الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (11)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: 11].
* * *
لمَّا ذَكَرَ اللَّه عز وجل ما جَنَى به هَؤُلَاءِ عليه وعلى وحيه وعلى رسولِه والجواب عنْ ذلك؛ ذَكَرَ أمرًا آخَرَ، وهو تكذيبهم بالساعةِ، وأتى بـ (بل) الدالَّة على الانتقالِ، وهذا الانتقال ليس إبطالًا لمَا سبقَ، بل إضافة شَيْء آخَرَ إليه، وهو قوله:{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} ، والمرادُ بالساعةِ يومُ القيامةِ، وكلمةُ الساعةِ تُطْلَق في اللُّغة على كل أمرٍ هامٍّ، كأنه لا يوجَد إلا هَذِهِ الساعة الَّتِي يُشار إليها بهذا الزمنِ، وإلا فهي في الأَصْل لكلِّ مُدَّةٍ من الزمان؛ قليلة كانت أم كثيرة، لَكِنها تُطلَق كثيرًا على ما يَحْدُثُ فيه أمر هامٌّ، وذلك كما في هَذِهِ الآية.
والتكذيبُ بالساعةِ يَشمَلُ التكذيبَ بوقوعِها رأسًا، بأن يقولَ: لا بعثَ، أو التكذيب بما يَقَع فيها من الأمور؛ كالحساب والكُتُب والصِّراط والحوض والشفاعة وما أشبهَ ذلك؛ لِأَنَّ الإيمان باليوم الآخِر يَتَضَمَّن الإيمان بوقوعِه وبما يقع فيه، فإذا كَذَّبَ به الإنْسَان رأسًا فقد كذَّب به، وإذا صدَّق به ولَكِن كذَّب بما يقع فيه فَهُوَ أيضًا مكذِّب له.
قَالَ المُفَسِّر: [{وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} نارًا مُسعرةً، أي مُشْتَدَّة]،
{وَأَعْتَدْنَا} بمعنى هَيَّئْنَا {لِمَنْ كَذَّبَ} بالساعةِ منهم ومن غيرهم، ولهذا أتى بـ (مَنْ) الدالَّة على العمومِ، ولم يَقُلْ: وأَعْتَدْنَا لهم، وهذا إظهار في موضِعِ الإضمارِ، وقد سبقَ أنَّ من فوائدِ الإظهارِ في مَوْضِعِ الإضمارِ العمومُ والتصريحُ بالعِلَّة؛ عِلة الحُكم، فقوله:{لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} كأن هَذَا تعليلٌ للحُكْمِ الَّذِي هو قوله: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} ؛ لأَنَّهُمْ كذَّبوا بالساعة.
وقوله: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ} يستفاد منه أن النار مخَلوقةٌ الآن، وهو كذلك، وقد دلَّت على ذلك نصوصُ الكِتَابِ والسنَّة؛ قَالَ اللَّه تَعَالَى عن آل فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46]، وهذا نصٌّ صريحٌ في أنها مخلوقةٌ. وفي الأحاديث الصحيحة ما يَدُلُّ على ذلك؛ مثل:"اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ"
(1)
.
وقوله: {سَعِيرًا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [نارًا مُسَعَرَّة]، فجعل فَعيلا بمعنى مفعول، أي مسعَّرة، ويَحتمِل أنْ تكونَ بمعنى فاعلٍ؛ أي حارقة تُحْرِق مَن دخل فيها، والمعنى لا يَتنافَى؛ لِأَنَّهَا إذا كانت مُسَعَّرة يعني مشتَدَّة الحرارة، أو كانت هي بنفسها تَسْعَرُ بالنَّاس وتأكلهم، فهذا وهذا متلازمانِ.
* * *
(1)
أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم (3260)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه، رقم (617).