الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (34)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 34].
* * *
قوله: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} يقول المفسِّر: [هم {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ}]، فجعل (الذين) خبر مبتدأ محذوف، والتقديرُ: هم {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} ، يعني هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبوك وعارَضوا ما جئتَ به هم الَّذِينَ يُحشَرون على وجوههم، قال المُفَسِّر رحمه الله:[أي: يُساقُون {إِلَى جَهَنَّمَ}، ولو قال المُفَسِّر: يُحشَرون بمعنى يُجمَعون؛ لِأَنَّ الحشر بمعنى الجمعِ، يعني يُبعَثون -والعياذُ باللَّه- يومَ القيامةِ على وُجُوهِهم، لكنْ كأنَّه لمَّا عُدِّيَ بقوله: {إِلَى جَهَنَّمَ} صار مُضمَّنًا لمعنى السَّوق؛ لمعنى يُساقُون، ولكنَّه لا مانعَ أن نقولَ: يُحشَرون ويساقون؛ لِأَنَّ الفعل إذا ضُمِّن معنى فعل آخرَ ليس معناه أَنَّهُ يَسْلُب دلالتَه الَّتِي يدلُّ عليها لفظُه، بل يُضاف إليه معنًى آخرُ، فمثلًا {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6].
قُلْنَا: إن يشرب مضمَّن معنى يَرْوَى، وليس معنى ذلك أَنَّهُ سلب معنى الشرب؛ لِأَنَّهُ لا رِيَّ إلَّا بعدَ الشُّرب، وهذا واضحٌ، كذلك أيضًا لا سَوْقَ إلى جهنَّم إلا بعد الحشر الَّذِي هو الجَمْعُ.
وقوله: {هُمُ الَّذِينَ} على رأي المُفَسِّر تكون: {الَّذِينَ} خبرًا لمبتدأ محذوف،
ويَكُون قوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} حالًا؛ جملةً حاليَّةً، أو أنها مبتدأ وخبر مستأنَف، ويَحتمل أن تكون {الَّذِينَ} مبتدأ، وجملة {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} خبر المبتدأ، فتكون من باب المبتدأ المخبَر عنه بجُملةٍ.
وقوله: {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} كيف يمشون على وجوههم؟ نقول: كما قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "
(1)
، ليس ببعيدٍ، وإذا كان المتكبِّرون يُحشَرون يوم القيامة أمثالَ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِم
(2)
فاللَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ، فإنْسَانٌ بَشَرٌ قد يَكُون من أكبرِ النَّاسِ جُثَّةً في الدُّنْيا، وهو متكبِّر، إذا كان يوم القيامة يُحشَر أمثالَ الذَّرِّ، واللَّه تَعَالَى على كلِّ شَيْء قدير، وهذا مثالٌ مِما سبق الإشارةُ إليه بأن أحوال الآخِرة لا تُقاس بأحوال الدُّنيا.
إذا قيل: ما وَجْهُ العقوبة بحَشْرهم على وُجوههم؟
فالجواب: إهانةً لهم؛ لِأَنَّ الوجه أشرفُ الأعضاءِ، فإذا جُعل هو مَحَلّ الوَطْء فهذا إهانةٌ، لكِنْ ما هي الحِكمة من ذلك؟ لا شكَّ أَنَّهُ فيه إهانة وعذاب؛ لأَنَّهُمْ قَلَبُوا الحقائقَ فَقُلبوا، وأيضًا لمَّا كانوا ينطِقون بِأَلْسِنَتِهِمْ، وهي في وُجُوههم، صار العذابُ عليها، كلُّ هَذِهِ وُجُوه محتمَلة، وعندي زيادة احْتِمَال أن الإنْسَان يُقبِل على الشَيْءِ بوجهه ويُعرِض عنه بوجهه، فلمَّا كان الوجه محلَّ الإعراضِ والإقبالِ، وهم قد أَعرضوا، صار العذابُ عليها.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف الحشر، رقم (6523)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب يحشر الكافر على وجهه، رقم (2806).
(2)
أخرجه الترمذي: أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، رقم (2492).
كل هَذِهِ المعاني مناسِبة، واللَّه أعلمُ بما أرادَ، وقد تكون كل هَذِهِ المعاني مقصودةً، ولا يقال: إن الوجهَ أشدُّ مواطنَ الجسدِ إحساسًا، نقول: ليس على كلِّ حالٍ؛ لِأَنَّهُ توجد مواطنُ أشدُّ إحساسًا من الوجهِ. على كلِّ حال هَذِهِ المعاني الَّتِي ذكرتُ يمكِن أن تكونَ كلُّها من أسباب أَنَّهُمْ يحشَرون على وجوههم.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} هو جهنم {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أَخْطَأُ طَريقًا من غيرهم، وهو كُفْرهم].
قوله: {شَرٌّ مَكَانًا} يعني منزِلَةً، وهي جهنَّم، فهي شرٌّ مكانًا من كلِّ أحد؛ لِأَنَّهُ لم يذكر المفضَّل عليه، وعدم ذِكر المفضَّل عليه يفيد العموم، يعني {شَرٌّ مَكَانًا} من جميع الأمكنة ومن كل أحد.
قوله: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} يعني طَريقًا عن الصواب، فهم أضلُّ طَريقًا من كل أحدٍ، فهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحشَرون على وُجُوهِهم إلى جَهنَّم -والعياذُ باللَّه- هم شرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً، وهم أضلُّ النَّاسِ طَريقًا.
وقوله: {إِلَى جَهَنَّمَ} جَهَنَّم هَذِهِ اسْم من أَسْماء النار، وأصلها من الجُهْمَة، والنون فيها زائدة، وعلى هَذَا فوزنها فَعَنَّل؛ لِأَنَّ النون زائدة، وسُميت بهذا الاسْم لِأَنَّهَا سوداء اللون، بعيدة القَعْر، وهَذِهِ هي الجُهمة والظُّلمة، نعوذ بِاللَّهِ منها.
ويستفاد من الآية إثباتُ البَعْث؛ لِقَوْلِه: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} .
* * *