الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (40)
* قالَ الله عز وجل: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40].
* * *
وقول المُفَسِّر رحمه الله: {وَ} اذْكُرْ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} ] اذْكُرْ قَدَّرها المُفَسِّر رحمه الله؛ لأنَّ (إِذْ) ظَرْف، والظَّرْف كالجارِّ والمَجرور لا بُدَّ له من مُتعَلَّق، وهذا المُتعَلَّق يَكون مَذكورًا وَيكون مُقدَّرًا، فقوله سبحانه وتعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام: 93] لعامِل مَذكور: ترى، وليس محَذوفًا، وفي قوله عز وجل:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} [الأنفال: 50]، العامِل هُنا مَذكور، وقد يُحذَف، وهو كثير في القُرآن.
وهنا عامِل {يَوْمَ} مَحذوف، واذْكُرْ:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} اذْكُرْ ذلك اليَوْمَ تَحذيرًا منه وتَخويفًا؛ لأنَّ هذا اليَوْمَ يوم عظيم.
وقوله عز وجل: {يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي: يَجمَعهم، و {جَمِيعًا} حال من الهاء في قوله عز وجل:{يَحْشُرُهُمْ} ، ومتى يَكون ذلك؟ قال الله تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9] يَكون هذا يومَ القِيامة، يَحشُر الله تعالى الأوَّلين والآخِرين.
قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49 - 50]، وقال:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103].
وقوله تعالى: {يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أيِ: المُشرِكين {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} ، وقوله سبحانه وتعالى:{أَهَؤُلَاءِ} الهَمْزة للاستِفْهام و {هَؤُلَاءِ} اسم إِشارة مَفعول مُقدَّم لِـ {يَعْبُدُونَ} ، أو هي مُبتَدَأ والمَفعولُ {إِيَّاكُمْ} ؛ لأنَّ {يَعْبُدُونَ} الآنَ مُفرَّغة، يَعنَي أنها لم تَأخُذ مَفعولَها، وإذا لم تَأخُذ مَفعولها صارَ ما سبَقَ هو المَفعولَ.
وهل يَجوز تَقديم مَعْمُول خبَرِ (كانَ) عليها؟
الجوابُ: نعَم يَجوز، وفي باب (كانَ) وأَخواتها، أنَّه يَجوز تَقديم خبَرِها، ويَجوز تقديم مَعمولِ خبَرِها، قال الله تعالى:{أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] قُدّم عامِلُ الخَبَر على الأَداة، {إِيَّاكُمْ} مَفعول لـ {يَعْبُدُونَ} ، يَعنِي: أَهَؤلاءِ كانوا يَعبُدونكم، ولكنه فصَل الضَّمير؛ لتَقدُّمه.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ} بتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَالِ الْأُولَى يَاءً وَإِسْقَاطِهَا] عِندنا هَمْزتان، هَمْزة {أَهَؤُلَاءِ} الَثانية، وهَمْزة {إِيَّاكُمْ} فيها ثلاث قِراءات: القِراءة الأُولى تَحقيق الهَمْزتين: (أهؤلاءِ إِيَّاكم)، والقِراءة الثانية يَقول رحمه الله: وإِبدال الأُولى ياءً: (أَهَؤُلايِ إِيَّاكم) بأن تَجعَل الهَمْزة ياءً، والثالِثة إِسْقاط الهَمْزة الأُولى:(أَهَؤُلا إِيَّاكم)، يَعنِي الهَمْزة الأُولى من الهَمْزتين المُتجاوِرَتَيْن، وهي هَمْزة (أُولاءِ) الثانية وهَمْزة (إيَّاك)؛ ثلاثة قِراءات، وفي أَيِّها قَرَأْتَ أَجزَأَ.
تنبيه: قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} بتَحقيق الهَمْزتَيْن وإبدال الأُولى ياءً، ذكَر بعضُ المُحَشِّين أن المُفَسِّر رحمه الله وَهِمَ في هذا، وأنَّ إبدال الياء إنما هو في الثانية لا في الأُولى، يَعنِي: أنَّ الأُولى ما فيها قِراءة في إبدالِها ياءً، وإنما إبدال الياء في الثانية دون الأُولى، فيَكون هذا وَهْمًا من المُفَسِّر رحمه الله أو سَبْقة قلَمٍ.
وقوله تعالى: {كَانُوا يَعْبُدُونَ} أي: في الدُّنيا يَقول الله تعالى ذلك تَوبيخًا وتَقريعًا لهؤلاء العابِدين الذين كانوا يَعبُدون الملائكة، والملائِكةُ تَقدَم لنا كثيرًا أنها جَمْع (ملَك)، وأَصْل (ملك: مَلْأَك)، وأَصْل (المَلْأَك)(مَأْلَك)، ففيها أُصول، لكنها بالاستِعْمال وصَلَتْ إلى هذه اللُّغة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنه يَنبَغي تَذكيرُ الناس بيَوْم المَعاد، ووجهُ الدَّلالة: أنَّ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} مُتعلِّق بمَحذوف تَقديرُه: (اذْكُرْ يومَ يُحشَرون)، وهذا يَشمَل تَذكير النَّفْس، بمَعنَى أنَّ نَفْسك إذا غفَلَت يَنبَغي أن تُذكِّرها يومَ الحشْر ويومَ الموت؛ لأنَّ قوله رحمه الله:[اذْكُرْ] المُقدَّر يَحتَمِل أنَّ المعنى اذكُرْ في نَفْسك هذا اليومَ، أو اذْكُرْ لغَيْرك هذا اليومَ.
وكِلاهما حقٌّ فيَنبَغي للإنسان أن يُذَكِّرَ نَفْسه مَآله، كُلَّما ركَنَت إلى الدنيا وأَرادَتِ الانغِماس فيها فلْيُذكِّرْها يوم النَّقْلة من هذه الدُّنيا، ويُذكِّرها قومًا انتَقَلوا من هذه الدُّنيا، وكانوا أَشَدَّ منه قوةً وأكثَرَ أموالًا وأولادًا، ثُم يُذكِّرها ما وراء ذلك من الحِساب والعِقاب، وهو اليوم المشهودُ الذي يُجمَع له الناس.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات البَعْث؛ لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الحَشْر عامٌّ لكل أحَد حتى من أَكَلَتْه السِّباع وأَحْرَقَتْه النِّيرانُ، يُؤخَذ من قوله:{جَمِيعًا} وهو كذلك، فالَّذي أَكَلَتْه السِّباع أو أَحرَقَتْه النيرانُ لا بُدَّ أن يُحشَر يوم القيامة كما قال الله تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثبات القَوْل لله تعالى، من قوله تعالى:{ثُمَّ يَقُولُ} وهذا يَعنِي إثبات الكلام والقول لله عز وجل، وهو مَذهَب أهل السُّنَّة والجماعة ومَذهَب الأشاعِرة ومَذهَب المُعتَزِلة، ولكنهم يَختَلِفون في تفسير هذا الكلامِ.
فالكلامُ عند أهل السُّنَّة والجماعة كلام حَقيقيٌّ بحُروف وأصواتٍ مَسموعة، وهو غير مخَلوق.
والكلام عند المُعتَزِلة كلام بحروف وأصوات مَسموعة؛ لكنَّه ليس من صِفات الله تعالى، فهو مخَلوق عندهم يَقولون: إن الله سبحانه وتعالى يَخلُق كلامًا فيَنسُبه إليه على سبيل التَّشريف والتَّعظيم، كنِسبة البيت إليه ونِسبة المَساجِد إليه ونِسبة الناقة إليه ونِسبة الأرواح إليه وما أَشبَهَ ذلك.
والأشاعِرة يُثبِتون لله تعالى كلامًا، لكنهم يَقولون: إنه بغير حروف وبغير أَصوات مَسموعة؛ بل هو المَعنَى القائِم بنَفْسه، وهذا الذي يُسمَع هو الذي سمِعه مُوسى عليه الصلاة والسلام وسمِعه محمَّدٌ عليه الصلاة والسلام، ويَسمَعه الناس يوم القيامة هذه أَصوات يَخلُقها الله عز وجل لتُعبِّر عمَّا في نَفْسه، وليسَتْ هي كلام الله تعالى، بل هي عِبارة عنه.
أمَّا أهل السُّنَّة والجماعة فيقولون: إنَّ كلام الله عز وجل كلامٌ حَقيقيٌّ بحَرْف وصَوْت مَسموع، لكنَّ هذا الصوتَ لا يُشبِه أصواتَ المَخلوقين؛ لأنَّه من كلام الله تعالى وكلامه صِفة من صِفاته لا تُشبِه صِفاتِ المَخلوقين.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: تَقريع أُولَئك المُشرِكين وتَوْبيخهم بسُؤال مَن يَدَّعونهم آلهةً حتى يُظهِروا البَراءة منه؛ لقوله تعالى: {وَأَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا
سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} فسُؤال المَعبودين عن عِبادة العابِدين يُراد به التَّقريع والتَّوْبيخ لأُولَئك العابِدين، وأن هؤلاءِ المَعبودين تَبَرُّؤوا منهم وقالوا: سُبحانك أنت وليُّنا من دُونهم، وهذا من أشَدِّ ما يَكون من التَّخجيل والتَّوبيخ والتَّنديم، لأنه يُظهِر كذِب هَؤلاء العابِدين وافتِراءَهم.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثبات المَلائِكة وأنَّ مِن الناس مَن عبَدهم من دون الله تعالى؛ لقوله تعالى: {يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} .
* * *