المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (9) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ - تفسير العثيمين: الفرقان

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآيتان (7، 8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌الآيتان (15، 16)

- ‌الآيات (17 - 24)

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌فائدتان:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآيتان (41، 42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (51، 52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

- ‌الآية (65)

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌الآيتان (68، 69)

- ‌الآية (70)

- ‌الآية (71)

- ‌الآية (72)

- ‌الآية (73)

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌الآية (76)

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (9) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ

‌الآية (9)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الفرقان: 9].

* * *

الاستفهام في قولِهِ: {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} للتعجُّب والإنكارِ.

وقوله: {الْأَمْثَالَ} يعني الأشباهَ أوِ الأوصاف، فالمَثَلَ يأتي بمعنى الشَّبَه ويأتي بمعنى الصِّفة، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [محمد: 15] معنى {مَثَلُ} صفة الجنة، قَالَ عز وجل:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ} [البقرة: 17]، شَبَهُهُمْ كشَبَهِ، فالأمثال إما بمعنى الأشباه أو بمعنى الأوصاف. يعني كيف جَعَلوا هَذِهِ الأوصاف الَّتِي يقدَحون برسالتِك بها، انظُر إليها متعجِّبًا، والتعجُّب يَقتضي في الغالب الإنكارَ.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [{كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} بالمسحورِ والمحتاج إلى ما يُنفِقُه، وإلى مَلَكٍ يقوم معه بالأمْر {فَضَلُّوا} بذلكَ عن الهُدَى {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} طَريقًا إليه].

قوله سبحانه وتعالى: {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ} الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، وكونه يخاطِب الرَّسول صلى الله عليه وسلم بهذا الإنكارِ عليهم لا يَخْفَى ما فيه من التأييدِ والتقويَةِ للرسول صلى الله عليه وسلم، وعناية اللَّه تَعَالَى به صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ معلومٌ.

ص: 53

وقوله: {فَضَلُّوا} الفاء هَذِهِ عاطِفةٌ، لَكِنَّها تفيد السَّببيَّة، أي فبسَبَب ما ضَرَبُوه لكَ منَ الأمثال ضَلُّوا. وفي هَذَا دليلٌ على أنَّ الإنْسَان إذا أوردَ الشُّبُهاتِ على نفسه أو على مَن أتى بالحقِّ فَإِنَّهُ يَكُون سَبَبًا لضلالِهِ إذا لم يَقْبَلِ الإنْسَانُ الحقَّ ويَدَع ما يَرِدُ على خاطرِه من الشُّبُهات حول ذلك الحق، فَإِنَّهُ يَكُون سَبَبًا لضلالِه، ولهذا قال:{فَضَلُّوا} الفاء عاطفة وتفيد السَّببيةَ.

وقد ذكر ابن القيِّم رحمه الله في (مِفتاح دار السَّعادة) أَنَّهُ تكلم مع شيخِه ابن تيميَّة في مسائل فجعل يُورِد عليه بالنقض، فقال له:"لا تَجْعَلْ قَلْبَكَ للإيرادات والشُّبُهاتِ مثلَ السفنجة فيَتَشَرَّبها فلا ينضح إلَّا بِهَا، ولَكِن اجْعَلْهُ كالزُّجاجة المُصْمَتَة، تَمُرُّ الشُّبُهَات بظاهرها ولا تَسْتَقِرّ فيها، فيراها بصفائه ويَدْفَعها بصَلابتِه"

(1)

وهذا صحيحٌ؛ لِأَنَّ الإنْسَان إذا فتح على نفسِه بابَ الشُّبُهات والتساؤلات فإنَّهُ يَضِلّ، وانظُرْ إلى إرشاد النَّبي صلى الله عليه وسلم الرجل حينما يتساءل النَّاس: مَن خَلَقَ كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقولوا: من خلق اللَّه؟ فأمر النَّبي عليه الصلاة والسلام الإنْسَان إذا وصل إلى هَذَا الحدِّ أنْ يَستعيذَ باللَّه ولْيَنْتَهِ، وأَرشدَه إلى أن يقرأ {اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}

(2)

وفي حديثٍ آخرَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}

(3)

فهَذِهِ الأشياء الَّتِي تَرِدُ على القلب إذا استرسلَ الإنْسَان معها فسوف تكونُ سَبَبًا لضلالِهِ كما تفيده هَذِهِ الآية وآيات أخرى كثيرة، مثل قوله سبحانه وتعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ

(1)

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن قيم الجوزية (1/ 145) ط. دار الكتب العلمية.

(2)

أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب في الجهمية، رقم (4722).

(3)

أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب في رد الوسوسة، رقم (5110).

ص: 54

فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، فالإنْسَان يَجِب عليه أن يَكُون قابلًا للحقِّ متشوِّفًا له، ولا يُورِدُ على نفسِه شُبُهاتٍ؛ لِأَنَّ الشبهات ما لَها حدٌّ، والشيطان يحبُّ من ابن آدم أن يَرِدَ على قلبه هَذِهِ الشبهات لِيَضِلَّ.

قول المُفَسِّر رحمه الله: [بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه]، المسحور واضح، وقوله:{يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} ، {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} كلها مندرِجة في قوله:[والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى مَلَكٍ يقوم معه].

الخلاصة: أن هَؤُلَاءِ الكفار جعلوا مع اللَّه آلهةً، وهذا قَدْحٌ في التَّوحِيدِ، ثُمَّ زَعَمُوا أنَّ القُرْآنَ أساطيرُ الأوَّلينَ، وهذا قَدْحٌ في القُرْآنِ مباشرةً، ويَتَضَمَّن القَدْحَ في اللَّه أيضًا، والقدح في الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بعد ذلك ذكر اللَّه قَدْحَهم في الرَّسول صلى الله عليه وسلم؛ القدح المباشر بهَذِهِ الأوجه الستةِ، وتَبَيَّنَ -وللَّه الحمد- أن هَذِهِ الأوجه الَّتِي أوردوها قدحًا في النَّبي صلى الله عليه وسلم كلها ليستْ بقدحٍ، بل منها ما يؤيِّد أنَّهُ رسولٌ.

وقدِ استدلَّ بعضُ العلماءِ بهَذِهِ الآية عَلَى أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُسْحَرْ، وكذَّبوا بذلك الأحاديثَ المشهورةَ -بل المتواترة- أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُحر، وأن اللَّه أنزل عليه المعوِّذتينِ لنقضِ هَذَا السحرِ، وهذا أمر لا شكَّ فيه؛ لِأَنَّ الأحاديث في ذلك متواترة، لكِن هم يقولون: هَذِهِ الأحاديث كلها كذِب ليستْ صحيحةً؛ لِأَنَّ القول بأنه مسحور هو قول الكفَّار، فهل لاستدلالهم بهَذِهِ الآية وجهٌ أو لا؟

الردُّ عليهم بأنْ نقولَ: إنَّ هَؤُلَاءِ الظالمينَ الَّذِينَ قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أرادوا بذلك أن السحرَ وَصْفٌ لازِمٌ له، وأن كل هَذَا الكَلام الَّذِي يقوله كَلامٌ مسحور مخبول، أَمَّا السحر الَّذِي طرأ على النَّبي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ سحر طارئٌ، ثُمَّ مع ذلك ما أثَّر في الرِّسَالة أبدًا، عائشة رضي الله عنها تقول: الَّذِي حصل أَنَّهُ كان يخيَّل إليه

ص: 55

أَنَّهُ فعل الشَيْء ولم يفعلْه، هَذَا الَّذِي حصل، وهي مدة وجيزة أيضًا، ولم يؤثر هَذَا في الرِّسَالة، فما قَالَ شيئًا في الرِّسَالة مما يمكِن أن تتغير به الرِّسَالة في هَذِهِ المدَّة.

فالحاصِلُ: أنَّ الاستدلالَ بهَذه الآيةِ على إبطال أحاديثَ صحيحةٍ متواترةٍ لا شكَّ أَنَّهُ جُرأةٌ عظيمة، فلو كانت الأحاديث ضعيفة أو كانت الأحاديث مثلًا من الأحاديث الَّتِي في أَدنَى مراتب الصحة لَكِنَّا نقول: إن هَذَا له وجهٌ، وَأَمَّا أحاديث صحيحة مشهورة متواتِرة ونُبطِلها بمثل هَذَا الأمر فلا يمكن، ولذلك الصواب، بل اليقين المتيقَّن المتعيَّن أن ذلك وقع للرسول عليه الصلاة والسلام، ولَكِنَّ اللَّه تَعَالَى أنزل عليه سورتينِ ثُمَّ هُدِيَ إلى مَحَلّ السِّحر، وسِحره كان في بِئْرِ أَرِيسٍ، وكان في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ

(1)

يعني كافورًا، كافور الفَحل يَكُون كبيرًا وَيَسَع، هَذَا السحر وُضِعَ للرسول عليه الصلاة والسلام في مُشط: الَّذِي يكَد به الرأسُ، والمُشاطة: الشَّعر الَّذِي يتناثر مع الكد، وجُعل هَذَا الكافورُ في البئر الَّذِي كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم يأتي إليه، وذهب النَّبي عليه الصلاة والسلام وأمر بأن يُخرَج هَذَا السحر فأُخرِجَ السحرُ فنُقِضَ، فعافاه اللَّه سبحانه وتعالى.

قوله: {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} : {سَبِيلًا} بمعنى طَريقًا، وهو طَريق إلى الهدى، والعياذ باللَّه، وفي هَذَا تحذير -كما أشرنا إليه أولًا- من أن يتابع الإنْسَان الشُّبه الَّتِي تَرِد عليه، وأنه يَجِب على الإنْسَان أن يَبْتَعِدَ عن هَذَا كلِّه.

* * *

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب السحر، رقم (5763)، ومسلم: كتاب السلام، باب السحر، رقم (2189).

ص: 56