المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (49) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {لِنُحْيِيَ بِهِ - تفسير العثيمين: الفرقان

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآيتان (7، 8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌الآيات (17 - 24)

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌فائدتان:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (51، 52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

- ‌الآية (65)

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌الآيتان (68، 69)

- ‌الآية (70)

- ‌الآية (71)

- ‌الآية (72)

- ‌الآية (73)

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌الآية (76)

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (49) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {لِنُحْيِيَ بِهِ

‌الآية (49)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 49].

* * *

قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} بالتخفيفِ، يَسْتَوِي فِيهِ المذكَّر والمؤنَّث، ذَكَّرَهُ باعتبارِ المكانِ، {وَنُسْقِيَهُ} أي الماء {مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا} إِبِلًا وبَقَرًا وغَنَمًا، {وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} جمع إنْسَانٍ، وأصلُه أَنَاسِين، فأُبْدِلَتِ النونُ ياءً وأُدغِمَتْ فِيهَا الياءُ، أو جمع إِنْسِيٍّ].

ذكر اللَّه سبحانه وتعالى من فوائد هَذَا المطر فائدتينِ: أَوَّلًا: إحياء البَلْدَةِ المَيْتَة؛ لِأَنَّهُ قال: {بَلْدَةً مَيْتًا} ، ولم يقل: ميتة، والمُفَسِّر رحمه الله يقول:[بالتخفيف، يَستوي فِيهِ المذكَّرُ والمؤنَّثُ باعتبار المكانِ] كذا عندي، لكِن الصواب أن يقال:(أو ذَكَّرَه باعتبارِ المكان)؛ لِأَنَّهُ إذا استوى فِيهِ المذكَّر والمؤنَّث لا يَحتاج إلى أن نُعَلِّلَ أَنَّهُ ذُكر باعتبارِ المكانِ.

فنقول: الصواب أن يقالَ: "أو ذكَّره باعتبار المكان"، فكلمة (ميتًا) إذا كَانَ يستوي فِيها المذكَّر والمؤنَّث صار قولك ميتًا أو ميتةً عَلَى حدٍّ سواء، وَأَمَّا إذا قُلْنَا: إِنَّهُ للمذكَّر فحينئذٍ نحتاجُ إِلَى الجوابِ عن كونِه وُصِف بِهِ مؤنَّث (بلدة) فيقول رحمه الله: [إِنَّهُ ذكَّره باعتبار المكان].

ص: 207

قوله: {لِنُحْيِيَ بِهِ} (الباء) هنا للسَبَبيَّة، والمحيي هو اللَّهُ، ولكنَّ المطرَ سَبَبٌ.

وقوله: {مَيْتًا} وَصْفُ البلدةِ هنا بالمَيْت هل المراد نفسُ الْأَرْضِ تكونُ ميتةً أو ما عليها؟

الجواب: ما عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَائِدَة مِنَ الْأَرْضِ هي ما عَلَيْها والَّذِي ترعاه الإبل والبقرُ والغنمُ هو ما عَلَى الْأَرْض، فإنها لا تأكل الترابَ والحَصَى، فإحياؤها باعتبارِ ما فِيها أَنَّهُ يَحْيَا وينمو ويكبر، فنفس الْأَرْض لا يدخلها الحياة والمَوْت، نفس الْأَرْض يَعْنِي الأحجار والطِّين لا يدخلها الحياة والمَوْت، إِنَّمَا تدخل الحياة والمَوْت ما فِيهَا، ولهذا قَالَ فِي آية أخرى:{اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5]، والاهتزاز والرُّبُوُّ إِنَّمَا يَكُون فيما عَلَيْهَا، أمَّا هِيَ فلا تَهْتَزُّ.

قوله: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ذَكَرَ اللَّه سبحانه وتعالى أَنَّهُ أنزلَهُ لِيُحْيِيَ بِهِ البلدةَ، فيَقتضِي هَذَا التعليلُ أَنَّهُ ما منْ قطرةٍ تَنزِلُ مِنَ السماءِ إِلَّا ويَحْصُلُ بِهَا حياة الْأَرْض، وإلَّا لَفَسَدَتِ العِلَّة، ولكن يقالُ: هَذَا سَبَبٌ، والأَسْباب قد تَتَخَلَّف لوجودِ الموانِعِ، وقد لا تؤثر لوجودِ الموانعِ، فذنوب بني آدمَ من موانعِ إحياءِ الْأَرْضُ لو نزلَ المطرُ، ويَكُون هَذَا أشدَّ وأَنكَى وأبلَغَ فِي التذكُّرِ؛ إذا نزل المطرُ ولم تُنْبِتِ الْأَرْضُ، ولهذا جاء فِي الحديث:"لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا"

(1)

. وهذا هو الصحيحُ، أحيانًا تأتي أمطارٌ كثيرةٌ ولا تجد حياةً فِي الْأَرْض، وأحيانًا تأتي أمطار قليلة وتَحْيَا بِها الْأَرْضُ حياةً طيِّبةً، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أن هَذَا المطرَ سَبَبٌ لحياةِ الْأَرْضِ، ولكن الأَسْباب قد تَتَخَلَّف مُسَبَّبَاتُها لوجودِ الموانِعِ.

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة، رقم (2904).

ص: 208

قوله: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا} هذه فائدةٌ أُخْرَى لِلْمَطَرِ؛ أَنَّهُ يُسقَى بِهِ الأَنْعامُ والنَّاسُ، لكِن كيف ذلكَ؟ هل هو بالغُدرانِ الَّتِي تَبْقَى عَلَى وجهِ الْأَرْضِ، أو أن هَذَا الماءَ يُخْزَنُ فِي الْأَرْض، أو بهما؟ بهما جميعًا؛ لأنَّ سَقْيَ المطرِ يَكُونُ عَلَى هذينِ الوجهينِ؛ إما غدران تكون فِي قِيعانٍ لا تشرب فيَنْتَفِع النَّاس بِهَا، وإمَّا أنَّ الْأَرْضَ تشربه ويُحْزَن فِيهَا؛ كما قَالَ اللَّه تَعَالَى:{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]، بل الَّذِي يَخْزُنُهُ اللَّه سبحانه وتعالى.

قوله: {أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ} هنا قَالَ: {أَنْعَامًا} ، وما قَالَ: أَنْعامًا كثيرةً، والأناسِيُّ قال:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} وَفِي هَذَا التعبيرِ إشكالانِ:

الإِشْكال الأوَّلُ: لمِاذا وصفَ الأناسيَّ بالكثيرِ ولم يَصِفِ الأَنْعامَ بالكثيرِ؟

الإِشْكال الثَّاني: أننا نعلمُ أن اللَّه تَعَالَى يَسقِي بهذا الماءِ كلَّ الأَنَاسِيّ، فكلُّ النَّاسِ يشربونَ منه، فلماذا قَالَ:{وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} ، يَعْنِي كأنه يُفهم أنَّ مِنَ الأناسيِّ من لا يُسقَى بماءِ المطرِ، فما هو الجواب عن الإِشْكال الأول: وصف الأناسيّ بالكثرةِ دونَ وَصف الأَنْعامِ؟

إِذَا قُلْنَا: إن {كَثِيرًا} صفة للأناسيّ والأَنْعام زالَ الإِشْكالُ، وقد يقال -واللَّهُ أَعْلَمُ -: إن بعض الأَنْعامِ لا يحتاجُ إِلَى الماء حَسَب ما نَسمَع، وبعضها لا يحتاج إِلَّا قليلًا جدًّا، فهناك أشياءُ كثيرةٌ يَعُدُّونها علينا يقولون: لا تَحتاج إِلَى ماءٍ، أو إذا شَرِبَتْ لا تشربُ إِلَّا قليلًا جِدًّا، تقريبًا مرة فِي السنة، فإذا صحَّ هَذَا فَهُوَ من الحِكْمَةِ، قد يَكُون هَذَا من الحِكْمَةِ بعدمِ وصفها بالكثرةِ.

لكِن يَبْقَى عندنا الإِشْكالُ الثَّاني فِي قوله: {وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} مع أن جميع الأناسيّ يشربون؟ ممكن أن نقول: إن اللَّه عز وجل يبيِّن أن الأناسيَّ كثيرون، ولا يلزم

ص: 209

من هَذَا أن بعضهم لا يذكر وأن تكون هذه الكثرة كثرة شاملة، مثلما تقول: الجُنْد كثيرون، أو عند الأمير جُنْدٌ كثيرٌ، كلمة (جُند كثير) تَشْمَل جميع الجنود وتصفهم بالكثرةِ، و (أناسيّ) أَيْضًا تَشمَل جَمِيع النَّاسِ وَتَصِفُهم بِالْكَثرةِ.

إذَنِ الإِشْكالُ الَّذِي يَتبادَرُ فِي الأوَّل نتخلص منه بأن نجعلَ (كثيرًا) صفة للأمرينِ؛ أَنْعامًا كثيرًا وأناسيّ كثيرًا، وليس كقول اللَّه تَعَالَى:{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]؛ فإن {كَثِيرًا} لا تَصِحُّ أنْ تكونَ صفةً للأمرينِ لِأَنَّهَا مقدَّمة عَلَى النساء، أَمَّا هَذِهِ فيمكن أن يقال بأنها وصف للمعطوف والمعطوف عليه، وأمَّا {كَثِيرًا} فَإِنَّهُ لبيان الواقع وليس لإخراج البعض، ونَظيرُهُ فِي التمثيل -كما تَقَدَّمَ- أن تقولَ مثلًا: عندَ الأميرِ جُنْدٌ كثيرٌ، أو خرج إِلَى العدوِّ جيشٌ كثيرٌ، فَهُوَ وصفٌ له بالكثرةِ، يَعْنِي أناسي لَيْسُوا بالقليلينَ، فهَذَا هو المعنى: أَنْعامًا ليستْ قليلةً وأناسيّ لَيْسُوا قليلين، بل كثيرون، ويَكُون هَذَا بيانًا لِشُمُول انتفاعِ الخَلْقِ ناطقهم وبَهِيمهم بهذا الماء؛ أَنْعامًا كثيرًا وأناسيّ كثيرًا.

الآن تَوَصَّلْنا إِلَى أنَّ الكثيرَ صِفَة للأَنْعامِ، والأناسيّ بالنسبةِ لكثرةِ الأَنعامِ هل نقول: كثرة الجِنْس والأنواع، أو كثرة الأفراد، أو الجميع؟ نقول: الجميع، وبالنسبة للأناسيّ كثرة الأفراد؛ لِأَنَّ الأناسيَّ جِنسٌ وَاحِدٌ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لماذا ذكر الأَنْعامَ قبلَ الأناسيّ؟

الجواب: الظاهرُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- للكثرةِ؛ لِأَنَّهَا أكْثَرُ أنواعًا وأفرادًا، والكَلام عَلَى إفادتها مِنَ المطرِ، فتقديمها لِأَنَّهَا أكْثَرُ.

وقد يقالُ: إن إحياءَ الْأَرْضِ لمصلحةِ الْإِنْسَانِ، وسقي الأَنْعامِ لمصلحةِ الْإِنْسَانِ، وسقي الْإِنْسَانِ هَذِهِ لمصلحة نفسِه، فقدّم ما يَكُون انتفاعًا غير مباشرٍ

ص: 210