الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (20)
* قالَ الله عز وجل: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ: 20].
(صَدَقَ) بالتَّخفيف والتَّشديد {صَدَّقَ} بمعنى: أَخبَر بالصِّدْق، و {صَدَّقَ} مَنْ أَخبَر بالصِّدْق، فالإنسانُ إمَّا مُخبِرٌ وإمَّا مُخبَر، فالمُخبِرُ نَقول: صدَق. والمُخبَر نَقول: صَدَّقَ. يَقول الله عز وجل: (صَدَقَ) و {صَدَّقَ} والقِراءَتان هنا تَحمِلان مَعنيَيْنِ، مَعنى الصِّدْق، والتَّصديق فالفائِدة من هاتَيْن القِراءَتَيْن أنهما تَدُلَّان على مَعنَيَيْن، وبَيان ذلك قال تعالى:{صَدَّقَ عَلَيْهِمْ} أو (صَدَقَ عَلَيْهِمْ)[أَيِ: الْكُفارِ مِنْهُمْ سَبَأٌ، {إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} أَيْ: بِإِغْوَائِهِ يَتَّبِعُونَهُ {فَاتَّبَعُوهُ}، فَـ (صَدَقَ) بِالتَّخْفِيفِ فِي ظَنِّهِ أَوْ {صَدَّقَ} بِالتَّشْدِيدَ {ظَنَّهُ}، أَيْ: وَجَدَهُ صَادِقًا]، إبليس له ظَنُّه في بني آدَمَ، فما هو ظَنُّه؟
الجوابُ: أنه يُغويهم أجمعين، قال الله تعالى عنه:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82 - 83]، وقال سبحانه وتعالى:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 - 17]، هذا ما كان يُؤَمِّلهُ وَيرجوه وَيظُنُّه إمَّا ظَنًّا راجِحًا وإمَّا ظَنًّا مُتيَقَّنًا، لكن لا يُمكِن أن يَتيَقَّن، وإنما يَظُنُّ ظنًّا راجِحًا،
فهنا صدَّق ظنَّه الذي كان يَقول: إنه سيُغويهم فـ (صدَّقه)؛ لأنه أَغواهم، أو (صدَق) عليهم إبليسُ ظنَّه أنَّه لمَّا ظَنَّ نفَّذَ ما قال، فيَكون صدَق حيث أَغواهم.
والحاصِلُ: أن الظنَّ الذي ظنَّه إبليسُ هو إغواؤُهم، هذا الظنُّ إمَّا أن يَكون بإغوائه إيَّاهم قد صدَّقه حيث وقَعَ منه أوَّلًا فصدَّقه بتَطبيقه فِعْلًا، أو صدَق عليهم إبليسُ ظنَّه أنه لمَّا ظنَّ ذلك الظنَّ طبَّقه وفعَلَه، والمعنى: أنَّ ما تَوقَّعه الشيطان وظنَّه من إغوائه الكُفَّارَ ومنهم سَبَأ وقَعَ مُؤكَّدًا باللَّامِ و (قَدْ) والقَسَمِ.
وقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّبَعُوهُ} اتَّبَعوا الشيطان، ولو نظَرْنا ما هو الجامِعُ لما يَأمُر به الشيطانُ؛ يَأمُر بالفَحْشاء {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]؛ فهو يَأمُر بالفَحْشاء والمُنكَر وكلِّ فِعْل قبيح، فإذا اتَّبَعه الإنسان بالفَحْشاء والمُنكَر والفِعْل القبيح فقد تَبِعه وضَلَّ عنه، وإن خالَفه فقد خالَفَه؛ ولهذا قال تعالى:{فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا} فاتَّبَعوه، (إلَّا) بمَعنى [لَكِنَّ فَرِيقًا {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} لِلْبَيَانِ].
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{إِلَّا} يَعْنِي: لَكِنْ] إشارة إلى أن الاستِثْناء هنا مُنقَطِع، لأنَّ الاستِثْناء إذا كان بمعنى (لكن) صار مُنقَطِعًا، ولكن الذي حمَل المُفَسِّر رحمه الله على هذا؛ لأنَّ قوله سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ظاهِرُه أنَّه صدَّق عليهم جميعًا، وعليه فالمُؤمِنون لم يَدخُلوا في ذلك؛ فيَكون الاستِثْناء هنا مُنقَطِعًا، لأنَّ إبليسَ لم يُصدِّق الظَّنَّ إلَّا على الكُفَّار، أمَّا لو جَعَلْنا:{صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} عامًّا للقَبيلة كلِّها أو لبني آدَمَ كلِّهم ثُم قال: إلَّا فريقًا من المُؤمِنين، لكان هذا الاستِثْناءُ مُتَّصِلًا.
والحاصِلُ: إذا جعَلْنا الضمير {عَلَيْهِمْ} عائِدًا على الكُفَّار الذين اتَّبَعوا إبليسَ فإنَّ الاستِثْناء هنا يَجِب أن يَكون مُنقَطِعًا، وإن جَعَلْناه عامًّا لبني آدَمَ أو جِنْس هذه