المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (23) * * *   * قال الله عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ - تفسير العثيمين: سبأ

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الآية (2)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (3)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (4)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الآية (5)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (6)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (7)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (8)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (9)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (10، 11)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (12)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (13)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (14)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (15)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (16)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (17)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (18)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (19)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (20)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (21)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (22)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الآية (23)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرةَ:

- ‌الآيات (24 - 26)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (27)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (28)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الآية (29)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (30)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (51)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (52)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (53)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (54)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

الفصل: ‌ ‌الآية (23) * * *   * قال الله عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ

‌الآية (23)

* * *

* قال الله عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23].

* * *

وقول المُفَسِّر رحمه الله: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} سبحانه وتعالى، رَدَّ لِقَوْلهِمْ: إِنَ آلهتهُمْ تَشْفَعُ عِنْدَهُ {إِلَّا لِمَن أَذِنَ} بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَضَمّهَا، {ولَهُ} فِيها]، إذا قالوا: نعَمْ؛ آلهتنا لا تمَلِك شيئًا في السَّمَوات ولا في الأرض، آلهتنا ليس لها مُشارَكة مع الله سبحانه وتعالى، آلهتنا لم تُعِنِ الله تعالى، لكنَّها تَشفَع، كما قالوا:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، فقَطَع الله تعالى هذه الوَسيلةَ الأَخيرةَ {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} إِذَنْ هذه الآلهةُ ما تَستَطيعُ أن تَشفَع إلَّا بعد إِذْنِ الله تعالى.

وهل يُمكِن أن يَأذَن؟

الجوابُ: لا يُمكِن؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى يَقول: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وَيقول الله:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، ومعلوم أنَّه الله تعالى لا يَرضَى عن الكافِرين لا أن يَشفَعوا ولا أن يُشفَعَ فيهم، فتَبيَّن أنَّ جميع ما يَتعلق به المُشرِكون في شِرْكهم مع الله تعالى كلُّه باطِل، وكُلُّه مُمتَنِع، فإن الأسباب التي يُمكِن أن يَنتَفِعوا بها واحِد من أُمورِ أربعة:

ص: 162

1 -

المُلْك استِقْلالًا.

2 -

المُلْك مُشارَكةَ.

3 -

الإعانةُ.

4 -

الشفاعةُ.

وكل هذه الأربعةِ مُنتَفِية في عِبادة هذه المَدعوةُ من دون الله تعالى، فانقَطَع كُلُّ سبَب يَتَشبَّث به المُشرِكون، وحينئذٍ فيَجِب أن يكون العِبادة والدعاء لله تعالى وحدَه؛ لأنَّه الذي له مُلْك السمَوات والأرض.

وأمَّا تَعريف الشَّفاعة في اللُّغة: هي جَعْل الفَرْد شَفْعَا أو جَعْلُ الوَتْر شَفْعاً، والشَّفْع والوَتْر، فضَمُّ واحِدِ إلى واحِدِ شَفْع، وضَمُّ واحِد إلى ثلاثة شَفْع، وهكذا.

أما تعريف الشَّفاعة في الاصطِلاح: فهو التَّوسُّط للغير بجَلْب مَنفَعة أو دَفْع مَضرةِ، أن تَتَوسَّط لغيرك إمَّا بجَلْب مَنفَعة له أو دَفْع مَضرَّة، فالشَّفاعة لأهل الجنَّة أن يَدخُلوا الجنَّة هي في جَلْب مَنفَعة، والشفاعة فيمَن استَحَقَّ النَّار ألَّا يَدخُلها، وفيمَن دخَلها أن يُخرَج، فهذه شَفاعة لدَفْع الضرَر.

فلا تَخلو الشفاعة من هذين الأمرين، إمَّا لجلْب النَّفْع، وإمَّا لدَفْع الضرَر، مثاله: إنسان شَفَع لشَخْص في أن تُعْلَ مَرتبتُه هذا لجلْب مَنفَعة، شَفَع لشَخْص كُتِب عليه غَرامة أن تُرفَع عليه الغرامة، فهذا لدَفْع مَضرَّة.

وقوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وهل الإِذْنُ كَوْنيّ أم شَرْعي؟ الكونيُّ يَعنِي: إلَّا مَن رُخِّص له في أن يَشفَع، وشَرْط الإِذْن أن يَكون الله سبحانه وتعالى راضِيا عن الشافِع والمَشفوع له، فيَأذن فيها سبحانه وتعالى كرامةَ للشافِع، وبَياناً لفَضْله،

ص: 163

ورحمةً بالمَشفوع له، وإحسانًا إليه.

وقول: {عِندَهُ} أَيْ: عند الله سبحانه وتعالى {إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وهنا لا تَنفَع الشَّفاعة عنده إلَّا لمَن أَذِنَ له؛ لكَمال سُلْطانه، فالنَّفْيُ هنا مُتضَمن لإثباتٍ وهو كَمال السُّلْطان؛ لأنَّ من كَمال السُّلْطان ألا يَتكَلم أحَد عند المَلِك المَشفوع إليه أبدًا إلَّا بإذْنه.

ولهذا تَجِد الإنسان إذا كان ذا هَيْبة عند النَّاس وكان في مجَلِسٍ تَجِد النَّاس لا يَتكَلَّمون هَيْبةً له، وتَجِد السلْطان إذا كان ذا هَيْبة ما أحَد يَقدِر أن يَتكَلَّم في مكان جُلوسه ولا مع أخيه سِرًّا؛ لأنهم يَهابونه؛ فلِكَمال سُلطان الله لا يَستَطيع أحَدٌ أن يَشفَع إلَّا بإذْنه، حتَّى أَخص عِباده به وهمُ الأنبياءُ وأَخَصهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم لا يُمكِن أن يَشفَع إلَّا إذا أذِنَ الله تعالى، حتَّى في مَقام الرحمة يوم القِيامة فإن الله تعالى يَجعَل يوم القِيامة مِئة رحمة يَرحَم بها الخلق في مَقام الرحمة وعند شِدة الهمِّ والغم المُقتَضي لرحمة الله تعالى ما يُمكِن أن يَشفَع الرسول صلى الله عليه وسلم إلَّا بإذْن الله تعالى أبدًا؛ لكَمال سُلْطان الله إذا كانت الشفاعة لا تَنفَع إلَّا بإذْن الله سبحانه وتعالى، فهل هذه الأَصْنامُ المكروهة عند الله تعالى المُنحَطَّةِ عنده قَدْرًا هل يُمكِن أن تَشفَع لعابِديها؟ أبدًا حتَّى عيسى صلى الله عليه وسلم الذي عُبِد من دون الله تعالى لا يُمكِن أن يَشفَع لعابِديه؛ ولهذا يَقول عليه السلام يومَ القِيامة:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117]، ولا يُمكِن أن يَشفَع لهم، {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وقد سبَق أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يَأذَن إلَّا إذا كان الشافِع والمَشفوع له من أهل الشَفاعة، وقال الله تعالى:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقال:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]؛ ولهذا

ص: 164

قال العُلَماء رحمهم الله: إنَّ شُروط الشَفاعة ثلاثة: رِضا الله عن الشافِع، ورِضاه عن المَشفوع له، والثالِث إِذْنه بالشفاعة.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} حتَّى هنا ابتِدائية وليست غائِيةً؛ لأنَّ (حتَّى) تَأتي للغاية، وتَأتي للابتِداء وتَأتي للتَعليل، ولها مَعانٍ مُتعددة مَنْ أَحَب الوقوف عليها فلْيَرجِع إلى كِتاب (مُغنِي اللبيب) لابن هِشام

(1)

رحمه الله، فإنَّه مُفيدٌ لطالِب العِلْم، يَقول تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} فيها قِراءتان {فُزِّعَ} و (فَزع) كما قال المُفَسر رحمه الله: [بِالْبِنَاء لِلْفَاعِلِ وَالمَفْعُولِ].

وقوله تعالى: {عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي: عن قُلوب الخلْق، أو عن قُلوب المَلائِكة، فيها قَوْلان لأَهْل العِلْم، وسيَأتي -إن شاء الله تعالى- بيانُهما.

{فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [كُشِفَ عَنْهَا الْفَزَعُ بِالْإِذْنِ فِيهَا]، و (فَزَعَ) و (فزعَ) بمَعنى: أَزال الفزَع، وليس (فَزَع) بمعنَى: ألحق الفزَع، بل بمَعنى أزالَه، وهو فِعْل يُراد به السلْب؛ لأنَّ هناك أَفعالًا يُراد بها سَلْب المَعنَى؛ يَعني: ضِد هذا المَعنَى، ومنه قولهم: قرَّد البَعيرَ. أي: أَزال منه القُراد، وهو شيءٌ يَكون في جِلْد البَعير دابة أو حشَرة صغيرة تَعَضُّ البَعير فتَشرَب الدَّمَ منها، وهو مِثلُ القَمْل للإنسان، هو قَمْل الإبِل، يَعنِي: يَلصَق في الجِلْد، وهو إذا أمسَك الجِلْد ما يُطلِقه أبدًا إلَّا أن تمُسِكه وتَجرُّه جَرًّا.

وقوله عز وجل: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أو (فَزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) يَعنِي: أَزال الفزَع عن قُلوبهم، قال المُفَسر رحمه الله:[بِالْإِذْنِ فِيهَا] أي: بالشَّفاعة، وعلى هذا فيَكون الضميرُ هنا عائِدًا على المَشفوع له، يَعنِي إذا لحِق المَشفوع له من الهمِّ والكَرْب والغَمِّ ما

(1)

مغني اللبيب (ص: 166).

ص: 165

لحِقه، وكذلك الخوف والفزَع فأذِن الله تعالى له بالشَّفاعة زال الفزَع عن القُلوب؛ لأنَّه قرُب الفَرَج قال تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} بالإِذْن فيها.

وقول المُفَسر رحمه الله: [{قَالُوْا} قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اسْتِبْشَارًا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فِيهَا أَيْ: فِي الشَّفَاعَةِ {قَالُوْا} الْقَوْلَ: {الْحَقَّ}، أَيْ: قَدْ أَذِنَ فِيهَا {وَهُوَ الْعَلِيُّ} فَوْقَ خَلْقِهِ بِالْقَهْرِ {الْكَبِيرُ} الْعَظِيمُ] أَفادَنا المُفَسِّر رحمه الله أنَّ الضمير في {قُلُوبِهِم} يَعود على المَشفوع له، فإن المَشفوع له قبلَ الشفاعة يَلحَقه الفزَعُ والخوفُ من ذُنوبه، أو من غير ذلك، فإذا أُذِنَ في الشَّفاعة زال الفزَع، وقالوا: ماذا قال الله سبحانه وتعالى، فيقول بعضهم لبَعضٍ:{قَالُوا الْحَقَّ} أي: قالوا القولَ الحقَّ؛ بمَعنى: الثابِت المُوافِق لمَحله، وقد سبَقَ لنا أنَّ الحقَّ في الأخبار هو الصدْق، والحقُّ في الأحكام هو العَدْل، كما قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115].

وهذا ما ذهَب إليه المُفَسر رحمه الله على أنَّ الضمير في {قُلُوبِهِم} يَعود إلى المَشفوع لهم، وأن التَّفزيع بمَعنَى إزالة الفَزَع، وهو الخوْف بالإِذْن في الشَفاعة، والسِّياق لا يَأباه، ولكن قد ثبَت في الحديث الصَّحيح عن النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ المُراد به غير ذلك، وأن المُراد به الملائِكة الذين هم عند الله تعالى، إذا تكلَّم الله تعالى بالوَحْيِ صُعِقُوا، فإذا صُعِقُوا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعنِي: أُزيل الفزَع عنها، ثُمَّ صاروا يَتساءَلون: ماذا قال الله تعالى؟ فيقال: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .

وإذا جاءَتِ السنَّة بتَفسير القرآن كانت أَوْلى، على أننا سبَق أن قُلْنا: إنَّ القُرآن إذا دل على عِدَّة مَعانٍ لا تَتَناقَض حُمِل على جميع المعاني؛ لأنَّه أَوْسَعُ وأَعظَمُ ممَّا يَصِل إليه فِكْر الإنسان، فقد يَصِل فِكْري إلى شيء وَيصِل فِكْر الآخَر إلى شيء آخَرَ، وفِكْر الثالث إلى شيءٍ ثالِث، والآية كلُّها تَحتَمِل هذه المعانيَ، فتُحمَل عليها، أمَّا إذا كان

ص: 166

لا يَحتَمِل إلَّا مَعنًى واحِدًا فإنَّه يَجِب أن يُحمَل على ما قام الدليلُ عليه.

وقال بعض أهل العِلْم رحمهم الله: حتَّى إذا فزع عن قُلوبِهم عند الموت، ليس يومَ القِيامة (عِنْد الشَّفاعة)، ولكن إذا فزع عن قُلوبهم (عِند الموت)، ولكن هذا ضعيف وإن كان قد يَرِد فيُفزَّع عن القَلْب عند المَوْت وَيعتَرِف بالحقِّ، فإنَّ فرعونَ حين غرِق ماذا قال؟ حتَّى إِذا أَدرَكه الغرَقُ قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، وقال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر: 84]، لكن هذا المَعنى ضَعيف، فالآيةُ دائِرة بين ما قاله المُفَسر رحمه الله وما ثبَت به الحديث الصَّحيح، وهي دالَّةٌ قَطْعًا على ما جاء به الحديثُ الصَّحيحُ، وما ذكَرَه المُفَسِّر رحمه الله فهو محُتَمِل ولا تَأباه الآيةُ.

وقوله تعالى: {الْحَقَّ} وأمَّا إعرابُها صِفةً لمَصدَر مَحذوفٍ؛ أي قال: [الْقَوْلَ {الْحَقَّ}] ولا يَصلُح أن تكون مَفعولًا لـ (قَالُوا)؛ لأنَّ القول لا يَنصِب إلَّا جُمْلة أو مَا بمَعنى الجمْلة، كقوله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30] أين مَقول القولِ؟ {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} جُمْلة، أو بمَعنى الجملة؛ كقولِكَ: قُلتُ قصيدةً، أو قُلْتُ كلِمةً. هذه بمَعنَى الجُمْلة؛ لأنَّ الكلِمة والقَصيدة والشعْر لا يَكون إلَّا جُمْلة.

فإن قلتَ: ما تَقول في قوله سبحانه وتعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} [النحل: 30]؟

فالجوابُ: هذه ليست مَفعولًا لـ (قالوا)، لكنَّها مَفعول لفِعْلٍ محَذوف؛ والتقديرُ:(أَنزَل خَيْرًا).

وقول المُفَسر رحمه الله: [وَهُوَ الْعَليُّ فَوْقَ خَلْقِهِ بِالْقَهْرِ]، وهذا فيه إمَّا تَقصير

ص: 167

وإمَّا قُصور؛ لأنَّ عُلُوَّ الله عز وجل ليس بالقَهْر، بل عُلُوُّه ثلاثةُ أقسام: عُلُوُّ القَهْر، وعُلُوُّ القَدْر، وعُلُوُّ الذّات، لكنَّ المُفَسِّر -عفا الله تعالى عنَّا وعنه- كأنَّه لا يَرَى عُلُوَّ الذّات، والمُنكِرون لعُلُو الله سبحانه وتعالى يَنقَسِمون إلى قِسْمين: حُلوليَّة، ومُعطلة تَعطيلًا مَحْضًا.

فالحلولية يَقولون: إنَّه يَجِب عليك أن تُؤمِن بأنَّ الله تعالى في كل مكانٍ بذاته، وتُنكِرَ عُلُوَّه، إن كنتَ في المَسجِد أو كنتَ في السُّوق، أو كنتَ في البَرِّ أو كنتَ في البَحْر، فالله سبحانه وتعالى بذاته في ذلك المكانِ، وإن كنتَ في الحُشِّ فهو في الحُش! ! والحشُّ هو: مَكان التَّخلي، يَعني -والعِياذُ بالله تعالى- ما نَزَّهوا الله تعالى عن الأنتان والأَقْذار -نَسأَل الله تعالى العافيةَ- ولا شَكَّ أنَّ هذا كُفْر محَض ولا يَشُكُّ أحَد في كُفْر مَنِ اعتَقَد هذه العَقيدةَ.

والطائِفة الثَّانية المُنكِرة للعُلُو يَقولون: إنَّه لا يَجوز أن نَقول: إنَّ الله تعالى فوقَ العالَم ولا تَحتَه ولا يمينَ ولا شِمالَ ولا أمامَ ولا خلْفَ، ولا مُتَّصِل ولا مُنَفصِل، وهذا تَعطيل مَحْض، يَعنِي: لو قيل لك صِفْ لنا المَعدوم؟ ما وَجَدْتَ أَشدَّ إِحاطةً بالمعدوم من هذا الوَصْفِ، الذي ليس فوقَ العالَم ولا تَحتَه ولا يَمينَه ولا شِمالَه ولا خَلْف ولا أَمامَ، ولا مُتَصِل ولا مُنفَصِل، هذا ليس بمَوجود قَطْعًا.

أمَّا الرسُل وأَتباعُهم فيُؤمِنون بأن الله بِذاته فوقَ كل شيء، وهذا هو الذي دلَّ عليه العَقْلُ والفِطْرة والإِجْماع والكِتاب والسُّنَّة.

ولْنَسْتَعرِض لهذا الأَمْرِ، وإن كان -الحمدُ لله- ظاهِراً.

فظاهِر الكِتاب دلَّ على أن الله تعالى بذاته فوقَ عَرْشه؛ من وجوه مُتنوِّعة: فتارَةً بذِكْر العُلُوِّ مِثْلَ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى: 4]، وتارةً بذِكْر الفَوْقية مِثْلَ:

ص: 168

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وتارةً بذِكْر صُعود الأشياء إليه مِثْل:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وتارةً بذِكْر نُزول الأَشْياء منه، مِثل قوله تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، فقَدْ تَنوَّعَتِ الأدِلَّة من كِتاب الله تعالى على عُلوِّ الله سبحانه وتعالى.

وأمَّا السُّنَّة فكذلك، دلَّتِ السُّنَّة على عُلوِّ الله تعالى بِذاته من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفِعْله وإِقْراره؛ فقال عليه الصلاة والسلام:"رَبُّنا الله الَّذِي فِي السَّمَاءِ"

(1)

، وقال صلى الله عليه وسلم:"أَلا تَأْمَنُونِي وَأَنا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ"

(2)

، وأمَّا فِعْله فإنَّه في يوم عرَفة وهو يَخطُب النَّاس عندما خطَب تلكَ الخُطْبة العظيمةَ قال صلى الله عليه وسلم لهم:"أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهمَّ اشْهَدْ"، يَرفَع أُصبُعه إلى السَّماء وَينكُتها إلى النَّاس، "اللَّهمَّ اشْهَدْ"

(3)

، هذه سُنَّة فِعْلية، بإِشارته صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين ذَكَر الله تعالى، وأمَّا الإقرارية فإنَّه أُتِيَ إِلَيْهِ بِجَارَيةٍ فَسَأَلها فَقَالَ:"أَيْنَ الله؟ قَالَتْ: فِي السَّماءِ. قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"

(4)

، هكذا قال، ويُعتَبر هذا إقرارًا، فقد تَنوَّعَتِ السُّنَّة بالدَّلالة على عُلوِّ الله تعالى بذاته.

وأمَّا الإِجْماع فقد أَجمَع السلَف من الصّحابة والتابعين وأَئِمَّة الأُمَّة على أنَّ الله تعالى في السَّماء بذاته، ولم يَقُلْ أحَدٌ مِنهم بحرفٍ واحِد أبدًا: إن الله تعالى ليس في السماء. أو: إنَّ الله تعالى في كل مَكان بذاته.

(1)

أخرجه أبو داود: كتاب الطب، باب كيف الرقي، رقم (3892)، والنَّسائيُّ في الكبرى (10809) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البُخاريّ: كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب (4351)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم (1064)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، رقم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصَّلاة، رقم (537)، من حديث معاوية ابن الحكم السلمي رضي الله عنه.

ص: 169

وأمَّا العَقْلُ فاسأَلْ عَقْلَكَ: هل الكَمال في عُلوّ الذّات أو في نَفْي العُلُوِّ عنه؟ الجوابُ: الأوَّل بلا شَكٍّ، عُلوُّ الذّات تَدُلُّ على الكَمال، بل هي الكَمال، فإذا كان العُلوُّ هو الكمالَ، فإن من المعلوم عَقْلًا أن الربَّ مُتَّصِف بالكَمال، وحينئذٍ يَثبُت له العُلوُّ عَقْلًا.

أمَّا الفِطْرة فاسأَلْ فِطْرتَكَ عندما تَسأَل الله تعالى شيئًا -افرِضْ أنك ما درَسْتَ ولا حضَرْت في المساجد ولا شيء- إذا سألت الله شيئًا أينَ يَنصَرِف قلبُكَ؟

الجوابُ: إلى الأعلى؛ ولهذا كان أبو المَعالي الجوَيْنيُّ رحمه الله يُقرِّر فيَقول: كان الله تعالى ولم يَكُن شيْءٌ قبلَه، وكان عَرشُه على الماء. وما ذكَرَ استِواء العَرْش، يُريد بذلك أن يُنكِر استِواء الله تعالى على العَرْش الذي مِن لازِمِه الإقرارُ بالعُلوّ، فقال له أبو جعفر الهمَذاني رحمه الله:"دَعْنا مِنْ ذِكْر العَرْش، وأَخبِرْنا عن هذه الضَّرورةِ التي نَجِدها في نُفوسنا، ما قال عارِفٌ قَطُّ: يا الله. إلَّا وجَدَ من قَلْبه ضَرورة بطَلَب العُلوّ"، فلَطَم الجُوَيْنيُّ رحمه الله على رأسه وصرَخَ وقال: حيَّرَني الهمَذانيُّ!

(1)

. لأنَّ الدليلَ الفِطْريُّ لا يُمكِن النِّزاع فيه، ولو نازَعَك مُنازع فيه قُلْتَ: هذا مجَنون؛ فلو أن أحَدًا أَنكَر طلَب الطَّعام للجائِع فلا يُصدَّق؛ ولهذا تَحيَّر أبو المَعالي الجوَيْنيُّ رحمه الله وعجَزَ عن الإجابة؛ لأنَّ هذا دَليل فِطْريٌّ لا يُنازع فيه أحَدٌ.

وعليه فقد تَطابَقتِ الأدِلَّة على عُلُوِّ الله تعالى بذاته، أمَّا عُلوُّه بصِفاته سواء كانت صِفاتِ قَدْر أو قَهْر، فهذا يُقِرُّ به جميع المُنتَسِبين إلى الإسلام، حتَّى الجهْميَّة والأشاعِرة وغيرُهم يُقِرُّون بأنَّ الله تعالى عالٍ عُلُوًّا مَعنويًّا، وهو عُلُوُّ الصِّفاتِ.

(1)

انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/ 642 - 643)، وسير أعلام النبلاء (18/ 475).

ص: 170