المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (5) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ - تفسير العثيمين: الفرقان

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآيتان (7، 8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌الآيات (17 - 24)

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌فائدتان:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (51، 52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

- ‌الآية (65)

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌الآيتان (68، 69)

- ‌الآية (70)

- ‌الآية (71)

- ‌الآية (72)

- ‌الآية (73)

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌الآية (76)

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (5) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ

‌الآية (5)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5].

* * *

قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَقَالُوا} أيضًا هو {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}: أكاذيبهم، جمع أُسْطُورة بالضمِّ {اكْتَتَبَهَا} انتسخها من ذلك القوم بغيرِه {فَهِيَ تُمْلَى} تُقرَأ عليه لِيَحْفَظَهَا {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} غُدوةً وعَشِيًّا].

قوله: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أساطير جمع أُسطورةٍ، وهي الأحاديث الرائِجَة الَّتِي لا أصلَ لها، وعند العامَّة يُسمُّونها (السَّبَاحين)، قالوا: إن الرَّسول عليه الصلاة والسلام أتى باساطير الأوَّلين، يعني أقاصيصهم وأحاديثهم الَّتِي لا أصلَ لها. وهذا القول الَّذِي قالوه هل هو عن عقيدة كاذبة أو قالوه بحسَب الواقع، يعني هل ادعوا ذلك دعوى أو هَذَا الَّذِي يعتقدونه وهذا الَّذِي تَبَيَّنَ لهم؟

يُمْكِن هَذَا ويمكن هذا، واللَّه عز وجل يقول في سورة المُطَفِّفِينَ:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 7 - 14]، هَذَا يدل عَلَى أَنَّ قولهم: أساطير الأولين ليس دعوى، بل اعتقاد، وأن هَذَا هو الَّذِي يعتقدونه، فإن كانت

ص: 37

دعوى وهم يعتقدون أنها وحي وصدق فهَذِهِ دعوى باطلة مثل غيرها مِنَ الدعاوى، وإن كان هَذَا ما يعتقدونه، وهو ما ظهر لهم مِنَ القُرْآن، فليس بغريبٍ أيضًا؛ لِأَنَّ الإنْسَان -والعياذ باللَّه- إذا حُجِبَ قلبُه رأَى الحقَّ باطلًا، والباطل حقًّا، فيمكن أن هَؤُلَاءِ لِظُلْمِهِم وكفرهم وعُدوانهم لم يَتَبَيَّنْ لهم حقيقة القُرْآن، وظنُّوها أساطير، وهذا الأخير في الحقيقة معنًى جيِّدٌ، أَنَّهُمْ يقولونه لا مجرد دعوى لتكذيب الرَّسول عليه الصلاة والسلام، ولَكِن بحسَب الواقع فيما يعتقدون؛ وذلك لأنَّهم ليس عندهم اتجاه سليم صحيح لقول الحقِّ، فأُروا الحقَّ باطلًا، فالآن لو قرأنا القُرْآن على إنْسَانٍ مُعْرِضٍ هل يتذوق حلاوتَه، وهل يُحِسُّ بأنه كَلام اللَّه، هل يحس بأنه أصدق الأخبار وأنه أعدل الأحكام؟ لا، أبدًا، تجده مُعْرِضًا عنه، وليس بشَيْءٍ عنده حقيقةً باعتبار الواقع؛ لِأَنَّهُ -والعياذ باللَّه- كما قَالَ اللَّه عز وجل:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، فقولهم: أساطير الأولين قد يَكُون ذلك عن عقيدةٍ، وأن هَذَا بحسب الواقع؛ لِأَنَّ حالهم تَقْتَضي ذلك، وكُلَّمَا أعرضَ الإنْسَان عن القُرْآن يَكُون أشدَّ خفاءً عليه وأبعد عن معرفته، وكُلَّمَا أقبلَ عليه ازداد به يقينًا ومعرفةً.

ولهذا أنا أدعوكم ونفسي إلى أن يتأمَّل الإنْسَان دائمًا في القُرْآن ويتدبَّر؛ لئلَّا يَكُونَ أُمِّيًّا، فاللَّه عز وجل سمَّى الَّذِي لا يَعرِف المعنى، وإن كان يعرف اللفظ، سمَّاه اللَّه أميًّا؛ كما قَالَ اللَّه:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، فمعنى (أماني) قراءة، فسمى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لا يعلمون الكِتَاب إلا قراءةً سماهم أُمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ مَن يقرأ ولا يَفهم فَهُوَ كمَن لا يقرأ، لا فرقَ بينَهما، إلَّا أن هَذَا عنده فَهمٌ للفظ، وذاك ليس عنده فهم، وماذا يستفيد المرء مِنَ اللفظ وهو لا يعرف معناه؟ !

ص: 38

فاللَّفْظُ بمنزِلة الثوبِ للجِسْمِ، فإذا كان عند الإنْسَان ثِيَابٌ فهي ليستْ رِجالًا، فلو أنَّ وَاحِدًا عنده عشرونَ ثوبًا وقال: واللَّهِ أنا سأغزو هَؤُلَاءِ الجَماعَة وأريد أن أشُنَّ الحرب عليهم، فقيل: ماذا عندَكَ؟ قال: عندي عشرونَ ثوبًا. فهل تَنْفَعُه هَذِهِ الثياب؟

فالجواب: عشرون ثوبًا لا تكون عشرين رجلًا، فالمهمُّ أَنَّنا نقولُ: إنَّ الواقعَ أن الرجلَ إذا لم يُقْبِل على القُرْآنِ وهو يتأمَّلُهُ ويحرِصُ على معرفةِ معناه فَإِنَّهُ لا يَستفيد منَ القُرْآنِ شيئًا، وكما هو معروفٌ مِن حالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشْر آياتٍ حتى يَتَعَلَّمُوها وما فيها منَ العِلمِ والعملِ، فتعلَّمُوا القُرْآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا

(1)

.

والَّذِي يَضُرُّنا نحن أننا نحرِص على تلاوة القُرْآن لفظًا، وهذا طيِّب، لكِن لا بدَّ أن نَعمَل أيضًا، ومنَ الممكِن أن يقرأ الإنْسَان ما تيسَّرَ لفظًا، ثُمَّ إذا كان قد مَنَّ اللَّه عليه بحفظِه يتأمَّله، فيتأمله وهو يمشي، وهو على فراشِه، وبتأمُّل القُرْآن يَفْتَح اللَّه على الإنْسَان معانيَ ما كان يَعرِفها ولا تَخطُر له على البالِ، قَالَ عز وجل:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]، وجَرِّبْ تَجِدْ؛ لِأَنَّ القُرْآن تِبيانٌ لكل شَيْءٍ، وهذا كَلام اللَّه عنه. والَّذِي يَحُول بيننا وبينَ هَذَا التِّبيانِ لكلِّ شَيْءٍ هو عدمُ إقبالنا على هَذَا القُرْآنِ، والتأمُّل فيه، والتفكُّر فيه، وإلَّا لو أنَّنا تأمَّلناه لَوَجَدْنَاهُ تِبْيَانًا لكلِّ شَيْءٍ.

قوله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يعني استنسخها من غيرِه، وأيضًا الرَّسول عليه الصلاة والسلام هم يعرِفون أَنَّهُ كانَ أُمِّيًّا، لا يقرأ ولا يكتب،

(1)

أخر جه أحمد (5/ 410).

ص: 39

لَكِنَّه أَمَرَ غيرَه أن يكتبَها له، ولهذا المُفَسِّر رحمه الله يقول:[انْتَسَخَهَا مِن ذلك القوم بغيرِه]، انتسخها بغيره لأَنَّهُمْ ما قالوا: كتبها، قالوا: اكتتبها، يعني أمرَ غيرَه أن يكتبها له؛ لأَنَّهُمْ يعرِفون الرَّسول عليه الصلاة والسلام أنَّهُ كان أُمِّيًّا، لا يَقرأُ ولا يكتُبُ، ولا شكَّ أنَّ كُبَراءَهُم يعرِفون الحقَّ، لَكِنَّ عوامَّهم قد لا يعرِفون، قد يَخْفَى عليهم هَذَا الأمر ويقولون: أساطير الأوَّلين.

قوله سبحانه وتعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} تُمْلَى عليه يعني تُقْرَأ عليه، ليس تملى عليه لِيَكْتُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لا يكتب ولَكِن تُقرَأُ عليه {بُكْرَةً} في أول النهار {وَأَصِيلًا} في آخِر النهارِ، ثُمَّ يأتي بها للناس ويقول: هَذَا كَلام اللَّه، وهذا وحيٌ يُوحَى إليَّ، وهو في ذلك على زَعْمِهِم ليسَ بصادِقٍ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} هل يُؤْخَذ منه أن لهذينِ الوقتينِ ميزةً في حفظ القُرْآن وغيره؟

الجواب: يؤخَذ من هَذَا العموم: عموم كل وقتٍ، دائمًا إذا أُريد العموم يُذْكَرُ البُكرة والعَشِيّ؛ قَالَ سبحانه وتعالى:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]، معَ أنَّ رِزْقَهم لا يَنقطِع في الجنَّة {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33]، لكِن يُذكَر هذانِ الوقتانِ للدوام، أَمَّا بالنسبة للواقع والتجرِبة فإننا جرَّبنا أن الحفظ في أول النهار أسرع، والحفظ في آخِر النهار -حسَب ما جَرَّبْتُ أنا- ليس بسريعٍ، لَكِنك إذا قمتَ مِنَ النومِ وجدتَ أنك حافِظُه، فكل وَاحِدٍ منهما له مَزِيَّة بالنسبة للحِفظ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يجوز أن يكتب القُرْآن الكريم حسَب القواعد الإملائية الَّتِي في عصرنا؟

القول الأول: يقولون: لا يجوز مخالَفة الرسم العُثمانيّ، ويَجِب على الإنْسَان

ص: 40

إذا كتب القُرْآن لنفسِه أو لغيره تعليمًا أو تلاوةً أو أيَّ حال مِنَ الأحوال؛ يَجِب أن يَكُون على الرسم العثمانيّ؛ بناءً عَلَى أَنَّ هَذَا من باب التوقيف، فكما أنَّنا لا نغيِّر اللفظ فكذلك لا نُغَيِّر الكِتابة.

القول الثَّاني: يجوز أن يُكتَبَ القُرْآنُ بحسَبِ القواعدِ الَّتِي يُكتَب بها في أيِّ عصرٍ كان، ولا يَجِب التقيُّد بالرسْم العُثمانيّ. قالوا: لِأَنَّ الكِتَابة لها قواعد تَختلِفُ باختلاف العصورِ والأُمم، والقُرْآن لم يَنْزِلْ مكتوبًا، وإنَّما نزل مَقروءًا باللفظ، لا بالكِتَابة، فالكِتَابةُ ليستْ تَوْقِيفِيَّة، ولأنه لو كانت قواعد الرَّسْم حينَ نُزُولِ القُرْآنِ على غير هَذَا الوجهِ لَكُتب بها، يعني لو فُرض أنَّ الرسمَ حينَ نُزولِ القُرْآنِ أو حينَ جَمْعه في عصرِ عُثمان رضي الله عنه على غير هَذِهِ القواعد لكُتِبَ بها، ولم يُكْتَبْ بشَيْءٍ آخَرَ، فدَلَّ ذلك عَلَى أَنَّ الكِتَابةَ تابعةٌ للعصر الَّذِي تُكتَب فيه.

القول الثالث: التفصيل؛ إن كُتِبَ لعالم فبالرسم العثمانيّ، وإن كتب لجاهلٍ فبالرسم العَصري الَّذِي هو فيه. قالوا: لِأَنَّهُ إذا كانَ جاهِلًا ثُمَّ كُتب له على الرَّسم العُثمانيّ أخطأَ في اللفظِ، مثلًا الصلاة إذا أردنا أن نَكْتبهَا على الرسمِ العثمانيّ ففيها واو، فيقرؤها الجاهل: الصلوات مثلًا أو الصلوة، وكذلك الزكاة، وكذلك الرِّبا وما أشبهها، فهَؤُلَاءِ يُفَصِّلون بين أن يكتب لعالم وأن يُكتب لجاهل.

والصحيحُ القولُ الثَّاني؛ أَنَّهُ يجوز أن يُكتَب القُرْآن بحسَب القواعد العصرية الَّتِي كُتب بها؛ لِأَنَّ كتابته ليس بتوقيفيَّة؛ لِأَنَّهُ لم ينزِلْ مكتوبًا فنقولَ: يَجِب التوقُّف على ما نزل عليه، وإنما هو كُتب في عصرٍ كانت قواعد الرسم على هَذَا الوجه، فبقِيَ على هَذَا الوجه.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا قد يؤدي إلى التحريف؟

ص: 41

فالجواب: القُرْآن يُتلَى، فالتِّلاوة تضبِط عن التحريف.

بناءً على هَذَا الخلافِ فهل كتابةُ القُرْآن بطَريقةِ برايل تجوز أو لا؟

لا تجوز من باب أَولى؛ لِأَنَّ هَذِهِ النُّقط أبعدُ ما تكون عن الحروف، وعلى هَذَا فلا يجوز إطلاقًا أن يُكتَب، وعملُ النَّاس الآنَ على خلاف ذلك، فالآن يوجد مصاحف كاملة مكتوبة بهَذِهِ الطَّريقة لفظًا لا ترجمةً.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما المانِع أن يُكتَب القُرْآن بطَريقة برايل بالرسم العثماني؟

فالجواب: الآن مثلًا قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} [المائدة: 116]، {قَالَ} لا تكتب إلا حسب قواعد برايل، حسب رسمه بالنقاط. فَلَوْ قِيلَ: كتابة برايل أكْثَرها اختصارات، فمثلًا كلمة (كيف) يرمزون لها رمزًا؟

نقول: حتى لو فرض أنها تبقى على ما هي عليه وإذا كانت كتابة برايل أكْثَرها اختصارات بحيث يرمزون الكلمات رمزًا، فيُسقِطون بعض الحروف كتابةً، فهَذِهِ تكون أبعدَ عن الجواز، وحتى لو قُلْنا بالجواز فينظر في هذا.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كتابة المصحف على الرسم العُثمانيّ قد تشكل بالنسبة للقراءات؛ لِأَنَّهَا تَحتمِل أكْثَرَ من وجهٍ، فلو كتبت على الكِتَابة المعروفة لاحتملت وجهًا وَاحِدًا؟

نقول: القراءات على الرسم العثماني صحيح تأتي على وجوهٍ، لكِن قبل أن يوجد التشكيل والإعراب، فالإعجام الآن يَمنع، فقوله:{فَتَبَيَّنُوا} مثلًا بعد أن أُعجمتْ ونُقطتْ لا يمكن أنك تقرؤها: (فتثبتوا)، وكلمة {مَالِكِ} لو أردنا أن نَقْرَأَها على الرسم العُثمانيّ بدون تشكيل فورًا نَقْرَؤها (مَلِكِ)، ولا يمكن أن نقرأها (مالك)، وبالتشكيل نقرؤها (مالك)، لِأَنَّهُ يرمز للألف بالشرطة، فإذَن على كلِّ حالٍ

ص: 42

سَيَتبَيَّن هَذَا وهذا، فبعد التشكيل -في الحقيقة- لا تتبين القراءة، يعني لا تكون الكلمة الوَاحِدة جامعة للقراءات.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أليس القُرْآن نزل ملفوظًا به، فالمقصود تَعَلُّم اللفظ، فما المانع على هَذَا أن تكونَ الكِتَابةُ على هَذِهِ الطَّريقةِ جائزةً؟

نحن نقول بناء على الخلاف، أَمَّا إذا قُلْنا بالجواز فطَريقة برايل جائزة، لكِن الَّذِي يوجِب علينا الإِشْكال قول مَن قال: إن فيها اختصارًا. المهم أننا إذا قُلْنا بالجواز سواء تفصيلًا أو إطلاقًا فطَريقة برايل هَذِهِ جائزة للحاجة، فعلى القول بجواز كتابة القُرْآن بغير الرسم العثماني الأمر فيها واسع، وما زال النَّاس الآن بالنسبة لتعليم الصبيان يكتبونه بالرسم العصري، وأنا ليس عندي إشكال في جواز الرسم العصري حتى وإن لم يحتج الإنْسَان إليه، كما أشرنا إليه، وذكرنا ثلاثة أوجه للجواز:

الوجه الأول: أن القُرْآن نزل مَلفوظًا به لا مَكتوبًا، وحِينَئذٍ يمنع التوقيف.

الوجه الثَّاني: أَنَّهُ إِنَّمَا كُتب على هَذَا الوجه لِأَنَّ القاعدة الرسميَّة في ذلك الوقت كانت على هَذَا الوصفِ، لا لأنَّ الرَّسول مثلًا قال: اكْتبوه على هَذِهِ الصِّفةِ، أو أن جِبريل نَزَلَ به على هَذِهِ الصِّفةِ، إلى آخِرِهِ.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: في حديثٍ ذَكَرَه الزُّرقاني ذَكَرَ فيه كيفيَّة أمرِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم بكتابةِ القُرْآنِ على هَذِهِ الصِّفةِ، كأنْ يقولَ لَهُم: مُدُّوا الألفَ أوْ حرِّكوا اللامَ، ذكر فيه قواعد الرسم الخمسة: الحذف والوصل. . . إلخ؟

فالجواب: إذا قال: مُدُّوا الألف فهذا عليهم؛ لِأَنَّ (مَلِكْ يَومِ الدِينِ) إذا مُدَّتِ الألفُ ثَبَتَتِ الألفُ، معَ أني لا أَعتقِد أن هَذَا يَصِحُّ عن الرَّسولِ عليه الصلاة والسلام أبدًا،

ص: 43

يعني أن يقول: اكْتُبُوا الصلاة بالواوِ، واكتبوا الزكاةَ بالواوِ، واكْتُبُوا الربا بالواو، فالَّذِي يُغيِّر اللفظَ هو أن يأمر به الرَّسول عليه الصلاة والسلام لفظًا أي أمرًا خاصًّا، فهَذَا معلومٌ، أَمَّا الأحرف السبعة فباللفظ لا بالكِتَابةِ.

الوجه الثالث: أنَّنا نَجْزِمُ أَنَّهُ لو كانتِ القواعد الرسميَّة في ذلك الوقت على غير هَذَا الشكل؛ لَكُتِبَ بها بلا شكٍّ، فلا يُمْكِنُ أن يُكتَب بغير القواعد الرسميَّة في ذلك الوقت، لَكِنَّهُ في عهد عثمان رضي الله عنه كَتَبُوه حسَب القواعد الرسميَّة -فيما يبدو لي- في المدينة في ذلك الوقت.

فعلى هَذَا نقول: هَذَا القول هو الراجِح؛ أَنَّهُ يجوز أن يُكتَب القُرْآن بحسَب القواعد العصريَّة، والَّذِي نراه أيضًا: أَنَّهُ لا يجوز أن يُكتَب بالرسم العُثماني للجاهِلِ، فالإنْسَان الجاهل لا يجوز أن نكتُبَ له بالرسمِ العثمانيّ، والسَّبب أَنَّهُ لو قَرَأَهُ على حسَب الرسم العُثماني وهو لم يُعلَّم إيَّاه في التلاوة سوف يُحَرِّفُ القُرْآنَ.

* * *

ص: 44