الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (27)
* * *
* قالَ الله عز وجل: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سبأ: 27].
* * *
قوله تعالى: {أَرُونِيَ} يَقول المُفَسِّر: [أعلِموني {الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ}] وعلى تَفسير المُفَسِّر رحمه الله يَكون هناك جُمْلة مَحذوفة: (أَروني الذين أَلحَقتم به شُركاءَ ماذا صنَعوا؟ هل خَلَقوا؟ هل رَزَقوا؟ هل فتَحوا؟ هل هَدَوْا؟ ) كل ذلك لم يَكُن، ويُحتَمَل أن يَكون {أَرُونِيَ} أَبصِروني إيَّاه، من رُؤْية العَيْن، كما قال تعالى:{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: 40]، وأيا كان فالُمراد بهذا الاستِفهامِ التَحدي؛ تَحدِّي هؤلاء المُشرِكين الذين جعَلوا مع الله سبحانه وتعالى شُرَكاءَ قُلْ: هاتوا الشُّرَكاءَ أروني ماذا صنَعوا.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} يَعني: جعَلْتموهم شُرَكاءَ في العِبادة، لا في الخلق والرزْق؛ لأنَّ المُشرِكين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَدَّعوا أبدًا أن أَصنامهم شَريكة مع الله تعالى في الخلْق والرِّزْق والتدبير أبداً، بل كانوا مُقرِّين بتَوْحيد الرُّبوبية، لكنهم يُنكِرون إفراد الله تعالى بالعِبادة فيَعبُدون مع الله تعالى غيرَه، وهذا لا يَنفَعهم؛ أي أن إِقْرارهم بالرُّبوبية لا يَنفَعهم مع إنكارهم لتَوْحيد الأُلوهية؛ نَقول: أروني الذين أحَقُّ من شُرَكائي في العِبادة.
قوله سبحانه وتعالى: {كَلَّا} رَدْع لهم عنِ اعتِقاد شَريك، أو رَدْع لهم أو إبطال لما يُمكِن أن يَدَّعوه من اعتِقاد الشريك، فقوله سبحانه وتعالى:{كَلَّا} يَعنِي: لا شَريكَ له، ففيها إبطال شِرْك هَؤلاء، بل إِبطال آخَرُ {بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، {بَلْ هُوَ اللَّهُ} أي: هو الله، الجملةُ هذه مُكوَّنة من مُبتَدَأ وخبَر {هُوَ اللَّهُ} ، وكِلاهما مَعرِفة، وقد قال أهل البَلاغة: إنَّه إذا عُرِّف المُسنَد والمُسنَد إليه في الجملة الخبَرية كانت دالَّة على الحصْر؛ مثال ذلك: تَقول: زيد قائِم. وتَقول: زيدٌ القائِمُ؛ الأُولى: زَيدٌ قائِم. لا تَمنَع أن يَكون غيرُه قائِمًا، والثانية: زيدٌ القائِمُ. تَدُلُّ على الحصر، أي: أنَّه وحدَه القائِمُ؛ وهنا: {بَلْ هُوَ اللَّهُ} جُملة خبَرية تُفيد الحضر، يَعنِي: ليس مَعبودٌ غير الله تعالى.
وقوله رحمه الله: [{الْعَزِيزُ} الغالِب على أَمْره الحكيم في تَدبيره لِخَلْقه، فلا يَكون له شَريك في مُلْكه، في هذا قُصور جِدًّا.
فقوله رحمه الله: [{الْعَزِيزُ} الغالِب] سبَقَ لنا أن العِزَّة لها ثلاثة مَعانٍ: عِزَّة القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامتِناع، فهو عزيز القَدْر مثل قولِنا: فلان عَزيز عليَّ. أي: قَدْره عِندي عظيم، وعِزَّة القَهْر مثل قوله تعالى:{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي: غلَبَني فيه عِزَّة الامتِناع، أي: أن الله تعالى يَمتَنِع أن يَنالَه سُوء؛ لعِزَّته، ومنهم قولهم:(أَرْض عِزاز) أي: قوِيَّة صُلْبة.
أمَّا {الْحَكِيمُ} فتَقدَّم أن الحكيم مُشتَقٌّ من الحُكْم والإِحْكام، وأن الحُكْم كونيٌّ وشرعيٌّ، والإحكام يَكون في الكونيِّ والشرعيِّ في وَصْفه أو في صورته وغايته، وحينئذ تكون الحكيم دالة على أربعة أُمور: حُكْم كوني وحُكْم شرعيٌّ، وكل مِنهما محُكَم في صُورته التي هو عليها وفي الغاية منه، فتكون المَجموع أربعة؛ اثنان في اثنين بأربعة.