الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
أعزّ ما صادفه الإسلام من هذه الأمة: يهود خيبر، والمدينة
، وما جاورها.
فإنهم إنما قصدوا تلك الناحية لما كانوا وُعِدُوا به من ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وكانوا يقاتلون المشركين من العرب، فيستنصرون عليهم بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره، ويَعِدُونهم بأنه سيخرج نبيٌّ نتَّبعه، ونقتلكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمَ. فلما بعث الله عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم سبقهم إليه من كانوا يحاربونهم من العرب، فحملهم الحسد والبغي على الكفر به وتكذيبه.
وأشدُّ ما على هذه الأمة من ذلك ما نالهم من ملوك العصاة، وغيرهم من ملوك الإسرائيليين الذين قتلوا الأنبياء، وبالغوا في تطلُّبهم، وعبدوا الأصنام، وأحضروا من البلاد سَدَنتها ليعلِّموا رسومها في العبادة، وبنوا لها البِيَع والهياكل، وعكفوا على عبادتها، وتركوا أحكام التوراة أعصارًا متصلة.
فإذا كان هذا تواتُر الآفات على دينهم من قبل ملوكهم، فما الظن بالآفات التي نالتهم من غير ملوكهم، وإحراقهم كتبهم، ومنعهم من القيام بدينهم؟
فإن الفرس كثيرًا ما منعوهم من الختان، وكثيرًا ما منعوهم من الصلاة، لمعرفتهم بأن معظم صلاة هذه الطائفة دعاءٌ على الأمم بالبوار، وعلى العالم بالخراب.
فلما رأت هذه الأمة الجِدّ من الفرس في منعهم من الصلاة، اخترعوا أدعية سموها الحَزَّانة، وصاغوا لها ألحانًا، وصاروا يجتمعون في أوقات صلواتهم على تلحينها وتلاوتها، وسمَّوا القائم بها الحَزَّان.
والفرق بينها وبين الصلاة: أن الصلاة بغير لحن، والمصلي يتلو في الصلاة وحده، ولا يجهر معه غيره، والحزّان يشاركه غيره في الجهر بالحزَّانة، ويعاونونه في الألحان.
وكانت الفرس إذا أنكرت ذلك منهم قالت اليهود: إنا نغني
(1)
أحيانا، وننوح على أنفسنا، فيتركونهم وذلك.
فلما قام الإسلام، وأقرّهم على صلواتهم، استصحبوا تلك الحَزَّانة، ولم يعطِّلوها.
فهذه فصولٌ مختصرةٌ في كيد الشيطان وتلاعبه بهذه الأمة، يَعْرِفُ بها المسلمُ الحنيفُ قَدْرَ نعمة الله عز وجل عليه، وما مَنّ به عليه من العلم والإيمان، ويهتدي بها من أراد الله تعالى هدايته من طالبي الحق من هذه الأمة. وبالله التوفيق
(2)
.
(1)
م: «نعير» . والمثبت من الأصل وباقي النسخ.
(2)
في خاتمة نسخة الأصل: «تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه بمنّه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا. وقد اتفق الفراغ من نسخه في يوم الأربعاء العشر الأول من شهر الله الحرام رجب المرجب سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة الهجرية. والحمد لله أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا، وصلاته تترى على سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، محمد المصطفى الأمين وعلى جميع إخوانه من الرسل والنبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن حاجي سليمان بن محمد بن يحيى
…
غُفر له ولوالديه».