المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان (7، 8) - تفسير العثيمين: الفرقان

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآيتان (7، 8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌الآيات (17 - 24)

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌فائدتان:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (51، 52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

- ‌الآية (65)

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌الآيتان (68، 69)

- ‌الآية (70)

- ‌الآية (71)

- ‌الآية (72)

- ‌الآية (73)

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌الآية (76)

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌الآيتان (7، 8)

‌الآيتان (7، 8)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: 7 - 8].

* * *

قوله: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} .

قُلْنَا: إن (ما) استفهاميَّة، و (لهذا) جار ومجرور خبر المبتدأ، و {يَأْكُلُ الطَّعَامَ} الجملة ما محلها مِنَ الإعراب؟ نأتي بآيةٍ تُشْبِهُها حتى يَتَّضِحَ لنا:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49]، كيف نعرب {مُعْرِضِينَ}؟ حال. إذن قوله:{يَأْكُلُ الطَّعَامَ} الجملة حاليَّة، يعني ما باله آكِلًا للطعام، كأَنَّهُمْ يقولون: لو كان رسولًا لم يأكل الطعام. هَذِهِ وَاحِدةٌ.

ثانيًا: {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} يمشي في الأسواق مع النَّاس لا يَتَرَفَّع ولا يَختبئ في بيته، ولا يمشي ومعه جنوده يمينًا وشِمالًا وأمامًا وخلفًا.

ثالثًا: لماذا يمشي في الأسواق؟ {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} ، يعني كأَنَّهُمْ يقولون: ولماذا لم يكن معه مَلَك؛ لِأَنَّ {لَوْلَا} بمعنى (هلَّا)، وهي للتحضيضِ.

ص: 48

وقوله: {مَلَكٌ} أحد الملائكة، وهو مشتقٌّ مِنَ الأَلُوكَة، وهي لغة الرِّسَالة، وقد قَالَ اللَّه تَعَالَى:{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر: 1].

قوله: {فَيَكُونَ مَعَهُ} مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم {نَذِيرًا} يعني منذرًا؛ لِيُعْلَم بذلك أَنَّه صادق.

الوجه الرابع: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [مِنَ السَّمَاء ينفقه، ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلبِ المعاشِ].

قوله: {يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} يعني يُنزل كَنْزٌ مِنَ السماءِ، وإنما قُلْنا: مِنَ السَّمَاء لِأَنَّ قوله: {إِلَيْهِ} يدل على الانتهاء والغاية، وإلا مِنَ الجائز أن يَكُونَ معنى قوله:{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} يعني يجد كَنزًا في الأرض، ولَكِنَّ (إلى) تفيد الانتهاء والغاية، فيَكُون معنى هذا: يُلْقى إليه مِنَ السماء، أي يُنْزَلُ إليه مِنَ السَّمَاء كَنز ليَكُونَ ذا مالٍ كثيرٍ؛ فلا يَحتاج إلى المشي في الأسواق، ولا يُصيبه الفقر كما هي حال النَّبي صلى الله عليه وسلم الآن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، قالوا:{لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} .

{أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [بستان {يَأْكُلُ مِنْهَا} أي من ثمارها فيَكتفي بها، وفي قراءةٍ: "نأكل" بالنون، أيْ نحنُ، فيَكُون له مَزِيَّة عَلَيْنَا بها]، قوله [وفي قراءة]، أي سَبْعِيَّة؛ لِأَنَّ قاعدة المُفَسِّر رحمه الله أَنَّهُ إذا قال:"وفي قراءة" فهي سبعيَّة، وإذا. قال:(وقُرِئ) فهي شاذَّة. إذَن فيها قراءتان {يَأْكُلُ مِنْهَا} و"نأكلُ مِنهَا"

(1)

. فهَذِهِ خمسةُ أشياءَ اعْتَرَضُوا بها.

(1)

الحجة في القراءات السبع (ص 264).

ص: 49

قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ} أي الكافرون للمؤمنين {إِنْ} ما {تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} مخدوعًا مغلوبًا على عقله].

قوله: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} أولًا في هَذَا إظهار في مَقام الإضمارِ؛ لأنه قَالَ قبلُ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} ، وهنا {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} والإظهارُ في مَقامِ الإضمارِ له فوائدُ:

الْفَائِدَة الأُولى: أَنَّهُ يُسجِّل على هَؤُلَاءِ وصفهم بهذا الظاهر، إن كان كفرًا فَهُوَ كفر، أو كان ظلمًا فَهُوَ ظلم، أو فسقًا فَهُوَ فِسق، أو إيمانًا فَهُوَ إيمان، إلى آخرِه.

الْفَائِدَة الثَّانية: أن هَذَا الحكم أو هَذَا القول أو هَذَا الفعل ظلمٌ من أيِّ إنْسَانٍ وقع؛ لِأَنَّهُ للتعليل، فهذا القول يُعتبر مِنَ الظلم، فيَكُون الأمر شاملًا، يعني أن كلَّ مَن قالَ فَهُوَ ظالِمٌ.

الْفَائِدَة الثالثةُ: التنبيه: تنبيه المخاطَب، لِأَنَّ اختلاف الكَلام أو اختلاف النسق في الكَلام يُوجِب الانتباه، فالكَلام إذا كان على نَسَق وَاحِدٍ فإن الإنْسَان يَنسجم، وربما يسرح، فإذا جاءه شَيْءٌ على خلافِ النمطِ الأولِ حَصَلَ بذلك الانتباه، وهَذِهِ الْفَائِدَة لفظيَّة، والفائدتانِ الأُوليانِ معنويَّتان.

قوله: {إِنْ تَتَّبِعُونَ} يقول المُفَسِّر رحمه الله: [{إِن} ما]، (ما) هَذِهِ تفسير لـ {إِن} ، يعني أن {إِن} نافية، وإذا كانت نافيةً فالمسألة فيها حَصرٌ، يعني ما تتبعون إلا رجلًا، وهذا أبلغُ من قولهم: إنكم تتبعون رجلًا مسحورًا، يعني كأَنَّهُمْ قالوا: إن الرَّسول عليه الصلاة والسلام ليس له حال مِنَ الأحوال إلا أَنَّهُ مسحورٌ، أي: مخدوع مغلوب على عقله ومختل العقل بالسحر. ومنَ العجائب أَنَّهُمْ أحيانًا يقولون: إِنَّهُ ساحرٌ، وأحيانًا يقولون: إِنَّهُ مسحورٌ، وبينهما فرقٌ، لكِن مع هَذَا المبطِلُ كلُّ ما يمكِنه

ص: 50

مِنَ الدعاوي الباطلة يأتي بها، ولو تناقضتْ.

فننظر الآنَ إلى هَذِهِ الأشياءِ الستِّ الَّتِي قَدَحُوا في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بها:

أوَّلًا: قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} نجيبهم بأنه بشر، فَهُوَ محتاج إلى الطعام، وهذا ليسَ بقادحٍ ما دامت القرائنُ أو البيِّنات شهِدتْ بصدقِه، فإن كونه يأكل الطعام لا يَمنعُ من صدقِه؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ.

ثانيًا: قولهم: {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} نَرُدّ عليهم بأن هَذَا مما يؤيِّد كونَه رسولًا، لا مما يناقِض كونه رسولًا؛ لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ على تواضُعِهِ وعلى محَبَّتِه لأنْ يَكُونَ بين أُمَّته يفيدهم ويَسْتَفِيدون منه، إذَن فهَذِهِ كونها دليلًا على الرِّسَالةِ أوضحُ من كَوْنِهَا مانعًا منَ الرِّسَالةِ.

ثالثًا: قولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} كأنَّهم يقولون: ولماذا لم يُنْزَلْ عليه مَلَكٌ؟ فيُقال: أولًا: إِنَّهُ أُنِزْلَ إليه مَلَك لَكِنَّه ليس كما طَلَبُوا يَمْشِي معَه ويُنذِر، فإنَّ جِبريلَ قد أُنزل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعه الوحيُ، وهذا هو ما يقوله النَّبيّ عليه الصلاة والسلام، وأمَّا كونه معه مصاحِبًا له فهذا لا يَقدَح في الرِّسَالةِ إذا لم يَكُنْ مصاحبًا؛ لِأَنَّهُ لو كانَ مصاحِبًا وجاء على غير صفةِ الملائكةِ عاد الأمرُ كما كان، وصارت الحُجَّة الَّتِي يَحتجُّون بها أو الشُّبهة الَّتِي يَحتجون بها موجودةً، ولو جُعِلَ في صورة الملَك لكان يُقضَى عليهم إذا لم يُؤمِنوا؛ لِأَنَّ الآياتِ المعيَّنة إذا طُلِبَت ولم يُؤمِن مَن طَلَبها فَإِنَّهُ يُهْلَكُ، وأمَّا آية انشقاق القمرِ فليستْ معيَّنة، ولهذا قيَّدناها بالآياتِ المعيَّنة إذا طُلِبَتْ، أمَّا إذا قالوا: أَرِنا آيةً ولم يُعَيِّنونها فهذا قد لا يَهْلِكون به.

رابعًا: قولهم: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} يقولون: لماذا لم يكنْ هَذَا غنيًّا، فكونه قليلَ ذاتِ اليدِ يدُلُّ على أَنَّهُ غير رسولٍ، يقولون: أنت رسول فلماذا لم يَنزِلْ عليك

ص: 51

كَنز تَستغني به عن طلب الرزق؟ بماذا نُجيبهم؟ دَفع قولهم أنَّ النَّبيَّ -صلي اللَّه عليه وسلم- خُيِّر بينَ أن تُسيَّر معه الجبال ذَهَبًا أو خُيِّر بين أن يَكُونَ ملِكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار هذا.

لَكِنْ هَذِهِ ليستْ مقنِعةً لهم، فنقول: الرِّسَالة لا تَتَوَقَّف على المال، وليس المال دليلًا للرسالة؛ لِأَنَّ هناك أُناسًا كثيرينَ أغنياء ولَيْسُوا برسلٍ. ثُمَّ نقول: إن عدم المال معه قد يَكُون أكْثَر لتأييد كونه رسولًا؛ لِأَنَّهُ لو نزل إليه مال وكان عندَه كَنزٌ واتبعه النَّاس مِنْ أجْلِهِ لصارت المسألة أَنَّهُمْ ما اتَّبعوه مِنْ أجْل رسالته، ولقيل: اتبعه النَّاس مِنْ أجْل كَنزه وغِناه. إذَن نقول: كونه لم يُنزَل عليه كَنز ليس مانعًا مِنَ الرِّسَالة؛ لِأَنَّ ثبوت الرِّسَالة لا يتوقف على الكنز، بل تَثْبُتُ بدونه، فهذا إبطال لقولهِم.

خامسًا: قولهم: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} نقول فيها مثل ما قُلنا في مسألة الكَنْز؛ أن هَذَا ليس بلازمٍ للرسالةِ، وأنه لو كان له جَنَّة يأكل منها أو (نأكل) على القراءة الثَّانية، وهي أَولى، لقيل: إنهم اتَّبعوه لأجل الأكل من هَذِهِ الجنَّة.

سادسًا: قولهم: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} بماذا نَرُدُّ عليهم؟ نرد عليهم بأن المسحور لا يُمكِن أن يأتيَ بمثل هَذَا الكَلام الَّذِي يعجِز عنه العقلاء، فيقال: فهل يمكن لإنْسَان مسحور مخبول العقل بالسِّحر أن يأتي بكَلام يعجِز عنه العقلاء ويُتَحَدَّى العقلاء أن يأتوا بمثله ولا يستطيعون؟ لا يمكن، هَذَا واضح جدًّا، ولهذا قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} ، فالمسحورُ لا يُمْكِن أنْ يأتيَ بمثلِ هَذَا الكَلامِ، فنحنُ لا نقولُ: إِنَّهُ يأتي بكَلامٍ يُمْكِن نَقْضُه أو لا يُمْكِن، بل لا يُمْكِن إلَّا أن يأتيَ بكَلامٍ غيرِ متوازنٍ، فكيف بكَلامٍ مُعْجِزٍ؟ !

* * *

ص: 52