌فضل الْبَقَرَة وَآل عمرَان

- ‌فضل آيَة الْكُرْسِيّ

- ‌فضل آخر سُورَة الْبَقَرَة

- ‌فضل سُورَة الْأَنْعَام

- ‌فضل سُورَة الْكَهْف

- ‌فضل سُورَة يس

- ‌فضل سُورَة الْفَتْح

- ‌فضل سُورَة الْملك

- ‌فضل سُورَة الزلزلة

- ‌فضل سُورَة الْكَافِرُونَ

- ‌فضل إِذا جَاءَ نصر الله

- ‌فضل قل هُوَ الله أحد

- ‌فضل سورتي الفلق وَالنَّاس

الفصل: ‌فضل سورتي الفلق والناس

أحد فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سلوه لأي شَيْء يصنع ذَلِك فَسَأَلُوهُ فَقَالَ إِنَّهَا صفة الرَّحْمَن وَأَنا أحب أَن أَقرَأ بهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخْبرُوهُ أَن الله سُبْحَانَهُ يُحِبهُ وَأخرج البُخَارِيّ نَحوه من حَدِيث أنس وَفِيه أَن أَصْحَاب الرجل قَالُوا لَهُ أما أَن تقْرَأ بهَا وَإِمَّا أَن تدعها وتقرأ بِأُخْرَى ثمَّ ارتفعوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ مَا يحملك على لُزُوم هَذِه السُّورَة فِي كل رَكْعَة فَقَالَ إِنِّي أحبها فَقَالَ حبك أياها أدْخلك الْجنَّة وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم وَغَيره إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَصْحَابه احشدوا فَأَنِّي سأقرا عَلَيْكُم ثلث الْقُرْآن ثمَّ خرج فَقَرَأَ قل هُوَ الله أحد وَقد قدمنَا فِي الْأَذْكَار الَّتِي تقال فِي اللَّيْل وَالنَّهَار أَحَادِيث وَذكرنَا أجر من قَرَأَهَا مرّة أَو مَرَّات على اخْتِلَاف الْأَعْدَاد فَليرْجع إِلَى ذَلِك //

‌فضل سورتي الفلق وَالنَّاس

(أَلا أعلمك خير سورتين قرئتا (د. س)) // الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ كنت أَقُود برَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَاقَته فِي السّفر فَقَالَ لي يَا عقبَة أَلا أعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني قل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس فَلم يرني سررت بهما جدا فَلَمَّا نزل لصَلَاة الصُّبْح صلى بهما صَلَاة الصُّبْح للنَّاس فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الصَّلَاة الْتفت إِلَيّ فَقَالَ يَا عقبَة كَيفَ رَأَيْت وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ يَا عقبَة تعوذ بهما فَمَا تعوذ متعوذ بمثلهما وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم بِنَحْوِ هَذَا وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وأصل هَذَا الحَدِيث فِي مُسلم عَن عقبَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ألم تَرَ آيَات أنزلت اللَّيْلَة لم ير مِثْلهنَّ قل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس وَلَفظ الْحَاكِم قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا عقبَة أَقرَأ قل أعوذ بِرَبّ الفلق فَإنَّك لن تقْرَأ سُورَة أحب إِلَى الله وأبلغ مِنْهَا فَإِن اسْتَطَعْت أَن لَا تفوتك

ص: 413

فافعل وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَقرَأ يَا جَابر فَقلت بِأبي وَأمي وَأَنت وَمَا أَقرَأ قَالَ قل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس فقرأتهما فَقَالَ وَلنْ تقْرَأ بمثلهما وَأخرج أَحْمد بِرِجَال ثِقَات من حَدِيث عقبَة قَالَ لقِيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لي يَا عقبَة بن عَامر أَلا أعلمك سورا مَا أنزل فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل وَلَا فِي الزبُور وَلَا فِي الْفرْقَان مِثْلهنَّ لَا تَأتي لَيْلَة إِلَّا قَرَأت بِهن قل هُوَ الله أحد وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لقد أنزل عَليّ آيَات لم ينزل عَليّ مِثْلهنَّ المعوذتين (قَوْله خير سورتين قرئتا) فِيهِ دَلِيل على مزِيد فضلهما وَلَا تعَارض بَين هَذَا وَبَين مَا ورد فِيهِ مثل ذَلِك من السُّور والآيات بل يَنْبَغِي أَن يحمل مَا ورد تفضيله على انه فَاضل على مَا عدا مَا قد وَقع تفضيله بِدَلِيل آخر فالتفضيل من هَذِه الْحَيْثِيَّة إضافي لَا حَقِيقِيّ وَهَذَا جمع حسن فَإِن منع مَانع من ذَلِك فالمرجع التَّرْجِيح بَين الْأَدِلَّة القاضية بالتفضيل //

(مَا سَأَلَ سَائل وَلَا استعاذ مستعيذ بمثلهما (مص)) // الحَدِيث أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعقبة اقْرَأ بهما كلما نمت وَكلما قُمْت مَا سَأَلَ سَائل وَلَا استعاذ مستعيذ بمثلهما وَهَذَا أحد أَلْفَاظ حَدِيث عقبَة الْمُتَقَدّم وَهَكَذَا أخرج هَذِه الرِّوَايَة بِهَذَا اللَّفْظ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ السُّيُوطِيّ //

(وَكَانَ يتَعَوَّذ من الجان وَعين الْإِنْسَان حَتَّى نزلتا أَخذ بهما وَترك مَا سواهُمَا (ت. س)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتَعَوَّذ من الجان

ص: 414

وَعين الْإِنْسَان حَتَّى نزلت المعوذتان فَلَمَّا نزلتا أَخذ بهما وَترك مَا سواهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب وَأخرجه ابْن ماجة من حَدِيثه أَيْضا وَفِي الحَدِيث دَلِيل على الِاسْتِعَاذَة بِهَاتَيْنِ السورتين أولى من الِاسْتِعَاذَة بِغَيْرِهِمَا لَكِن لَا فِي مُطلق الِاسْتِعَاذَة بل فِي التَّعَوُّذ من الجان وَعين الْإِنْسَان //

(اقرأهما كلما نمت وَكلما قُمْت (مص)) // الحَدِيث أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه وَهُوَ أحد أَلْفَاظ حَدِيث عقبَة بن عَامر الْمُتَقَدّم كَمَا عرفناك وَقد أخرجه بِهَذَا اللَّفْظ احْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ السُّيُوطِيّ وَمِمَّا ورد فِي فضل هَاتين السورتين مَا أخرجه أَحْمد وَرِجَال إِسْنَاده رجال الصَّحِيح عَن يزِيد بن عبد الله بن الشخير قَالَ قَالَ رجل كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سفر وَالنَّاس يعتقبون وَفِي الظّهْر قلَّة فحانت نزلة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني من بعدِي فَضرب مَنْكِبي فَقَالَ قل أعوذ بِرَبّ الفلق فَقَرَأَ بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها مَعَه وَقَالَ لي قل أعوذ بِرَبّ النَّاس فقرأها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها مَعَه ثمَّ قَالَ إِذا أَنْت صليت فاقرأ بهما وَأخرج الْبَزَّار بِإِسْنَاد رِجَاله رجال الصَّحِيح من حَدِيث عبد الله الْأَسْلَمِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي عمْرَة حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَطن واق استقبلتنا ضَبَابَة فأضلتنا الطَّرِيق فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَلِك عدل إِلَى كثيب فَأَنَاخَ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَقَامَ عَلَيْهِ مَا شَاءَ الله فَمَا زَالَ يُصَلِّي حَتَّى طلع الْفجْر فَأخذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم براس نَاقَته ثمَّ مَشى وَعبد الله الْأَسْلَمِيّ إِلَى جنبه فَوضع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَده على صَدْرِي ثمَّ قَالَ قل قلت وَمَا أَقُول قَالَ قل هُوَ الله أحد قَالَ ثمَّ قَالَ قل قلت وَمَا أَقُول قَالَ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق من}

ص: 415

شَرّ مَا خلق) فَقلت حَتَّى فرغت مِنْهَا ثمَّ قَالَ قل قلت وَمَا أَقُول قَالَ قل أعوذ بِرَبّ النَّاس قلت قل أعوذ بِرَبّ النَّاس حَتَّى فرغت مِنْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَكَذَا يتَعَوَّذ فَمَا تعوذ الْعباد بمثلهن قطّ وَأخرج أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده قَالَ حَدثنَا يُوسُف بن عَطِيَّة قَالَ حَدثنَا هرون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ المعوذات فَكَأَنَّمَا قَرَأَ جَمِيع مَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَقد كَانَ عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه لَا يثبت هَاتين السورتين فِي مصحفه كَمَا روى عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد يَعْنِي النَّخعِيّ قَالَ كَانَ عبد الله بن مَسْعُود يحك المعوذتين من مصاحفه وَيَقُول إنَّهُمَا ليستا من كتاب الله تَعَالَى وَرِجَال إِسْنَاد عبد الله بن أَحْمد رجال الصَّحِيح وَرِجَال إِسْنَاد الطَّبَرَانِيّ ثِقَات وَهَكَذَا أخرج الْبَزَّار فِي مُسْنده أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يحك المعوذتين من الْمُصحف وَيَقُول إِنَّمَا أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يتَعَوَّذ بهما وَكَانَ عبد الله لَا يقْرَأ بهما وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات وَهَكَذَا أخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات قَالَ الْبَزَّار لم يُتَابع عبد الله بن مَسْعُود أحد من الصحاب وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم انه قَرَأَ بهما فِي الصَّلَاة وأثبتتا فِي الْمُصحف انْتهى

قلت وَقد تقدم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فيهمَا أَنَّهُمَا خير سورتين قرئتا وَتقدم أمره بِالْقِرَاءَةِ بهما وَهَذِه خاصية من خَواص الْقُرْآن وَتقدم أَيْضا أَن من قرأهما فَكَأَنَّمَا قَرَأَ جَمِيع مَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأجْمع على ذَلِك الصَّحَابَة وَجَمِيع أهل الْإِسْلَام طبقَة بعد طبقَة والصحابي بشر وَلَيْسَ قَوْله حجَّة فِي مثل هَذَا على فرض عدم مُخَالفَته لما ثَبت عَن الشَّارِع فَكيف وَقد خَالف هَهُنَا السّنة الثَّابِتَة وَالْإِجْمَاع الْمَعْلُوم //

الْبَاب الْعَاشِر

فِي أدعية صحت عَنهُ صلى الله عليه وسلم مطلقات غير مقيدات

ص: 416

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم والمأثم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب النَّار وفتتنة النَّار وفتنة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر وَشر فتْنَة الْغنى وَشر فتْنَة الْفقر وَمن شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد ونق قلبِي من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وباعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب (ع)) // الحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة البُخَارِيّ وَمُسلم وَأهل السّنَن الْأَرْبَع كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل الحَدِيث الخ (قَوْله من الكسل) هُوَ بِفَتْح الْكَاف وَالسِّين فَتْرَة تلْحق الْإِنْسَان بِكَوْن بِسَبَبِهَا تثبيطه عَن الْعَمَل وَإِنَّمَا استعاذ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لما فِيهِ من عدم انبعاث النَّفس على الْخَيْر وَقلة الرَّغْبَة فِيهِ مَعَ إِمْكَانه (قَوْله والهرم) هُوَ الْبلُوغ فِي الْعُمر إِلَى سنّ تضعف فِيهِ الْحَواس والقوى ويضطرب فِيهِ الْفَهم وَالْعقل وَهُوَ أرذل الْعُمر وَأما مُجَرّد طول الْعُمر مَعَ سَلامَة الْحَواس وَصِحَّة الادراك فَذَلِك فَمَا يَنْبَغِي الدُّعَاء بِهِ لِأَن بِهِ مُتَمَتِّعا بحواسه قَائِما بِمَا يجب عَلَيْهِ متجنبا لما لَا يحل لَهُ فِيهِ حُصُول الثَّوَاب وَزِيَادَة الْخَيْر (قَوْله والمغرم) هُوَ أَن يستدين الْإِنْسَان مَا يتعسر أَو يتَعَذَّر عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَقد تقدم تَفْسِيره فِي أدعيه التَّشَهُّد (قَوْله والمأثم) هُوَ مَا يكون سَببا للوقوع فِي الْإِثْم وَقد تقدم تَفْسِيره أَيْضا (قَوْله وفتنة النَّار) أَي الْفِتْنَة الَّتِي تُؤدِّي إِلَى دُخُول النَّار وأصل الْفِتْنَة الامتحان والاختبار (قَوْله وفتنة الْقَبْر) هِيَ مَا ورد أَن الشَّيْطَان يوسوس للْمَيت فِي قَبره ويحاول اغواءه وخذلانه عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ لَهُ والاستعاذة من عَذَاب الْقَبْر هِيَ مَشْرُوعَة لثُبُوت عَذَاب الْقَبْر بِالسنةِ المتواترة وَقد تقد م تَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ فِي أذكار الصَّلَاة فَليرْجع

وفتنة الْغنى هِيَ مَا يحصل بِسَبَبِهِ البطر والأشر وَالشح بِمَا يجب إِخْرَاجه

ص: 417

من وَاجِبَات المَال ومندوباته

وفتنة الْفقر هِيَ مَا يحصل بِسَبَبِهَا من السخط والقنوط لمن لَا صَبر لَهُ يمنعهُ من ذَلِك وَلَا إِيمَان قوي يَدْفَعهُ عَن ذَلِك //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْعَجز والكسل والجبن والهرم وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات (خَ. م) اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْقَسْوَة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وَأَعُوذ بك من الْفقر وَالْكفْر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء وَأَعُوذ بك من الصمم والبكم وَالْجُنُون والجذام وسيء الأسقام (حب. صط)) // الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ كَانَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْعَجز والكسل والجبن والهرم وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات هَكَذَا أخرجه من حَدِيثه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَزَاد فِيهِ ابْن حبَان اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْقَسْوَة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وَأَعُوذ بك من الْفقر وَالْكفْر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء وَأَعُوذ بك من الصمم والبكم وَالْجُنُون والجذام وسيء الأسقام وَهَكَذَا أخرج هَذِه الزِّيَادَة الْحَاكِم من حَدِيثه وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأقرهُ الذَّهَبِيّ وأخرجها الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير من حَدِيثه وَرِجَال إِسْنَاده رجال الصَّحِيح (قَوْله من الْعَجز) إِنَّمَا استعاذ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ يمْنَع العَبْد من أَدَاء الْحُقُوق الْوَاجِبَة عَلَيْهِ الدِّينِيَّة والمالية كُنَّا تقدم فِي الكسل وَقد ذمّ الله سُبْحَانَهُ الْعَاجِز فِي كِتَابه وَضرب فِيهِ مثلا فَقَالَ سُبْحَانَهُ {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} كَمَا ذمّ الكسالى بقوله تَعَالَى {وَلَا يأْتونَ الصَّلَاة إِلَّا وهم كسَالَى} وَلَا يُنْفقُونَ إِلَّا وهم كَارِهُون وَقَالَ وَإِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى وَقد تقدم بَيَان معنى الْجُبْن والهرم وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات (قَوْله من الْقَسْوَة) أَي قسوة الْقلب وَهِي غلظته حَتَّى لَا يقبل الموعظة وَلَا يخَاف الْعقُوبَة وَلَا يرحم من يسْتَحق الرَّحْمَة (قَوْله والغفلة) وَهِي الذهول عَن الْخَيْر وَعدم

ص: 418

التنبه لما يجب التنبه لَهُ مِمَّا يجب على العَبْد وَيحرم عَلَيْهِ قَوْله والعيلة) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّحْتِيَّة وَهِي الْفَاقَة وَالْحَاجة وَعدم الْقُدْرَة على الْقيام بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ هُوَ وَمن يعوله (قَوْله والذلة) هِيَ ضد الْعِزَّة لما يلْحق صَاحبهَا من الهوان وَمِنْه الحَدِيث اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس (قَوْله والمسكنة) هِيَ الخضوع والذلة لما يعرض من الْحَاجة (قَوْله والفسوق) هُوَ الْخُرُوج عَن الاسْتقَامَة بارتكاب معاصي الله سُبْحَانَهُ والوقوع فِي محرماته (قَوْله والشقاق) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْخلاف والتنازع والعداوة بِمَا يَقع من الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لذَلِك وَأَصله أَن يصير كل وَاحِد من المتنازعين فِي شقّ مُقَابل للشق الَّذِي فِيهِ صَاحبه (قَوْله والسمعة) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ أَن يفعل الْخَيْر لَا لوجه الله سُبْحَانَهُ بل ليسمع النَّاس ويشتهر بذلك فِيمَا بَينهم قَوْله والرياء هُوَ أَن يفعل الطَّاعَة مراآة للنَّاس وطلبا للمدح وَالثنَاء وَلَا يُرِيد بذلك وَجه الله سُبْحَانَهُ

وَمعنى الصمم والبكم وَالْجُنُون والجذام ظَاهر (قَوْله وسيء الأسقام) هُوَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْهَا زِيَادَة فِي الْمَشَقَّة والتعب وَفِي الحَدِيث مَشْرُوعِيَّة التَّعَوُّذ من هَذِه الْأُمُور كلهَا اقْتِدَاء بالصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم //

(اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها وزكها أَنْت خير من زكاها أَنْت وَليهَا ومولاها اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا (م)) // الحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث زيد بن أَرقم رضي الله عنه قَالَ لَا أَقُول لكم إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْعَجز والكسل والجبن وَالْبخل والهرم وَعَذَاب الْقَبْر اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها وزكها أَنْت خير من زكاها أَنْت وَليهَا ومولاها اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا وَأخرجه أَيْضا من حَدِيثه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد فِي مُسْنده

ص: 419

وَعبد بن حميد وَقد ورد فِي الِاسْتِعَاذَة من هَذِه الْأَرْبَع أَحَادِيث سَيَأْتِي ذكرهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على الدُّعَاء مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِأَن يُعْطي الله سُبْحَانَهُ نَفسه تقواها وَأَن يزكيها أَي يَجْعَلهَا زاكية كَامِلَة فِي الْإِيمَان ثمَّ استعاذ من علم لَا ينفع لِأَنَّهُ يكون وبالا على صَاحبه وَحجَّة عَلَيْهِ واستعاذ أَيْضا من الْقلب الَّذِي لَا يخشع لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ قاسيا لَا تُؤثر فِيهِ موعظة وَلَا نصيحة وَلَا يرغب فِي ترغيب وَلَا يرهب من ترهيب واستعاذ من النَّفس الَّتِي لَا تشبع لِأَنَّهَا تكون متكالبة على الحطام متجزئة على المَال الْحَرَام غير قانعة بِمَا يكفيها من الرزق فَلَا تزَال فِي تَعب فِي الدُّنْيَا وعقوبة فِي الْآخِرَة واستعاذ من الدعْوَة الَّتِي لَا تستجاب لَهَا لِأَن الرب سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِع الباسط الْقَابِض الضار النافع فَإِذا توجه العَبْد إِلَيْهِ فِي دُعَائِهِ وَلم يستجب دَعوته فقد خَابَ الدَّاعِي وخسر لِأَنَّهُ طرد من الْبَاب الَّذِي لَا يستجلب الْخَيْر إِلَّا مِنْهُ وَلَا يستدفع الضّر إِلَّا بِهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك مِمَّا استعاذ بك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا عملت وَمن شَرّ مَا لم أعمل (م. س. د. ق) اللَّهُمَّ أَنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا علمت وَمن شَرّ مَا لم أعلم (س. مص)) // الحَدِيث أخرجه بِاللَّفْظِ الأول مِنْهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وكلا اللَّفْظَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي دعائة اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا عملت وَمن شَرّ مَا لم أعمل هَكَذَا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالنَّسَائِيّ وَفِي رِوَايَة للنسائي من شَرّ مَا علمت وَمن شَرّ مَا لم أعلم وَهَكَذَا فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة وكلا اللَّفْظَيْنِ من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي تجْرِي كثيرا على اللِّسَان النَّبِي المصطفوي وَقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من شَرّ أَعماله الَّتِي قد عَملهَا وَمن شَرّ أَعماله الَّتِي سيعملها كَمَا استعاذ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى من شَرّ الْأُمُور الَّتِي يعلمهَا وَمن شَرّ

ص: 420

الْأُمُور الَّتِي لَا يعلمهَا وَهَذَا تَعْلِيم مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لأمته ليقتدوا بِهِ وَإِلَّا فَجَمِيع أَعماله سابقها ولاحقها كلهَا خير لَا شَرّ فِيهَا وَجَمِيع مَا يُعلمهُ سَابِقَة وَلَا حَقه هُوَ ميسر لخيره ومعصوم من شَره //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وَجَمِيع سخطك (م)) // الحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وَجَمِيع سخطك وَأخرجه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَن أَبَا دَاوُد قَالَ وتحويل عافيتك استعاذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من زَوَال نعْمَته لِأَن ذَلِك لَا يكون إِلَّا عِنْد عدم شكرها والمضي على مَا تستحقه وتقتضيه كالبخل بِمَا تَقْتَضِيه النعم على صَاحبهَا من تأدية مَا يجب عَلَيْهِ من الشُّكْر والمواساة وَإِخْرَاج مَا يجب إِخْرَاجه واستعاذ أَيْضا صلى الله عليه وسلم من تحول عافيته سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ قد اختصه الله سُبْحَانَهُ بعافيته فقد ظفر بِخَير الدَّاريْنِ فَإِن تحولت عَنهُ فقد أُصِيب بشر الدَّاريْنِ فَإِن الْعَافِيَة يكون بهَا صَلَاح أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة واستعاذ صلى الله عليه وسلم من فَجْأَة نقمة الله سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ إِذا انتقم من العَبْد فقد أحل بِهِ من الْبلَاء مَا لَا يقدر على دَفعه وَلَا يستدفع بِسَائِر المخلوقين وَإِن اجْتَمعُوا جَمِيعًا كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الْقُدسِي أَن الْعباد لَو اجْتَمعُوا جَمِيعًا على أَن ينفعوا أحدا لم يقدروا على نَفعه أَو اجْتَمعُوا جَمِيعًا على أَن يضروا أحدا لم يقدروا على ضره

والفجاءة بِضَم الْفَاء وَفتح الْجِيم ممدودة مُشْتَقَّة من فاجأه مفاجأة إِذا جَاءَهُ بَغْتَة من غير أَن يعلم بذلك وَفِي رِوَايَة بِفَتْح الْفَاء وَإِسْكَان الْجِيم من غير مد واستعاذ صلى الله عليه وسلم من جَمِيع سخطه لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذا سخط على العَبْد فقد هلك وخاب وخسر وَلَو كَانَ السخط فِي أدني شَيْء وبأيسر سَبَب وَلِهَذَا قَالَ الصَّادِق المصدوق وَجَمِيع سخطك وَجَاء بِهَذِهِ الْعبارَة شَامِلَة لكل سخط اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من شَرّ سخطك ونسألك رضاك وَالْجنَّة فَمن رضيت عَنهُ فقد فَازَ فِي

ص: 421

جَمِيع أُمُوره وأفلح فِي كل شؤونه ونعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك يَا رَحْمَن يَا رَحِيم يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام يَا حَيّ يَا قيوم

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهدم وَأَعُوذ بك من التردي وَأَعُوذ بك من الْغَرق والحرق والهرم وَأَعُوذ بك من أَن يتخبطني الشَّيْطَان عِنْد الْمَوْت وَأَعُوذ بك من أَن أَمُوت فِي سَبِيلك مُدبرا وَأَعُوذ بك من أَن أَمُوت لديغا (د، مس)) // الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي الْيُسْر رضي الله عنه قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي بك من الْهدم والتردي وَالْغَرق والحرق الحَدِيث الخ قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد وَأخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ استعاذ صلى الله عليه وسلم من الْهدم والتردي وَالْغَرق والحرق لِأَن ذَلِك يكون بَغْتَة وَقد يكون الْإِنْسَان فِي ذَلِك الْوَقْت غير مُقَرر أُمُوره بِالْوَصِيَّةِ فِيمَا يكون مُحْتَاج الْوَصِيَّة فِيهِ وبإخراج مَا يجب إِخْرَاجه ركونا مِنْهُ على مَا هُوَ فِيهِ من الصِّحَّة والعافية وَقد لَا يتَمَكَّن عِنْد حُدُوث هَذِه الْأُمُور من أَن يتَكَلَّم بِكَلِمَة الشَّهَادَة لما يفجأه من الْفَزع ويدهمه من الْخَوْف

وَالْهدم بِسُكُون الدَّال الْمُهْملَة انهدام الْبناء عَلَيْهِ

والتردي بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال هُوَ السُّقُوط من مَكَان عَال إِلَى مَكَان منخفض وَالْغَرق بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة وَآخره قَاف هُوَ السُّقُوط فِي المَاء

والحرق بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخره قَاف هُوَ الْوُقُوع فِي النَّار واستعاذ صلى الله عليه وسلم من أَن يتخبطه الشَّيْطَان عِنْد الْمَوْت أَي يفتنه ويغلبه على أمره وَيحسن لَهُ مَا هُوَ قَبِيح ويقبح لَهُ مَا هُوَ حسن ويناله بِشَيْء من الْمس كالصرع وَالْجُنُون وَلما قَيده بالتخبط عِنْد الْمَوْت كَانَ أظهر الْمعَانِي فِيهِ هُوَ أَن يغويه ويوسوس لَهُ ويلهيه عَن التثبت بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ واستعاذ صلى الله عليه وسلم من

ص: 422

أَن يَمُوت فِي سَبيله مُدبرا لِأَن ذَلِك من الْفِرَار من الزَّحْف وَهُوَ من كَبَائِر الذُّنُوب واستعاذ صلى الله عليه وسلم من أَن يَمُوت لديغا لِأَنَّهُ قد يَمُوت بذلك فَجْأَة فَلَا يقدر على التثبت وَقد يتراخى مَوته فيشتغل بِهَذَا الْأَلَم الشَّديد عَن أَن يتَخَلَّص بِمَا جيب عَلَيْهِ التَّخَلُّص عَنهُ

واللديغ هُوَ الَّذِي تلدغه الْحَيَّة أَو الْعَقْرَب أَو غَيرهمَا من ذَوَات السمُوم فَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك مِمَّا استعاذ مِنْهُ رَسُولك صلى الله عليه وسلم وَقد تقدم بَيَان وَجه الِاسْتِعَاذَة من الْهَرم //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من مُنكرَات الْأَخْلَاق والأعمال والأهواء (ت. حب) والأدواء (ت)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث زِيَاد بن علاقَة عَن عَمه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من مُنكرَات الْأَخْلَاق والأعمال الحَدِيث الخ وَزَاد التِّرْمِذِيّ فِي آخِره والأدواء قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه حسن صَحِيح غَرِيب وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم استعاذ صلى الله عليه وسلم من مُنكرَات الْأَخْلَاق لِأَن الْأَخْلَاق الْمُنكرَة تكون سَببا لجلب كل شَرّ وَدفع كل خير واستعاذ صلى الله عليه وسلم من مُنكرَات الْأَعْمَال لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مُنكرَة فَهِيَ ذنُوب واستعاذ صلى الله عليه وسلم من الْأَهْوَاء لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي توقع فِي الشَّرّ ويتأثر عَنْهَا من معاصي الله سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} وَإِذا كَانَ الْهوى يصير صَاحبه باتباعه كالعابد لَهُ فَكَأَنَّهُ إلهه فَلَا شَيْء فِي الشَّرّ أَزِيد من ذَلِك وَلَا أَكثر مِنْهُ واستعاذ صلى الله عليه وسلم من الأدواء وَهِي جمع دَاء وَهُوَ السقم الَّذِي عرض لَهُ الْإِنْسَان وَقد يُرَاد بذلك أدواء الدّين وَالدُّنْيَا من جَمِيع مَا يضر بِالْبدنِ وَالدّين //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من غَلَبَة الدّين وَغَلَبَة الْعَدو وشماتة الْعباد (حب)) // الحَدِيث أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من

ص: 423

حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات اللَّهُمَّ الحَدِيث الخ وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَهُوَ عِنْده بِهَذَا اللَّفْظ وَلكنه قَالَ وشماتة الْأَعْدَاء واستعاذ صلى الله عليه وسلم من غَلَبَة الدّين لِأَن فِي ذَلِك هم الْقلب وَالْخلف فِي الْوَعْد والاشتغال بِالْقضَاءِ عَن أُمُور الدّين فِي غَالب الْأَحْوَال وَإِنَّمَا استعاذ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غلبته لِأَن الِاسْتِدَانَة بِدُونِ غَلَبَة قد يحْتَاج إِلَيْهَا كثير من الْعباد وَقد مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَدِرْعه مَرْهُونَة فِي أصواع من شعير واستعاذ من غَلَبَة الْعَدو لِأَنَّهُ يتحكم بِمن يعاديه وَينزل بِهِ أَنْوَاع المضار واستعاذ صلى الله عليه وسلم من شماتة الْعباد لِأَن لذَلِك فِي الْقلب موقعا عَظِيما وتأثرا كَبِيرا وَلَفظ الْعباد يَشْمَل الْعَدو وَالصديق وَمن لَيْسَ بعدو وَلَا صديق فَهُوَ أَعم من رِوَايَة وشماتة الْأَعْدَاء وَقد يتَحَصَّل بتوجع المترحمين مِمَّن يتظهر الصداقة فَوق مَا يجده الْإِنْسَان من شماتة الْأَعْدَاء كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(لتوجع المترحمين مضاضة

فِي الْقلب فَوق شماتة الْأَعْدَاء)

أعاذنا الله تَعَالَى من ذَلِك وَقد تقدم فِي الْأَدْعِيَة مَا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رضي الله عنه بِلَفْظ اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن وَالْعجز والكسل والجبن وَالْبخل وضلع الدّين وَغَلَبَة الرِّجَال وَفِي لفظ لغير البُخَارِيّ من غَلَبَة الدّين وقهر الرِّجَال كَمَا تقدم فِي مَوْضِعه //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَنَفس لَا تشبع (مص. مس)) // الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ كَانَ من

ص: 424

دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَمن نفس لَا تشبع وَمن الْجُوع فَإِنَّهُ بئس الضجيع وَمن الْخِيَانَة فلبئست البطائة وَمن الكسل والجبن وَالْبخل وَمن الْهَرم وَمن أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر وَمن فتْنَة الدَّجَّال وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك قلوبا أواهة مخبئة منيبة فِي سَبِيلك اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عزائم مغفرتك ومنجيات أَمرك والسلامة من كل إِثْم وَالْغنيمَة من كل بر والفوز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار (قَوْله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك الحَدِيث الخ) قَالَ الْحَاكِم بعد إِخْرَاجه صَحِيح الْإِسْنَاد وَأخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَعمل لَا يرفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَمن حَدِيث أنس رضي الله عنهما وَالْآخر رِجَاله رجال الصَّحِيح وَقد اقْتصر المُصَنّف هَهُنَا على بعض الحَدِيث وَقد قدمنَا تَفْسِير جَمِيع مَا ذكره من أَلْفَاظه فِي شرح حَدِيث زيد بن أَرقم الْمُتَقَدّم قَرِيبا وَكَانَ يَنْبَغِي للْمُصَنف أَن يَجْعَل هَذَا الحَدِيث مُتَّصِلا بذلك الحَدِيث لِأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد أَو يَكْتَفِي بِحَدِيث زيد بن أَرقم لكَونه فِي الصَّحِيح أَو يذكر مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث ليَكُون عذرا لَهُ فِي التكرير مَعَ التَّفْرِيق //

(اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وخطئ وعمدي (طس)) // الحَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَامْرَأَة من قيس أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَحدهمَا سمعته يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وخطي وعمدي وَقَالَ الآخر سمعته يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أستهديك لأَرْشَد أَمْرِي وَأَعُوذ بك من شَرّ نَفسِي وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَأخرجه أَيْضا أَحْمد فِي الْمسند وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه أَحْمد عَن عَجُوز من بني نمير أَنَّهَا رمقت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِالْأَبْطح تجاه الْبَيْت قبل الْهِجْرَة وسمعته يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي وخطئي وجهلي وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن

ص: 425

أبي ايوب قَالَ مَا صليت وَرَاء نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم إِلَّا سمعته يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطئي وعمدي كلهَا اللَّهُمَّ أنعشني وأجبرني وارزقني واهدني لصالح الْأَعْمَال والأخلاق لَا يهدي لصالحها وَلَا يصرف سيئها إِلَّا أَنْت وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات وَإِنَّمَا اسْتغْفر صلى الله عليه وسلم من الْخَطَأ وان كَانَ عفوا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} وَثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن الله سبحانه وتعالى قَالَ قد فعلت لِأَن تجنب مَا لَا بَأْس بِهِ يُقَوي صَاحبه على تجنب مَا بِهِ بَأْس وَأَيْضًا الْمقَام النَّبَوِيّ لَا يصدر مِنْهُ مَا هُوَ بِصُورَة الذَّنب وَيُمكن حمل ذَلِك على غير مَا طَريقَة الْبَيَان فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَعْصُوم عَن الْخَطَأ فِيهِ //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الجذام والبرص وسيء الأسقام (مص)) // الحَدِيث أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أنس وَقد أخرج هَذَا من حَدِيث أنس أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من البرص وَالْجُنُون والجذام وسيء الأسقام وَكَانَ الأولى أَن يعزوه المُصَنّف بهما إِلَيْهِمَا وَالْكَلَام على الحَدِيث هَذَا قد تقدم عِنْد الْكَلَام على الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب وَجعل هُنَا مَكَان مَكَان الْجُنُون البرص وَلكنه رَوَاهُ المُصَنّف رحمه الله فِي الْحصن الْحصين باللفظين جَمِيعًا الْجُنُون والبرص وَإِنَّمَا استعاذ صلى الله عليه وسلم من هَذِه الْأُمُور لِأَنَّهَا مِمَّا تنفر عَنهُ الطباع البشرية //

(اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطى وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي (مص)) // الحَدِيث أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي مُوسَى وَهُوَ ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيثه بِلَفْظ اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي فالعجب من المُصَنّف رحمه الله حَيْثُ عزاهُ إِلَى مُصَنف ابْن أبي شيبَة ترك عزوه إِلَى الصَّحِيحَيْنِ وَهَكَذَا عزاهُ فِي الْحصن الْحصين إِلَى ابْن أبي شيبَة فَقَط وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَلا أعلمك مَا عَلمنِي جِبْرِيل

ص: 426

قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ قل اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وَلَا تحرمني بركَة مَا أَعْطَيْتنِي وَلَا تفتني فِيمَا أحرمتني وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير سَلمَة بن أبي حكيمة وَهُوَ ثِقَة وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ اغْفِر لنا ذنوبنا وظلمنا وهزلنا وجدنَا وعمدنا وخطأنا وكل ذَلِك عندنَا قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد وإسنادهما حسن وَقد تقدم تَوْجِيه الِاسْتِعَاذَة من الْخَطَأ وَكَذَلِكَ يكون تَوْجِيه طلب الْمَغْفِرَة مِنْهُ //

(اللَّهُمَّ أصلح لي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي وَأصْلح لي دنياي الَّتِي فِيهَا معاشي وَأصْلح لي آخرتي الَّتِي إِلَيْهَا معادي وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير وَاجعَل الْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ (م)) // الحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ أصلح لي الحَدِيث الخ هَذَا الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم لشُمُوله لصلاح الدّين وَالدُّنْيَا وَوصف إصْلَاح الدّين بِأَنَّهُ عصمَة أمره لِأَن صَلَاح الدّين هُوَ رَأس مَال العَبْد وَغَايَة مَا يَطْلُبهُ وَوصف إصْلَاح الدُّنْيَا بِأَنَّهَا مَكَان معاشه الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي حَيَاته وَسَأَلَهُ إصْلَاح آخرته الَّتِي هِيَ الْمرجع وحولها يدندن الْعباد وَقد استلزمها سُؤال إصْلَاح الدّين لِأَنَّهُ إِذا أصلح الله دين الرجل فقد أصلح لَهُ آخرته الَّتِي هِيَ دَار معاده وَسَأَلَهُ أَن يَجْعَل الْحَيَاة زِيَادَة لَهُ فِي كل خير لِأَن من زَاده الله خيرا فِي حَيَاته كَانَت حَيَاته صلاحا وفلاحا وَسَأَلَهُ أَن يَجْعَل لَهُ الْمَوْت رَاحَة لَهُ من كل شَرّ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَوْت دافعا للشرور قَاطعا لَهَا فَفِيهِ الْخَيْر الْكثير للْعَبد وَلكنه يَنْبَغِي أَن يَقُول اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَ الْمَوْت خير لي كَمَا علمنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يَشْمَل كل أَمر

ص: 427

وَمَعْلُوم أَن من لم يكن فِي حَيَاته إِلَّا الْوُقُوع فِي الشرور فالموت خير لَهُ من الْحَيَاة وراحة لَهُ من محنها //

(رب أَعنِي وَلَا تعن عَليّ وَانْصُرْنِي وَلَا تنصر عَليّ وامكر لي وَلَا تَمْكُر عَليّ واهدني وَيسر الْهدى لي وَانْصُرْنِي على من بغى عَليّ رب اجْعَلنِي لَك ذكارا لَك شكارا لَك رهابا لَك مطواعا لَك مخبتا إِلَيْك أواها منيبا رب تَوْبَتِي واغسل حوبتي وأجب دَعْوَتِي وَثَبت حجتي واهد قلبِي وسدد لساني واسلل سخيمة صَدْرِي (حب. عه)) // الحَدِيث أخرجه الْأَرْبَعَة أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول رب أَعنِي الحَدِيث الخ وَهَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ بعد إِخْرَاجه حَدِيث حسن صَحِيح وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان وَالْحَاكِم (قَوْله وامكر لي وَلَا تَمْكُر عَليّ) أَي أَعنِي على أعدائي بإيقاع الْمَكْر مِنْك عَلَيْهِم لَا عَليّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين} وَقيل إِنَّمَا ذكر الْمَكْر من الله فِي هَذِه الْآيَة وأمثالها من بَاب المشاكلة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِك وَالْكَلَام فِي هَذِه طَوِيل وَلَا يَأْتِي بطائل (قَوْله رب اجْعَلنِي لَك ذكارا) أَي كثير الذّكر لَك كَمَا تفيده صِيغَة الْمُبَالغَة وَهَكَذَا قَوْله لَك شكارا أَي كثير الشُّكْر وَهَكَذَا رهابا أَي كثير الرهبة وَكَذَا لَك مطواعا أَي كثير الطَّاعَة لأمرك والانقياد إِلَى قبُول أوامرك ونواهيك وَفِي تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور فِي جَمِيع هَذِه الْأُمُور دلَالَة على الِاخْتِصَاص (قَوْله مخبتا) من الإخبات وَهُوَ الْخُشُوع والتواضع والخضوع وَالْمعْنَى اجْعَلنِي لَك خَاشِعًا خاضعا متواضعا والأواه هُوَ كثير الدُّعَاء والتضرع والبكاء والمندب هُوَ الرَّاجِع إِلَى الله فِي أُمُوره (قَوْله حوبتي) يفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَضمّهَا وَهُوَ الْإِثْم (قَوْله وَثَبت حجتي) أَي قو إيماني بك وثبتني على الصَّوَاب عِنْد السُّؤَال (قَوْله وسدد لساني) السداد الِاعْتِدَال فِي الْأَمر وإيقاعه على الصَّوَاب (قَوْله واسلل سخيمة صَدْرِي) السخيمة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة هِيَ الحقد وَالْمعْنَى أخرج الحقد من صَدْرِي هَذَا

ص: 428

معنى السخيمة هُنَا وَقد ترد بِمَعْنى آخر كَمَا فِي حَدِيث من سل سخية فِي طَرِيق الْمُسلمين فَعَلَيهِ لعنة الله فَإِن المُرَاد بهَا هُنَاكَ الْغَائِط //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الثَّبَات فِي الْأَمر وَأَسْأَلك عَزِيمَة فِي الرشد وَأَسْأَلك شكر نِعْمَتك وَحسن عبادتك وَأَسْأَلك لِسَانا صَادِقا وَقَلْبًا سليما وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تعلم وَأَسْأَلك من خير مَا تعلم وأستغفرك مِمَّا تعلم إِنَّك أَنْت علام الغيوب (ت. حب)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنَا أَن نقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الثَّبَات فِي الْأَمر الحَدِيث الخ وَأخرجه أَيْضا من حَدِيثه النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَزَاد وخلقا مُسْتَقِيمًا وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان فَلَا وَجه لما قَالَه الْعِرَاقِيّ أَنه مُنْقَطع وَضَعِيف بعد تَصْحِيح هذَيْن الْإِمَامَيْنِ لَهُ سَأَلَهُ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه الثَّبَات فِي الْأَمر وَهِي صِيغَة عَامَّة ينْدَرج تحتهَا كل أَمر من الْأُمُور وَإِذا وَقع الثَّبَات فِي كل أُمُوره أجرهَا على فَلَا يخْشَى من عَاقبَتهَا وَلَا تعود عَلَيْهِ بِضَرَر وَسَأَلَهُ عَزِيمَة الرشد وَهِي الْجد فِي الْأَمر بِحَيْثُ ينجز كل مَا هُوَ رشد من أُمُوره والرشد بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان الشين الْمُعْجَمَة هُوَ الصّلاح والفلاح وَالصَّوَاب ثمَّ سَأَلَهُ شكر نعْمَته وَحسن عِبَادَته لِأَن شكر النِّعْمَة يُوجب مزيدها واستمرارها على العَبْد فَلَا تنْزع مِنْهُ وَحسن الْعِبَادَة يُوجب الْفَوْز بسعادة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَسَأَلَهُ اللِّسَان الصَّادِق لِأَن الصدْق هُوَ ملاك الْخَيْر كُله وَسَأَلَهُ سَلامَة الْقلب لِأَن من كَانَ كَذَلِك يسلم عَن الحقد والغل والغدر والخيانة وَنَحْو ذَلِك وَسَأَلَهُ أَن يعيذه من شَرّ مَا لَا يعلم سُبْحَانَهُ وَسَأَلَهُ من خير مَا يعلم لإحاطة علمه سُبْحَانَهُ بِكُل دقيقة وجليلة بِمَا يُعلمهُ الْبشر وَبِمَا لَا يعلمونه فَلَا يبْقى خير وَلَا شَرّ إِلَّا هُوَ دَاخل فِي ذَلِك واستغفر مِمَّا يعمله سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ يعلم بِكُل ذَنْب مِمَّا يُعلمهُ

ص: 429

العَبْد وَمِمَّا لَا يُعلمهُ وَمَا أوقع تتميم هَذَا الدُّعَاء بِهَذِهِ الْجُمْلَة الْوَاقِعَة موقع التَّأْكِيد لما قبلهَا وَهِي قَوْله {إِنَّك أَنْت علام الغيوب} //

(اللَّهُمَّ ألهمني رشدي وأعذني من شَرّ نَفسِي (ت)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عمرَان بن الْحصين رضي الله عنه قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ حُصَيْن فَعلمه كَلِمَتَيْنِ يَدْعُو بهما اللَّهُمَّ الهمني رشدي الخ قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه حَدِيث حسن غَرِيب وَأخرجه أَيْضا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان وصححاه من حَدِيث حُصَيْن وَالِد عمرَان أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل أَن يسلم فَلَمَّا أَرَادَ أَن ينْصَرف قَالَ مَا أَقُول قَالَ قل اللَّهُمَّ قني شَرّ نَفسِي واعزم عَليّ على رشد أَمْرِي وَلَفظ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحصين (اللَّهُمَّ الهني رشدي وأعذني من شَرّ نَفسِي) وَقَالَ هَذَا الحَدِيث حسن غَرِيب وَقد ورد هَذَا الحَدِيث عَن عمرَان بن الْحصين من غير هَذَا الْوَجْه وَهَذَا الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم النَّبَوِيَّة لِأَن طلب إلهام الرشد يكون بِهِ السَّلامَة من كل ضلال والاستعاذة من شَرّ النَّفس يكون بهَا السَّلامَة من غَالب معاصي الله سُبْحَانَهُ فَإِن أَكْثَرهَا من جِهَة النَّفس الأمارة بالسوء //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَأَن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت بِقوم فتْنَة فتوفني غير مفتون وَأَسْأَلك حبك وَحب من يحبك وَحب عمل يقربنِي إِلَى حبك (ت. مس)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث معَاذ رضي الله عنه وَقد ذكر لَهُ التِّرْمِذِيّ قصَّة وفيهَا أَن الله عز وجل قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم سل يَا مُحَمَّد قَالَ قلت اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات الحَدِيث الخ وَبعد هَذِه الْكَلِمَات فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا كلمة حق فادرسوها ثمَّ تعلموها قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه حَدِيث حسن صَحِيح وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم من حَدِيث ثَوْبَان وَقَالَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَذَلِكَ شَامِل

ص: 430

لكل خير وبفعل الْخَيْر الْفَوْز بِالْأَجْرِ وَسَأَلَهُ ترك الْمُنْكَرَات وَذَلِكَ شَامِل لكل مُنكر وَبِذَلِك السَّلامَة من الْوزر وَسَأَلَهُ حب الْمَسَاكِين لِأَن حبهم دَلِيل كَمَال الْإِيمَان وَشعْبَة من شعب التَّوَاضُع وَلِهَذَا أَمر الله سُبْحَانَهُ رَسُوله الله صلى الله عليه وسلم بِأَن يصبر نَفسه مَعَهم وَقَالَ سُبْحَانَهُ {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} وَسَأَلَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لِأَن من غفر الله لَهُ ذنُوبه واختصه برحمته فَلَا يشقى أبدا وَسَأَلَهُ أَن يتوفاه غير مفتون إِذا أَرَادَ بِقوم فتْنَة وَذَلِكَ تَعْلِيم مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لأمته كَيفَ يدعونَ لِأَنَّهُ مَعْصُوم عَن أَن يكون مفتونا أَو أَن يُؤثر فِيهِ ذَلِك ثمَّ سَأَلَهُ سُبْحَانَهُ أَن يرزقه حبه عز وجل لِأَن من أحب الله عز وجل أحبه الله سُبْحَانَهُ وَمن أحبه الله سُبْحَانَهُ فقد فَازَ بِمَا لَا يُسَاوِيه شَيْء مَعَ استلزامه حبه عز وجل لعَبْدِهِ أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَأَن يصرفهُ بِهِ عَن النَّار وَأَن يصلح لَهُ أُمُور دينه ودنياه كلهَا وَقد أرشدنا الله سُبْحَانَهُ إِلَى الشَّيْء الَّذِي يحصل بِهِ من الله الْمحبَّة لنا بقوله تَعَالَى {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} وَقد ورد فِي السّنة ذكر الْأَسْبَاب الَّتِي يتسبب إِلَى محبَّة الله سُبْحَانَهُ وَسَأَلَهُ حب من يُحِبهُ فَإِنَّهُ لَا يحب الله عز وجل إِلَّا المخلص من عباده فحبهم طَاعَة من الطَّاعَات وقربة من الْقرب وَسَأَلَهُ أَن يرزقه من الْعَمَل الَّذِي يقربهُ إِلَى محبَّة لِأَنَّهُ من أحب الشَّيْء استكثر مِنْهُ ودوام عَلَيْهِ //

(اللَّهُمَّ متعني بسمعي وبصري واجعلهما الْوَارِث مني وَانْصُرْنِي على من ظَلَمَنِي وَخذ مِنْهُ بثاري (ت. مس. ز)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَزَّار فِي مُسْنده كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو فَيَقُول اللَّهُمَّ متعني بسمعي وبصري الحَدِيث الخ قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَأخرجه أَيْضا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيثه بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَنه قَالَ وَأَرِنِي فِيهِ ثَأْرِي وَأقر بذلك عَيْني وَأخرجه أَيْضا الْبَزَّار من حَدِيثه قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد بِإِسْنَاد جيد وَأخرجه أَيْضا الْبَزَّار من حَدِيث جَابر وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم وَهُوَ مُدَلّس وَبَقِيَّة

ص: 431

رِجَاله رجال الصَّحِيح وَأخرجه أَيْضا الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن الشخير بِدُونِ قَوْله وَانْصُرْنِي الخ وَفِي إِسْنَاده الْحسن ابْن الحكم بن طهْمَان وَفِيه ضعف وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح

وَفِي الحَدِيث سُؤَاله صلى الله عليه وسلم أَن يمتعه الله سبحانه وتعالى بسمعه وبصره لِأَن من لَا يسمع وَلَا يبصر لَا يصفو لَهُ عَيْش وَلَا تطيب حَيَاته لَهُ حَيَاة وَمعنى جَعلهمَا الْوَارِثين مِنْهُ أَن يَمُوت وهما صَحِيحَانِ سويان فكأنهما ورثاه وبقيا بعده وَسَأَلَهُ النُّصْرَة على من ظلمه وَالْأَخْذ مِنْهُ بثأره لِأَنَّهُ لَا قدرَة للْعَبد على الانتصاف إِلَّا بأقدار الرب عز وجل

(يَا من لَا ترَاهُ الْعُيُون وَلَا تخالطه الظنون وَلَا يصفه الواصفون وَلَا تغيره الْحَوَادِث وَلَا يخْشَى الدَّوَائِر وَيعلم مَثَاقِيل الْجبَال ومكاييل الْبحار وَعدد قطر الأمطار وَعدد ورق الْأَشْجَار وَعدد مَا أظلم عَلَيْهِ اللَّيْل وأشرق عَلَيْهِ النَّهَار وَلَا تواري مِنْهُ سَمَاء سَمَاء وَلَا أَرض أَرضًا وَلَا بَحر مَا فِي قَعْره وَلَا جبل مَا فِي وعره اجْعَل خير عمري آخِره وَخير عَمَلي خواتمه وَخير أيامي يَوْم أَلْقَاك فِيهِ (طس)) // الحَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وَهُوَ يَدْعُو فِي صلَاته وَهُوَ يَقُول يَا من لَا ترَاهُ الْعُيُون الحَدِيث الخ ثمَّ قَالَ أنس رضي الله عنه بعد هَذَا اللَّفْظ الَّذِي سَاقه المُصَنّف فَوكل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلا فَقَالَ إِذا صلى فأتني بِهِ فَلَمَّا صلى أَتَاهُ الْأَعرَابِي وَقد كَانَ أهْدى لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذهب من بعض الْمَعَادِن فَلَمَّا أَتَاهُ الْأَعرَابِي وهب لَهُ الذَّهَب وَقَالَ مِمَّن أَنْت يَا أَعْرَابِي قَالَ من بني عَامر بن صعصعة يَا رَسُول الله قَالَ يَا أَعْرَابِي هَل تَدْرِي لم وهبت لَك الذَّهَب قَالَ للرحمة بَيْننَا وَبَيْنك قَالَ إِن للرحمة حَقًا

ص: 432

وَلَكِن وهبت لَك الذَّهَب لحسن ثنائك على الله سبحانه وتعالى قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الأذرمي وَهُوَ ثِقَة (قَوْله يَا من لَا ترَاهُ الْعُيُون) أَي فِي الدُّنْيَا وَأما فِي الْآخِرَة فقد صحت السّنة المتواترة بِأَن الْعباد يرَوْنَ رَبهم عز وجل وَلَا الْتِفَات إِلَى المجادلات الْوَاقِعَة من الْمُعْتَزلَة فَكلهَا خيالات مختلة وَعلل معتلة وَمَا تمسكوا بِهِ من الدَّلِيل القرآني فَهُوَ معَارض بِمثلِهِ من الْقُرْآن وَالرُّجُوع إِلَى السّنة المتواترة وَاجِب على كل مُسلم وَأما مَا تمسكوا بِهِ من الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة فَهُوَ السراب الَّذِي يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا وَلَيْسَ لنا فِي هَذَا إِلَّا مَا جَاءَنَا من طَرِيق رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَقد جَاءَنَا بِمَا لَا تبقى مَعَه شُبْهَة وَلَا يرفعهُ شكّ وَلَا يدْخلهُ خيال (قَوْله وَلَا تخالطه الظنون) أَي إِن علمه عز وجل عَن يَقِين فَهُوَ الْعَالم بخفيات الْأُمُور ودقائقها كَمَا يعلم بظواهرها وجلياتها (قَوْله وَلَا يصفه الواصفون) أَي لَا يقدرُونَ على ذَلِك كَمَا قَالَ عز وجل {وَلَا يحيطون بِهِ علما} فَلَا أحد من عباده يقدر على إحصاء الثَّنَاء عَلَيْهِ وَالْوَصْف لَهُ بل هُوَ كَمَا أثنى على نَفسه قَوْله وَلَا تغيره الْحَوَادِث أَي الْحَوَادِث الكائنة فِي الزَّمَان على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَأَنَّهُ إِنَّمَا يتَغَيَّر بتغيرها الْعَالم الْحَادِث لَا الْقَدِيم الْوَاجِب الْوُجُود والبقاء سبحانه وتعالى (قَوْله وَيعلم مَثَاقِيل الْجبَال) أَي مقادير وَزنهَا (قَوْله ومكاييل الْبحار) أَي مقدارها كَيْلا (قَوْله وَعدد مَا أظلم عَلَيْهِ اللَّيْل) وَهُوَ جَمِيع هَذَا الْعَالم الْكَائِن بِالْأَرْضِ من حَيَوَان وجماد وَهُوَ أَيْضا الَّذِي يظلم عَلَيْهِ اللَّيْل ويشرق عَلَيْهِ النَّهَار وَهُوَ جلّ وَعلا يعلم الْأَشْيَاء كَمَا هِيَ فَلَا يحجبها عَنهُ حَاجِب وَلَا يحول بَينه وَبَينهَا حَائِل وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا بَحر وَلَا جبل ثمَّ سَأَلَ الله سبحانه وتعالى أَن يَجْعَل خير عمره آخِره لِأَنَّهُ وَقت الضعْف وَالْعجز عَن الْكسْب وَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يَجْعَل خير عمله خواتمه لِأَنَّهَا تَدور على الخاتمة

ص: 433

دوائر السَّعَادَة والشقاوة كَمَا تدل عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الَّتِي قدمنَا ذكرهَا فِي هَذَا الْكتاب وَسَأَلَ الله أَن يكون خير أَيَّامه يَوْم يلقاه سبحانه وتعالى لِأَن ذَلِك الْوَقْت هُوَ وَقت الظفر بِالرَّحْمَةِ الواسعة والفوز بِمَا لَا خير يُسَاوِيه وَلَا نعْمَة تضاهيه وَكَون ذَلِك الْيَوْم خير أَيَّامه يسْتَلْزم أَن يكون ينَال فِيهِ مَا يرجوه ويظفر بِمَا يَطْلُبهُ لِأَنَّهُ لَو لم يحصل لَهُ ذَلِك لم يكن خير أَيَّامه وَقد سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الدُّعَاء وَقَررهُ فَكَانَ الدُّعَاء بِهِ من السّنة وَقد تقرر أَن السّنة قَوْله صلى الله عليه وسلم وَفعله وَتَقْرِيره (قَوْله يَوْم أَلْقَاك فِيهِ) هَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ بِفَتْح يَوْم من دون تَنْوِين وَذَلِكَ جَائِز كَمَا تقرر فِي علم النَّحْو لِأَن الظّرْف الْمُضَاف إِلَى الْجُمْلَة يجوز بِنَاؤُه على الْفَتْح //

(اللَّهُمَّ بَارك لي فِي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي وَفِي آخرتي الَّتِي إِلَيْهَا مصيري وَفِي دنياي الَّتِي فِيهَا بلاغي وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير وَاجعَل الْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ (ز)) // الحَدِيث أخرجه الْبَزَّار كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث الزبير بن الْعَوام رضي الله عنه قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ بَارك لي فِي ديني الحَدِيث الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير صَالح بن مُحَمَّد جزرة وَهُوَ ثِقَة انْتهى وَقد تقدم حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم قَرِيبا وَهُوَ بِمَعْنى هَذَا الحَدِيث وَأكْثر أَلْفَاظه وَقد شرحناه هُنَالك وَكَانَ على المُصَنّف رحمه الله أَن يضم هَذَا الحَدِيث إِلَى ذَلِك الحَدِيث إِذْ لم يكتف بِمَا فِي الصَّحِيح وَلَا وَجه لهَذَا التَّفْرِيق الَّذِي جعله بَينهمَا //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك عيشة نقية وميتة سوية ومردا غير مخزي وَلَا فاضح (ط)) // الحَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ

ص: 434

إِنِّي أَسأَلك عيشة نقية الحَدِيث الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَإسْنَاد الطَّبَرَانِيّ جيد (قَوْله عَشِيَّة نقية) أَي حَيَاة طيبَة خَالِصَة عَن شوائب الكدر

والنقي من كل شَيْء خِيَاره وأطيبه لِأَنَّهُ لم يشب بِمَا يمحقه وَلَا خالطه مَا يقذره (قَوْله وميتة سوية) أَي صَالِحَة معتدلة وَاقعَة على الْوَجْه الَّذِي يرضاه الرب سبحانه وتعالى وَذَلِكَ بِأَن يُثبتهُ الله للتَّوْبَة والتخلص عَمَّا يجب عَلَيْهِ التَّخَلُّص عَنهُ وَيخْتم كَلَامه بِشَهَادَة الْحق (قَوْله ومردا غير مخزي) أَي رُجُوعا إِلَيْك لَيْسَ فِيهِ خزى على وَلَا فضيحة لي وَذَلِكَ بَان يكون المرد إِلَى الرب سبحانه وتعالى مَعَ تَوْبَة وَحسن خَاتِمَة

والخزي هُوَ الذل والهوان والفضيحة انكشاف الْمسَاوِي للنَّاس وظهورها عَلَيْهِم //

(اللَّهُمَّ اجْعَلنِي صبورا واجعلني شكُورًا واجعلني فِي عَيْني صَغِيرا وَفِي أعين النَّاس كَبِيرا (ز)) // الحَدِيث أخرجه الْبَزَّار كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ اجْعَلنِي شكُورًا واجعلني صبورا الخ وَفِي إِسْنَاده عقبَة بن عبد الله الْأَصَم وَهُوَ ضَعِيف وَقد حسن الْبَزَّار حَدِيثه

سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أَن يرزقه الصَّبْر وَهُوَ من أعظم خِصَال الْخَيْر الْمُوجبَة للسلامة من الذُّنُوب وَمن فتن الدُّنْيَا وَلِهَذَا أخبرنَا الله سبحانه وتعالى أَنه مَعَ الصابرين فَكفى بِهَذِهِ الْمَعِيَّة شرفا وفضلا وَقَالَ سبحانه وتعالى {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ}

وَسَأَلَهُ أَن يرزقه الشُّكْر لِأَن بِهِ يكون تَقْيِيد النعم عَن شرودها والاستزادة مِنْهَا كَمَا قَالَ الله عز وجل {لَئِن شكرتم لأزيدنكم}

وَسَأَلَهُ أَن يَجعله فِي عينه صَغِيرا ليَكُون متواضعا غير متكبر وَلَا معجب بِنَفسِهِ فَإِن من كَانَت نَفسه صَغِيرَة لم يَقع مِنْهُ ذَلِك

وَسَأَلَهُ أَن يَجعله فِي أعين النَّاس كَبِيرا ليسلم من أذاهم وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ مِنْهُم وَعدم الِاعْتِرَاف بِعظم حَقه مِمَّن لَا ينظر إِلَى الْحَقَائِق بل يقصر نظره على الظَّوَاهِر //

(رب اغْفِر وَارْحَمْ واهدني السَّبِيل الأقوم (ص))

ص: 435

// الحَدِيث أخرجه أَبُو يعلى الْموصِلِي كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أم سَلمَة رضي الله عنها قَالَت إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول رب اغْفِر وَارْحَمْ الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى الْموصِلِي بِإِسْنَادَيْنِ حسنين

والْحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم لِأَن من فَازَ بالمغفرة وَالرَّحْمَة وَالْهِدَايَة إِلَى الْحق فقد تحصل على أعظم المطالب وأشرف الرغائب //

(تمّ نورك فهديت فلك الْحَمد عظم حلمك فغفرت فلك الْحَمد بسطت يدك فَأعْطيت فلك الْحَمد رَبنَا وَجهك أكْرم الْوُجُوه وجاهك اعظم الجاه وعطيتك أفضل الْعَطِيَّة وأهناها تطاع رَبنَا فتشكر وتعصى فتغفر وتجيب الْمُضْطَر وَتكشف الضّر وتشفي السقيم وَتغْفر الذَّنب وَتقبل التَّوْبَة وَلَا يجْرِي بالائك أحد وَلَا يبلغ مدحتك قَول قَائِل (ص)) // الحَدِيث أخرجه أَبُو يعلى الْموصِلِي كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث الْفُرَات بن سُلَيْمَان قَالَ قَالَ لي عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه إِلَّا يقوم أحدكُم فَيصَلي أَربع رَكْعَات وَيَقُول فِيهِنَّ مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول تمّ نورك فهديت الحَدِيث الخ والفرات بن سُلَيْمَان لم يدْرك عليا فَهُوَ مُنْقَطع وَفِي إِسْنَاده الْخَلِيل بن مرّة وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَضَعفه الْجُمْهُور وَبَقِيَّة رِجَاله ثِقَات

حمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل على تَمام نوره وهدايته وعَلى عظم حلمه ومغفرته وعَلى بسط يَدَيْهِ بِالْخَيرِ وعطيته ثمَّ ناجى ربه عز وجل فَقَالَ وَجهك أكْرم الْوُجُوه وجاهك أكْرم الجاه وعطيتك أفضل الْعَطِيَّة وأهناها وَهَذِه ممادح عَظِيمَة وأستفتاح للدُّعَاء بِمَا تصحبه الْإِجَابَة ثمَّ قَالَ تطاع رَبنَا فتشكر الْفِعْل الأول مَبْنِيّ للْمَجْهُول أَي يطيعك الْمُطِيع وَالْفِعْل الثَّانِي مَبْنِيّ للمعلوم وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ أَي يطيعك الْمُطِيع فتشكره على طَاعَته ويعصيك العَاصِي فتغفر لَهُ مَعْصِيَته وَهَذَا غَايَة الْكَرم وَأعظم الْجُود ثمَّ ذكر

ص: 436

مَا ينعم بِهِ الرب سبحانه وتعالى على عباده فَقَالَ وتجيب الْمُضْطَر الخ ثمَّ ذكر عجز الْعباد عَن الْقيام بشكر الله عز وجل وَالْوَفَاء بِمَا يسْتَحقّهُ من الثَّنَاء فَقَالَ وَلَا يَجْزِي بألائك أَي نعمك أحد كَائِنا من كَانَ وَلَا يبلغ مدحتك قَول قَائِل أَي مَا تستحقه من الْمَدْح ويليق بك من الثَّنَاء لَا يبلغهُ قَول قَائِل وَإِن أَطَالَ وأطاب {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي ثنائه على ربه لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا وَأَعُوذ بك من علم لَا ينفع (حب)) // الحَدِيث أخرجه ابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث جَابر رضي الله عنه قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا الخ وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط أَيْضا من حَدِيثه بِهَذَا اللَّفْظ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا وَعَملا متقبلا قَالَ الهيثمي فِي مجمع الزَّوَائِد وَرِجَاله وثقوا وَأخرجه أَيْضا ابْن مَاجَه من حَدِيثه بِلَفْظ سلوا الله علما نَافِعًا وَفِي الحَدِيث سُؤال الله عز وجل أَن يرزقه علما نَافِعًا لِأَن ذَلِك هُوَ ثَمَرَة الْعلم وَفَائِدَته ثمَّ استعاذ من علم لَا ينفع لِأَن ذَلِك وبال على صَاحبه وَحجَّة عَلَيْهِ لَا لَهُ //

(اللَّهُمَّ اجْعَل أوسع رزقك على عِنْد كبر سني وَانْقِطَاع عمري (مس. طس)) // الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ اجْعَل أوسع رزقك على عِنْد كبر سني وَانْقِطَاع عمري قَالَ الْحَاكِم بعد إِخْرَاجه حسن الْإِسْنَاد والمتن ورد عَلَيْهِ بَان فِي إِسْنَاده مُتَّهمًا وَهُوَ عِيسَى بن مَيْمُون وَقد أَدخل هَذَا الحَدِيث ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَلكنه قد وَافق الْحَاكِم فِي التحسين صَاحب مجمع الزَّوَائِد فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيثهَا بِهَذَا اللَّفْظ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط فَقَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد وَإِسْنَاده حسن سَأَلَ النَّبِي

ص: 437

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه عز وجل أَن يَجْعَل أوسع رزقه عَلَيْهِ عِنْد كبر سنه لِأَن الْكَبِير يضعف عَن السَّعْي ويكسل عَن تَحْصِيل الرزق وَأما قَوْله انْقِطَاع عمري فَلَيْسَ المُرَاد الِانْقِطَاع التَّام وَهُوَ الْمَوْت فَإِنَّهُ لَا رزق للْعَبد عِنْد الْمَوْت بل المُرَاد انْقِطَاع غَالب الْعُمر حَتَّى صَار فِي سنّ الشيخوخة منتظرا للْمَوْت //

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير الْمَسْأَلَة وَخير الدُّعَاء وَخير النجاح وَخير الْعَمَل وَخير الثَّوَاب وَخير الْحَيَاة وَخير الْمَمَات وثبتني وَثقل موازيني وحقق إيماني وارفع درجتي وَتقبل صَلَاتي واغفر خطيئتي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فواتح الْخَيْر وخواتمه وجوامعه وأوله وَآخره وَظَاهره وباطنه والدرجات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير مَا آتِي وَخير مَا أفعل وَخير مَا أعمل وَخير مَا أبطن وَخير مَا أظهر والدرجات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن ترفع ذكري وتضع وزري وَتصْلح أَمْرِي وتطهر قلبِي وتحصن فَرجي وتنور قلبِي وَتغْفر لي ذَنبي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ أَنِّي أَسأَلك أَن تبَارك لي فِي سَمْعِي وَفِي بَصرِي وَفِي روحي وَفِي خلقي وَفِي خلقي وَفِي أَهلِي وَفِي محياي وَفِي مماتي وَفِي عَمَلي وَتقبل حسناتي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين (مس)) // الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أم سَلمَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَت هَذَا مَا سَأَلَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ربه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير الْمَسْأَلَة الحَدِيث الخ هَكَذَا سَاقه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِهَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره المُصَنّف من حَدِيثهَا وَسَاقه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيثهَا بِبَعْض هَذِه الْأَلْفَاظ وبألفاظ أخر قَالَت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَدْعُو بهؤلاء

ص: 438

الْكَلِمَات اللَّهُمَّ أَنْت الأول فَلَا شَيْء قبلك وَأَنت الآخر فَلَا شَيْء بعْدك أعوذ بك من شَرّ كل دَابَّة ناصيتها بِيَدِك وَأَعُوذ بك من المأثم والمغرم اللَّهُمَّ نقني من خطاياي كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب هَذَا مَا سَأَلَ مُحَمَّد ربه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير الْمَسْأَلَة وَخير الدُّعَاء وَخير النجاح وَخير الْعَمَل وَخير الثَّوَاب وَخير الْحَيَاة وَخير الْمَمَات وثبتني وَثقل موازيني وارفع درجتي وَتقبل صَلَاتي واغفر خطيئتي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن ترفع ذكري وتضع وزري وَتصْلح أَمْرِي وتطهر قلبِي وَتغْفر ذَنبي وتحصن فَرجي وتنور قلبِي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ نجني من النَّار قَالَ مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير مُحَمَّد بن زنبور وَعَاصِم بن عبيد وهما ثِقَات وَسَاقه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق آخر عَنْهَا قَالَت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات اللَّهُمَّ أَنْت الأول لَا شَيْء قبلك وَأَنت الآخر لَا شَيْء بعْدك اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ كل دَابَّة ناصيتها بِيَدِك وَأَعُوذ بك من المأثم والكسل وَمن عَذَاب النَّار وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْغنى وَمن فتْنَة الْفقر وَأَعُوذ بك من المأثم والمغرم اللَّهُمَّ نق قلبِي من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاي كَمَا بَعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب هَذَا مَا سَأَلَ مُحَمَّد ربه اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير الْمَسْأَلَة وَخير الدُّعَاء وَخير النجاح وَخير الْعَمَل وَخير الثَّوَاب وَخير الْحَيَاة وَخير الْمَمَات وثبتني وَثقل موازيني وحقق إيماني وارفع درجاتي وَتقبل صَلَاتي واغفر خطيئتي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ نجني من النَّار ومغفرة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والمنزل الصَّالح آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خلاصا من النَّار سالما وأدخلني الْجنَّة آمين اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن تبَارك لي فِي رِزْقِي وَفِي سَمْعِي وَفِي بَصرِي وَفِي

ص: 439

روحي وَفِي خلقي وَفِي أَهلِي وَفِي محياي وَفِي مماتي اللَّهُمَّ تقبل

حسناتي وَأَسْأَلك الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة آمين قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَط وَرِجَال الْأَوْسَط ثِقَات

استفتح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الدُّعَاء بسؤاله عز وجل خير الْمَسْأَلَة وَخَيرهَا أقواها تَأْثِيرا فِي الْإِجَابَة وأحسنها جمعا للمطلوب الَّذِي العَبْد أحرج إِلَيْهِ من غَيره وَهَكَذَا خير الدُّعَاء وَالْمرَاد أَنه طلب من الله سبحانه وتعالى أَن يرشده إِلَى خير الْمَسْأَلَة الَّتِي يسْأَل بهَا عز وجل وَإِلَى خير الدُّعَاء الَّذِي يَدعِي بِهِ سبحانه وتعالى وَسَأَلَهُ خير النجاح أَي التَّمام والكمال وَخير الْعَمَل الَّذِي يعمله فَإِن خير الْعَمَل هُوَ أَكثر الْأَعْمَال ثَوابًا وَسَأَلَهُ أَن يُثبتهُ خير الثَّوَاب الَّذِي يُثَاب بِهِ الْعباد على أَعْمَالهم وَسَأَلَهُ خير الْحَيَاة وَخَيرهَا أَن يكون فِي طَاعَة الرب سبحانه وتعالى وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَسَأَلَهُ خير الْمَمَات وَهُوَ أَن يَمُوت مرضيا عَنهُ مغفورا لَهُ مثابا متثبتا مَخْتُومًا لَهُ بالسعادة وبكلمة الشَّهَادَة ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُثبتهُ وَحذف الْمَفْعُول مشْعر بالتعميم فَيشْمَل التثبيت فِي جَمِيع الْأَفْعَال والأقوال وَسَأَلَهُ أَن يثقل مَوَازِينه بِكَثْرَة الْحَسَنَات حَتَّى ترجح حَسَنَاته على سيئاته فَإِنَّهُ يكون بذلك الْفَوْز والسعادة وَسَأَلَهُ أَن يُحَقّق إيمَانه أَي يَجعله ثَابتا قَوِيا فَإِن قُوَّة الْإِيمَان سَبَب للرضا بِالْقضَاءِ وللاذعان لأحكام الْقدر وَذَلِكَ أصل كَبِير يُوجب الْفَوْز بالسعادة وَسَأَلَهُ أَن يرفع دَرَجَته أَي فِي الدَّار الْآخِرَة وَيُمكن أَن يكون الْمَقْصُود رَفعهَا فِي الدَّاريْنِ لِأَن رَفعهَا فِي الدُّنْيَا لمثل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ يكون سَببا لقبُول قَوْلهم وامتثال مَا يرشدون إِلَيْهِ من الْحق وَسَأَلَهُ أَن يتَقَبَّل صلَاته لِأَن الصَّلَاة هِيَ رَأس الْإِيمَان وأساسه وقبولها يسْتَلْزم قبُول غَيرهَا وَسَأَلَهُ غفران خطيئته لِأَن من غفر الله لَهُ ذنُوبه فقد ظفر بأعظم المطالب وَأَرْفَع الْمَرَاتِب ثمَّ سَأَلَهُ الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة وتمم هَذَا الدُّعَاء بالتأمين فَإِنَّهُ تَأْكِيدًا لما قبله وَقد تقدم مَا ورد فِي التَّأْمِين فَإِنَّهُ تَأْكِيد لما قبله وَقد تقدم مَا ورد فِي التَّأْمِين على الدُّعَاء ثمَّ سَأَلَهُ فواتح الْخَيْر وخواتمه فَجمع بَين طرفِي الْخَيْر ثمَّ سَأَلَهُ بعد ذَلِك جوامعه لِأَن مَا يجمع الْأَمر المتفرق هُوَ أقرب إِلَى ضَبطه وأسهل لتيسره

ص: 440

وَأقرب لحصوله ثمَّ أكد الطّلب فَقَالَ وأوله وَآخره وَظَاهره وباطنه ثمَّ سَأَلَهُ خير مَا يَأْتِي أَي خير الَّذِي يَأْتِيهِ من جَمِيع الْأُمُور فَيشْمَل الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال كَمَا يدل عَلَيْهِ الْمَوْصُول وَعطف عَلَيْهِ خير مَا يَفْعَله وَخير مَا يعمله وَخير مَا يبطنه وَخير مَا يظهره وَذَلِكَ من عطف الْخَاص على الْعَام والنكتة فِيهِ مَعْرُوفَة ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرفع ذكره لِأَنَّهُ يَتَرَتَّب على ذَلِك مصَالح من قبُول الدُّعَاء إِلَى الْحق وامتثال الموعظة الْحَسَنَة

وَهَذَا قد سَأَلَهُ خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عليه السلام كَمَا حكى الله سُبْحَانَهُ عَنهُ ذَلِك بقوله {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} وَقد امتن الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ {ورفعنا لَك ذكرك} ثمَّ سَأَلَهُ وضع وزره أَي غفران ذنُوبه وَالْعَفو عَنْهَا وَسَأَلَهُ إصْلَاح أمره وَهُوَ يَشْمَل كل أُمُوره كَمَا يدل عَلَيْهِ إِضَافَة اسْم الْجِنْس إِلَى الضَّمِير وَسَأَلَهُ تَطْهِير قلبه لِأَنَّهُ إِذا تطهر الْقلب ابصر الْحق فَتَبِعَهُ وَعرف الْبَاطِل فاجتنبه وَسَأَلَهُ تحصين فرجه لِأَنَّهُ يكون بذلك الْعِصْمَة عَن الذُّنُوب الْمُتَعَلّقَة بالفرج وَهِي تنبعث بانبعاث الشَّهْوَة من النّظر الْمحرم وَنَحْوه وَسَأَلَهُ أَن ينور قلبه لِأَن تنوير الْقلب يسْتَلْزم الْهِدَايَة إِلَى الْحق واتباعه وَاجْتنَاب الْبَاطِل والنفور عَنهُ وَسَأَلَهُ غفران ذَنبه لِأَن بمغفرة الذَّنب فوز العَبْد فِي الدَّار الْآخِرَة وَسَأَلَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي سَمعه وبصره لِأَن بِالسَّمْعِ تلقى جَمِيع المسموعات وبالبصر إِدْرَاك جَمِيع المبصرات وَإِذا بورك لَهُ فيهمَا قبل الْحق ورد الْبَاطِل وَهَكَذَا الْمُبَارَكَة فِي الرّوح فَإِنَّهَا إِذا كَانَت الرّوح مباركة كَانَت جَمِيع الْأَعْمَال الصادرة عَنْهَا مباركة جَارِيَة على الصَّوَاب مَاشِيَة على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَقد يُرَاد بِالروحِ هُنَا نفس الشَّخْص ليَكُون من عطف الْعَام على الْخَاص وَقد يُرَاد حَقِيقَة الرّوح وَهُوَ الْجَوْهَر الْمُجَرّد وَقد تعرض كثير من النَّاس للْكَلَام عَلَيْهِ وَبَيَان ماهيته تناهت الْأَقْوَال فِي ذَلِك إِلَى مَا لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسط بعضه فضلا عَن كُله وَقد اخْتصَّ الله سبحانه وتعالى بِالْعلمِ بِهِ ثمَّ سَأَلَهُ تَحْسِين خلقه وخلقه وَالْأول بِفَتْح الْخَاء وَهُوَ جمال الصُّورَة وَالثَّانِي بضَمهَا وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق الصادرة عَن الشَّخْص وَإِذا بورك فيهمَا كَانَ سَببا لجلب الْخَيْر وَدفع الشَّرّ وَقد ورد فِي حسن الْأَخْلَاق

ص: 441

أَدِلَّة لَيْسَ مَوضِع بسطها ويغني عَن ذَلِك مَا وصف الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} فَإِذا كَانَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم على خلق عَظِيم ومدحه الله سبحانه وتعالى على ذَلِك فَيَنْبَغِي لكل مقتد بِهِ أَن يكون على خلق عَظِيم ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي أَهله لِأَنَّهُ إِذا بَارك الله لَهُ فِي الْأَهْل كَانُوا لَهُ قُرَّة عين ومسرة قلب وَجَرت أُمُوره على الصّلاح والسداد وتمسكوا بهدى صَالح الْعباد وَسَأَلَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي محياه ومماته لِأَنَّهُ من بورك لَهُ فيهمَا فَازَ بخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة سَأَلَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي عمله لِأَن الْعَمَل إِذا بورك فِيهِ تكاثر ثَوَابه وتضاعف أجره وَسَأَلَهُ أَن يتَقَبَّل حَسَنَاته لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مَقْبُولَة كَانَت ذخيرة لصَاحِبهَا يسْتَحق ثَوَابهَا ثمَّ ختم هَذَا الدُّعَاء الْمُبَارك بسؤاله الدَّرَجَات العلى من الْجنَّة لِأَن ذَلِك هُوَ أعظم مَقَاصِد أَنْبيَاء الله وَصَالح عباده //

(يَا من أظهر الْجَمِيل وَستر الْقَبِيح يَا من لَا يُؤَاخذ بالجريرة وَلَا يهتك السّتْر يَا حسن التجاوز يَا وَاسع الْمَغْفِرَة يَا باسط الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ يَا صَاحب كل نجوى يَا مُنْتَهى كل شكري يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ يَا مبتدئ النعم قبل اسْتِحْقَاقهَا يَا رَبنَا وَيَا سيدنَا وَيَا مَوْلَانَا وَيَا غَايَة رغبتنا أَسأَلك يَا الله أَن لَا تشوي خلقي بالنَّار (مس)) // الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رضي الله عنهم قَالَ نزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الدُّعَاء من السَّمَاء وَإِن جِبْرِيل عليه السلام جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أحسن صُورَة لم ينزل بِمِثْلِهَا قطّ ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام يَا جِبْرِيل قَالَ إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك بهدية قَالَ وَمَا تِلْكَ الْهَدِيَّة يَا جِبْرِيل قَالَ هِيَ كَلِمَات من كنوز الْعَرْش أكرمك الله بِهن قَالَ وَمَا هن يَا جِبْرِيل قَالَ جِبْرِيل يَا من أظهر الْجَمِيل الحَدِيث الخ قَالَ الْحَاكِم

ص: 442

بعد إِخْرَاجه صَحِيح الْإِسْنَاد فَإِن رُوَاته كلهم مدنيون ثِقَات استفتح صلى الله عليه وسلم دعاءه بالسلامة من النَّار بِهَذِهِ الفواتح الْعَظِيمَة والممادح الجليلة وتوسل بذلك إِلَى إِجَابَة الدعْوَة وَقبُول المسئلة فَقَالَ يَا من أظهر الْجَمِيل أَي أظهر للنَّاس الْجَمِيل من أَقْوَال عباده وأفعالهم وَستر عَنْهُم الْقَبِيح من أَقْوَالهم وأفعالهم وَهَذَا تفضل مِنْهُ عَظِيم وكرم فياض وَتجَاوز حسن وعَلى الْعباد أَن يقتدوا برَبهمْ فيستروا مَا بَلغهُمْ من قَبِيح الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال ويظهروا مَا وصل إِلَيْهِم من جميلها وَلَا يَكُونُوا كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(أَن يسمعوا سبة طاروا بهَا فَرحا

مني وَمَا يسمعوا من صَالح دفنُوا)

وَلَا كَمَا قَالَ الآخر

(أَن يسمعوا الْخَيْر يخفوه وَأَن يسمعوا

شرا أذاعوا وَإِن لم يسمعوا أفكوا)

ثمَّ قَالَ يَا من لَا يُؤَاخذ بالجريرة وَهِي بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَبعدهَا مثناة تَحِيَّة سَاكِنة وَبعدهَا مهمله وَهِي الذَّنب الْكَائِن بِسَبَب من الْأَسْبَاب الَّتِي يتسبب بهَا إِلَى الذُّنُوب ثمَّ قَالَ وَلَا يهتك السّتْر أَي لَا يفضح العَبْد بِمَا يجْرِي مِنْهُ من الذُّنُوب بل يستر عَلَيْهِ حَتَّى إِذا أصر واستكبر وتظاهر وتهتك هتك ستره وفضحه على رُؤْس الْخَلَائق وَإِذا لم يَفْعَله بِهِ فِي الدُّنْيَا فعله فِي الْآخِرَة عِنْد اجْتِمَاع الْخَلَائق ثمَّ وصف ربه تبارك وتعالى بِأَنَّهُ حسن التجاوز وَاسع الْمَغْفِرَة وَهَذَانِ الوصفان من أبدع الْأَوْصَاف وأعلاها رُتْبَة فَإِن حسن تجاوزه عَن الْمُسِيء وَفتح بَاب الْمَغْفِرَة لَهُ فقد تكرم أبلغ الْكَرم وجاد أبلغ الْجُود ثمَّ قَالَ يَا باسط الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ أَي هُوَ عز وجل باسط يَدَيْهِ برحمته على عباده فَلَا يمْنَعهَا إِلَّا عَمَّن تعدى حُدُوده وَخَالف رَسُوله كَمَا هُوَ باسط يَدَيْهِ بالعطاء والجود كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا صَاحب كل نجوى أَي يَا من إِلَيْهِ كل مُنَاجَاة الْعباد وطلقاتهم فَلَا خير إِلَّا مِنْهُ وَلَا نجوى نافعة إِلَّا إِلَيْهِ وَهَذَا معنى قَوْله يَا مُنْتَهى كل شكوى أَي يَا من إِلَيْهِ مُنْتَهى شكوى عباده من كل مَا يصيبهم فَإِنَّهَا لَا تَنْتَهِي

ص: 443

شكواهم إِلَى غَيره وَإِذا شكا بَعضهم إِلَى بعض فَإِنَّمَا ذَلِك جَعَلُوهُ سَببا وَلَا يشكيهم فِي الْحَقِيقَة وَيدْفَع ضيرهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ ثمَّ قَالَ يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ وَصفه عز وجل بِأَن صفحه عَن المذنبين كريم صفح غير مشاب بِمَا يكدره وَلَا مخلوط بِمَا ينغصه وَوَصفه بِأَن مِنْهُ عَظِيم أَي عطاءه لِعِبَادِهِ وتفضله عَلَيْهِم عَظِيم فخزائن ملكه لَا تنفد وواسع كرمه لَا يضيق ثمَّ وَصفه بِأَنَّهُ يَبْتَدِئ عباده بِالنعَم قبل اسْتِحْقَاقهَا فَإِنَّهُ ينعم عَلَيْهِم وهم لَا يطيعونه بل ينعم عَلَيْهِم وهم يعصونه وينعم عَلَيْهِم قبل أَن يبلغُوا مبالغ من يتعقل الْعِبَادَة وَيحسن فعلهَا بل ينعم عَلَيْهِم فِي بطُون أمهاتهم فسبحان من أعْطى بِلَا حِسَاب وأنعم بِلَا اسْتِحْقَاق وتفضل بِلَا عوض ثمَّ قَالَ يَا رَبنَا وَيَا سيدنَا وَيَا مَوْلَانَا لَا خلاف فِي جَوَاز إِطْلَاق السَّيِّد وَالْمولى على الرب سبحانه وتعالى وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِطْلَاقه على العَبْد وَقد ورد الحَدِيث السَّيِّد هُوَ الله سبحانه وتعالى وَورد على لِسَان النُّبُوَّة فِي إِطْلَاقه على الْبشر مثل قَوْله صلى الله عليه وسلم قومُوا إِلَى سيدكم وَقَوله إِن ابْني هَذَا سيدكم وَقَوله هَذَا سيد الْوَبر وَغير ذَلِك وَورد إِطْلَاق الْمولى على العَبْد مثل من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَنَحْوه كثير وَفِي قَوْله غَايَة رغبتنا مَا يثير هَمهمْ الصَّالِحين إِلَى الِاقْتِدَاء بِسَيِّد الْمُرْسلين بِأَن يجْعَلُوا رَبهم سبحانه وتعالى غَايَة رغبتهم ومنتهى طلبتهم ثمَّ بعد هَذِه الممادح الْعَظِيمَة الَّتِي استفتح بهَا ذكر مَا هُوَ الْمَقْصُود من هَذِه الْمُنَاجَاة وَالْمَطْلُوب من هَذِه المناداة فَقَالَ أَن لَا تشوي خلقي بالنَّار تشوي بِفَتْح حرف المضارعة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَكسر الْوَاو من شوى يشوي وَخص الْخلق لِأَنَّهُ يَشْمَل جَمِيع ذَات الْإِنْسَان فَالْمُرَاد لَا تشوي ذاتي بالنَّار

تفكر هداك الله كَيفَ كَانَ هدى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر من سُؤَاله ربه عز وجل بِأَن لَا يعذبه بالنَّار مَعَ الِاسْتِعَانَة على الْإِجَابَة بِهَذِهِ الممادح الَّتِي لَا يخيب قَائِلهَا وَلَا يرد المتوسل بهَا

ص: 444

فَكيف بِمن لَا يعْصم عَن الذَّنب وَلَا أخبرهُ مخبر بغفران ذنُوبه ومحو سيئاته اللَّهُمَّ غفرا غفرا اللَّهُمَّ عفوا عفوا اللَّهُمَّ تجاوزا تجاوزا //

(نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب النَّار نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن نَعُوذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال (عو)) // الحَدِيث أخرجه أَبُو عوَانَة فِي مُسْنده الصَّحِيح كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث زيد بن ثَابت رضي الله عنه قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب النَّار فَقُلْنَا تعوذ بِاللَّه من عَذَاب النَّار فَقَالَ تعوذوا بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن قُلْنَا نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن قَالَ تعوذوا بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال قُلْنَا نَعُوذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال أَمرهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يتعوذوا بِاللَّه من عَذَاب النَّار لِأَنَّهَا دَار الشقاوة فِي الْآخِرَة فَمن سلم مِنْهَا فقد سلم السَّلامَة الْكُلية ورشد الرشاد الْبَين ثمَّ أَمرهم صلى الله عليه وسلم أَن يتعوذوا من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن لِأَنَّهَا فِي الْغَالِب سَبَب هتك الْحرم وَسَفك الدِّمَاء وَنهب الآمال وَمَعَ هَذَا فَهِيَ أعظم الْأَسْبَاب فِي الْإِثْم وَلِهَذَا سَأَلَهُ نبيه صلى الله عليه وسلم أَنه إِذا أَرَادَ بِقوم فتْنَة توفاه غير مفتون وأرشدنا إِلَى أَن نقُول ذَلِك وندعو بِهِ فَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن خطبهَا عَظِيم وأثمها وخيم وعقابها جسيم وَفِيه دَلِيل على أَن الْفِتْنَة أعظم من الْمَوْت كَمَا وصفهَا الله سبحانه وتعالى بِأَنَّهَا أكبر من الْقَتْل ثمَّ عطف فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال على الْفِتَن الْعَامَّة وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنه فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال أَشد الْفِتَن وَأَعْظَمهَا كَمَا تَقْتَضِيه نُكْتَة هَذَا الْعَطف //

(اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء وَسُوء الْقَضَاء وشماتة الْأَعْدَاء (خَ)) // الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ تعوذوا بِاللَّه من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء وَسُوء الْقَضَاء وشماتة الْأَعْدَاء وَأخرجه أَيْضا مُسلم وَالنَّسَائِيّ (قَوْله

ص: 445

جهد الْبلَاء) بِفَتْح الْجِيم وَرُوِيَ بضَمهَا وَقيل هُوَ بِالْفَتْح كل مَا أصَاب الْإِنْسَان من شدَّة الْمَشَقَّة وبالضم مَا لَا طَاقَة لَهُ بِحمْلِهِ وَلَا قدرَة لَهُ على دَفعه وَالْبَلَاء مَمْدُود

استعاذ صلى الله عليه وسلم من جهد الْبلَاء لِأَن ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الْمَشَقَّة على صَاحبه قد يحصل بِهِ التَّفْرِيط فِي بعض أُمُور الدّين وَقد يضيق صَدره بِحمْلِهِ فَلَا يصبر فَيكون ذَلِك سَببا فِي الْإِثْم (قَوْله ودرك الشَّقَاء) الدَّرك رُوِيَ بِفَتْح الْمُهْملَة وإسكانها فبالفتح الِاسْم وبالإسكان الْمصدر وَهُوَ شدَّة الْمَشَقَّة فِي أُمُور الدُّنْيَا وضيقها عَلَيْهِ وَحُصُول الضَّرَر الْبَالِغ فِي بدنه أَو أَهله أَو مَاله وَقد يكون بِاعْتِبَار الْأُمُور الأخروية وَذَلِكَ بِمَا يحصل عَلَيْهِ من التبعة والعقوبة بِسَبَب مَا اكْتَسبهُ من الْوزر واقترفه من الْإِثْم استعاذ صلى الله عليه وسلم من ذَلِك لِأَنَّهُ النِّهَايَة فِي الْبلَاء والغاية فِي المحنة وَقد لَا يصبر من امتحنه الله بِهِ فَيجمع بَين التَّعَب عَاجلا والعقوبة آجلا (قَوْله وَسُوء الْقَضَاء) هُوَ مَا يسوء الْإِنْسَان ويحزنه من الْأَقْضِيَة الْمقدرَة عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَعم من أَن يكون فِي دينه أَو فِي دُنْيَاهُ أَو فِي نَفسه أَو فِي أَهله أَو فِي مَاله وَفِي الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ صلى الله عليه وسلم من ذَلِك مَا يدل على أَنه لَا يُخَالف الرِّضَا بِالْقضَاءِ فَإِن الِاسْتِعَاذَة من سوء الْقَضَاء هِيَ من قَضَاء الله سبحانه وتعالى وَقدره وَلِهَذَا شرعها لِعِبَادِهِ وَمن هَذَا مَا ورد فِي قنوت الْوتر السَّابِق بِلَفْظ وقني شَرّ مَا قضيت

وَالْحَاصِل أَنَّهَا قد وَردت السّنة الصَّحِيحَة بِبَيَان أَن الْقَضَاء بِاعْتِبَار الْعباد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ خير وَشر فَإِنَّهُ قد شرع لَهُم الدُّعَاء بالوقاية من شَره والاستعاذة مِنْهُ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ورد عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَيَان معنى الْإِيمَان لمن سَأَلَهُ عَنهُ بقوله أَن نؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْقدر خَيره وشره كَمَا هُوَ ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عليه وسلم وَغَيرهمَا من طرق فَإِنَّهُ يُمكن أَن يكون الْإِنْسَان مُؤمنا بِمَا قَضَاهُ الله سبحانه وتعالى من خير وَشر مستعيذا بِاللَّه من شَرّ الْقَضَاء عملا بِمَجْمُوع الْأَدِلَّة فَحَدِيث الْإِيمَان بِالْقضَاءِ كَمَا دلّ على أَنه من جملَة مَا يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم مُطلق الْإِيمَان دلّ على أَن الْقَضَاء منقسم إِلَى مَا هُوَ خير وَإِلَى مَا هُوَ شَرّ كَمَا قَالَ وَالْقدر خَيره وشره ثمَّ بَين صلى الله عليه وسلم بِمَا وَقع مِنْهُ من الِاسْتِعَاذَة من شَرّ الْقَضَاء أَن ذَلِك جَائِز للعباد بل

ص: 446

سنة قويمة وصراط مُسْتَقِيم اللَّهُمَّ إِنَّا نؤمن بِقَضَائِك خَيره وشره ونعوذ بك من شَرّ مَا قضيت فقنا شَره وَأَعْطِنَا خَيره يَا من بِيَدِهِ الْخَيْر وَالشَّر وَالعطَاء وَالْمَنْع وَالْقَبْض والبسط (قَوْله وشماتة الْأَعْدَاء) الشماتة هِيَ فَرح الْأَعْدَاء بِمَا يَقع على الشَّخْص من الْمَكْرُوه وَيحل بِهِ من المحنة قَالَ فِي الصِّحَاح الشماتة الْفَرح ببلية الْعَدو وَيُقَال شمت بِهِ بِالْكَسْرِ يشمت شماتة وَبَات فلَان بليلة الشوامت أَي لَيْلَة تشمت الشوامت انْتهى وَفِي الْقَامُوس شمت كفرح شمتا وشماتة فَرح بلية الْعَدو وَفِي النِّهَايَة شماتة الْأَعْدَاء فَرح الْعَدو ببلية تنزل بِمن يعاديه انْتهى

استعاذ صلى الله عليه وسلم من شماتة الْأَعْدَاء لعظم موقعها وَشدَّة تأثيرها فِي الْأَنْفس البشرية ونفور طباع الْعباد عَنْهَا وَقد يتسبب عَن ذَلِك تعاظم الْعَدَاوَة المفضية إِلَى استحلال مَا حرمه الله سبحانه وتعالى //

(اللَّهُمَّ مصرف الْقُلُوب صرف قُلُوبنَا إِلَى طَاعَتك (م)) // الحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما انه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن قُلُوب بني آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ كَيفَ يَشَاء ثمَّ قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُمَّ مصرف الْقُلُوب صرف قُلُوبنَا إِلَى طَاعَتك

سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى بعد بَيَانه أَن قُلُوب الْعباد بَين يَدي الله سبحانه وتعالى بِمَنْزِلَة قلب وَاحِد يصرفهُ كَيفَ يَشَاء أَن يصرف قلبه إِلَى طَاعَته لِأَن من جعل الله سبحانه وتعالى قلبه مصروفا إِلَى طَاعَته لم يكن لَهُ اهتمام بِغَيْر طَاعَة الله تَعَالَى وَالْعَمَل بِمَا يقرب مِنْهُ تَعَالَى إِذْ لَا رَغْبَة لِقَلْبِهِ إِلَى غير طَاعَته وَلَا الْتِفَات إِلَى شَيْء من الْمعْصِيَة وَمثل هَذَا مَا ورد من دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك وَالْحَاصِل أَن تثبيت قلب العَبْد على الدّين وانصرافه إِلَى الْحق من أعظم أَسبَاب النجَاة والفلاح والعصمة عَن كثير من الذُّنُوب الَّتِي يقارفها كثير من الْعباد //

(اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وارحمنا وَارْضَ عَنَّا وَتقبل منا وأدخلنا الْجنَّة ونجنا من النَّار وَأصْلح لنا شَأْننَا كُله (د. ق))

ص: 447

// الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ متكئ على عصى فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قمنا فَقَالَ لَا تَفعلُوا كَمَا يفعل أهل فَارس بعظمائها قُلْنَا يَا رَسُول الله لَو دَعَوْت لنا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لنا الحَدِيث الخ قَالَ فكأنا أحببنا أَن يزيدنا قَالَ أَو لَيْسَ قد جمعت لكم مَا فِيهِ الْخَيْر كُله أخرجه من هَذَا اللَّفْظ ابْن مَاجَه وَأخرجه أَبُو دَاوُد مُخْتَصرا وَفِي إسنادهما أَبُو الْعَدَبَّس بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ بعدهمَا مُشَدّدَة وَبعدهَا مُهْملَة كُوفِي مَجْهُول وَفِي أسنادهما أَبُو مَرْزُوق وَهُوَ لين الحَدِيث لَا يعرف أُسَمِّهِ وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث السَّائِب بن يزِيد أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وأدخلني الْجنَّة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير ابْن لَهِيعَة وَهُوَ من رجال الْحسن

سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه الْمَغْفِرَة للذنوب ثمَّ سَأَلَهُ مَا هُوَ أَعم من ذَلِك وَهُوَ الرَّحْمَة ثمَّ سَأَلَهُ مَا هُوَ أكبر من الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَهُوَ الرِّضَا كَمَا قَالَ عز وجل {ورضوان من الله أكبر} ثمَّ سَأَلَهُ مَا هُوَ النتيجة للمغفرة وَالرَّحْمَة والرضوان وَهُوَ أَن يدْخلهُ الْجنَّة وينجيه من النَّار ثمَّ سَأَلَهُ مَا هُوَ أَعم من أُمُور الدُّنْيَا وَالدّين فَقَالَ وَأصْلح لنا شَأْننَا كُله فَإِنَّهُ لَا يبْقى شَيْء من شؤون الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا وَهُوَ مندرج تَحت هَذَا //

(اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تنْقصنَا وَأَكْرمنَا وَلَا تهنا وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمنَا وَآثرنَا وَلَا تُؤثر علينا وَأَرْضنَا وَارْضَ عَنَّا (ت. مس)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي سمع عِنْد وَجهه كَدَوِيِّ النَّحْل فَأنْزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَمَكثْنَا سَاعَة فسرى عَنهُ فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ زِدْنَا الحَدِيث الخ وَصَححهُ الْحَاكِم وَأخرجه من حَدِيثه أَيْضا النَّسَائِيّ (قَوْله اللَّهُمَّ زِدْنَا) أَي من عطائك وفضلك وَفِي هَذَا مَشْرُوعِيَّة طلب الزِّيَادَة من نعم الله سبحانه وتعالى وَلما كَانَت الزِّيَادَة رُبمَا تكون فِي شَيْء من أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا وَيلْحق النَّقْص

ص: 448

بِشَيْء آخر قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلَا تنْقصنَا وَهَكَذَا الْإِكْرَام فَإِنَّهُ قد يكون من جِهَة دون أُخْرَى فَقَالَ أكرمنا وَلَا تهنا وَهَكَذَا الْإِعْطَاء فَإِنَّهُ قد يكون بِسَبَب وَالْمَنْع بِسَبَب آخر فَقَالَ وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمنَا وَهَكَذَا قَوْله وَآثرنَا بِالْمدِّ فَإِنَّهُ قد يكون التَّأْثِير للشَّخْص بِشَيْء بِدُونِ شَيْء فَقَالَ وَلَا تُؤثر علينا وَالْمعْنَى اجْعَلْنَا غَالِبين لأعدائنا لَا مغلوبين منصورين لَا مخذولين ظافرين لَا مظفورا بِنَا قَالَ القَاضِي وَالطِّيبِي عطف النواهي على الْأَوَامِر تَأْكِيدًا ومبالغة وتعميما وَحذف ثواني المفعولات فِي بعض الْأَلْفَاظ إِرَادَة إجرائها مجْرى قَوْلك فلَان يُعْطي وَيمْنَع انْتهى وَقد قرر أهل الْمعَانِي مَا يفِيدهُ حذف المتعلقات من التَّعْمِيم بِمَا هُوَ مَعْرُوف ثمَّ سَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَن يرضيه بِمَا قَضَاهُ الله لَهُ من خير وَشر ومحبوب ومكروه وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا ورد من الِاسْتِعَاذَة من سوء الْقَضَاء كَمَا قدمنَا الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا ثمَّ ختم هَذَا الدُّعَاء الَّذِي هُوَ من جَوَامِع الْكَلم بسؤاله عز وجل الرِّضَا عَنهُ وَذَلِكَ هُوَ الْأَمر الَّذِي يتنافس فِيهِ الْمُتَنَافسُونَ فَمن حظي بِالرِّضَا فقد فَازَ بِكُل خير وَلَيْسَ بعد الرِّضَا شَيْء وَلَا يُسَاوِيه أَمر اللَّهُمَّ ارْض عَنَّا يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ //

(اللَّهُمَّ أعنا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك (مس)) // الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُم أتحبون أَيهَا النَّاس إِن تجتهدوا فِي الدُّعَاء قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ أعنا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وَصَححهُ الْحَاكِم وَأخرجه من حَدِيثه أَيْضا أَحْمد فِي الْمسند بِهَذَا اللَّفْظ وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير مُوسَى بن طَارق وَهُوَ ثِقَة وَأخرجه من حَدِيث ابْن مَسْعُود مُطلقًا غير مُقَيّد بأذكار بعد الصَّلَاة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير عَمْرو بن عبد الله الأودي وَهُوَ ثِقَة وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من

ص: 449

حَدِيث معَاذ مُقَيّدا بإذكار الصَّلَاة وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فَهَذَا الدُّعَاء بِهَذَا اللَّفْظ ورد مُطلقًا كَمَا هُنَا وَورد مُقَيّدا بإذكار الصَّلَاة وَلِهَذَا ذكره المُصَنّف فِي الْبَابَيْنِ وَفِيه طلب الْإِعَانَة من الرب سبحانه وتعالى على هَذِه الثَّلَاثَة الْأُمُور وَهِي الذّكر لله عز وجل وَالشُّكْر لَهُ وَحسن عِبَادَته فَإِنَّهُ لَا يَقُول بهَا إِلَّا الموقنون المعانون من الله عز وجل لِأَن الذّكر إِذا وَقع مَعَ حُضُور وخشوع وتذلل كَانَ لَهُ موقع غير موقع الدُّعَاء مَعَ الذهول وَعدم الْحُضُور وَعدم الْخُشُوع وَعدم التذلل والمراقبة وَهَكَذَا الشُّكْر فَإِنَّهُ لَا يقوم بِهِ إِلَّا من استحضر نعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعرف مقدارها وشكرها عَن خلوص وإقبال وتطابق على الشُّكْر لِسَانه وَقَلبه وأركانه وَهَكَذَا الْعِبَادَة فَإِنَّهُ لَا يَهْتَدِي لحسنها وإحسانها إِلَّا الراغبون فِي الْخَيْر المقبلون على الله عز وجل الطالبون لما لَدَيْهِ من الثَّوَاب الجزيل وَالعطَاء الْجَلِيل //

(اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة (حب)) // الحَدِيث أخرجه ابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث بسر بن أَرْطَاة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث أَحْمد فِي مُسْنده وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد وَإسْنَاد أَحْمد وَأحد إسنادي الطَّبَرَانِيّ ثِقَات انْتهى وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ من كَانَ دعاؤه اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة مَاتَ قبل أَن يُصِيبهُ الْبلَاء وَلِهَذَا ذكره المُصَنّف معزوا إِلَى الطَّبَرَانِيّ بِهَذَا اللَّفْظ فِي الْبَاب الثَّانِي كَمَا تقدم وَقد قدمنَا هُنَالك مَا ورد من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا ذكر حسن الخاتمة

وَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم لِأَنَّهُ إِذا أحسن الله تَعَالَى عَاقِبَة العَبْد فِي الْأُمُور كلهَا فَازَ فِي جَمِيع أُمُوره وَوَقعت أَعماله مرضية مَقْبُولَة وجنبه مَا لَا يرضيه ووفقه وسدده وثبته حَتَّى تحسن عَاقِبَة أُمُوره ثمَّ قَالَ وأجرنا من

ص: 450

خزي الدُّنْيَا وَهُوَ كل مَا فِيهِ ذل وفضيحة ثمَّ قَالَ وَعَذَاب الْآخِرَة وَهُوَ يَشْمَل جَمِيع أَنْوَاع عَذَابهَا كَمَا يفِيدهُ إِضَافَة اسْم الْجِنْس وَمن سلم من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فقد ظفر بِخَير الدَّاريْنِ وَوُقِيَ من شرهما //

(اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا من خشيتك مَا تحول بِهِ بَيْننَا وَبَين مَعَاصِيك وَمن طَاعَتك مَا تبلغنَا بِهِ جنتك وَمن الْيَقِين مَا تهون بِهِ علينا مصائب الدُّنْيَا وَمَتعْنَا بإسماعنا وأبصارنا وَقُوَّتِنَا أبدا مَا أَحْيَيْتَنَا واجعله الْوَارِث منا وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا وَلَا مبلغ علمنَا وَلَا تسلط علينا من لَا يَرْحَمنَا (ت. مس)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجْلِس حَتَّى يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعْوَات اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا الحَدِيث الخ قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه حَدِيث حسن وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن زحر وَقد ضَعَّفُوهُ بِمَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون حَدِيثه صَحِيحا بل غَايَة رُتْبَة هَذَا الحَدِيث أَن يكون حسنا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ فقد قَالَ أَبُو زرْعَة أَنه صَدُوق وَقَالَ النَّسَائِيّ لَا بَأْس بِهِ وَأخرجه من حَدِيثه أَيْضا النَّسَائِيّ (قَوْله اقْسمْ) أَي اجْعَل لنا قسما ونصيبا والخشية الْخَوْف المقترن بالتعظيم وَمعنى مَا تحول بِهِ بَيْننَا وَبَين مَعَاصِيك تحجب بَيْننَا وَبَينهَا وتجعلها ممتنعة منا

وَقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث الْجَلِيل على مطَالب فَيَنْبَغِي لكل عبد أَن يستكثر من طلبَهَا ويكرر سؤالها فَإِنَّهُ أَولا سَأَلَ ربه عز وجل أَن يرزقه الخشية وَبِذَلِك تصير الطَّاعَات محبوبة إِلَى العَبْد والمعاصي مبغضة لَدَيْهِ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يحول بَينه وَبَين الْمعاصِي وَمن رزق الخشية وعصم من الْمعْصِيَة على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا فقد ظفر بِالْخَيرِ كُله دقة وجله ثمَّ سَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَن يرزقه من طَاعَته مَا

ص: 451

يبلغهُ بِهِ جنته وَلَا شَيْء أَنْفَع من هَذِه الْأُمُور الَّتِي يبلغ بهَا صَاحبهَا إِلَى الْجنَّة فَإِن الْجنَّة هِيَ الْغَايَة القصوى وَالْمطلب الأسمى وَالْمَقْصُود الْأَعْظَم وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من الْفضل الرباني والتفضل الرحماني وَلِهَذَا صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ سددوا وقاربوا وَاعْلَمُوا أَنه لن يدْخل أحد الْجنَّة بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرزقه من الْيَقِين مَا يهون بِهِ عَلَيْهِ مصائب الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَن من حصل لَهُ الْيَقِين التَّام وَالْإِيمَان الْخَالِص علم أَن الْأُمُور بِقدر الله سبحانه وتعالى وَأَنه الْمُعْطِي الْمَانِع والضار النافع لَيْسَ لأحد مَعَه حكم وَلَا لَهُ مَعَه تصرف وَعند ذَلِك تهون عَلَيْهِ المصائب الدُّنْيَوِيَّة لِأَن تَقْدِيره عز وجل لَا يَخْلُو عَن حكم ومصلحة للْعَبد لَو كشف لَهُ الغطاء لوجدها أَنْفَع لَهُ وَمَعَ ذَلِك يَنْبَغِي لَهُ أَلا يعْمل الِاسْتِعَاذَة بِهِ سبحانه وتعالى من شَرّ الْقَضَاء وَقد جعل صلى الله عليه وسلم الْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره دَاخِلا تَحت مَفْهُوم الْإِيمَان كَمَا تقدم فَإِذا حصل للْعَبد الْإِيمَان الْكَامِل فَهُوَ الْيَقِين الْكَامِل الَّذين تهون بِهِ عَلَيْهِ مصائب الدُّنْيَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمن جَاهد نَفسه حَتَّى تصير مُؤمنَة بِقدر الله عز وجل عَاشَ سعيدا وطاحت عَنهُ الهموم والغموم الَّتِي يجلبها ضعف الْإِيمَان وَعدم كَمَاله اللَّهُمَّ قو إيمَاننَا وارزقنا الْيَقِين الَّذِي لَا يتَعَلَّق بذيله شكّ قلب وَلَا شُبْهَة نفس ثمَّ بعد هَذَا سَأَلَهُ أَن يمتعه بِمَا لَا يتم الْإِتْيَان بِمَا فَرْضه الله عَلَيْهِ إِلَّا بِهِ وَلَا تصفو لَهُ الْحَيَاة بِدُونِهِ فَقَالَ وَمَتعْنَا بأسماعنا وأبصارنا وَقُوَّتِنَا أبدا مَا أَحْيَيْتَنَا أَي أَدَم لنا الِانْتِفَاع بِهَذِهِ الْأُمُور مَا دمنا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا حَيَاة لمن لم يكن مُتَمَتِّعا بهَا وَلَا عَيْش لمن فقدها ثمَّ أكد مَا أَفَادَهُ هَذَا الْكَلَام بقوله واجعله الْوَارِث منا أَي اجْعَلْهُ بَاقِيا نَافِعًا حَتَّى تتوفانا فَمَعْنَى الوراثة لُزُومهَا لَهُ عِنْد مَوته لُزُوم الْوَارِث لَهُ فَكَأَنَّهَا لما لم تذْهب إِلَّا بذهابه وَلم تفقد إِلَّا بِمَوْتِهِ بَاقِيَة والنفع بهَا مُسْتَمر وَهَذَا الْمَعْنى قد أَفَادَهُ قَوْله مَا أَحْيَيْتَنَا وَلكنه زَاده تَأْكِيدًا وتقريرا وَالضَّمِير فِي قَوْله واجعله يعود إِلَى الْمَذْكُور وَهِي الْأُمُور الثَّلَاثَة أَو إِلَى مصدر متعنَا أَي

ص: 452

اجْعَل التَّمَتُّع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة هُوَ الْوَارِث منا أَو إِلَى مصدر اجْعَل اي اجْعَل هَذَا الْجعل الْوَارِث منا أَو الضَّمِير بِمَعْنى اسْم الْإِشَارَة وَقد وَقع مثل هَذَا فِي الْكتاب الْعَزِيز كثيرا كَمَا أوضحت ذَلِك فِي التَّفْسِير الَّذِي سميته فتح الْقَدِير ثمَّ سَأَلَهُ أَن يَجْعَل ثَأْره على من ظلمه والثأر فِي الأَصْل هُوَ الدَّم الَّذِي يكون عِنْد قوم لقوم وطالب الثأر هُوَ طَالب الدَّم يُقَال ثأرت الْقَتِيل وثأرت بِهِ أَي طلبت بدمه واستوفيته من قَاتله وَإِنَّمَا خص من ظلمه لِأَن الانتصاف من الظَّالِم هُوَ الَّذِي وَردت بِهِ الشَّرِيعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} وَقَوله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَغير ذَلِك وَأما سُؤَاله للنصر على غير من ظلمه فَذَلِك تعد وشروع فِي ظلم جَدِيد إِلَّا أَن يكون مِمَّن يجوز الِانْتِصَار عَلَيْهِ ابْتِدَاء كالكفار والبغاة وَلَكِن هَذَا يدْخل تَحت قَوْله وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا فَإِن فريق الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم أَعدَاء لفريق الْمُسلمين وَهَكَذَا فريق الْبُغَاة أَعدَاء للمبغى عَلَيْهِم بل هم إِذا قد وَقع الاعتداء عَلَيْهِم ظَالِمُونَ فَيدْخل تَحت قَوْله وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا كَمَا يدْخل تَحت قَوْله وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا ثمَّ أَخذ فِي نوع آخر من الدُّعَاء فَقَالَ وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا أَي لَا تبتلنا بالمصائب الدِّينِيَّة فَإِنَّهَا هِيَ المصائب الَّتِي يعود ضررها على الْحَيَاة المستمرة الدائمة بِلَا انْقِطَاع وَأما مصائب الدُّنْيَا فَهِيَ زائلة منقضية بانقضائها وذاهبة بذهاب الْحَيَاة وَبَين الْأَمريْنِ من الْبعد مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ثمَّ لما كَانَت الدُّنْيَا حقيرة يسيرَة والبقاء فِيهَا ذَاهِب وطويلها كالقصير وباقيها كذاهبها قَالَ وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا فَإِنَّهَا لَيست بِحَقِيقَة بذلك وَإِنَّمَا قَالَ اكبر هَمنَا لِأَن يسير الْهم لَا بُد مِنْهُ فِي دَار الأكدار وَلَو لم يكن إِلَّا بتحصيل مَا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة من قوام الْعَيْش وسداد الْفَاقَة ثمَّ لما كَانَ الْعلم بأحوال الدُّنْيَا وصفاتها وتقلباتها بِأَهْلِهَا لَيْسَ من الْعلم النافع وَلَا مِمَّا يحصل بِهِ الثَّوَاب وَالْأَجْر عَلَيْهِ قَالَ وَلَا مبلغ علمنَا يَعْنِي بِحَيْثُ يكون رَأس مَعْلُومَات الْإِنْسَان وَغَايَة مَا يطمح إِلَيْهِ

ص: 453

نظره وتتطلبه نَفسه فَإِن الْعلم النافع فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمُتَعَلّق بِالْحَيَاةِ الدائمة وَهِي الدَّار الْآخِرَة وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا مبلغ علمنَا لِأَنَّهُ لَا بُد من الْعلم بأحوال الدُّنْيَا فِي الْجُمْلَة وَلَا يَتَيَسَّر تَحْصِيل مَا تقوم بِهِ الْمَعيشَة إِلَّا بِهِ ثمَّ ختم هَذَا الدُّعَاء الْجَامِع لخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بقوله وَلَا تسلط علينا بذنوبنا من لَا يَرْحَمنَا فَإِن تسليط من لَا يرحم على من لَا يقدر على الدّفع عَن نَفسه من أعظم محن الدُّنْيَا وَأَشد مصائبها وَذَلِكَ تسليط الْكَفَرَة والبغاة والظلمة والفسقة على الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم إِن ظفروا بهم بالغوا فِي التنكيل بهم إِلَى غَايَة لَيْسَ بعْدهَا غَايَة للعداوة الَّتِي بَين أهل الْخَيْر وَأهل الشَّرّ والمنافاة الَّتِي بَين أهل الطَّاعَة وَأهل الْمعْصِيَة

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا العداء الشريف مُسْتَحقّ للإطالة فِي شَرحه والإطالة فِي بَيَان فَوَائده فلنقتصر على هَذَا الْمِقْدَار //

(اللَّهُمَّ إِنَّا سَأَلَك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إِثْم وَالْغنيمَة من كل بر والفوز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار (مس. ط) اللَّهُمَّ لَا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا دينا إِلَّا قَضيته وَلَا حَاجَة من حوائج الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ (طب)) // الحَدِيث أخرج الطّرف الأول مِنْهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأخرج الطّرف الثَّانِي مِنْهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء لَهُ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أنس وَقد جمع الطَّبَرَانِيّ الطَّرفَيْنِ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَهُوَ من حَدِيث أنس رضي الله عنه بِلَفْظ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم اللَّهُمَّ لَا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا دينا إِلَّا قَضيته وَلَا حَاجَة من حوائج الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا قضيتها بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد بعد سِيَاق هَذَا اللَّفْظ أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف رحمه الله من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه وَقَالَ صَحِيح على الأول بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف رحمه الله من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم (قَوْله مُوجبَات رحمتك) بِكَسْر الْجِيم جمع مُوجبَة وَهِي مَا

ص: 454

أوجبت لقائله الرَّحْمَة من قربَة أَي قربَة كَانَت أَي نَسْأَلك مَا أوجب لنا رحمتك حسب وَعدك الصدْق الَّذِي لَا يجوز الْخلف فِيهِ بِقَوْلِك كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة وَبقول رَسُولك صلى الله عليه وسلم فِيمَا يحكيه عَنْك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت سبقت رَحْمَتي غَضَبي والعزائم جمع عَزِيمَة والعزيمة عقد الْقلب على إِمْضَاء الْأَمر أَي نطلب مِنْهُ أَن ترزقنا العزائم منا على الطَّاعَات الَّتِي نتوصل بهَا إِلَى الْمَغْفِرَة

وَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم النَّبَوِيَّة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَولا أَن يرزقه مَا يُوجب لَهُ رَحْمَة الله عز وجل وَمن فعل مَا يُوجب لَهُ الرَّحْمَة فقد دخل بذلك تَحت رَحمته الَّتِي وسعت كل شَيْء واندرج فِي سلك أَهلهَا وَفِي عداد مستحقها ثمَّ سَأَلَهُ أَن يهب لَهُ عزما على الْخَيْر يكون بِهِ مغفورا لَهُ فَإِن من غفر الله لَهُ ذنُوبه وتفضل عَلَيْهِ برحمته فقد ظفر بخيري الدَّاريْنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَاسْتحق الْعِنَايَة الربانية فِي محياه ومماته وَلِأَنَّهُ قد صفا عَن كدورات الذُّنُوب وأدران الْمعاصِي وشملته الرَّحْمَة الَّتِي توصل إِلَى السعادتين وَتصرف عَنهُ الشقاوتين ثمَّ لما كَانَ الْإِنْسَان بعد مغْفرَة ذنُوبه لَا يَأْمَن من الْوُقُوع فِي معاصي آخِره وَفِي ذنُوب مستأنفة سَأَلَ ربه أَن يرزقه السَّلامَة من كل إِثْم كَائِنا مَا كَانَ كَمَا تدل عَلَيْهِ هَذِه الْكُلية الَّتِي لَا يخرج عَنْهَا فَرد من أفرادها وَقد تفضل الله سبحانه وتعالى على بعض عباده بالسلامة من كل ذَنْب وَإِن لم تكن الْعِصْمَة ثَابِتَة لغير الْأَنْبِيَاء لَكِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاء وَاجِبَة وبالنسبة إِلَى غَيرهم جَائِزَة وسؤال الْجَائِز جَائِز وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو من الذَّنب أحد وَلَا يسلم من الْمعْصِيَة فَرد من أَفْرَاد من لم يُوجب الله تَعَالَى لَهُ الْعِصْمَة كَمَا فِي قَوْله فِي حَدِيث لَو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم وَقد تقدم ثمَّ لما كَانَت مغْفرَة الذَّنب والسلامة مِنْهُ لَا تَسْتَلْزِم أَن يفعل العَبْد الطَّاعَات وَيَرْزقهُ الله مِنْهَا مَا يَشَاء قَالَ وَالْغنيمَة من كل بر أَي من كل نوع من أَنْوَاع الْبر كَمَا تدل عَلَيْهِ هَذِه الْكُلية وَالْبر بِكَسْر الْبَاء الطَّاعَة فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالْغنيمَة من كل طَاعَة وَمن فتح لَهُ بَاب الاغتنام من جَمِيع أَنْوَاع طاعاته فقد يسر لَهُ من الْخَيْر مَا يفوز بِهِ وَيدْرك عِنْده

ص: 455

طلبته وَلِهَذَا كمل هَذَا الدُّعَاء بقوله والفوز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار وَهَذَا من بَاب التَّعْلِيم مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لأمته لِأَن الله سبحانه وتعالى قد أخبرهُ بِأَنَّهُ فائز بِالْجنَّةِ نَاجٍ من النَّار لَا يضرّهُ ذَنْب لِأَنَّهُ مغْفُور لَهُ وَلَا تقع مِنْهُ مَعْصِيّة لِأَنَّهُ مَعْصُوم ثمَّ جَاءَ بِمَا يَشْمَل أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا ويعم أَحْوَال المعاش والمعاد فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته وتنكير ذَنْب للتحقير أَي لَا تدع لنا ذَنبا حَقِيرًا يَسِيرا إِلَّا غفرته فضلا عَن ذَنْب أكبر مِنْهُ ثمَّ قَالَ وَلَا هما إِلَّا فرجته لِأَن اشْتِغَال خاطر العَبْد بالهموم يكسر من نشاطه إِلَى الطَّاعَة ويثني من عزمه على الْخَيْر وَيقبض من عنان جواد سَعْيه إِلَى مراضي الله عز وجل فَإِذا انفرج همه واندفع كربه تراجع لَهُ نشاطه وقوى عزمه وَجرى جَوَاده وَلما كَانَ الدّين هُوَ أعظم مَا يكون بِهِ الاهتمام والتكاسل عَن كثير من إفعال الْخَيْر قَالَ وَلَا دينا إِلَّا قَضيته وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام لمزيد الْعِنَايَة والاحتياج إِلَيْهِ لِأَن اهتمام الدّين هُوَ من جملَة الهموم الدُّنْيَوِيَّة الَّتِي أفادها قَوْله وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلما كَانَت أُمُور الدُّنْيَا وحاجاتها مِمَّا لَا بُد للْعَبد مِنْهُ لقوام عيشه واستمرار حَيَاته قَالَ وَلَا حَاجَة من حوائج الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها وَقيد ذَلِك بِكَوْن الْحَاجة هِيَ لله رضَا لِأَن من الْحَوَائِج الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها وَقيد ذَلِك بِكَوْن الْحَاجة هِيَ لله رضَا فَيكون طلبَهَا مَعْصِيّة مُحصنَة فَلَا يستعان بِاللَّه عز وجل عَلَيْهَا وَهَذِه النكرات الْمَذْكُورَة هُنَا هِيَ نكرات وَاقعَة بعد النَّهْي وَمَا وَقع هَذَا الْموقع مِنْهَا فَهُوَ فِي صِيغ الْعُمُوم كَمَا هُوَ مُقَرر فِي علم الْأُصُول ثمَّ ختم هَذَا الدُّعَاء بقوله يَا أرْحم الرحمين وَفِي هَذَا استحضار العَبْد لرحمة الله عز وجل فَإِنَّهُ لَا يُجَاب مِنْهُ الدُّعَاء بِدُونِهَا وَهِي مِمَّا يَقْتَضِي أَن يتفضل الله بهَا عَلَيْهِ وَإِذا تفضل عَلَيْهِ بهَا أجَاب دعاءه ولبى نداءه //

(اللَّهُمَّ آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار (خَ. م)) // الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ كَانَ أَكثر دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ رَبنَا

ص: 456

آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار زَاد مُسلم وَكَانَ أنس رضي الله عنه إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو بدعوة دَعَا بهَا وَإِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو بِدُعَاء دَعَا بهَا فِيهِ وَأخرجه من حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والْحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْتَحبّ الْجَوَامِع من الدُّعَاء ويدع مَا سوى ذَلِك كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها

وَقد اخْتلف فِي تَفْسِير الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا والحسنة فِي الْآخِرَة فَروِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة وَفِي الْآخِرَة الْحور وَعَذَاب النَّار امْرَأَة السوء وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم وَالْعِبَادَة وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة وَمعنى وقنا عَذَاب النَّار احفظنا من كل شَهْوَة وذنب وَقيل الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الصِّحَّة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير والحسنة فِي الْآخِرَة الثَّوَاب وَالرَّحْمَة وَقيل غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره

وَالْحَاصِل أَنه لَا عُمُوم لِأَنَّهُ لَا صِيغَة عَامَّة هَاهُنَا لِأَن وُقُوع النكرَة فِي حيّز الْأَثْبَات لَا يُفِيد الْعُمُوم إِلَّا أَن العَبْد يعْطى فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَاحِدَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة والحدة وَمَعْلُوم أَنه لَو كَانَ الْمَطْلُوب حَسَنَة وَاحِدَة لم يكن هَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم وَلَا وَقعت مِنْهُ صلى الله عليه وسلم الْمُوَاظبَة عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ أَكثر دُعَائِهِ فَالظَّاهِر أَن المُرَاد أَنه يكون مَا يعطاه فِي الدُّنْيَا حَسَنَة فَيكون كل خصْلَة من خِصَال الدُّنْيَا حَسَنَة وكل خصْلَة من خِصَال الْآخِرَة حَسَنَة أَو تفسر الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا بفرد من أفرادها يسْتَلْزم سَائِر الْأَفْرَاد وتفسر الْحَسَنَة فِي الْآخِرَة بفرد من أفرادها يسْتَلْزم جَمِيع الْأَفْرَاد وَذَلِكَ بِأَن يُقَال المُرَاد حسن الْمعَاد وَحسن المعاش وَحسن الْحَيَاة وَحسن الْمَمَات فَإِن ذَلِك يسْتَلْزم أَن يكون كل أُمُور دُنْيَاهُ وآخرته حَسَنَة قَالَ النَّوَوِيّ وَأظْهر الْأَقْوَال فِي تَفْسِير الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا الصِّحَّة والعافية وَفِي الْآخِرَة التَّوْفِيق للخير وَالْمَغْفِرَة وَلَا يخفاك أَن الصِّحَّة دَاخِلَة فِي الْعَافِيَة والتوفيق للخير يسْتَلْزم عدم وجود الشَّرّ فَلَا ذَنْب حَتَّى يغْفر وَلَو فسر حَسَنَة الدُّنْيَا بِمُجَرَّد الْعَافِيَة وحسنة الْآخِرَة بهَا لَكَانَ ذَلِك أولى وأنسب لما سَيَأْتِي من أَن سُؤال الْعَافِيَة يسْتَلْزم حُصُول المطالب كلهَا للْعَبد

ص: 457

(اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك من خير مَا سَأَلَك مِنْهُ نبيك مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شَرّ مَا استعاذك مِنْهُ نبيك مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَنت الْمُسْتَعَان وَعَلَيْك الْبَلَاغ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه (ت)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ دَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِدُعَاء كثير لم نَحْفَظ مِنْهُ شَيْئا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله دَعَوْت بِدُعَاء كثير لم نَحْفَظ مِنْهُ شَيْئا ثمَّ قَالَ أَلا أدلكم على مَا يجمع ذَلِك كُله تَقولُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك من خير مَا سَأَلَك مِنْهُ نبيك مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم الخ قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه حسن غَرِيب انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ لِأَن فِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم وَهُوَ وَإِن كَانَ فِيهِ مقَال فقد أخرج لَهُ مُسلم وَحَدِيثه لَا يقصر عَن رُتْبَة الْحسن وَأخرجه من حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِهَذَا اللَّفْظ وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم وَأخرجه فِي الصَّغِير من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِدُعَاء لم يسمع النَّاس مثله واستعاذ استعاذه لم يسمع النَّاس مثلهَا فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم كَيفَ لنا يَا رَسُول الله أَن نَدْعُوهُ مثل مَا دَعَوْت وَأَن نستعيذ مثل مَا استعذت فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك بِمَا سَأَلَك مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك ونستعيذ بِمَا استعاذ مِنْهُ مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُجبر وَهُوَ مَتْرُوك

وَلَا شَيْء أجمع وَلَا أَنْفَع من هَذَا الدُّعَاء فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد صَحَّ عَنهُ من الْأَدْعِيَة الْكثير الطّيب وَصَحَّ عَنهُ من التَّعَوُّذ مِمَّا يَنْبَغِي التَّعَوُّذ مِنْهُ الْكثير الطّيب حَتَّى لم يبْق خير فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا وَقد سَأَلَهُ من ربه وَلم يبْق شَرّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا وَقد استعاذه ربه مِنْهُ فَمن سَأَلَ الله عز وجل من خير مَا سَأَلَهُ مِنْهُ نبيه صلى الله عليه وسلم واستعاذ من شَرّ مَا استعاذ مِنْهُ نبيه صلى الله عليه وسلم فقد جَاءَ فِي دُعَائِهِ بِمَا لَا يحْتَاج بعد إِلَى غَيره وَسَأَلَهُ الْخَيْر على اخْتِلَاف أَنْوَاعه واستعاذ من الشَّرّ على

ص: 458

اخْتِلَاف أَنْوَاعه وحظى بِالْعَمَلِ بإرشاده صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذِه القَوْل الْجَامِع وَالدُّعَاء النافع //

(وَقَالَ صلى الله عليه وسلم سلوا الله الْعَفو والعافية فَإِن أحدا لم يُعْط بعد الْيَقِين خيرا من الْعَافِيَة (ت. حب)) // الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي بكر الصّديق رضي الله عنه أَنه قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَاما أَولا على الْمِنْبَر ثمَّ بَكَى فَقَالَ سلوا الله الْعَفو والعافية فَإِن أحدا لم يُعْط الحَدِيث الخ قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه هَذَا حَدِيث حسن من هَذَا الْوَجْه وَصَححهُ ابْن حبَان وَأخرجه أَيْضا من حَدِيثه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ لِأَن فِي إِسْنَاده عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَفِيه مقَال لكنه قد قَالَ التِّرْمِذِيّ أَنه صَدُوق وَحكى عَن البُخَارِيّ أَن أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه والْحميدِي رحمهم الله كَانُوا يحتجون بحَديثه (قَوْله الْعَفو) هُوَ التجاوز عَن العَبْد بغفران ذنُوبه وَعدم مؤاخذته بِمَا اقترفه مِنْهَا (قَوْله والعافية) قَالَ فِي الصِّحَاح وَعَافَاهُ الله وأعفاه بِمَعْنى وَاحِد وَالِاسْم الْعَافِيَة وَهِي دفاع الله سبحانه وتعالى عَن العَبْد وتوضع مَوضِع الْمصدر فَيُقَال عافاه عَافِيَة فَقَوله دفاع الله عَن العَبْد يُفِيد أَن الْعَافِيَة جَمِيع مَا يَدْفَعهُ الله عَن العَبْد من البلايا كائنة مَا كَانَت وَقَالَ فِي النِّهَايَة والعافية أَن يسلم من الأسقام والبلايا وَهَذَا يُفِيد الْعُمُوم كَمَا أَفَادَهُ كَلَام صَاحب الصِّحَاح وَقَالَ فِي الْقَامُوس والعافية دفاع الله عَن العَبْد عافاه الله من الْمَكْرُوه معافاة وعافية وهب لَهُ الْعَافِيَة من الْعِلَل كأعفاه انْتهى وَهَكَذَا كَلَام ساى أَئِمَّة اللُّغَة وَبِهَذَا تعرف أَن الْعَافِيَة هِيَ دفاع الله عَن العَبْد وَهَذَا الدفاع الْمُضَاف إِلَى الِاسْم الشريف يَشْمَل كل نوع من أَنْوَاع البلايا والمحن فَكل

ص: 459

مَا دَفعه الله عَن العَبْد مِنْهَا فَهُوَ عَافِيَة وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الحَدِيث فَإِن أحدا لم يُعْط بعد الْيَقِين خيرا من الْعَافِيَة

سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى أَن يرزقه الْعَفو الَّذِي هُوَ الْعُمْدَة فِي الْفَوْز بدار الْمعَاد ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرزقه الْعَافِيَة الَّتِي هِيَ الْعُمْدَة فِي صَلَاح أُمُور الدُّنْيَا والسلامة من شرورها ومحنها فَكَانَ هَذَا الدُّعَاء من الْكَلم الْجَوَامِع والفوائد النوافع فعلى العَبْد أَن يستكثر من الدُّعَاء بالعافية وَقد أغْنى عَن التَّطْوِيل فِي ذكر فوائدها ومنافعها مَا ذكره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهَا إِذا كَانَت بِحَيْثُ أَنه لم يُعْط أحد بعد الْيَقِين خيرا مِنْهَا فقد فاقت كل الْخِصَال وَارْتَفَعت درجتها على كل خير وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْعَبَّاس رضي الله عنه مَا يدل على أَن الْعَافِيَة تَشْمَل أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَام أهل اللُّغَة لِأَن قَوْلهم دفاع الله عَن العَبْد غير مُقَيّد بدفاعه عَنهُ لأمور الدُّنْيَا فَقَط بل يعم كل دفاع يتَعَلَّق بالدنيا وَالْآخِرَة وَقَالَ فِي النِّهَايَة والمعافاة أَن يعافيك الله من النَّاس ويعافيهم مِنْك أَن يُغْنِيك عَنْهُم ويغنيهم عَنْك وَيصرف أذاهم عَنْك وأذاك عَنْهُم وَقيل هِيَ مفاعلة من الْعَفو وَهِي أَن يعْفُو عَن النَّاس ويعفوا هم عَنْك

وَقَالَ فِي الْقَامُوس والمعافاة أَن يعافيك الله من النَّاس ويعافيهم مِنْك //

(وَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا سَأَلَ الله الْعباد شَيْئا أفضل من أَن يغْفر لَهُم ويعافيهم (ز)) // الحَدِيث أخرجه الْبَزَّار كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا سَأَلَ الله الْعباد شَيْئا الحَدِيث الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير مُوسَى بن السَّائِب وَهُوَ ثِقَة

أخبر صلى الله عليه وسلم بِهَذَا القَوْل الْعَام وَالْكَلَام الشَّامِل بِأَنَّهُ مَا سَأَلَ الْعباد رَبهم من الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بِأُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أفضل من أَن يسألوه أَن يغْفر لَهُم ويعافيهم لما قدمنَا من أَن الْعُمْدَة الْكُبْرَى فِي نيل السَّعَادَة الأخروية هِيَ مغْفرَة الذُّنُوب وعفو الله عَنْهَا والعمدة الْعُظْمَى فِي نيل السَّعَادَة الدُّنْيَوِيَّة هِيَ الْعَافِيَة وَهَذِه الْكَلِمَة كَمَا ترى فِيهَا مَا يبْعَث رغبات الراغبين إِلَى إِمَامَة الطّلب من رب الْعَالمين أَن يغْفر ويعافي فَمن رزق الاستكثار من

ص: 460

هَذَا السُّؤَال وحظي بتكرير هَذَا الدُّعَاء فقد لَاحَ لَهُ عنوان السَّعَادَة وَفتح لَهُ بَاب الْفَوْز وَأخذ بطرفي النجَاة //

(وَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِقوم مبتلين فَقَالَ أما كَانَ هَؤُلَاءِ يسْأَلُون الله الْعَافِيَة (ز)) // الحَدِيث أخرجه الْبَزَّار كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَفِي بعض نسخ هَذَا الْكتاب رمز التِّرْمِذِيّ مَكَان الْبَزَّار وَلَعَلَّه غلط فَإِنَّهُ لم يُوجد هَذَا الحَدِيث فِي التِّرْمِذِيّ بعد مزِيد الْبَحْث عَنهُ وَهُوَ فِي مُسْند الْبَزَّار من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِقوم مبتلين فَقَالَ أما كَانَ هَؤُلَاءِ يسْأَلُون الله الْعَافِيَة قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله ثِقَات

وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن سُؤال الله سبحانه وتعالى الْعَافِيَة يدْفع كل بلية وَيرْفَع كل محنة وَلِهَذَا جَاءَ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الاستنكار فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُم كَيفَ تتركون أَنفسكُم فِي هَذِه المحنة والابتلاء وَأَنْتُم تَجِدُونَ الدَّوَاء الحاسم لَهَا والمرهم الشافي لما أَصَابَكُم مِنْهَا وَهُوَ الدُّعَاء بالعافية واستدفاع هَذِه المحنة النَّازِلَة بكم بِهَذِهِ الدعْوَة الكافية وَفِي هَذَا مَا يزِيد النُّفُوس نشاطا والقلوب بَصِيرَة بِاسْتِعْمَال هَذَا الدَّوَاء عِنْد عرُوض كل دَاء ومساس كل محنة ونزول كل بلية (قَوْله مبتلين) بِفَتْح اللَّام جَمِيع مبتلى كمصطفين جمع مصطفى //

(وَقَالَ الْعَبَّاس يَا سَوَّلَ الله عَلمنِي شَيْئا أَدْعُو الله بِهِ فَقَالَ سل رَبك الْعَافِيَة قَالَ فَمَكثت أَيَّامًا ثمَّ جِئْت فَقلت يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا اسأله رَبِّي عز وجل فَقَالَ يَا عَم سل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (ط)) // الحَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ كَمَا قَالَ المُصَنّف رحمه الله وَهُوَ من حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا اسأله الله فَقَالَ سل رَبك الْعَافِيَة الحَدِيث الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بأسانيد وَرِجَال بَعْضهَا رجال الصَّحِيح غير يزِيد بن أبي زِيَاد وَهُوَ حسن الحَدِيث وَهَذَا الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي سنَنه قَالَ حَدثنَا أَحْمد أبن منيع حَدثنَا عُبَيْدَة بن أَحْمد عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن

ص: 461

الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا أسأله الله قَالَ سل الله الْعَافِيَة فَمَكثت أَيَّامًا ثمَّ جِئْت فَقلت يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا أسأله الله تَعَالَى قَالَ يَا عَبَّاس يَا عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ قَالَ بعد إِخْرَاجه هَذَا حَدِيث صَحِيح وَعبد الله هُوَ بن الْحَارِث بن نَوْفَل وَقد سمع من الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَكَانَ عزو هَذَا الحَدِيث من المُصَنّف رحمه الله إِلَى التِّرْمِذِيّ أولى لَا سِيمَا بعد تَصْحِيحه لَهُ

وَفِي أمره صلى الله عليه وسلم للْعَبَّاس بِالدُّعَاءِ بالعافية بعد تَكْرِير الْعَبَّاس سُؤَاله بِأَنَّهُ يُعلمهُ شَيْئا يسْأَل الله بِهِ دَلِيل جلي بِأَن الدُّعَاء بالعافية لَا يُسَاوِيه شَيْء من الْأَدْعِيَة وَلَا يقوم مقَامه شَيْء من الْكَلَام الَّذِي يَدعِي بِهِ ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام وَقد تقدم تَحْقِيق معنى الْعَافِيَة أَنَّهَا دفاع الله عَن العَبْد فالداعي بهَا قد سَأَلَ ربه دفاعه عَنهُ كل مَا ينوبه وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عَمه الْعَبَّاس منزلَة أَبِيه وَيرى لَهُ من الْحق مَا يرَاهُ الْوَلَد لوالده فَفِي تَخْصِيصه بِهَذَا الدُّعَاء وقصره على مُجَرّد الدُّعَاء بالعافية تَحْرِيك لهمم الراغبين على ملازمته وَأَن يَجْعَلُوهُ من أعظم مَا يتوسلون بِهِ إِلَى رَبهم سبحانه وتعالى ويستدفعون بِهِ فِي كل مَا يهمهم ثمَّ كَلمه صلى الله عليه وسلم بقوله سل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَكَانَ هَذَا الدُّعَاء من هَذِه الحيثيه قد صَار عدَّة لدفع كل ضرّ ولجلب كل خير اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ آمين //

(وَكَانَ يَقُول لَهُ يَا عَم أَكثر الدُّعَاء بالعافية (ط) فَلْينْظر الْعَاقِل مِقْدَار هَذِه الْكَلِمَة الَّتِي أختارها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ من دون الْكَلم وليؤمن بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أعطي جَوَامِع الْكَلم واختصرت لَهُ الحكم فَإِن من أعطي الْعَافِيَة فَازَ بِمَا يرجوه وَيُحِبهُ قلبا وقالبا ودينا وَدُنْيا وَوُقِيَ مَا يخافه فِي الدَّاريْنِ علما يَقِينا فَلَقَد تَوَاتر عَنهُ صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالعافية وَورد عَنهُ صلى الله عليه وسلم لفظا وَمعنى من نَحْو خمسين طَرِيقا هَذَا وَقد غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَهُوَ الْمَعْصُوم على الْإِطْلَاق حَقِيقَة فَكيف بِنَا وَنحن عرض لسهام الْقدر وغرض بَين النَّفس والشيطان والهوى كَمَا ورد فِي الْخَبَر اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا

ص: 462

وَالْآخِرَة وَليكن ذَلِك آخر مَا نعده من عدَّة الْحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين) // الحَدِيث الَّذِي ذكره المُصَنّف رحمه الله فِي أول كَلَامه هَذَا وَهُوَ آخر احاديث هَذَا الْكتاب كَمَا أَن مَا يتَكَلَّم بِهِ بعده آخر هَذَا التصنيف وخاتمته أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير كَمَا قَالَ وَهُوَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاس يَا عَم أَكثر الدُّعَاء بالعافية قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه هِلَال بن خباب وَهُوَ ثِقَة وَقد ضعفه جمَاعَة وَبَقِيَّة رِجَاله ثِقَات وَمِمَّا ورد فِي هَذَا الْمَعْنى مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رضي الله عنه أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ سل رَبك الْعَافِيَة والمعافاة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي أفضل فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك قَالَ فَإِذا أَعْطَيْت الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وأعطيتها فِي الْآخِرَة فقد أفلحت قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد إِخْرَاجه هَذَا حَدِيث حسن من هَذَا الْوَجْه وَإِنَّمَا نعرفه من حَدِيث سَلمَة بن وردان

فَفِي هَذَا الحَدِيث التَّصْرِيح بِأَن الدُّعَاء بالعافية أفضل الدُّعَاء وَلَا سِيمَا بعد تكريره للسَّائِل فِي ثَلَاثَة أَيَّام حِين أَن يَأْتِيهِ للسؤال عَن افضل الدُّعَاء فَأفَاد هَذَا أَن الدُّعَاء بالعافية أفضل من غَيره من الْأَدْعِيَة مَعَ مَا قدمْنَاهُ من اشتماله على جلب كل نفع وَدفع كل ضرّ ثمَّ فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي آخر هَذَا الحَدِيث فَإِذا أَعْطَيْت الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وأعطيتها فِي الْآخِرَة فقد أفلحت دَلِيل ظَاهر وَاضح بِأَن الدُّعَاء بالعافية يَشْمَل أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِأَنَّهُ قَالَ هَذِه الْمقَالة بعد أَن قَالَ لَهُ سل رَبك الْعَافِيَة ثَلَاث مَرَّات فَكَانَ ذَلِك كالبيان لعُمُوم بركَة هَذِه الدعْوَة بالعافية لمصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ رتب على ذَلِك الْفَلاح الَّذِي هُوَ الْمَقْصد الْأَسْنَى وَالْمَطْلُوب الْأَكْبَر

ص: 463

وَمن ذَلِك مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من دَعْوَة احب إِلَى الله أَن يَدْعُو بهَا أحد من أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك المعافاة والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح

فَهَذَا الحَدِيث قد دلّ على أَن الدُّعَاء بالعافية أحب إِلَى الله سبحانه وتعالى من كل دُعَاء كَائِنا مَا كَانَ كَمَا يفِيدهُ هَذَا الْعُمُوم وتدل عَلَيْهِ هَذِه الْكُلية فَجمع هَذَا الدُّعَاء بِهَذِهِ الْكَلِمَة بَين ثَلَاث مزايا

أَولهَا شُمُوله لخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

وَثَانِيها أَنه أفضل الدُّعَاء على الْإِطْلَاق

وَثَالِثهَا أَنه أحب إِلَى الله سُبْحَانَهُ من كل دُعَاء يَدْعُو بِهِ العَبْد على الْإِطْلَاق كَائِنا مَا كَانَ وَمن ذَلِك مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر رحمه الله قَالَ كنت مَعَ عبد الله بن جَعْفَر إِذْ جَاءَهُ رجل فَقَالَ مرني بدعوات يَنْفَعنِي الله بِهن قَالَ نعم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهُ رجل عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ فَقَالَ سل الله الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن دَاوُد الشَّاذكُونِي وَفِيه ضعف وَمن ذَلِك الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي ديني ودنياي وَأَهلي وَمَالِي الحَدِيث

وَفِيه دَلِيل على شُمُول هَذِه الدعْوَة بِهَذِهِ الْكَلِمَة لخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ذَلِك مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وصححاه من حَدِيث أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يرد الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة قيل مَاذَا نقُول يَا رَسُول الله قَالَ سلوا الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ذَلِك مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ سلوا الله الْعَفو والعافية

وَبِالْجُمْلَةِ فالأحاديث فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة جدا مِنْهَا مَا ورد فِي الدُّعَاء بِخُصُوص

ص: 464

الْعَافِيَة وَمِنْهَا مَا ورد فِي الدُّعَاء بهَا مَعَ غَيرهَا من الْأَدْعِيَة وَاسْتِيفَاء ذَلِك يحْتَاج إِلَى مزِيد بسط وَمن لَهُ خبْرَة بِعلم السّنة المطهرة عرف صدق مَا قَالَه المُصَنّف رحمه الله فِي كَلَامه هَذَا الَّذِي ختم بِهِ كِتَابه أَن الدُّعَاء بالعافية ورد من نَحْو خمسين طَرِيقا والتواتر يثبت بِدُونِ هَذَا الْمِقْدَار وَبِه تعرف أَن ثُبُوت الدُّعَاء عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالعافية قولا مِنْهُ وتعليما للْغَيْر مَقْطُوع بِهِ مَعْلُوم صدقه وَصِحَّة مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْفَوَائِد الشاملة للدارين

وَمِنْهَا حسن الخاتمة الْمشَار إِلَيْهَا فِي علم البديع من أَئِمَّة ذَلِك

وَإِلَى هُنَا انْتهى الشَّرْح الْمُفِيد الشَّارِح لصدور أهل التَّقْوَى من كل مُرَاد ومريد وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين حمدا كثير طيبا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يحب رَبنَا ويرضى عدد خلقه ورضا نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته

وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون

ص: 465