الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (36)
* قالَ الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 36].
قال الله سبحانه وتعالى آمِرًا رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ عليهم: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ} .
قال المفسر رحمه الله: [يُوسِّعه {لِمَنْ يَشَاءُ} امتِحانًا {وَيَقْدِرُ} يُضيِّقه لمَن يَشاء ابتِلاءً {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} أي: كُفَّار مَكَّةَ {لَا يَعْلَمُونَ} ذلك] رَدَّ على هَؤلاء الذين قالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} يَعنِي: فنحن الذين رضِيَ الله سبحانه وتعالى عنَّا، أمَّا أنتم ففُقَراءُ، وفَقْركم يَدُل على أن الله تعالى لن يَرضَى عنكم.
والجوابُ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ، يَبسُط يَعنِي: يُوسِّع لمَن يَشاءُ، أي: مِن مُؤمِنٍ وكافِرٍ، فهُناك كُفَّار قد ضيَّق الله تعالى عليهم الرِّزْق، وهناك مُؤمِنون قد وسَّع الله عليهم الرِّزْق، فالرِّزْق بيَدِ الله سبحانه وتعالى، ولكن قوله تعالى:{لِمَنْ يَشَاءُ} تَقدَّم أن الله سبحانه وتعالى إذا قيَّد فِعْله بمَشيئته فهو مَربوط بحِكْمته، يَعنِي: مَن يَشاءُ ممَّن تَقتَضي الحِكْمة أن يُوسَّع له، وَيقْدر: يُضيِّق ممَّن تَقتَضي الحِكْمة أن يُضيَّقَ عليه.
ولهذا يُروَى أن الله سبحانه وتعالى قال في الحديث القُدسيِّ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ
لَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ"
(1)
، فالغَنيُّ ربَّما يَطغَى بغِناه وَيستَكثِر، والفقير ربما يَقنَط من رحمة الله وَيستَحسِر ويَستَبعِد الفَرَج، فيَكون الأوَّلُ فاسِدًا بطُغيانه، والثاني فاسِدًا بيَأْسه وقُنوطه.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} الرِّزْق بمَعنى: العَطاء.
وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [كُفَّار مَكَّةَ]، وهذا كما سبَق من قُصوره في التَّفسير، والواجِب أن نَقول: إن المُراد بـ {النَّاسِ} جميعُ الناس؛ أهلُ مكَّةَ وغيرُهم.
وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، لا يَعلَمون أن الأَمْر بيَدِ الله تعالى من حيثُ تَوسيع الرِّزْق وتَضييقه.
وقوله سبحانه وتعالى: {أَكْثَرَ النَّاسِ} ولم يَقُل: كل الناس؛ لأن المُؤمِنين يَعلَمون ما لله سبحانه وتعالى من الحِكَم في بَسْط الرِّزْق وتَقْديره.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: إِثْبات المَشيئة لله تعالى، لقوله تعالى:{لِمَنْ يَشَاءُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات الأَفْعال الاختِيارية؛ لقوله تعالى: {يَبْسُطُ} و {وَيَقْدِرُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ كَثْرة المال والولَد لا يَدُلُّ على الرِّضا، وإنما هو تابع لمَشيئة الله تعالى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الحِكْمة العَظيمة البالِغة في اختِلاف الناس في سَعة الرِّزْق
(1)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 318 - 319)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (231)، من حديث أنس رضي الله عنه.
وضِيقه، ولولا ذلك ما قامَت مَصالِحُ الخَلْق، فلو كان الناس على حدٍّ سَواء في الغِنَى فلا يَخدُم بعضهم بعضًا، ولا يَقوم بعضُهم بمَصالِح بعضٍ.
وانظُرْ إلى قوله عز وجل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32] لماذا؟ {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ولَوْلا هذا الاختِلافِ مِن بَسْط الرِّزْق وسَعَتِه ما حصَلَتْ هذه الفائِدةُ العَظيمة وهو تَسخير الناس بعضِهم لبعضٍ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ أكثَر الناس جُهَّالٌ بحِكْمة الله عز وجل في أفعاله؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .