الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (76)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 76].
* * *
قوله: {خَالِدِينَ} أي ماكِثِينَ، وهنا أطلقَ الخلودَ وقيَّده بِالأَبَدِيَّة فِي مواضعَ مُتَعَدِّدَةٍ بالنسبةِ لأهلِ الجنَّةِ، وكَذَلِك بالنسبةِ للنارِ ذكر اللَّه تَعَالَى فِيهَا الخلودَ مُطْلَقًا ومُقَيَّدًا بالأبديَّة.
قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا} أي فِي هَذهِ الغُرْفَة، أي ماكِثِينَ أبدًا، ثم أَثْنَى اللَّهُ عَلَى هَذهِ الغُرفةِ بقولِهِ:{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} ، قَالَ المُفَسِّر رحمه الله:[مَوْضِع إِقَامَة لَهُم]، فهم ضِدُّ أهلِ النارِ الَّذِينَ قَالُوا فيها:{إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66]، لكِن فِي هَذهِ الآيةِ:{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [مَوْضِع إقامةٍ]، وَفِي قوله سبحانه وتعالى:{سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} قَالَ رحمه الله: [أيْ مَوْضِع استقرارٍ وإقامةٍ]، وهَذِهِ الآيةُ يَنْبَغِي أنْ تكونَ مِثْلَها، لكِن هل بينَهما فرقٌ، أي بَيْنَ المُسْتَقَرّ والمُقام؟ المُسْتَقَرُّ الشَيْء الثابِت، والمُقَام الَّذِي يُقيم فِيهِ الْإِنْسَانُ، سواء استقرَّ أمْ لَمْ يَسْتَقِرَّ. فإنْ قيلَ: لا حاجةَ إِلَى قولِهِ: (وَمُقَامًا)؛ لأن الجنَّة أو النارَ مُسْتَقَرٌّ دائمٌ {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39]؟ نقول: المُسْتَقَرُّ باعتبارِ المكانِ، والمُقَام باعتبارِ ما يَحْصُل لهم من النَّعِيم والسُّرور والتحيَّة، وغير ذلك، تقول: مُقامي فيكم سُرُور، أو مقامي فِي هَذَا المكانِ حُزْنٌ، أو ما أشبهَ ذلكَ، ويمكن أَيْضًا أن يقال:
المُقام بالنسبةِ للزمنِ، يَعْنِي أنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْهَا مكانًا وزمنًا، وكوننا نُحاوِل أنْ يَكُونَ بَيْنَ اللفظينِ تغايُر أَوْلى من الترادُف؛ لأننا إذا قُلْنَا بالترادُفِ فِي هَذَا وغيرِه صارَ فِي المسألةِ تكرارٌ، والأَصْلُ عَدَمُ التكرارِ، فحاوِلْ ما استطعتَ أنْ تَجْعَلَ اللفظينِ متغايريْنِ إذا أمكنَ فِي كلِّ آية، فِي آياتِ القُرْآنِ وغيرِ القُرْآنِ، فحاوِلْ فِي كلِّ كَلامٍ فصيحٍ أنْ تكونَ الألفاظُ مُتَمَيِّزًا بعضُها عن بعضٍ فِي المعنى؛ لأن الترادفَ لا يُصارُ إليه إِلَّا عندَ الضروةِ؛ لِأنَّهُ مجرَّد تكرارٍ.
قوله: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [وأُولَئِكَ وما بعدَه خبرُ عِبَادِ الرَّحمنِ المُبْتَدَأ]، وعِبَاد الرَّحمنِ أولئك يُجْزَوْنَ الغرفةَ هَذَا بعيدٌ جِدًّا أنَّ اللَّه عز وجل يَذْكُرُهم لِيُبَيِّن جَزَاءَهم، وإنما يَذْكُرُهم لِيُبَيِّنَ صِفَاتِهِم أولًا، ثم يأتي بالجزاءِ كالخاتمةِ، فالصوابُ، بل المتعيّن، أن تكونَ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} مبتدأ، وخبره {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} وما عُطِفَ عليه، وتكون جملة:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} استئنافيةً لِبَيَانِ جزائهم عَلَى هَذِهِ الأعمالِ.
بعدَ أنِ انتهتْ هَذِهِ الصِّفاتُ الجليلةُ لم نَأْخُذْ فوائدَها، وعَمْدًا فَعَلْنَا ذلكَ؛ لأجلِ أنْ نَسْتَنْبِطَ الفوائدَ بعدَ استكمالِ الصِّفاتِ؛ لأنَّ الكَلامَ مُتَّصِلٌ بعضُه ببعضٍ، ولَكِن إذا رأَى الطالبُ أنْ يَمْتَحِنَ عَضَلاتِه العقليَّة والفكريَّة بأنْ يَسْتَنْبِطَ ما يُستفادُ مِنَ الآياتِ، ومنَ الأحكامِ العمليَّة والعِلمية والسلوكيَّة، وصفات اللَّه سبحانه وتعالى، وغير ذلك، ويُعِدّ الطالب عِدَّة ورقاتٍ: ورقة لمِا فِي الآياتِ من صفاتِ اللَّهِ مثلًا، وورقة لمِا فِيهَا مِنَ الأخلاقِ، ووَرَقَة لمَا فِيهَا مِنَ العملِ؛ لأن الآياتِ فِيهَا عمل وفيها أخلاق، وإذا شاء أنْ يسيرَ عَلَى ترتيبِ الآياتِ فلا بأسَ، لكِن ربما تَخْتَلِفُ أفهامُ النَّاسِ فيَظُنّ هَذَا من بابِ السلوكِ، وذاك يقولُ: من باب العملياتِ، إذَن نسير
عَلَى ترتيبِ الآياتِ، فَهُوَ أسهلُ بِلَا شَكٍّ وأضمنُ، ويمكن أنْ يَستعينَ الطالبُ ببعضِ الكتبِ، لكِن لا ينقُل نقلًا، وموضع البحث كما تقدَّمَ من قولِهِ:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} إِلَى قولِهِ: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} .
* * *