الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (22)
* * *
* قالَ الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22].
* * *
وقول المُفَسِّر رحمه الله: {قُلِ} [يَا مُحَمَّدُ لِكُفَّارِ مَكَّةَ] هنا جَعَل الخِطاب خاصًّا؛ من جِهتَيْن: من جِهة المُخاطِب، ومن جِهة المَدعُوِّ، فالمُخاطِب قال تعالى:({قُلِ} يَا مُحَمَّدُ) والمَدعُو كُفَّار مَكَّةَ، ولكن هذا غير مُسلمٍ للمُفَسِّر، بل نَقول: إنَّ {قُلِ} يُمكِن أن تكون مُوَجهةً لكل مَن يَتوَجه الخِطاب إليه، من الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره ممَن ورِثَه في أُمتِه، أي:(قُلْ أَيها النَّاسُ).
أمَّا بالنسبة للمَدعُوين فنَقول: الأَصحُّ أنَّه عامّ لكُل مَن دعا مع الله تعالى غيرَهُ من كُفَّار مَكَّةَ وغيرهم، فيَجِب أن يَكون لدينا قاعِدة وهو أنَّه إذا دارَ الأَمْر بين أن يَكون الخِطاب خاصاً أو عاماً وجَبَ أن يَكون عامًا؛ لأنَّ العام يَدخُلُ فيه الخاصُّ ولا عكسَ، وكُلَّما كان مَعنَى القُرآن أوسَعَ كان أوجَبَ.
إِذَنْ نَقول: قُلْ أيها المُخاطِب ممَن تَدعو مع الله تعالى؛ قل للذين يَدعون مع الله سبحانه وتعالى غيرَه {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي: زعَمْتُموهم آلهِةً: (ادْعُوهُمْ)، وهلِ المُرادُ بالدعاء هنا دُعاء المَسأَلة، أو دُعاء الإِحْضار؟
(ادْعُوهم) يَعنِي: أَحضِروهم أو دُعاء المَسأَلة يَعنِي اسألوهُمُ اطلُبوا مِنهُمُ الحوائِجَ، هل يَستجيبون لكم أم لا؟
الجوابُ: يَحتَمِل المَعنيَيْن: يَحتَمِل مَعنَى: أَحضِروهم؛ لنُناقِشَهم، أوِ ادْعوهم دُعاء مَسأَلة، يَعنِي: اسأَلوهم؛ كما تَقول: أدْعُو الله تعالى، أَيْ: أسأله، وقول المُفَسر رحمه الله:[أَيْ: زَعَمْتُمُوهُمْ آلهة] لم يُقدِّر المُفَسِّر ضَميرًا ووَصْفًا ظاهِرًا، الضميرُ [زَعَمْتموهم](هُمْ) هذا هو الضَّميرُ، والاسْمُ الظاهِر [آلهِةً]، فأَفادَنا رحمه الله بأنَّ (زَعَمَ) تَنصِب مَفعولَيْن، وأنَّ المَفْعولَيْن مَحذوفان، وتَقديرُ الكَلام:(زَعَمْتموهُمْ آلهِةً)، لأنَّ (زَعَمَ) من الأفعال التي تَنصِب مَفعولَيْن أصلُهما المُبتَدَأ والخبر؛ فهي من أخوات (ظنَّ).
وقوله تعالى: {ومِّن دُونِ اللهِ} قال رحمه الله: [مِنْ غَيْرِهِ ليَنْفَعُوكُمْ بِزَعْمِكُمْ]، هذه الآلهِةُ لا يُمكِن أن تَنفَع المُشرِكين، وذلك لانتِفاء أسباب النفْع من عِدَّة أَوْجُهٍ:
أوَّلًا: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} استِقْلالًا.
ثانياً: ولا يَملِكون ذلك مُشارَكة.
ثالثاً: وليس لهم مَعونة يُعينوا الله تعالى بها.
رابعًا: ليس لهم شَفاعة إلَّا بعد إِذْنِ الله تعالى.
فبيَن الله سبحانه وتعالى أن أسباب النَّفْع في هذه الآلهةِ مُنتَفِية، فقوله تعالى:{لَا يَمْلِكُونَ} الجُمْلة استِئْنافية؛ لبيان حال هَؤلاءِ الآلهة: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [وَزْنَ ذَرة مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ]{فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ، لا يَملِكون مِثقال ذَرة لا في السمَوات ولا في الأَرْض، ولا يَملِكون ما دون المِثْقال؛ لأنَّ التقدير
إذا قُصِد به المُبالَغة فلا مَفهومَ له سَواءٌ كان في الكَثْرة أو في القِلَّة، فهنا لا يَملِكون مِثْقال ذرة، يَعنِي: ولا دُونَها.
ومثال الكَثْرة: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، ولو أَكثَرَ من سَبعين ما يَغفِر الله تعالى لهم؛ ولهذا قال تعالى في آية المُنافِقين:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6]، فإذا جاء القَيْد للمُبالَغة قِلَّةً أو كَثرةً فليس له مَفهوم، إِذَنْ لا يَملِكون مِثقال ذرَّة ولا دُونَها لا في السَّمَوات ولا في الأَرْض، ولو كانوا يَملِكون ذلك لقُلتم: نَتَّعلَّق بهم لعلَّهم يُعطوننا ممَّا يَملِكون.
وهل لهم شرْك في السَّمَوات أو في الأرض؟
الجوابُ: لا، ولو كان لهم شِرْك لقُلْتم: لعلهم يُعطوننا من نصيبهم؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} شَرِكة {مِن} هذه زائِدة لَفْظًا لا مَعنًى، وعلى هذا فـ {شِركٍ} مُبتَدَأ مُؤخَّر، وخَبَرُه الجارُّ والمَجرور المُقدَّم {وَمَا لَهُم} يَعني: ما لهم شِرْكٌ في السَّمَوات ولا في الأرض.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{وَمَا لَه} تَعَالَى {مِنْهُمْ} مِنَ الْآلهة {مِنْ ظَهِيرٍ} مُعِينٍ] نَقول في إعراب {مِنْ ظَهِيرٍ} كما قُلْنا في إعراب {مِن شِرك} أي: أنَّ (مِنْ) زائِدة لَفْظًا لا مَعنًى، و (ظهير) مُبتَدَأ مُؤخَّر، والظهير بمَعنى: المُعين، كما قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، إِذَنْ ليس لهم مع الله تعالى مَعونة حتَّى يُدِلُّوا على الله تعالى بها ويَقولون: أَعطِنا عِوَضًا عن مَعونَتنا لنَنفَع مَن يَدعوننا، ما لهم مُساعَدة مع الله تعالى:{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي: [مُعِينٍ].