الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمعنى (في)، يَقُولُونَ: مُطِرْنا بالشبط، مُطِرْنا بالمربعانية، وَمَا أَشْبَهَ ذلك، فهذا لَيْسَ بِكُفْرٍ، نقول: إن (الباء) تأتي للظرفيَّة كثيرًا، وهم يريدون بِها الظرفيَّة، فلا بأسَ به، حَسَب النيَّة.
ومِنَ الكُفْرِ بِهَذَا المطرِ مِمَّا لم يَذْكُرِ المُفَسِّر رحمه الله أنْ يُجْعَلَ ذلك سَبَبًا للأَشَر والبَطَر، مثلما يَحْصُل من بعضِ النَّاسِ إذا نزلتِ الأمطارُ وكَثُرَتِ الأبيارُ؛ صارتْ سَبَبًا لِأَشَرهِ وبَطَرِه وفُسُوقه، فهَذَا من أسبابِه، ومن أسبابِ الكفرِ أَيْضًا أَنَّهُ إذا امتنعَ المطرُ صار امتناعُه سَبَبًا لِقُنُوطِ الْإِنْسَانِ من رحمةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، والقُنُوط من رحمةِ اللَّهِ من كبائرِ الذنوبِ، وَلَيْسَ بالأمرِ الهيِّن، فلا يجوزُ للإنْسَانِ أنْ يَقْنُطَ من رحمةِ اللَّهِ، ولا أنْ يأمَن مَكْرَ اللَّهِ، لا هَذَا ولا هذا.
وقوله عز وجل: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ} فِي هَذَا دليلٌ عَلَى أن النَّاس يَنقسِمون إِلَى قسمينِ: كافر ومؤمِن، وهو كَذَلِك، لكِن لَيْسَ فِي هَذِهِ النعمةِ فقطْ، بل بجميعِ النِّعَم، فمِن النَّاسِ مَن يُؤمِن بِهَا، ومن النَّاس مَن يَكْفُر باللَّه سبحانه وتعالى وبهَذِهِ النِّعَمِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: كَمَالُ القُدرة؛ لِقولِه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانيةُ: ثُبُوتُ الحِكمة للَّه عز وجل؛ لِقَوْلِهِ: {لِيَذَّكَّرُوا} فـ (اللام) للتعليلِ.
الْفَائِدَةُ الثالثةُ: بُلُوغ الغايةِ فِي الكُفْرِ من بعضِ النَّاسِ؛ لأَنَّهُ إذا كَانَ اللَّه تَعَالَى يُرِيهم آيةً ليَتَذَكَّروا بِهَا، فلا يزدادون إِلَّا كُفُورا، فهذا -والعياذُ باللَّهِ- فِي غايةِ ما يَكُونُ مِنَ الكفرِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذا لم تَحْصُلْ له الآياتُ فقد يُعْذَرُ بِكُفْرِهِ، لكِن إذا حَصَلَتِ الآياتُ ولم يَنْتَفِعْ صارَ أشدَّ.
الْفَائِدَةُ الرابعةُ: استعمال المؤكِّدات فيما يَنبغي تأكيدُه، نأخذه من القَسَم في قولِه:{وَلَقَدْ} ؛ لِأَنَّ مثل هَذَا التعبيرِ كما مرَّ كثيرًا يُعتبَر مؤكَّدًا بثلاثةِ مؤكِّدات؛ بـ (اللام) و (قد) والقسم، واللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَائِدَةُ الخامسة: إبطالُ مَذهَب الجَبْرِيَّة؛ لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} فجعل هَذَا باختيارِهِم، أَبَوْا إِلَّا أنْ يَكْفُروا بذلك، وهذا الكفر عامٌّ، يَشمَل كلَّ ما يُتَصَوَّر من أنواعِ الكفرِ، حَتَّى الكفر الأصغرُ، وذلك سَبَب فِي الأَشَر والبَطَر؛ حيثُ يَمْرَحُ النَّاسُ مثلًا ويَفْسُقُون ولا يُؤَدُّون ما أوجبَ اللَّهُ عليهم من صلاةِ الجماعَةِ وغيرِ ذلكَ، فهذا مِن هَذَا النوعِ.
* * *