المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (45) * * *   * قالَ الله عز وجل: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ - تفسير العثيمين: سبأ

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الآية (2)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (3)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (4)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الآية (5)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (6)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (7)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (8)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (9)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الآية (10، 11)

- ‌الفائِدةُ الأُوْلَى:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّادِسةُ:

- ‌الفائِدةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الثَّامِنةُ:

- ‌الفائِدةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (12)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (13)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (14)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (15)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (16)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (17)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (18)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (19)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (20)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الآية (21)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (22)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الآية (23)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرةَ:

- ‌الآيات (24 - 26)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ عَشْرَةَ:

- ‌الآية (27)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الآية (28)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الآية (29)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (30)

- ‌الْفَائِدَةُ الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآية (36)

- ‌الآية (37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الآية (51)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الآية (52)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (53)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الآية (54)

- ‌الْفَائِدَة الأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

الفصل: ‌ ‌الآية (45) * * *   * قالَ الله عز وجل: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ

‌الآية (45)

* * *

* قالَ الله عز وجل: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [سبأ: 45].

* * *

قوله عز وجل: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا} أي: هَؤلاءِ {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} أي: عُشرَهُ من القُوَّة، وطول العُمر، وكَثْرة المال، وهذا فيه تَسلِيَة للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه تَهديد للمُكذِّبين، ففيه مَعنَيان: التسليةُ والتَّهديدُ.

وقوله سبحانه وتعالى: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} مثل عادٍ وثَمودَ وفِرعونَ وأَصحابِ الأَيْكةِ وكثير، وهَؤلاءِ المُكذِّبون السابِقون أشَدُّ قوَّةً من هؤلاء وأكثَرُ أموالًا وأولادًا، قال الله سبحانه وتعالى:{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} [التوبة: 69]، فالآياتُ في هذا تَدُلُّ على أنَّ الذين كذَّبوا الرُّسُل السابِقين كانوا أَعظَمَ من الذين كذَّبوا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوَّة الأَجْسام، وكَثْرة الأموال، وكَثْرة البَنين.

وهل أَغنَى ذلك عنهم شيئًا؟ لا لم يُغنِ عنهم شيئًا؛ ولهذا قال الله عز وجل: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} [إِلَيْهِمْ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وَالْإِهْلَاكِ]، يَعنِي: أن هَؤلاءِ السَّابِقين كذَّبوا رُسُل الله تعالى فماذا حصَل؟

الجوابُ: حصَل عليهم إنكار الله سبحانه وتعالى بالتَّعذيب والإِهْلاك، لم يُقِرَّهم

ص: 274

الله سبحانه وتعالى على تَكذيبهم، بل أَنكَر عليهم إنكارًا بالفِعْل، أَهلَكهم وأَبادَهم، وعلى هذا فيَكون الاستِفْهام في قوله تعالى:{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} للتَّعْظيم والتَّفْخيم، أي: فما أَعظَمَ إنْكارِي عليهم! لأنَّه إنكارٌ أدَّى بهم إلى الهلاكِ؛ ولهذا قال المُفَسِّر رحمه الله: أي: [أَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ].

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: التَّحذيرُ لمُكذِّب الرسولِ صلى الله عليه وسلم؟ وجهُه: أنَّ الله تعالى أَخبَر أنه كذَّب السابِقون مع أنهم أَشَدُّ قوَّةً وأكثَرُ أموالًا وأولادًا من هؤلاء المُكذِّبين للرسول عليه الصلاة والسلام.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ مَن كذَّب الرُّسُل فقد حَقَّت عليه كلِمةُ العذاب؛ لقوله تعالى: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} .

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: شرَفُ الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام؛ لأنَّ الله تعالى أَضاف رِسالَتَهم إليه، فقال سبحانه وتعالى:{فَكَذَّبُوا رُسُلِي} ومن المعلوم أنَّ مَرتَبة الرِّسالة أَعلَى مَراتِب البَشَر، فإن مَراتِب البَشَر أَرْبَعة: النُّبوَّة المُتضَمِّنة للرِّسالة، والصِّدِّيقيَّة، والشُّهَداء، والصالحِين، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

فأَعلى المَراتِب النُّبوَّة، ثُم الصِّدِّيقيَّة، ثُم الشَّهادة، ثُم الصَّلاح.

خِلافًا للزَّنادِقة الذين يَقولون: إن الأَوْلياء أَفضَلُ من الأنبياءِ عليهم السلام، والأنبياء عليهم السلام أَفضَلُ من الرُّسُل.

ص: 275

وَيقول قائِلُهم:

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ

فُويقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِي

(1)

يَزعُمون -قَبَّحهُم الله سبحانه وتعالى أنَّ الأَوْلياء أفضَلُ من الرُّسُل -والعِياذُ بالله عز وجل والأَنبِياءُ عليهم السلام، وهو كذلك عِندهم، لأن أَوْلياءَهم الطاغوتُ، والطاغوتُ يُمِلي عليهم أنه أفضَلُ من الرُّسُل والأنبياء عليهم السلام.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بَيان حِكْمة الله عز وجل حيث جعَل العُقوبة من جِنْس العمَل، فلمَّا كان عمَلُ هَؤلاء عظيمًا وهو تَكذيب رُسُل الله سبحانه وتعالى كان جَزاؤُهم عَظيمًا، يُتعَجَّب مِنه:{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: ما أَعظَمَه وما أَشَدَّهُ! .

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الإِنْكار يَكون بالفِعْل كما يَكون بالقَوْل، ووجهُ ذلك: أنَّ إنكار الله تعالى عليهم ليس بالقَوْل فقَطْ، بَلْ بالفِعْل والعُقوبة، فهذا إنكارٌ بالفِعْل، وهذا مَوْجود أيضًا في أعمالنا نحن، فعندما يُخالِفُك صَبِيُّك في أَمْر من الأمور أحيانًا تُوبِّخه، تَقول: لماذا تَفعَل هذا؟ ! أَلَمْ آمُرْك أن تَتْرُكه؟ ! وأَحيانًا إذا جِئْت ووَجَدْته قد فعَلها تَضرِبه، هذا الإِنكارُ يَكون بالفِعْل، فإنكارُ الله عز وجل يَكون بالقَوْل، ويَكون بالفِعْل، فعُقوبة المُجرِمين هي إنكارٌ بالفِعْل، وفي هذه الآيةِ وغيرِها من الآيات التي تُضيف الفِعْل إلى الفاعِل رَدٌّ على مَن؟ مِثْل {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} ، {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، وما أَشبَهَ ذلك؟ رَدٌّ على الجبْريَّة الذين يَقولون: إنَّ فِعْل العَبْد مجُبَرٌ عليه، ليس له فيه اختِيار.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: استِعْمال قياس الأَوْلى، يُؤخَذ من قوله تعالى:{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} يَعنِي:

(1)

قاله ابن عربي، انظر مجموع الفتاوى (2/ 221).

ص: 276

إذا أخَذَ الله تعالى هؤلاءِ الأَقوياءَ الأَشِدَّاءَ الأكثَرَ أموالًا وأَوْلادًا إذا أَخَذهم الله تعالى بجُرْمهم هؤلاء الذين دُونهم من بابِ أَوْلى.

ولا شَكَّ أنَّ القِياس دليلٌ صحيحٌ، ثبَتَ اعتِبارُه بالكِتاب والسُّنَّة والعَقْل، ولكن القِياس نوعان: صحيحٌ وفاسِدٌ، فالفاسِدُ دلَّ الكِتابُ والسُّنَّة والعَقْل على عدَم اعتِباره، والصحيحُ دلَّ الكِتاب والسُّنَّة والعَقْل على اعتِباره.

مثال الفاسِد: قولُ إِبليسَ مُستَعْمِلًا قياسَ الأَوْلى لمَّا أَمَرَه الله تعالى أن يَسجُد لآدَمَ قال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]، فكيف يَكون الأخيرُ عَبْدًا لمَن دُونَه؟ ! .

ومثال قِياس المِثْليَّة: قولهُم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]، هذا قياس فاسِدٌ لأَنَّه قِياسُ ما حرَّم الله تعالى على ما أَحلَّه الله عز وجل.

المُهِمُّ: أن القِياس قد ثبَتَ اعتِباره بالكِتاب والسُّنَّة والعَقْل، ومَن أَنكَرَه فقد أَنكَرَ ما يَدُلُّ عليه الكِتاب والسُّنَّة، والذي يُنكَر منه هو القِياس الفاسِدُ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ تَكذيب الرُّسُل هو تكذيبٌ لله تعالى، وهو الظاهِر؛ لأنَّه قال عز وجل أوَّلًا:{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، ولم يَذكُر المُكذَّب، ثُم قال تعالى:{فَكَذَّبُوا رُسُلِي} فدَلَّ ذلك على أن تَكذيب الرُّسُل تَكذيبٌ لله عز وجل، وهو كذلك عند التَّأمُّل؛ لأنَّ الرسول إذا جاءَك وقال: إنه رسول الله تعالى. وأَيَّده الله تعالى بالآيات، ثُم كذَّبْتَه، فقد كذَّبْتَ الله سبحانه وتعالى؛ لأنَّ الآياتِ التي يُعطيها الله تعالى الرسولَ ما هي إلَّا براهِينُ تَدُلُّ على صِدْقه، فكأنَّ المُكذِّب يَقول: إنَّ هذه الآياتِ كَذِبٌ؛ لأنه يُكذِّب الرسول الذي أَيَّدَتْه.

* * *

ص: 277