المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (12) * قالَ الله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ - تفسير العثيمين: سبأ

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الآية (2)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (3)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (4)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الآية (5)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (6)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (7)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (8)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (9)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (10، 11)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (12)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (13)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (14)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (15)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (16)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (17)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (18)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (19)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (20)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (21)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (22)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الآية (23)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرةَ:

- ‌الآيات (24 - 26)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (27)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (28)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الآية (29)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (30)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (51)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (52)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (53)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (54)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

الفصل: ‌ ‌الآية (12) * قالَ الله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ

‌الآية (12)

* قالَ الله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12].

* * *

وقول المُفَسِّر رحمه الله: {و} [وَسَخَّرْنَا]{لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} ، وإنما قَدَّر:[وَسَخَّرْنَا]؛ لأنَّ (الرِّيحَ) مَنصوبةٌ، فلاُ بدَّ من تقدير عامِلٍ يَتِمُّ به النَّصْب، وهنا نُقدِّر ما يُناسِب وهو (سَخَّرْنا له) كما جاء ذلك في آية أُخرى:{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36].

وقوله تعالى: {لِسُلَيْمَانَ} هو ابن داوُدَ عليهما السلام، وقد آتاهُ الله تعالى الرِّسالة والمُلْك مُلْكًا عظيمًا لا يَنبَغي لأحَدٍ من بَعْده؛ لأنَّ الله تعالى سخَّر له الإِنْس والجِنَّ.

وقوله تعالى: {الرِّيحَ} هي الهَواء، سَخَّرَها الله تعالى له؛ أي: ذَلَّلَها بحيث تَجرِي بأَمْره يَأمُرها فتَتَّجِه إلى الشَّمال إذا كان يُريد ناحية الشَّمال، وَيأمُرها فتَتَّجِه إلى الجنوب إذا كان يُريد ناحية الجنوب، وَيأمُرها أن تَذهَب شَرْقًا فتَذهَب، وأن تَذهَب غَرْبًا فتَذْهَب، وأن تُسرِع فتُسرِع، وأن تُبطِئ فتُبطِئ؛ تَجرِي بأَمْره.

ولا يُقال: إن هذا يَدُلُّ على أنَّ سُلَيْمانَ عليه السلام مُشارِك لله تعالى في الخَلْق؛ لأنه لا أَحَدَ يَستَطيع أن يُصرِّف الهَواء، لوِ اجتَمَع الخَلْق كلُّهم على أن يُصرِّفوا الهَواء

ص: 97

ما استَطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وسُلَيمانُ عليه السلام يَستَطيع ذلك، فلا يُقال: إنه شَريك لله تعالى؛ لأن الذي سخَّر الريح له هو الله تعالى.

ولهذا لا نَقول: إنَّ عِيسى عليه السلام شَريك مع الله تعالى في الخَلْق، حيث قال الله تعالى:{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} [المائدة: 110]؛ لأنَّ قُدرة هَؤلاء الخَلْقِ على ما يَقدِرون عليه ممَّا لا يَقدِرُ عليه غيرهم من المَخلوقين إنما كانت بأَمْر الله، فهم لم يَستَقِلُّوا بذلك، ولكن الله تعالى أَعطاهم قُدرةً، كما أن الله تعالى يَمُنُّ على بعض العِباد بقُدْرةٍ هائِلةٍ في الحِفظِ أو في الفَهمِ أو في قُوَّة السَّمْع أو البَصَر أو البَدَن أو غير ذلك، فالرّيحُ هي الهواء سُخِّرت لسُلَيْمانَ عليه السلام.

وقول المُفَسّر رحمه الله: {الرِّيحَ} ، وفي قراءة:[وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ: تَسْخِيرِ] تَركيب المُفَسِّر رحمه الله هنا لبَيان القِراءة الثاني غريب، ما كان مَعهودًا منه، وكان الأَوْلى أن يَقول: وفي قِراءةٍ بالرَّفْعِ على تَقدير تَسخير. هذا هو الأَوْلى؛ لأن قوله: وقِراءَةُ الرَّفْعِ. لم نَستَفِدْ: هل هذه القِرْاءةُ سَبْعيَّة أو شاذَّة؛ لأن المَعهود أنه يَقول في السَّبْعية: وفي قراءة. وفي الشاذِّ يَقول: قُرِئ. وهنا يَقول: وقِرَاءَةُ الرَّفْعِ. ما نَدرِي! لكن على كلِّ حال القِراءةُ سَبْعيَّة، ففيها قِراءَة:(وَلِسُلَيُمَانَ الرِّيحُ غُدُوُّهَا شَهْرًا).

وقوله تعالى: {الرِّيحَ} إعرابُها على هذه القِراءةِ.

نَقول: إنها مُبتَدَأ مُؤخَّر، وأَصْل الكلام: تَسخيرُ الريح؛ فحُذِف المُضاف وأُقيم المُضاف إليه مَقامَه، وابنُ مالِكٍ رحمه الله يَقولُ

(1)

:

وَمَا يَلي المُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا

عَنْهُ في الِاعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا

(1)

الألفية (ص: 38).

ص: 98

أي: (لِسُلَيْمانَ تَسخيرُ الريح).

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: (لِسُلَيْمانَ الريحُ) أن (الريحُ) مُبتَدَأ بدون تَقدير. لم يَكُن بعيدًا، وَيكون مَعنَى كونِ الريح له أنها مُسخَّرة له، فيَكون له التَّصرُّف فيها.

وقوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} أي: [مَسيرها من الغُدوَة، بمَعنَى: الصَّباح إلى الزوال شَهْرٌ]، و {وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} ، [سَيْرها من الزوال إلى الغُروب شَهْر]؛ أي: مَسيرة شهر.

الريح سخَّرها الله تعالى له إذا سارَت به من الصباح إلى الزوال فهي مَسيرة شهر؛ بسَيْر الإِبِل، وعلى هذا فإنها تَكون سَريعة، رواحُها شَهْر فيَستَطيع أن يَذهَب إلى مكانٍ مَسيرتُه شَهْرٌ وَيرجع إلى بلَدِه في نفس اليوم؛ لأنَّ غُدُوَّها شَهْر ورَواحَها شَهْر، ومع ذلك فقَدْ وصَفَها الله تعالى بأنها عاصِفة، ولكنها غير مُؤثّرة:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81]، وقوله:{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36]، فهي سريعة لكنها غير مُزعِجة، لكن كيف يَطير في الريح؟ قال العُلَماءُ رحمهم الله: إنه يَضَع بساطًا عادِيًّا ويَجلِس هو وحاشِيَته عليه، ثُمَّ يَأمُر الريح فتَطير بهم؛ بهذا البساطِ، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قديرٌ، والعادةُ أنه إذا كان الإنسان مع حاشِيَته على بساطٍ وَيرتَفِع أنه يَسقُط، هذه العادةُ، ولكن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قديرٌ.

هل يُمكِن أن نَقول: إن قانون الطَّيَران بالطائِرات الحديثة مَبنِيٌّ على هذا؟

الجوابُ: نعَمْ قانون الطَّيَران مَبنِيٌّ على هذا، مَبنِيٌّ على الهَواء الذي تُولِّده هذه المُولِّداتُ، فهذه الطائِراتُ لا يَحمِلها إلَاّ الهواءُ، وهي حديد، وثَقيلة وعليها أُناس وعليها عَفْش، ونفس المَراوِحِ هذه والاندِفاع هذا فيه هواء شديد؛ ولذلك انظُرْ

ص: 99

كيف تَنضَبِط إذا نزَلَتْ إلى الأرض بسبب الهَواء في مُؤخَّرها عند (الشُّكمان) فيها حديدة تَنعَكِس حتى تَرُدَّ الهواء؛ حتى لا تَندَفِع الطائِرة.

وقوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} هل هي في سُرْعة الطائِرة؟

الجوابُ: لا هي أقَلُّ من الطائِرة؛ لأنَّ الطائِرة تَذهَب مَسيرةَ شَهْر بأَقَلَّ من الغُدُوِّ، ولكنها أسرَعُ من السيَّارة بلا شَكٍّ، يَبقَى علينا هذا المُرور السَّريع عادةً إذا لم يَكُن هناك حِجاب يَمنَع من عَصْفِ الهَواء؛ أن الهَواء يَعصِف بالراكِب حتى يَسقُط؟ لأنها دونَ الطائِرة وفوقَ السيَّارة في سُرْعتها، وبعض السيَّارات يَعصِف الهَواء فيها بالإنسان ويُقلِقه، لكنَّ الله تعالى بيَّن في آياتٍ أُخرى أن هذه الرِّيحَ تَكون رُخاءً ما فيها إِزْعاج ولا فيها قلَقٌ.

قال الله تعالى أيضًا ممَّا مَن الله تعالى به على سُلَيْمانَ عليه السلام: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أي: أَذَبْنا له {عَيْنَ الْقِطْرِ} أيِ: النُّحاس، هذا أيضًا قد يَكون أبلَغَ ممَّا أُوتيَه داوُدُ عليه السلام؛ لأنَّ داود عليه السلام قال الله سبحانه وتعالى:{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} ، أمَّا هذا فأَسَالَ الله تعالى له عَيْن القِطْر؛ يَعنِي: فجَّر له عَيْنًا من النُّحاس تَسيل كما يَسيل الماء مع إنها نُحاس، وهذا دليل على كَمال قُدرةِ الله؛ لأنَّ المَعروف أن النُّحاس مَعدِنٌ جامِد فجعَلَه الله سبحانه وتعالى لسُلَيْمانَ عليه السلام عَيْنًا سائِلة كأنها الماء؛ ولهذا قال تعالى:{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} .

وقوله: {عَيْنَ الْقِطْرِ} يَدفَع ما قيل: إنَّ سُلَيْمانَ عليه السلام كان يُذيب النُّحاسَ فيَسيل، كما أن الرَّصاص إذا أَذَبْناه يَصير سائِلًا، كالزِّئْبَق.

فنَقول: لا، بل إن الله تعالى يَقول:{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} فجعَل هذا عَيْنًا يَندَفِع من الأسفَلِ وَيسيل، ونحن نَعلَم أنَّ الله سبحانه وتعالى خالِقُ الأشياءِ جامِدِها

ص: 100

ومائِعِها، وأنَّه قادِر على أن يَجعَل الجامِد مائِعًا والمائِع جامِدًا، وهذا الماءُ المائِعُ المُتدَفِّق الجارِي لمَّا ضرَب مُوسى عليه السلام بعَصاهُ البَحْر انفَلَق فكان كل فِرْق كالطَّوْد العظيم، كالجبَل العظيم، وهو ماءٌ سائِل ضرَبه مرَّة واحِدة فقَطْ فتَفرَّق البَحْر وصار اثنَيْ عشَرَ طريقًا، كلُّ طريق بينَه وبين الطريق الآخَرَ مِثْلُ الجبَل من الماء، وهذا فَوْق الأمر الطبيعيِّ؛ لأنَّ خالِق الأشياء قادِر على كل شيء سبحانه وتعالى.

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [فَأُجْرِيَتْ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَاليهِنَّ كَجَرْيِ المَاءِ] هذا التَّقديرُ يَحتاج إلى تَوْقيف، يَعنِي: أنَّ الله تعالى أَجْراها له ثلاثةَ أيَّام فقَطْ قد نَقول: إن الله تعالى أَسَال له عَيْن القِطْر يَتَصرَّف فيها كما يَشاءُ، وهذا يَقتَضِي أن تَكون هذه الإِسالةُ مُستَمِرَّةً حيثُما أَرادَها وجَدَها، وهذا هو الأقرَبُ، ولا يُمكِن أن نُحدِّدها بثلاثة أيَّام إلَاّ بدليل من الشَّرْع، إمَّا من الكِتاب أو من السُّنَّة، وليس في الكِتاب تَحديد، وكذلك ليس في السُّنَّة، فالأَوْلى أن نَجعَلها على ظاهِرها.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [وَعَمَلُ النَّاسِ إِلَى اليَوْمِ مِمَّا أُعْطِيَ سُلَيمانُ] يَعنِي: أن انتِفاع الناس بهذا النُّحاسِ وتَذويبه حتى يَكون كالماء هذا أثَرُه من عمَل سُلَيمانَ عليه السلام، يَعنِي: أن النُّحَاس إنما ذاب من وقت سُلَيْمانَ عليه السلام إلى اليَوْم، وقد قِيل: إن النُّحَاس من قَبْلُ كان لا يَذوب أَبدًا، ولكنه في عَهْد سُلَيْمانَ عليه السلام ذابَ وصارَ مُستَمِرَّ الذَّوَبان.

قوله تعالى: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} : {مِنْ} للتَّبْعيض، و {الْجِنِّ} عالَم غَيْبِيٌّ مُستَترٌ عن الأَعْيُن؛ ولهذا جاء بلَفْظ الجِنِّ، وأَصْل هذه المادَّةِ -الجِيمُ والنُّون- الاستِتار؛ ومنه سُمِّيَت الجُنَّة التُّرْس الذي يَستَتِر به الإنسان، وسُمِّيَتِ الجنَّة للبُستان الكثير الأشجار؛ لأنه يَجِنُّ مَن فيه، أي: يُغطِّيه، وسُمِّيَت

ص: 101

الجنَّة أيضًا لهذا السبَبِ، وسُمَّيَ الجَنين، لأنه مُستَتِر، فهذه المادَّةُ - الجيم والنون - كلُّها تَدُلُّ على الخَفاء والاستِتار.

فالجِنُّ إِذَنْ عالَم غَيْبِيٌّ ليسوا بظاهِرين، لكنهم قَد يُرَوْن، هذا العالِم مِنهم صالِح ومِنهم دون ذلك، ومنهم مُسلِم ومنهم كافِر، كما في سورة الجِنَّ، يَأْكُلون وَيشْرَبون وَيتَقَيَّئون وَيبُولون؛ كما جاء في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهؤلاءِ الجِنُّ قد يَظهَرون أمام الناس ويُشاهَدُون، إمَّا بصُورِهم التي هم عليها وإمَّا بتَصَوُّرات ثانية، وإمَّا على صورة القِطَط، أو على صورة الدَّوابَّ كما جاء في الحديث الصحيح في النَّهْيِ عن قَتْل الجِنَّانِ التي تَكون في البيوتِ

(1)

؛ لأنَّ بعضَها قد يَكون من الجِنِّ ورُبَّما يَتَلبَّسون بالإنسان؛ أي: يَدخُلون في جَوْفه حتى يَكون كاللِّباس لهم، فيَصرَعونه وَيُؤذُونَه.

وقد أَشار الله بقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، يَعنِي: مثل المَصروع الذي صَرَعه الشَّيْطان، وهذا الصرعُ؛ أي: صرَع الجِنِّيَّ للإِنْسيِّ لا يُنكِره إلَّا المَلاحِدة، كما قال ابنُ القَيِّم رحمه الله في زاد المَعاد

(2)

: إنهم لم يَصِلوا إلى هذا النَّوْعِ من الصرَعِ فجعَلوا يُنكِرونه ويُحيلون جميع أنواع الصَّرَع إلى صرَع الأعصاب والمُخِّ وما أَشبَهَ ذلك، وصرَعُ الجِنِّ للإِنْس مَعلوم بالمُشاهَدة أيضًا، فلا يُنكِره إلَّا مُكابِر، لأنه شُوهِد مَنْ يُصرَع ويُخاطَبُ الجِنِّيُّ الذي صرَعه مُخاطَبةً صَريحةً واضِحة، وجرَى ذلك على يَدِ أئِمَّة الإسلام كالإمام أحمدَ وشيخِ الإسلام ابنِ تيميَّةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وغيرهم إلى يَوْمِنا هذا.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم، رقم (3313)، ومسلم: كتاب السلام، باب قتل الحيات وغيرها، رقم (2233)، من حديث أبي لبابة رضي الله عنه.

(2)

زاد المعاد (4/ 61).

ص: 102

جِيءَ مرَّةً بمَصروع إلى شيخِ الإسلام ابن تيميَّةَ رحمه الله فوَعَظ الجِنِّيَ الذي صرَعه ونَصَحه وقال له: اخْرُجْ. فقال: إني لا أَخرُج، إني أُحِبُّه وكانت امرأةً التي صرَعَتْه، قالت: إني أُحِبُّه. فقال شيخُ الإسلامِ رحمه الله: لكنه لا يُحِبُّكِ. فقالَتْ: إني أُريد أن أَحُجَّ به - بأَنْ تَحمِله إلى مَكَّةَ - فقال: إنه لا يُريد أن يَحُجَّ معَكِ. ثُم وعَظَها فلَمْ تَتَّعِظْ، ثُم ضرَبَها شيخُ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ رحمه الله، جعَل يَضرِبها على رقَبةِ هذا المَصروع؛ يَقول: حتى تَعِبَت يَدي مِن الضَّرْب. فقالت: أنا أَخرُج كرامةً للشَّيْخ. فقال: لا تَخرُجي كرامةً لي، اخْرُجي طاعةً لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. فخَرَجت على ألَّا تَعود، فأَفاق الرجُلُ، فلمَّا أَفاق قال: ما الذي جاء بي إلى حَضْرة الشيخِ؛ يَعنِي: شيخَ الإسلام ابنَ تيميَّةَ رحمه الله، فقِيلَ له: "إنه قد فعَل كذا وكذا. فقال: والله ما أَحْسَسْتُ بشيء من هذا، لا أنّي خاطَبْته ولا أنه ضرَبَني. وهذه القِصَّةُ ذكَرَها ابنُ القَيَّم رحمه الله في زاد المعاد

(1)

عن شيخه، وابنُ القَيِّمِ ثِقَة، وشيخ الإسلام كذلك ثِقَة، وقد ورَدَ مِثْلُ ذلك عن الإمامِ أحمدَ

(2)

رحمه الله.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يَتَلبَّس الجِنِّيُّ الذَّكَر بالإِنْسيِّ الذَّكَر، والعكسُ، أم أنه فقَطْ يَتَلبَّس الرجُلَ امرأةٌ والعَكسُ المرأةُ يَتَلبَّس بها رجُل من الجِنِّ؟

فالجوابُ: قد يَتَلبَّس بالرجُل رجُلٌ، وَيكون مَثَلاً مُولَعًا به لسبَب من الأسباب، وكذلك العكسُ.

إِذَنِ: الجِنُّ نَقول في تَعريفهم: عالَمٌ غَيْبيٌّ مُستَتِرون عن الإنس، وربَّما يَظهَرون، ومِنْهم صالِح، ومِنْهم دون ذلك، ومِنْهم قاسِط، ومنهم مُسلِم، وَيأكُلون وَيشرَبون

(1)

زاد المعاد (4/ 63).

(2)

انظر: الفروع (2/ 466).

ص: 103

وَيبولون وَيتَقَيَّئون، كل هذا ثبَت في القُرآن وفي السُّنَّة.

وقوله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} : {مِنَ} بمَعنَى: الذي، {يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} فهي اسْمٌ مَوْصولٌ، وما مَحلُّها من الإعراب؟

الجوابُ: يُحتَمَل أَنْ يَكون مَحَلُّها الرفعَ على أنها مُبتَدَأ مُؤخَّر، وخبَرُه {وَمِنَ الْجِنِّ} ، ويُحتَمَل أنها في مَحَلِّ نَصْب؛ يَعنِي: وسَخَّرْنا له من الجِنِّ مَن يَعمَل بين يديه، وأيُّهما أَوْلى؟ سبَق وأن ذكَرْنا قاعِدة؛ أنه إذا دار الأَمْر بين التَّقدير وعدَم التَّقدير فعدَمُ التَّقدير أَؤلى؛ لأنه الأَصْل، والأَصْل أن الكلام لم يُحذَفْ منه شيءٌ، وعلى هذا فنَقول:{وَمِنَ الْجِنِّ} جارٌّ ومجَرور خَبَرٌ مُقدَّم، و {مَنْ يَعْمَلُ} مُبتَدَأ مُؤخَّر.

وقوله تعالى: {بَيْنَ يَدَيْهِ} يَعنِي: يَدَيْ سُلَيْمانَ عليه السلام، يَعنِي: أمامَه، لكن {بِإِذْنِ} [بِأَمْرِ]{رَبِّهِ} ، والإِذْنُ هنا كَوْنيٌّ، يَعنِي: أنَّ الله تعالى سخَّر الجِنَّ ليَعمَلوا بين يدَيْ سُلَيْمانَ عَلَيْةِ السَّلَامُ بإِذْنه، بأَمْره الكونيِّ، قد يُقال: إنه إِذْنٌ شَرْعيٌّ؛ بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} .

وقول المُفَسِّر رحمه الله: {وَمَنْ يَزِغْ} [يَعْدِلُ] وقِيل: يَمِلْ، أي: يَميل، وهذا أَقرَبُ، ومنه: زاغَتِ الشمسُ، أي: مالَت عن وسَطِ السَّماء، قوله تعالى:{وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ} يَعنِي: مَن يَمِلْ {عَنْ أَمْرِنَا} [لَهُ بِطَاعَتِهِ لَهُ] أَيْ: للجِنَّ [بِطَاعَتِهِ] أي: بطاعة سُلَيْمانَ عليه السلام {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} النار في الآخِرة، {نُذِقْهُ} ما الذي جَزَمها؟ {مِنْ} ؛ لأنها جوابُ الشَّرْط، وفِعْل الشَّرْط {يَزِغْ} .

وقوله تعالى: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} أي: نُعذِّبه بالنار حتى يَذوق عَذابها، وهل هذه نارُ الدُّنيا أو الآخِرة؟ قال المُفَسِّر رحمه الله:[فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَضْرِبَهُ مَلَكٌ بِسَوْطٍ مِنْهَا ضرْبَةً تُحْرِقُهُ].

ص: 104

والله أعلم هل عذابه في الدُّنْيا بواسِطة المَلَك، أو أن سُلَيْمانَ عليه السلام أُذِنَ له بتَعذيبهم في النار.

إِذن فالذي يَزِيغ من الجِنَّ عن أَمْر الله بطاعته سُلَيْمانَ عليه السلام هذا يُعذَّب بالنار، إمَّا في الدُّنْيا وإمَّا في الآخِرة، ولكن إذا قُلْنا: إنه في الدُّنيا، فإنه لا يَتَعيَّن أن يَكون الأمر كما قال المُفَسَّر رحمه الله: إنه مَلَك يَضرِبه بسَوْط منها حتى يُحرِقَه.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أنَّ طاعة الجِنِّ لسُلَيْمانَ عليه السلام بأَمْر الله الكَوْنيَّ فهل هذه تُعتَبَر لهم عِبادة لله عز وجل؟

فالجوابُ: بلى؛ ولهذا قُلْنا: فيه احتِمالُ إِذْنٍ شَرْعيٍّ، ويُؤَيِّده قوله تعالى:{عَنْ أَمْرِنَا} ، وهذا أَرجَحُ، لكنه لا يَمنَع الأوَّل.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يَدخُل الجِنُّ الجَنَّة؟ وماذا يَستَفيدون منها؟

فالجوابُ: أن الله تعالى يَقول في آخِر سورة الرحمنِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46 - 47]؛ فالخِطاب في {رَبِّكُمَا} يَعود للجِنِّ والإِنْس، فإذا كان الجِنُّ لا يَستَفيد من هاتين الجَنَتَّيْنِ فما فائِدة خِطابهم في قوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ؟ ! ثُمَّ إنه قال في نَفْس الآيات: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]؛ وهذا أيضًا يَدُلُّ على أنهم يَدْخُلون الجَنَّة، وهذا هو الصحيح الذي عليه جُمهورُ العُلَماء رحمه الله، أمَّا دُخول الكافِر منهم النارَ فإنه بالاتِّفاق؛ لأن الله تعالى نَصَّ عليه في القُرآن، وأمَّا دُخول المُؤمِن منهم الجَنَّة فهذا هو الصحيح الذي عليه جُمهورُ أهل العِلْم.

وأمَّا قول الله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ

ص: 105