الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويوجد احْتِمَالٌ ثالثٌ ذَهَبَ إليه الزَّمَخْشَرِيُّ
(1)
، وَقَالَ: إنَّ المرادَ بالقَبْضِ هنا ما ذَكَرَهُ اللَّهُ بقولِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 1 - 2]، وإنَّ المرادَ به قَبْضُ هَذِهِ النيِّرات؛ الشَّمْس وغيرها يوم القيامة، وجَعَلَ اليسيرَ لَيْسَ صفةً للقبضِ، يَعْنِي أنَّهُ يَكُون شَيْئًا فشيئًا، بل هو صفة للفِعل؛ لِفِعل اللَّه، يَعْنِي أنَّهُ يسير عليه كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44]، لكِن الأخير بعيدٌ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا يَمْتَنّ بذلكَ عَلَى أمرٍ يُدرِكُ النَّاسُ فائدتَهُ في الدُّنْيا، وتمام قُدْرة اللَّه تَعَالَى فِيهِ، فيَكُون عَلَى هَذَا إمَّا أنْ يقالَ: إن الغايةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى إشارة إِلَى أن ذلك من تَصَرُّفِه وحدَه، وأن الأمرَ إليه وحدَه، لا إِلَى غيرِهِ، فيَكُون دليلًا عَلَى عَظَمَة اللَّهِ سبحانه وتعالى، أو أنَّ المرادَ بالقَبْضِ إليه أنَّ الشَّمْسَ تُقْبَضُ إِلَى اللَّهِ، بمعنى أنها تَذْهَب وتسجُد تحتَ العرشِ؛ كما جاء به الحديثُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: تَقريرُ الْإِنْسَانِ بالنِّعَم الَّتِي يُشاهِدُها؛ لِقَوْلِه عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} .
الْفَائِدَة الثَّانية: إثباتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّه عز وجل؛ لِقولِه: {إِلَى رَبِّكَ} ، والربُّ هو الخالِق المتصرِّفُ.
الْفَائِدَة الثالثة: بَيان كمالِ قُدْرة اللَّه ورحمته بِمَدّ الظّلِّ، وجعل الشَّمْس دليلًا عليه، وقبضه قبضًا يَسيرًا، بهَذه الأمور الثَّلاثَةِ.
الْفَائِدَة الرابعة: إثبات الاستدلالِ بالشَيْءِ عَلَى الشَيْءِ.
(1)
الكشاف (3/ 283)، ط. دار الكتاب العربي.
(2)
سبق تخريجه.
الْفَائِدَة الخامسة: الاستدلال بالشَيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وبِضِدِّهِ يُعْرَفُ الضِّدّ، ويقولُ بعضهم
(1)
:
وَبِضِدِّهَا تَتبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ
وذلك في قولِه: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} . وقولنا: الاستدلال بالشَيْءِ عَلَى ضِدِّهِ مُرادنا النِّعَم، ففيه معرفة قَدْر النعم بمعرفة ضِدِّها، وأن الْإِنْسَان يستدلّ عَلَى مقدار هَذِهِ النعمة بِضِدِّها.
الْفَائِدَة السادسة: إثباتُ مَشيئة اللَّه؛ لقولِه: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} .
الْفَائِدَة السابعةُ: أنَّهُ يَنبغِي للإنْسَانِ ألَّا يَجعلَ النِّعم أمورًا عاديَّةً لا بدَّ منها، بل يُقَدِّرها بِضِدِّها؛ لِقَوْلِهِ:{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} ، فإذا قَالَ الْإِنْسَان مثلًا: طلوع الشَّمْس عَلَى هَذِهِ الْأَرْض وغروبها عنها أمرٌ مُعتادٌ، نقول: نعم، هو أمرٌ معتادٌ، مِن أجلِ كونِه مُعتادًا لا يُحِسُّ الْإِنْسَان بأنه نِعمة، لكِن قَدِّر هَذَا الشَيْء بضده {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} ، إنَّ خروجَ النَّفَسِ من جسم الْإِنْسَان أمرٌ معتادٌ، ولهذا لا يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِقَدْرِ هَذِهِ النعمةِ، لكِن قَدِّر أن اللَّه لو شاء اللَّه لحَبَسَهُ، وحينئذٍ يَتبيَّن قَدْرُ النعمةِ. وقوله:{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} يَنْبَغِي أن يُجعَل هَذَا قاعِدَة لنا فِي كلِّ النِّعَم المعتادة الَّتِي نحنُ عِشنا عَلَيْهَا واعتدناها؛ فإننا لا نشكُّ بكونها نعمًا، لكِن علينا أن نقدِّر ضِدَّها حَتَّى نعرِفَ بذلك قدرَ نعمةِ اللَّه عز وجل بهَذِهِ النعمِ المعتادَةِ.
الْفَائِدَتان الثامنة والتاسعة: إثبات رحمة اللَّه بوجود هَذِهِ النِّعم، لكنْ تنبيه الْإِنْسَان عَلَى الشكرِ إِنَّمَا يَكُونُ بذِكر ضدِّ هَذِهِ النعمِ.
(1)
ديوان المتنبي، وصدر البيت:(نَذُمُّهُمْ وَبِهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ)، في ديوانه (ص 127).
الْفَائِدَة العاشرة: فائدة الالتِفَات، وَهِيَ تغيير الأسلوبِ لِتَنْبِيهِ المخاطَبِ؛ لقولِه:{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} .
* * *