الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (31)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31].
* * *
لمَّا قال الرَّسول عليه الصلاة والسلام: {يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} وهذا من الرَّسول عليه الصلاة والسلام شِكاية لقومِه؛ لِأَنَّهُ تضايَقَ بهم، فأنزل اللَّه عليه تسليةً له وجوابًا لِشِكايتِه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} ، {وَكَذَلِكَ} (الكاف) اسْم بمعنى (مثل)، وهي تأتي في القُرْآنِ كثيرًا، فكُلَّمَا جاءت فإننا نُعرِبها هَذَا الإعراب، على أنها اسْم بمعنى مثل، وَأَمَّا إعرابها فهي مفعول مطلَق، وعاملها الفعل الَّذِي بعدَها، أي: ومِثْل ذلك الَّذِي جعلناه جعلناه لكل نبي، فهَؤُلَاءِ المشركون الَّذِينَ جعلوا القُرْآن مهجورًا ونَبَذُوه وراءَ ظُهُورهم ودَعَوْا إلى هجره وسخِروا به لَيْسُوا بِدَعًا من غيرهم، فقد سبقَ لكلِّ نبيٍّ كذلك.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَكَذَلِكَ} كما جَعَلْنَا لكَ عدوًّا من مُشْرِكِي قومِك {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ} قبلَك {عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} المشركين، فاصبِرْ كما صَبَرُوا]، وفي هَذَا من تسليةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما هو ظاهرٌ؛ لِأَنَّ الإنْسَانَ يَتَسَلَّى إذا كان غيرُه قد أُصِيبَ بمثلِ مُصِيبَتِه، تقول الخَنْسَاءُ وهي تَرْثِي أخاها صَخْرًا
(1)
:
(1)
نهاية الأرب للنويري (5/ 179)، والبيتان في الديوان.
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي
…
عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ
…
أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
فإذا عَلِمَ النَّبي عليه الصلاة والسلام أن هَذَا دَأْبُ قومِ الأنبياءِ من قِبَلِه فَإِنَّهُ يَتَسَلَّى ويُهَوَّنُ عليه الأمرُ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} لك {وَنَصِيرًا} ناصرا لك على أعدائك].
قوله: {وَكَفَى بِرَبِّكَ} (الباء) يَقُولُونَ: إنها زائدة إعرابًا فقطْ، ولها معنى، و (ربك) فاعل (كفى)، يعني: وكفى رَبُّكَ، و (هاديا) تمييز محوَّل عن الفاعلِ، يعني كفت هدايته ونصره، والتمييز قد يحول عن الفاعل، وقد يحول عن المفعول، فقوله سبحانه وتعالى:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} محوَّل عن المفعولِ؛ لِأَنَّ الأَصْلَ: وَفَجَّرْنَا عيونَ الأرضِ، هنا {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} الأَصْل: وكفتْ هدايةُ ربِّك ونصرُه.
{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} أي: ناصرًا لك على أعدائِك. ووجه المناسبةِ بين قولِه عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} وقوله: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} أقول: المشركون الَّذِينَ يُنابِذون الرُّسُلَ يَقصدون بذلك أمرينِ؛ إضلالَ النَّاسِ للحيلولةِ دونَ وصولِ الهِدايَةِ إليهم، والعُدوان على الرُّسُلِ حتى بالحرب والقتال، فبيَّن اللَّه سبحانه وتعالى أن هَذِهِ المحاولة ليستْ بشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّه تبارك وتعالى كَفَى به هاديًا، فلا يستطيع هَؤُلَاءِ الأعداءُ أن يُضِلُّوا أحدًا، وكفى به نصيرًا، فلا يستطيع هَؤُلَاءِ الأعداءُ أن يَقضُوا على دعوةِ الرسُلِ.
* * *