الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (28)
* * *
* قالَ الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].
* * *
سبَقَ لنا أن المُفَسِّر رحمه الله فصَّل في قوله في تفسير (العزيز)[بِغَالِبٍ]، وفي قوله: الحكيمُ [بِتَدْبِيره لِلْخَلْقِ]، وأَخطَأ أيضاً في قوله:[فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ]؛ لأنَّه ليس المَقام مَقام نَفيِ الشريك في المُلْك، إنَّما المَقام مَقام نَفيِ الشَّريك في العِبادة، إذ إنَّ هَؤلاءِ المُشرِكين يَعتَرِفون بأن الله تعالى لا شَريكَ له في مُلْكه.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً} حالٌ من النَّاس قُدّم للاهتِمام، {لِّلنَّاسِ} {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً} ، وهذا الاستِثْناءُ يُسمُّونه استِثْناءً مُفرغًا من اعَمِّ الأَحْوال يَعني:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} لأي حال من الأحوال إلَّا لهذه الحالِ، يَعني:{إلّا} للنَّاس {كَافَّةً} بمَعنَى: جميعاً.
وقوله سبحانه وتعالى: {أَرْسَلْنَاكَ} الإِرْسال مَعنَاه: الأَمْر بتَبليغ الشيء؛ فأنت إذا أرسَلْت شخصًا من النَّاس إلى شخص آخَرَ مَعناه أنك أَمَرْته أن يُبلِغ شيئًا ما إلى المُرسَل إليه؛ ولهذا قال العُلَماءُ رحمهم الله في تفسير (الرسول): وهو الذي أوحِيَ إليه بشَرْعٍ وأُمِرَ بتبليغه.
وقوله تعالى: {إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} : {لِلنَّاسِ} مَعناه: همُ البَشَر، وسُمُّوا ناسًا
من قولهم: أَنِس. إذا تَحرَّك وعمِل، وعلى هذا فيَكون النَّاس اسْمًا مُشتَقًّا، وليس اسْمًا جامِدًا، قالوا: وأَصْله: (الأُناس)، لكنها حُذِفت الهمْزة تَخفيفًا؛ لكَثْرة الاستِعْمال، ومثل ذلك قولهُم: شَرٌّ وخَيْر. كأنْ تَقول: هذا خيرٌ من هذا. بمَعنى: أَخيَرُ مِن هذا، فحُذِفتِ الهمْزة للتخفيف؛ لكَثْرة الاستِعْمال، قالوا: ومن ذلك (الله)، وأَصلُه الإِلَهُ؛ حُذِفتِ الهَمْزة للتَّخفيف؛ لكَثْرة الاستِعمال، على أن هذه المَسألةَ الثانِيةَ الأَخيرة فيها شيء من النَّظَر؛ لأنَّ (الإِله) تَأتي إلى جانِب (الله)، وتَقول: هو الله الإِلَهُ العَظيمُ .. إلى آخِره.
وقول المُفَسر رحمه الله: [{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أَيْ: كُفَّارِ مَكَّةَ]، وهذا قُصور من المُفَسِّر رحمه الله؛ لأنَّنا إذا قُلْنا: إنك أُرسِلْت إلى كُفَّار مَكَّةَ فغَيرُهم لم يُرسَل إليهم، وهذا قُصور عظيم جِدًّا؛ كيف تَأتي كلِمة (النَّاس) في مَقام الرسالة ونَقول: المُراد بها كُفَّارُ مَكَّةَ.
والصوابُ: المُراد بها كُفَّارُ مَكَّةَ وغَيْرهم، وكُلُّ الكُفَّار إلى يوم القِيامة، وليس في حَياته فَقَطْ، إلى يوم القيامة للنَّاس عُمومًا.
وقوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي: مُبشرًا للمُؤمنين بالجنَّة، ونَذيرًا: مُنذِرًا للكافِرين بالعذاب، بَشيرًا: حال أيضاً من الكاف في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} ، وقوله تعالى:{بَشِيرًا} (فَعيلٌ) بَمعنَى (مُفَعِّل) أو (بشير) بمَعنى: ببِشارة، و (فَعيل) تَأتي بمُعنَى (مُفعل) كما أسلَفْنا ذلك كثيرًا، وقوله تعالى:{بَشِيرًا} للمُؤمِنين بالجنَّة {وَنَذِيرًا} للكافِرين بالنار، وَينبَغي أن يقال: بَشيرًا للمُؤمِنين بالجَنَّة -كما قال المُفَسر رحمه الله ونَذيرًا للعاصِين بالعُقوبة؛ ليَشمَل الإنذارَ عن الكُفْر والإِنْذار عن المَعاصي، بمَعنَى: أنَّه حتَّى المَعاصي رُتبت عليها عُقوبات، من أَجْل أن تَردعَ الإنسان عن فِعْلها.