الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو صفة المغفرة والرَّحمة والقُدرة، وكذلك هنا {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} ليس المعنى أن الشيطان كان خذولًا للإنْسَانِ فيما مضَى وأصبحَ غيرَ خَذولٍ، بل المعنى أن هَذَا وصف ملازِمٌ للشيطانِ بالنسبة للإنْسَانِ، فالشيطان وَصْفُه الخِذلان لبني آدمَ دائمًا، ليس معناه فيما مضَى فقطْ، وإنما أخبرنا اللَّهُ تبارك وتعالى بأنَّ الشيطانَ خَذُولٌ للإنْسَانِ لأجلِ أنْ نتَّخِذَه عدوًّا، وألَّا نَغْتَرَّ به، فَإِنَّهُ سوف يخذُلنا في موطنٍ نحتاجُ فيه إلى نَصرِهِ فنَحْذَر منه.
فإذا قال إنْسَان: ما علامة كونِ هَذَا الفعلِ من أوامرِ الشيطانِ، وما الَّذِي يدرينا أن الشيطان أَمَرَنا بهذا، وأن هَذَا من عملِ الشيطانِ؟
الضابط قوله سبحانه وتعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، فإذا رأيْنا أن النفسَ تُرِيد منَّا أنْ نقعَ في هَذَا العملِ إذا كان مخالفًا للشرعِ؛ علِمنا أنَّ هَذَا من أمر الشيطانِ، فوجبَ علينا الحَذَر منه؛ لأننا نَعْلَم أن هَذَا الشيطان سَيَخْذُلنا في موطنٍ نحتاج فيه إلى النصرِ، هَذِهِ هي العلامة الفارِقة بينَ ما يَكُون من أمر الشيطانِ وما يَكُون من أمر اللَّه تبارك وتعالى.
وأيضًا النفسُ الأمَّارة بالسُّوء تَأْتَمِر بأمرِ الشيطانِ؛ لأنك لا تُحِسّ بأن الشيطانَ نزل بك وجاء بك، لكِن نفسك تأمرك بهذا، فهي تأتمِر بأمرِ الشيطانِ، فيجعلها كالوسيط بينَه وبين قلبِ المرءِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأولى: التحذير من قُرَنَاء السّوء؛ لقولِه: {لَقَدْ أَضَلَّنِي} .
الْفَائِدَة الثَّانية: أن الكافرَ، بل عموم الظالمينَ، في يوم القيامة يُؤمِنون بالحقِّ؛
لِقَوْلِهِ: {عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} ، فأقرَّ بأن الذكر قد جاءه، وأقرَّ بأن ما جاءه ذِكر يتذكَّر به المرءُ.
الْفَائِدَة الثالثة: أن الشيطان يأمر الإنْسَان ثم يَخْذُله أحوجَ ما يَكُون إليه؛ لقولِه سبحانه وتعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} . ومن الأمثلة لخِذلان الشيطان لأصحابِه في الدُّنْيا من القُرْآنِ ما تقدَّم في قوله تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، ومن أمثلة خِذلانه لهم في الآخرة قوله سبحانه وتعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22]، وَأَمَّا قوله تَعَالَى:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} [الحشر: 16]، فربما يَكُون في الدُّنْيا والآخرة، فالآية ليست بصريحةٍ أنها في الآخرة.
الْفَائِدَة الرابعة: أن الغَرَضَ من إخبار اللَّه سبحانه وتعالى عن الشيطانِ بأنه خَذُول لبني آدمَ أو للإنْسَانِ التحذيرُ، والعلامة عَلَى أَنَّ هَذَا من أوامرِ الشيطانِ قولُه تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168 - 169]، ومثل قوله عز وجل:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، فقوله سبحانه وتعالى:{يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} هَذَا مثال للتفريط في الأوامر، ومتى يَعِدُ الفقر؟
يعد الفقر عندما يريد الإنْسَانُ أن يَبْذُلَ المالَ يقول: لا تبذل المال؛ لأنك سَتَفْتَقِر، {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} أي المنكر.
* * *