الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال الثالث: أن يخافَ المستأجرُ أن يُزاد عليه في الأجرة، ويفسخ عَقْده، إما بكون المؤجَرة وقفًا عند مَنْ يرى ذلك، أو يتحيّل عليه، حتى يُبطل عَقْده.
فالحيلةُ في أمْنِه وتخلّصه: أن يُسَمّي للأجرة أكثر مما اتفقا عليه، ثم يُصارِفَه عليه بقدر المسمّى ويدفعه إليه، ويُشْهِد عليه أنه قبض المسمّى الذي وقَع عليه العَقْدُ، فإذا مَكَر به وطلب فسخ عقده بما قبضه من المسمّى طالبَه بما وقع عليه العقد، هذا إذا تعذّر عليه رفع تلك الإجارة إلى حاكم يحكم بلزومها، وعدم فسخها للزيادة.
المثال الرابع: أن يخاف أن يُؤجِره مالا يملك
، فيأبى [87 أ] المالك ويفسخ العقد، ويرجع عليه بالأجرة.
فالحيلة في تخلّصه: أن يُضمّن المؤجر دَرَكَ العين المستأجرة، وإن ضَمّن مَنْ يخاف منه الاستحقاق ومُطالبته كان أقوى.
المثال الخامس: أن يخاف فَلَس المستأجر، ولم يجد من يُضمّنه الأجرة.
فالحيلةُ في فسخه: أن يُشهد عليه في العقد أنه متى تعذّر عليه القيام بأجرة شهر أو سنةٍ فله الفسخ، ويصحّ هذا الشرط ولو لم يشرط ذلك؛ فإنه يملك الفسخ عند تعذُّر قَبْضِ أجرة ذلك الشهر، أو السنة، ويكون حدوث الفلس عيبًا في الذمة، يتمكن به من الفسخ، كما يكون حدوث العيب في العين المستأجرة مُسوّغًا للفسخ.
وهذا ظاهرٌ إذا سَمّى لكل شهر أو سنة قسطًا معلومًا، ولا يُعيِّن مقدار المدة، بل يقول: آجرتك كل سنة بكذا، أو: كل شهر بكذا، تقوم لي بالأجرة في أول الشهر أو السنة، فإن أفلس قبل مضي شيء من المدة ملكَ المؤجرُ الفسخَ، وإن أفلس بعد مُضي شيء منها فهل يملك الفسخ؟ على وجهين:
أحدهما: لا يملكه؛ لأن مُضي بعضها كتلف بعض المبيع، وهو يمنع الرجوع.
والثاني: يملكه، وهو قول القاضي، وهو الصحيح؛ لأنَّ المنافع إنما تُملَك شيئًا فشيئًا، بخلاف الأعيان، فإنها تُملك في آنٍ واحد، فيتعذَّر
(1)
تجدد العقد عند تجدد المنافع.
المثال السادس: إذا خاف المستأجر أن تَنْهَدم الدار، فيعمُرها، فلا يحتسب عليه المؤجر بما أنفق.
فالحيلة في ذلك: أن يقول وقت العقد: وأذِنَ المؤجرُ للمستأجر أن يَعمُر ما تحتاجُ الدار إلى عمارته من أُجرتها، ويُقدّر لذلك قدرًا معلومًا، فيقول مثلًا: بمئة فما دونها، أو يقول: من عشرة إلى مئة، فإن لم يفعل ذلك واحتاجت إلى عمارة لا يتم الانتفاع إلا بها، فأشهد على ذلك وعلى ما أنفق عليها، وأنه غير مُتبرعٍ به، وحُسِب له من الأجرة.
وكذلك إذا استأجر منه دابّة، واحتاجَتْ إلى علفٍ، وخاف أن لا يحتسب له به المؤجر، فعل مثل ذلك.
فإن قال: أذنتُ لك أن تُنفق على الدار أو الدابة ما تحتاج إليه، فادّعى
(1)
م: «فيقدر» . والمثبت من باقي النسخ.
قدرًا وأنكره المؤجر، فالقول قول المؤجر.
والحيلة في قبول قول المستأجر: أن يُسلِفَ رب الدار ما يعلم أنها تحتاج إليه من العمارة، ويُشهِد عليه بقبضه من الأجرة، ثم يدفعها إليه، ويُوَكّله أن ينفق منه على الدار أو الدابة ما تحتاج إليه، فالقول حينئذٍ قوله؛ لأنه أمين.
فإن خاف المؤجر أن يستهلك المستأجرُ المالَ الذي قبضه، ويقول: إنه تلف، وهو أمانة، فلا يلزمني ضمانه؛ فالحيلة في أمنه من ذلك: أن يُقرضه إياه، ويجعله في ذمته، ثم يُوكّله أن ينفق على العين ما تحتاج إليه من ذلك.
المثال السابع: إذا آجره دابّة، أو دارًا مُدة معلومة، وخاف أن يحبسها عنه بعد انقضاء المدة، فطريق التخلُّص من ذلك: أن يقول: فإذا انقضت المدة فأُجْرَتها بعدها لكل يوم دينار، أو نحوه، فلا يَسْهُل عليه حبسها بعد انقضاء المدة.
المثال الثامن: إذا كان له عليه دين، فقال: اشْتر له به كذا، ففعل، لم يبرأ من الدَّين بذلك؛ لأنه لا يكون مُبْرئًا لنفسه من دَيْن الغير بفعله.
فطريق التخلُّص: أن يُشهد على إقرار رب الدّين أن مَنْ عليه الدَّين بريء منه بعد شرائه لمستحقه كذا وكذا.
والقياس أنه يبرأ بالشراء، وإن لم يفعل ذلك؛ لأنه بتوكيله له قد أقامه مقام نفسه، كما قام مقامه في التصرف قام مقامه في الإبراء، فهو لم يبرأ بفعل نفسه لنفسه، وإنما برئ بفعله لموكَّله القائم مقام فعل الموكِّل.
المثال التاسع: إذا أراد أن يستأجر إلى مكان بأجرة [87 ب] معلومة، فإن
لم يبلغه وأقام دونه، فالأجرة كذا وكذا، فقالوا: لا يصحُّ العقد؛ لأنَّا لا نعلم على أيّ المسافتين وقع العقد؟
قالوا: والحيلة في تصحيحه: أن يُسمّي للمكان الأقرب أجرةً، ثم يسمّي منه إلى المكان الأبعد أجرةً أخرى، فيقول مثلًا: آجرتك إلى الرّمْلَة بمئة، ومن الرملة إلى مصر بمئة، لكن لا يأمن المستأجر مطالبة المؤجر له بالأجرة إلى المكان الأقصى، ويكون قد أقام في المكان الأقرب.
فالحيلة في تخلّصه: أن يشترط عليه الخيار في العقد الثاني إن شاء أمضاه، وإن شاء فسخه.
ويصحُّ اشتراط الخيار في عقد الإجارة، إذا كانت على مدة لا تلي العقد.
والقياس يقتضي صحة الإجارة على أنه إن وصل إلى مكان كذا وكذا فالأجرة مئة، وإن وصل إلى مكان كذا وكذا فالأجرة مئتان، ولا غَرَرَ في ذلك، ولا جهالة.
وكذا إذا قال: إن خِطْت هذا الثوب رُوميًّا؛ فلك درهمٌ، وإن خِطْته فارسيًا؛ فلك نصف درهم؛ فإن العمل إنما يقع على وجه واحد.
وكذلك قطع المسافة، فإنه إما أن يقطع القريبة أو البعيدة، فلا يُشبه هذا قوله: بِعْتُكَه بعشرة نقدًا، أو عشرين نسيئة؛ فإنه إذا أخذه لا يَدري بأيّ الثمنين أخذ، فيقع التنازع، ولا سبيل لنا إلى العلم بالمعيّن منهما، بخلاف عقد الإجارة؛ فإن استيفاء المعقود عليه لا يقع إلا معيَّنًا، فيجب أجرهُ
(1)
.
(1)
بعدها في ح زيادة «عمله» .
المثال العاشر: إذا زرع أرضه، ثم أراد أن يُؤجِرها، والزرعُ قائم، لم يجز؛ لتعذُّر انتفاع المستأجر بالأرض.
وطريق تصحيحها: أن يبيعه الزرع، ثم يؤجِره الأرض، فإن أحبّ بقاء الزرع على ملكه قَدّر لكماله مُدة معينةً، ثم آجَره الأرض بعد تلك المدة إجارة مُضافة.
فإن خاف أن يفسخ عليه العقد حاكمٌ يرى بُطلان هذه الإجارة، فالحيلةُ: أن يبيعه الزرع، ثم يؤجره الأرض، فإذا تم العقد اشترى منه الزرع، فعاد الزرع إلى ملكه، وصحت الإجارة.
المثال الحادي عشر: إذا أراد أن يُؤجِرهُ الأرض على أن خراجها على المستأجر لم يصح؛ لأن الخراج تابعٌ لرقْبَة الأرض، فهو على مالكها، لا على المنتفع بها من مُستأجر، أو مستعير.
وطريق الجواز: أن يُؤجِره إياها بأجرة زائدة على أجرة مثلها، بقدر خراجها، ثم يُشهد عليه أنه قد أذن للمستأجر أن يدفع من أجرة الأرض في الخراج كل سنةٍ كذا وكذا.
وكذلك لو استأجر دابةً على أن يكون عَلَفها على المستأجر لم يصح.
وطريق الحيلة: أن يستأجرها بشيء مسمَّى، ثم يُقَدّر له ما تحتاج إليه الدابة، ويُوكّله في إنفاقه عليها.
والقياس يقتضي صحة العقد بدون ذلك، فإنَّا نصحّح استئجار الأجير بطعامه وكسوته، كما آجَرَ موسى عليه السلام نفسَه بعِفّة فَرْجِه وشِبَع بَطْنِه، فكذلك يجوز إجارة الدابة بعلفها، وكما يجوز أن يكون عَلَفُها جميع الأجرة يجوز أن يكون بعض الأجرة، والبعض الآخر شيءٌ مسمًّى.
المثال الثاني عشر: لا تجوز إجارة الأشجار؛ لأن المقصود منها الفواكه، وذلك بمنزلة بَيْعِها قبل بُدُوِّها.
قالوا: والحيلة في جوازه: أن يُؤجِره الأرض، ويُساقيه على الشجر بجزءٍ معلوم.
قال شيخ الإسلام: وهذا لا يُحتاج إليه، بل الصواب جواز
(1)
إجارة الشجر، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحديقة أُسَيد بن حُضير، فإنه آجرها سنين
(2)
، وقضى بها دَيْنَه
(3)
.
قال: وإجارة الشجر لأجل
(4)
ثمرها بمنزلة إجارة الأرض لمغَلّها؛ فإن المستأجر يقوم على الشجر بالسقي والإصلاح والزِّيار
(5)
في الكَرْم، حتى تحصل الثمرة، كما يقوم على الأرض بالحَرْث والسّقي والبَذْرِ، حتى يحصل
(1)
«جواز» ساقطة من م.
(2)
م: «سنتين» .
(3)
رواه ابن أبي شيبة (5/ 14) عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن سعد مولى عمر أن أسيد بن حضير مات وعليه دين، فباع عمر ثمرة أرضه سنتين. ورواه بن السكن ــ كما في الإصابة (1/ 83) ــ وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 94) من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما مات أسيد باع عمر ماله ثلاث سنين فوفى بها دينه، وقال: لا أترك بني أخي عالة، فردَّ الأرض وباع ثمرها. هذا لفظ ابن السكن، ولفظ ابن عساكر: أربع سنين. ورواه ابن سعد في الطبقات (3/ 606) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وفيه أنه باعها أربع سنين.
(4)
في بعض النسخ: «لأخذ» .
(5)
كل ما كان صلاحًا لشيء وعصمةً له.
[88 أ] المغَلّ، فثمرة الشجر تجرى مجرى مَغَلّ الأرض
(1)
.
فإن قيل: الفرق بين المسألتين: أن المغَلّ من البَذْرِ، وهو مِلك المستأجر، والمعقود عليه: الانتفاع بإيداعه في الأرض، وسَقيه، والقيام عليه، بخلاف استئجار الشجر؛ فإن الثمرة من الشجر، وهي ملك المؤجر.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا لا تأثير له في صحة العقد وبطلانه، وإنما هو فرقٌ عديم التأثير.
الثاني: أن هذا يبطل باستئجار الأرض لكلئها وعُشْبها الذي يُنْبته الله سبحانه وتعالى، بدون بَذْرٍ
(2)
من المستأجر، فهو نظيرُ ثمرة الشجر.
الثالث: أن الثمرة إنما حصلت بالسقي والخدمة، والقيام على الشجرة، فهي مُتولدة من عمل المستأجر، ومن الشجرة، فللمستأجر سَعيٌ
(3)
وعملٌ في حصولها.
الرابع: أن تولُّد الزرع ليس من البذر وحده، بل من البذر، والتراب، والماء، والهواء؛ فحصول الزرع من التراب الذي هو مِلكُ المؤجر كحصول الثمرة من الشجر، والبَذْرُ في الأرض قائمٌ مقام السقي للشجر، فهذا أودع في أرض المؤجر عينًا جامدةً، وهذا أوْدَع في شجره عينًا مائعة، ثم حصلت الثمرة من أصل هذا، وماءِ المستأجر وعمله، كما حصل العمل من أرض
(1)
في ش بعدها زيادة: «بالحرث والسقي» .
(2)
ح: «عناية» .
(3)
ح: «سقي» .