الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (7)
* قالَ الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7].
* * *
أوَّلًا: في الإعراب والمَعاني البلاغية قوله سبحانه وتعالى: {هَلْ نَدُلُّكُمْ} المَقصود بالاستِفْهام هنا السُّخْرية، وقوله تعالى:{عَلَى رَجُلٍ} نُكِّر للتَّحقير، يَعنِي: أنَّه رجُلٌ حَقيرٌ، كقوله تعالى عمَّن كذَّبَ الرسُلَ عُمومًا:{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 36]، وقوله سبحانه وتعالى:{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 14]، فإن هذا للتَّحقير.
وقوله سبحانه وتعالى: {يُنَبِّئُكُمْ} تَنصُب ثلاثةَ مَفاعيلَ، المَفعولُ الأوَّل الكافُ، والمَفعول الثاني والثالِث مُعلَّق بقوله تعالى:{إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
يَقول الله عن الكافِرين: إنَّ بعضهم يَقول لبَعضٍ على جِهة التَّعجُّب، كما قال المُفَسِّر رحمه الله، بل على جِهة التَّحقير:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ لِبَعْضٍ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ} هُوَ مُحَمَّدٌ]، الاستِفهام هنا قُلت: إنه للسُّخْرية.
والمُفَسِّر رحمه الله زاد مَعنًى آخَرَ وهو التَّعجُّب، يَعنِي: ألَا تَتَعَجَّبون ممَّا سنَدُلُّكم عليه.
وقوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ} يَقول رحمه الله: [هُوَ مُحَمَّدٌ] لكنهم قالوه بالتَّنكير على سبيل التَّحقير لم يَذكُروه باسمه؛ لأنَّ ذِكْر الشخص باسْمِه قد يَعني تَعلية مَنزِلته، ولكنهم قالوا بهذا اللَّفظِ المُنكَر تَحقيرًا له [{يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} وقُطِّعْتُمْ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} بِمَعْنَى: تَمْزِيقٍ] {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا ما يُنبّأ به يَقول: {يُنَبِّئُكُمْ} أي: يُخبِرُكم، فالنَّبأ بمَعنَى الخَبر، وقد يَكون النَّبأ في الأشياء الهامَّة والخبَر في ما هو أعَمُّ، فتُخبِرُ عن الشيء الهامِّ وعن الشيء الحَقير، ولكنك لا تُنْبئُ إلَاّ بشيءٍ عظيم، كقوله تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 1 - 2] وقال تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 67 - 68]، فالنَّبأ قد يُستَعمَل في الأشياء العَظيمة بخِلاف الخبَر فإنه يَكون أَعمَّ.
وقوله رحمه الله: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [إِذَا قُطِّعْتُمْ] يَعنِي: تمَزيق الأرض لِلُحوم البَشَر، فإن الإنسان إذا دُفِن مَزَّقته الأرض وقطَّعته وصارَت عِظامه الصُّلْبة رميمًا: فهُمْ يَقولون: إنه {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ، قال المُفَسِّر رحمه الله: بمَعنى تَمزيق.
وعلى هذا فكلِمةُ {مُمَزَّقٍ} مَصدَر، لكنه مَصدَرٌ مِيميٌّ.
وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا هو مَحَلُّ النَّبأ، وهو في مَحَلّ نصبٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفعولَيْ يُنبِّئكم الثاني والثالث.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِذَا مُزِّقْتُمْ} كلِمةُ {إِذَا} ظَرْفية مُتعلِّقة بشيءٍ مَحذوفٍ يَدُلُّ عليه السِّياق؛ لأنَّ إنباء الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في وقت تَمزيقهم، ولكنه أَنبَأَهم في الحياة الدنيا: أنما تَمزيقهم إذا دُفِنوا، يَعنِي أنكم إذا دُفِنْتم ومُزِّقتم تَكونون في خَلْق جَديدٍ، وهذا الخَلْقُ الجديد هو البَعْث، وهل البَعْثُ إعادة لما مَضَى، أو ابتِداء خَلْق غير الأَوَّل؟