الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (2)
* * *
ثُمَّ فصَّل شيئًا من عِلْمه:
* قالَ الله عز وجل: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: 2].
* * *
قول المُفَسِّر رحمه الله: [{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ} يَدْخُلُ {فِي الْأَرْضِ} كماءِ وَغَيره {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كَنبَاتٍ وَغَيرِهِ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} مِنْ رِزْق وَغَيرهِ {وَمَا يَعْرُجُ} يَصْعَدُ {فِيهَا} مِنْ عَمَلِ وَغَيرهِ {وَهُوَ الرَّحِيمُ} بِأَوْليَائِهِ {الْغَفُور} لهمْ] هذا من باب التَّفصيل.
وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} : {مَا} اسم مَوصول يُفيد العُموم، و {يَلِجُ} بمَعنى: يَدخُل، فكُلُّ ما يَدخل في الأرض فالله سبحانه وتعالى يَعلَمه.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [كماءٍ] الماء يَدخُل إلى الأَرْض ويَخرُج منها، فإذا أَنزَل الله عز وجل الماء من السَّماء أَدخَله في الأرض يَنابيعَ، وإذا أَراد الله سبحانه وتعالى أن يَخرُج خرَج بآلة أو بغير آلة.
وقوله رحمه الله: [وَغَيره] كالأموات وغيرهم؛ كالأَشياء التي لها جُحور في الأرض، والنَّبات أيضًا وبُذورها أيضًا، كلُّها داخِلة في الأرض.
المُهِمُّ: أن ما يَلِج في الأرض لا يُحصىَ أَصنافه فضلاً عن أفراده وهو واسعٌ
جِدًّا، والله عز وجل يَعلَمه حتى الذَّرَّة التي تَدخُل في جُحْرها يَعلَمها الله سبحانه وتعالى.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كَنبَاتٍ وَغَيرهِ] فالنَّباتُ واضِح؛ و [غَيره] كالماء والمعادِن والحيوانات التي تَنتَشِر في الأرض، ومن ذلك الإنسانُ؛ لقوله تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] إِخْراج وإِدْخال، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 17 - 18].
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} مِنْ رِزْقٍ وَغَيرهِ] كيف يَنزِل من السماء الرِّزْق؟ هل تَبقَى في البيت كلَّ يَوْم وَيأتيك التَّمْر والثِّياب وَينزِل من السماء؟
الجوابُ: لا ولكن الرِّزْق يَكون بالمَطَر مثَلًا، يُنزِل الله سبحانه وتعالى المَطَر فتُنبِت الأرضُ؛ ويَخرُج منها الماء والمَرعَى، قال تعالى:{مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} [عبس: 32]، وغير ذلك أيضًا: يَنزِل أَمْرُ الله سبحانه وتعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، وتَنزِل أيضًا الملائِكة، وتَنزِل الشُّهُب تُرمَى بها الشياطينُ، وأشياءُ كثيرةٌ من هذا، الله عز وجل يَعلَمها.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{وَمَا يَعْرُجُ} يَصْعَدُ {وفِيهَا} مِنْ عَمَلٍ وَغَيْره]؛ هنا (يعْرُج) بمَعنى يَصعَد و (يَعرُج) تُعدىَّ بـ (إلى) كما قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وقال تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وهنا قال:(يَعرُجُ فيها) والنَّحويُّون اختَلَفوا في مِثْل هذا؛ فمِنهم مَن قال: إنَّ الحرْف بمَعنًى يُناسب الفِعْل؛ يَعنِي: أَنْ يُجعَل حرفٌ بمَعنَى حرفٍ آخَرَ يُناسب الفِعْل؛ فمَثَلًا يَقول: (في) بمَعنَى (إلى)، ومنهم مَن يَقول: بلِ الحَرْف باقٍ على
مَعناه الأصل، ويُضَمَّنُ الفِعْلُ مَعنًى يُناسب ذلك الحرْفَ، وهذا مَذهَب البصريين فيقولُ:{يَعْرُجُ} مُضَمَّنٌ مع مَعناه الظاهِر -وهو العُروج- معنى الدُّخول؛ يَعنِي: يَعرُج فيَدخُل فيها، ليس المُرادُ ما يَعرُج فقط ولا يَدخُل، وسَبَق لنا في مُقدِّمة التفسير لشيخ الإسلام ابنِ تيميَّةَ رحمه الله أنَّ هذا المَذهَبَ هو المَذهَبُ الصحيح المحقَّقُ؛ وهو أن نُضمِّن الفِعْل معنًى يُناسب الحرف؛ لأنَّ هذا التَّضمين يَجعَل للفِعْل مَعنيَيْنِ: أحدُهما: المعنى الظاهِرُ من اللَّفْظ، والثاني: المَعنَى الذي تَضمَّنه؛ ليُناسب الحرْف الذي تَعلَّق به.
وَيظهَر لك ذلك جَلِيًّا في قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، ومَعلومٌ أننا لا نَشرَب بالعَيْن إذ ليست بآلة للشُّرْب، ويَرَى بعض العُلَماء رحمهم الله أن نَجعَل الباء بمَعنى (مِنْ) أي: يَشرب منها، وَيرَى آخَرون أننا نُضمِّن (يَشرَب) مَعنى (يَروَى) فإذا ضمَّنَّا نَستَفيد فائِدتَيْن:
الأُولي: الشُّرْب.
والثانية: والرِّيُّ.
ولكن إذا قُلْنا: إنَّ الباء بمَعنى (مِنْ) لم نَستَفِد هذه الفائِدةَ.
فالمُهِمُّ: أن المَذهَب الصحيح هو أننا نُضمِّن الفِعْل مَعنى يُناسبُ الحرْف، ولا نَجْعَل الحرْف بمَعنَى حَرْفٍ آخَرَ.
وقوله رحمه الله: [{وَهُوَ الرَّحِيمُ} بِأَوْليَائِهِ {الْغَفُورُ} لهمْ] وهذا أيضًا من التَّخصيص بلا دليلٍ.
وقوله تعالى: {الرَّحِيمُ} لم يَذكُر مُتعلَّقها، والمُفَسِّر رحمه الله يَقول:[بِأَوْلِيَائِهِ]