الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«دعوة يونس إذ نادى في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك! إني كنت من الظالمين، فإنه لم يَدْعُ بها مسلم في شيء إلا استُجيب له» .
(1)
ف
التوحيد ملجأ الطالبين، ومفزع الهاربين، ونجاة المكروبين، وغياث الملهوفين
، وحقيقته إفراد الرب سبحانه بالمحبة والإجلال والتعظيم، والذل والخضوع.
(1)
مسند أحمد (5/ 42) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، ورواه أيضًا الطيالسي (869)، وابن أبي شيبة (6/ 20)، والبخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (5092)، والنسائي في الكبرى (10487)، والطبراني في الدعاء (1032)، وغيرهم، وصححه ابن حبان (970)، وحسنه الهيثمي في المجمع (10/ 197)، والألباني في الإرواء (3/ 357).
فصل
فإذا عُرف أن كل حركة أصلها الحب والإرادة، فلا بد من محبوب مراد لنفسه، لا يُطلب ويُحَبُّ لغيره، إذ لو كان كل محبوب يُحَبُّ لغيره لزم الدور أو التسلسل في العلل والغايات، وهو باطل باتفاق العقلاء.
والشيء قد يُحَبُّ من وجه دون وجه، وليس شيءٌ يُحَبُّ لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلّا له، فلو كان في السماوات والأرض آلهة إلا الله فسدتا.
والإلهية التي دعت الرسلُ أُمَمَهم إلى توحيد الرَّبِّ بها: هي العبادة والتألُّه.
ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذي أقَرّ به المشركون، فاحتجَّ الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرارُ بتوحيد الإلهية.
فصل
وكل حيٍّ فله إرادة وعمل بحسبه، وكل متحرك فله غاية يتحرك إليها، ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته ونهاية مطلبه هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربَّه وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، ولهذا قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ولم يقل: لعُدمتا، إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحتين إلا بأن يكون فاطرُهما وخالقُهما هو المعبودَ وحده لا شريك له، فإن صلاح الأعمال والحركات بصلاح نيَّاتها ومقاصدها، فكلُّ عمل فهو تابع لنيَّة عامله وقصده وإرادته.
وتقسيم الأعمال إلى صالح وفاسد: هو باعتبارها [121 ب] في ذواتها تارة، وباعتبار مقاصدها ونياتها تارة.
وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلَّقها ومحبوبها ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يُحَبَّ لذاته ويراد لذاته إلا هو ــ وهو المحبوب الأعلى، الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه ــ كانت محبته نافعة له، وإن كان محبوبه ومراده ونهاية مطلوبه غيره كانت محبته ضارَّة له وعذابًا وشقاءً.
فالمحبة النافعة: هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم.
والمحبة الضارّة: هي التي تجلب لصاحبها ما يضرُّه من الشقاء والألم والعناء.
فصل
إذا تبيّن هذا، فالحي العالِمُ الناصح لنفسه لا يُؤْثِرُ محبة ما يضرّه، ويشقى به، ويتألم به، ولا يقع في ذلك إلا من فساد تصوُّره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته، فالأول جهل، والثاني ظلم. والإنسان خلق في الأصل ظلومًا جهولًا، ولا ينفكّ عن الجهل والظلم إلا بأن يعلِّمه الله ما ينفعه، ويُلْهمه رُشْده. فمتى أراد به الخير علَّمه ما ينفعه، فخرج به من الجهل، ونفعه بما علَّمه، فخرج من الظلم. ومتى لم يُرِدْ به خيرًا أبقاه على أصل الخلقة، كما في «المسند»
(1)
من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
مسند أحمد (2/ 176، 197)، ورواه أيضًا الطيالسي (2291)، والترمذي (2642)، وابن أبي عاصم في السنة (241 - 244)، والطبراني في مسند الشاميين (532)، والآجري في الشريعة (337، 338)، وابن بطة في الإبانة (1408، 1409)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (1077 ـ 1079)، والبيهقي في الأسماء والصفات (229)، وغيرهم، ورُوي موقوفًا، قال الترمذي:«هذا حديث حسن» ، وصحّحه ابن حبان (6169، 6170)، والحاكم (83)، والبوصيري في إتحاف الخيرة (1/ 166)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 398):«رجال أحد إسنادَي أحمد ثقات» ، وقال ابن حجر في فتاويه كما في الفيض (2/ 292):«إسناده لا بأس به» ، وهو في السلسلة الصحيحة (1076).
قال: «إن الله خلق خَلْقه في ظلمةٍ، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدَى، ومن أخطأه ضَلّ» .
فالنفس تَهْوَى ما يضرُّها ولا ينفعها، لجهلها بمضرَّته لها تارة، ولفساد قصدها تارة، ولمجموعهما تارة، وقد ذَمّ الله تعالى في كتابه مَنْ أجاب داعيَ الجهل والظلم، فقال:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وقال:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23].
فأصلُ كل خير هو العلمُ والعدلُ، وأصلُ كل شرٍّ هو الجهلُ والظلم.
وقد جعل الله سبحانه للعدْلِ المأمور به حَدًّا، فمن تجاوزه كان ظالمًا معتديًا، وله من الذمّ والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه الذي خرج به عن العدل، ولهذا قال سبحانه وتعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال فيمن ابتغى سوى زوجته أو ملك يمينه: {فَمَنِ