المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثاني: ما لا يظهر ذلك فيه - إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المثال الرابع: أن يخاف أن يُؤجِره مالا يملك

- ‌المثال الثالث عشر: إذا اشترى دارًا أو أرضًا، وخاف أن تخرج وقفًا أو مستحقة

- ‌ الأمَةُ المشتراة إذا وطئها، ثم استُحِقّت لم يلزمه المهر

- ‌المثال الخامس عشر: إذا وكّله في بيع جارية، ووكّله آخر في شرائها

- ‌تلخَّص في المسألة أربعة مذاهب:

- ‌المثال الخامس والسبعون: إذا أقرضه مالًا وأجَّله لزم تأجيله على أصح المذهبين

- ‌ الحيلة في تصحيح الرهن والوثيقة

- ‌الثاني: ما لا يظهر ذلك فيه

- ‌الطريق الخامسة: طريق مَنْ يُفصّل بين الحلف بصيغة الشرطِ والجزاءِ، والحلف بصيغة الالتزام:

- ‌التزامُ التطليق لا يوجب وقوعَ الطلاق

- ‌الوجه الرابع: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة

- ‌فصلوأما استدلالكم بالمعاريض على جواز الحيل

- ‌«ليس بكاذبٍ من أصلح بين الناس

- ‌ المحبة والإرادة أصلٌ للبغض والكراهة، وعِلّةٌ لهما من غير عكسٍ

- ‌ الصافات صفا

- ‌الملائكةُ الموكَّلة بالإنسان من حين كَوْنه نطفةً إلى آخر أمره

- ‌ العبادة تَتَضَمّن غاية الحُبّ بغاية الذّلّ

- ‌التوحيد ملجأ الطالبين، ومفزع الهاربين، ونجاة المكروبين، وغياث الملهوفين

- ‌قد قيل: إن فساد القَصْدِ من فساد العلم

- ‌المحبة مع الله: أصل الشرك

- ‌ومنهم من يرى أن التحريم إنما هو إكراه الصبي على(2)فعل الفاحشة

- ‌العشق المحرَّم من أعظم الغَيّ

- ‌أصلُ الغيّ من الحبّ لغير الله

- ‌أصحاب العشق الشيطاني لهم مِن تَوَلَّي الشيطان والإشراك به بقَدْر ذلك

- ‌ العِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالمَجَانِينِ

- ‌ افتتانِ المشركين بفقراء المهاجرين

- ‌الفتنة لا بدّ منها في الدنيا والآخرة

- ‌ اتباع الهوى يُضلّ عن سبيل الله

- ‌ بالصبر واليقين تُنالُ الإمامة في الدين

- ‌البصائر: جمع بَصيرة، وهى فعيلة بمعنى مُفْعِلَة

- ‌ الإبصار يستعمل لازمًا ومتعديًا

- ‌الرحمةُ المقارنةُ للهدى في حَقِّ المؤمنين: عاجلة وآجلة

- ‌ وَسِعَ رَبُّنا كلَّ شيء رحمةً وعلمًا

- ‌لا بد من حصول الألم والمحنة لكل نفس

- ‌{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً

- ‌ محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمُحبِّ ووبال

- ‌فصلفى بيان كيد الشيطان لنفسه، قبل كَيده للأبوين

- ‌ وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليُسرى

- ‌ قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}

- ‌(مِنْ) لا تدخل إلا على مفعول لا مفعول دونه

- ‌ هلالُ بن المحسن الصابئ

- ‌الحكمة التي جاءت بها الرسُلُ

- ‌ فلاسفة اليونان

- ‌اتخذ للملاحدة مدارسَ، ورامَ جَعْلَ «إشارات» إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن

- ‌ثم كان لهم مجمع عاشر:

- ‌وأما تلاعبه بهم في صلاتهم فمن وجوه:

- ‌هم أبدًا يعتقدون الصواب والحق مع مَنْ يُشَدّدُ ويُضَيّقُ

- ‌أعزّ ما صادفه الإسلام من هذه الأمة: يهود خيبر، والمدينة

الفصل: ‌الثاني: ما لا يظهر ذلك فيه

[105 ب] ومن هذا: رأى الأمام أحمد قطعَ يد جاحد العاريَّة؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه، بخلاف جاحد الوديعة، فإنه هو الذي ائتمنه.

والعُمدة في ذلك: على السنة الصحيحة التي لا معارض لها.

والقصد أن التوصل إلى الحرام حرام، سواءً توصل إليه بحيلة خفيَّة أو بأمر ظاهر، وهذا النوع من الحيل ينقسم قسمين:

أحدهما: ما يظهر فيه أن مقصود صاحبه الشر والظلم، كحيل اللصوص، والظلَمة، والخَوَنة.

و‌

‌الثاني: ما لا يظهر ذلك فيه

، بل يُظهر المحتال أن قصده الخير، ومقصودُه الظلم والبغْيُ، مثل إقرار المريض لوارثٍ لا شيء له عنده، قصدًا لتخصيصه بالمقرِّ به، أو إقراره بوارث وهو غير وارث، إضرارًا بالورثة.

وهذا حرام باتفاق الأمة، وتعليمه لمن يفعله حرام، والشهادة عليه حرام، إذا علم الشاهد صورةَ الحال، والحكم بموجب ذلك حكم باطلٌ حرام، يأثمُ به الحاكم باتفاق المسلمين، إذا علم صورة الحال، فهذه الحيلة في نفسها محرَّمة لأنها كذبٌ وزور، والمقصود بها محرَّم لكونه ظلمًا وعدوانًا.

ولكن لمَّا أمكن أن يكون صدقًا، اختلف العلماء في إقرار المريض لوارثٍ، هل هو باطل سدًّا للذريعة، وردًّا للإقرار الذي صادف حق الورثة فيما هو متهم فيه؛ لأنه شهادة على نفسه فيما تعلق به حقهم، فيردّ للتهمة، كالشهادة على غيره؟ أو هو مقبول إحسانًا للظن بالمقِرّ، ولا سيَّما عند الخاتمة؟

ص: 767

ومن هذا الباب: احتيال المرأة على فَسْخ نكاح الزوج، مع إمساكه بالمعروف، بإنكارها الإذن للوليّ، أو إساءة عِشرة الزوج، ونحو ذلك.

واحتيال البائع على فسخ البيع بدعواه أنه كان محجورًا عليه.

واحتيال المشتري على الفسخ بأنه لم يَرَ المبيع.

واحتيال المؤجّر على المستأجر في فسخ الإجارة، أو احتيال المستأجر عليه بأنه استأجر ما لم يره.

واحتيال الراهن على المرتهن في فسخ الرهن بأن يُظهر أنه آجَرَه قبل الرهن، أو كان رَهنه عند زوجته، أو أمته

(1)

، ونحو ذلك.

فهذا النوع لا يستريبُ أحدٌ أنه من كبائر الإثم، وهو من أقبح المحرَّمات، وهو بمنزلة لحم خنزير، من جهة أنَّه

(2)

في نفسه معصية؛ لتضمُّنه الكذب والزُّور، ومن جهة تضمُّنه إبطال الحق، وإثبات الباطل.

القسم الثالث

(3)

: ما هو مباحٌ في نفسه، لكن بقصد المحرم صار حرامًا، كالسفر لقطع الطريق، ونحو ذلك، فهاهنا المقصود حرامٌ، والوسيلة في نفسها غير محرَّمة، لكن لما توسّل بها إلى الحرام صارت حرامًا.

القسم الرابع: أن يقصد بالحيلة أخذ حقٍّ، أو دفع باطل، لكن يكون الطريق إلى حصول ذلك محرّمة، مثل أن يكون له على رجل حقّ فيجحده، فيقيم شاهدين لا يعرفان غريمه ولم يرياه، يشهدان له بما ادّعاه، فهذا محرّم أيضًا، وهو عند الله تعالى عظيم؛ لأن الشاهدين يشهدان بالزور، وشهادة

(1)

في بعض النسخ: «ابنه» .

(2)

في الأصل وبقية النسخ: «ميت حرام أنه» . وهو تحريف لا معنى له.

(3)

لم يذكر المؤلف القسم الثاني. ولكن جعل القسم الأول قسمين، فقام مقامه.

ص: 768

الزور من الكبائر، وقد حملهما على ذلك.

وكذلك لو كان له عند رجل دَين، فيجحده إياه، وله عنده وديعةٌ، فَجَحد الوديعة، وحلف أنه لم يودعه.

أو كان له على رجل دَيْنٌ لا بيِّنة له به، ودين آخر به بينة، لكنه اقتضاه منه، فيدّعي هذا الدين، ويقيم به بينة، وينكر الاستيفاء.

أو يكون قد اشترى منه شيئًا، فظهر به عيب تَلِفَ المبيع به، فادّعى عليه بثمنه، فأنكر أصل العقد، وأنه لم يشترِ منه شيئًا.

أو تزوج امرأة، فأنفق عليها مدة طويلة، فادَّعت عليه أنه لم ينفق عليها شيئًا، فجحد نكاحها بالكلِّية.

فهذا حرام أيضًا؛ لأنه كذب، ولاسيما إن حلف عليه، ولكن لو تأوّل في يمينه لم يكن به بأس، فإنه مظلوم.

فإن قيل: فما تقولون لو عامله معاملة رِبًا، فقبض رأس ماله، ثم ادّعى عليه بالزيادة المحرَّمة، هل يسوغُ له أن ينكر المعاملة أو يحلفَ عليها؟

قيل: يَسُوغُ له الحَلِفُ على عدم استحقاقها، وأن دعواها دعَوَى باطلة، فلو لم يقبلْ منه الحاكمُ هذا الجوابَ ساغ له التأويل في [106 أ] اليمين؛ لأنه مظلوم، ولا يسوغُ له الإنكارُ والحلفُ من غير تأويل؛ لأنه كذب صريح، فليس له أن يُقابل الفجور بمثله، كما أنه ليس له أن يكذبَ على من كذب عليه، أو يقذف من قذفه، أو يَفجُر بزوجةِ مَنْ فَجَر بزوجته، أو بابنِ مَنْ فَجر بابْنِهِ.

فإن قيل: فما تقولون في مسألة الظَّفَرِ؟ هل هي من هذا الباب، أو من القصاص المباح؟

ص: 769

قيل: قد اختلف الفقهاء فيها على خمسة أقوال:

أحدها: أنها من هذا الباب، وأنه ليس له أن يخون مَنْ خانه، ولا يجْحَد من جحده، ولا يغصب من غصبه، وهذا ظاهر مذهب أحمد ومالك.

والثاني: يجوز له أن يَسْتَوْفي قدر حقَّه إذا ظفر بماله، سواءً ظفر بجنسه أو غير جنسه، وفى غير الجنس يدفعه إلى الحاكم يبيعه، ويستوفي ثمنه منه، وهذا قول أصحاب الشافعي.

والثالث: يجوز له أن يستوفي قدر حقّه إذا ظفر بجنس ماله، وليس له أن يأخذ من غير الجنس، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة.

والرابع: أنه إن كان عليه دين لغيره لم يكن له الأخذ، وإن لم يكن عليه دَينٌ فله الأخذ، وهذا إحدى الروايتين عن مالك.

والخامس: أنه إن كان سببُ الحق ظاهرًا كالنكاح، والقرابة، وحق الضيف، جاز للمستحق الأخذ بقدر حقّه، كما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم لهندٍ أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها ويكفي بَنِيها

(1)

، وكما أذن لمن نزل بقوم ولم يُضيّفوه أن يُعْقِبَهم في مالهم بمثل قِراه، كما في «الصحيحين»

(2)

عن عقْبة بن عامر، قال: قلت للنبي: إنك تبعثنا، فننزلُ بقوم لا يَقْرونا، فما ترى؟ فقال لنا:«إن نزلتم بقوم، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم» .

(1)

أخرجه البخاري (2460)، ومسلم (1714) عن عائشة.

(2)

أخرجه البخاري (2461)، ومسلم (1727).

ص: 770

وفي «المسند»

(1)

من حديث المِقْدام أبي كَريمة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من نزل بقوم فعليهم أن يَقْروه، فإن لم يَقروه فله أن يُعْقِبَهم بمثل قِراه» .

وفي «المسند» لأحمد

(2)

أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما ضيفٍ نزل بقوم، فأصبح الضيف محرومًا، فله أن يأخذ بقدر قِراه، ولا حَرَج عليه» .

وإن كان سبب الحق خفيًّا، بحيث يُتّهم بالأخذ، وينسب إلى الخيانة ظاهرًا، لم يكن له الأخذ وتعريض نفسه للتهمة والخيانة، وإن كان في الباطن آخذًا حقَّه، كما أنه ليس له أن يتعرض للتهمة التي تُسلّط الناس على عِرْضه، وإن ادّعى أنه مُحِقٌّ غير مُتَّهم.

(1)

مسند أحمد (4/ 130)، ورواه أيضًا أبو داود (3806، 4606)، والطحاوي في شرح المعاني (6155) وفي شرح المشكل (7/ 248)، والطبراني في الكبير (20/ 282، 283) وفي مسند الشاميين (1061، 1063، 1881)، والدارقطني (4/ 287)، والبيهقي في الكبرى (9/ 332)، وغيرهم من طرقٍ عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام به، وورد من طريق الشعبي وسعيد بن المهاجر وأبي يحيى سليم بن عامر الكلاعي عن المقدام بمعناه، وهو في السلسلة الصحيحة (2870).

(2)

مسند أحمد (2/ 380) من طريق معاوية بن صالح عن أبي طلحة نعيم بن زياد عن أبي هريرة، وبهذا الإسناد رواه الطحاوي في شرح المعاني (6153، 6154) وفي شرح المشكل (7/ 248، 249)، وصححه الحاكم (7178)، وقال المنذري في الترغيب (3/ 251) والهيثمي في المجمع (8/ 321):«رجاله ثقات» ، وهو في السلسلة الصحيحة (640).

ص: 771

وهذا القول أصح الأقوال وأسدُّها، وأوفقها لقواعد الشريعة وأُصولها، وبه تجتمع الأحاديث.

فإنه قد روى أبو داود في «سننه»

(1)

من حديث يوسف بن ماهَك، قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتامٍ كان وَلِيَّهم، فغالطوه بألف درهم، فأدّاها إليهم، فأدركتُ له من أموالهم مثلها، فقلت: اقبض الألف الذي ذهبوا به منك، قال: لا، حدّثني أبي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أدِّ الأمانة إلى مَنِ ائتمنك، ولا تخنْ من خانك» .

وهذا وإن كان في حكم المنقطع فإن له شاهدًا من وجه آخر، وهو حديث طَلْق بن غَنّام

(2)

. أخبرنا شريك، وقيس، عن أبي حَصِين، عن أبي

(1)

سنن أبي داود (3536)، ورواه أيضًا أحمد (3/ 414)، والدولابي في الكنى (359)، والبيهقي في الكبرى (10/ 270) من طريق أبي داود وقال:«هذا الحديث في حكم المنقطع؛ حيث لم يذكر يوسف بن ماهك اسمَ من حدّثه، ولا اسمَ من حدّث عنه من حدثه» ، وقال ابن السكن كما في البدر المنير (7/ 300):«رُوِي من أوجه ثابتة» .

(2)

رواه الدارمي (2597)، وأبو داود (3537)، والترمذي (1264)، والطحاوي في شرح المشكل (5/ 91، 92)، والطبراني في الأوسط (3595)، والدارقطني (3/ 35)، والبيهقي (10/ 271) وقال:«قيس ضعيف، وشريك لم يحتجّ به أكثر أهل العلم بالحديث، وإنما ذكره مسلم في الشواهد» ، ونَقَل عن الشافعي قوله:«ليس بثابت عند أهل الحديث» ، ونُقِل عن أحمد أنه قال:«هذا حديث باطل، لا أعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ صحيح» ، واستنكره أبو حاتم كما في العلل (1/ 375)، وضعفه ابن حزم في المحلى (8/ 182)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 593)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (1314)، وقال الترمذي:«حسن غريب» ، وصححه الحاكم (2296)، وابن دقيق العيد في الإلمام (1060)، وقواه الذهبي في تلخيص العلل (581)، والسخاوي في المقاصد الحسنة (ص 76)، والشوكاني في النيل (6/ 29)، وهو في السلسلة الصحيحة (423). وفي الإرواء (1544).

ص: 772

صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» .

وقيس هو ابن الرّبيع، وشريكٌ ثقةٌ، وقد قوي حديثه بمتابعة قيس له، وإن كان فيه ضعف.

وله شاهد آخر من حديث أيوب بن سُويد، عن ابن شَوْذَب عن أبي التّياح، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

(1)

.

وأيوب بن سُويد وإن كان فيه ضعف، فحديثه يصلح للاستشهاد به.

وله شاهد آخر وإن كان فيه ضعف، فهو يقوَى بانضمام هذه الأحاديث إليه: رواه يحيى بن أيوب

(2)

، [106 ب] عن إسحاق بن أسيدٍ، عن أبي حفص

(1)

رواه الطبراني في الصغير (475) وفي مسند الشاميين (1284)، وابن عدي في الكامل (1/ 362)، والدارقطني (3/ 35)، والحاكم (2297)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 132)، والقضاعي في مسند الشهاب (743)، والبيهقي في الكبرى (10/ 271) وقال:«أيوب بن سويد ضعيف» ، وقال ابن عدي:«هو منكر بهذا الإسناد» ، وضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 593). ورواه الطبراني في الكبير (1/ 261) ــ ومن طريقه الضياء في المختارة (2738) ــ من طريق ضمرة عن ابن شوذب به، قال الهيثمي في المجمع (4/ 256):«رجال الكبير ثقات» ، فإن كانت هذه الطريق محفوظةً فهي عاضدة للطريق السابق والله أعلم.

(2)

رواه الطبراني في الكبير (8/ 127) وفي مسند الشاميين (3414) بدون القصّة، قال البيهقي في الكبرى (10/ 271):«هذا ضعيف؛ لأنّ مكحولا لم يسمع من أبي أمامة شيئًا، وأبو حفص الدمشقيّ هذا مجهول» ، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 256):«فيه يحيى بن عثمان بن صالح المصري، قال ابن أبي حاتم: تكلّموا فيه» ، وضعّفه ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 213).

ص: 773

الدمشقي، عن مكحول: أن رجلًا قال لأبي أمامة الباهليّ: الرجلُ أستودعه الوديعة، أو يكون لي عليه دَين، فيجحدني، ثم يستودعني، أو يكون له عندي الشيء، فيجحدني، ثم يستودعني، أفأجحده؟ فقال: لا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخنْ من خانك» .

وله شاهد آخر مرسل

(1)

: قال يحيى بن أيوب: عن ابن جُريج، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» .

وله شاهد آخر، وهو ما رواه الترمذي

(2)

من حديث مالك بن نَضْلة، قال: قلت: يا رسول الله! الرجل أمُرّ به، فلا يَقريني، ولا يضيِّفني، فيمرّ بي، أجزيه؟ قال:«لا، اقْرِه» .

(1)

لم أقف عليه من هذه الطريق، ورواه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 361، 362) عن هشام، وابن أبي شيبة (4/ 539) من طريق الربيع، والطبري في تفسيره (9850) من طريق قتادة، وابن حزم في المحلى (8/ 181) من طريق المبارك بن فضالة، أربعتهم عن الحسن مرسلًا. ورواه البيهقي في معرفة السنن (7/ 484) من طريق يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن زياد بن أبي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذا هو في المطبوع. وفي الباب أيضًا عن أبي بن كعب رضي الله عنه.

(2)

سنن الترمذي (2006)، ورواه أيضًا الطيالسي (1304)، وعبد الرزاق (11/ 269)، وأحمد (3/ 473، 4/ 137)، وهناد في الزهد (1059)، والحربي في إكرام الضيف (44 - 48)، والطبراني في الكبير (19/ 276 ـ 279، 282)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 1354)، والبيهقي في الكبرى (10/ 10)، وغيرهم، وصححه ابن حبان (3410، 5416)، والحاكم (7364)، وابن حجر في الأمالي المطلقة (ص 31).

ص: 774

قال الترمذي: «هذا الحديث حسن صحيح» .

وله شاهد آخر، وهو ما رواه أبو داود

(1)

، من حديث بشير

(2)

بن الخصاصِيَةِ، قال: قلت: يا رسول الله! إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتُم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال:«لا» .

وله شاهد آخر من حديث بشير هذا أيضًا، قلت: يا رسول الله! إن لنا جيرانًا، لا يَدَعون لنا شاذّة ولا فاذّة إلا أخذوها، فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه؟ فقال:«أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تخنْ من خانك» .

ذكره شيخنا رحمه الله في كتاب «إبطال التحليل»

(3)

.

فهذه الآثار مع تعدد طرقها واختلاف مخارجها يَشُدّ بعضها بعضًا، ولا

(1)

سنن أبي داود (1589) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن رجل يقال له: ديسم عن بشير به، وبهذا الإسناد رواه أحمد (5/ 83)، والبيهقي في الكبرى (4/ 104)، وهو في مصنف عبد الرزاق (4/ 15)، وحسن إسناده ابن مفلح في الفروع (4/ 327)، لكن ديسم لا يُدرى من هو. وأعِلّ بالوقف، فرواه أحمد (5/ 83) وأبو داود (1588) من طريق حماد بن زيد عن أيوب به فلم يرفعه، وقد ضعّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2296)، والألباني في ضعيف سنن أبي داود (277).

(2)

في بعض النسخ: «بشر» ، وهو تصحيف.

(3)

ذكره بهذا اللّفظ ابن تيمية في «بيان الدليل» (ص 195) وفي المجموع (30/ 372)، وعزاه للمسند، ولم أقف عليه فيه ولا في غيره، والذي في المسند (5/ 83) من طريق حماد عن أيوب عن ديسم قال: قلنا لبشير بن الخصاصية: إنّ لنا جيرةً من بني تميم لا تشذّ لنا قاصية إلا ذهبوا بها، وإنها تخفى لنا من أموالهم أشياء، أفنأخذها؟ قال: لا. وضعفه ابن حزم في المحلى (8/ 182).

ص: 775

يشبه الأخذُ فيها الأخذَ في الموضعين اللَّذَين أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما الأخذ؛ لظهور سبب الحق، فلا يُنسب الآخذ إلى الخيانة، ولا يتطرق إليه تهمة، ولتعسُّر الشكوى في ذلك إلى الحاكم، وإثبات الحق والمطالبة به.

والذين جوَّزوه يقولون: إذا أخذ قدر حقِّه من غير زيادةٍ لم يكن ذلك خيانة؛ فإن الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه.

وهذا ضعيف جدًّا؛ فإنه يُبطل فائدة الحديث فإنه قال: «ولا تخن من خانك» ، فجعل مقابلته له خيانة، ونهاه عنها، فالحديث نص بعد صحته.

فإن قيل: فهلَّا جعلتموه مستوفيًا لحقّه بنفسه إذ عَجَزَ عن استيفائه بالحاكم، كالمغصوب مالُه، إذا رآه في يد الغاصب، وقَدَر على أخذه منه قهرًا، فهل تقولون: إنه لا يحل له أخذ عين ماله، وهو يشاهده في يد الظالم المعتدي، ولا يحلّ له إخراجه من داره وأرضه؟

وكذلك إذا غصب زوجته، وحال بينه وبينها، وعقد عليها ظاهرًا، بحيث لا يُتَّهم، فهل يحرم على الزوج الأول انتزاع زوجته منه خشيةَ التهمة؟

وهذا لا تقولونه أنتم، ولا أحد من أهل العلم.

ولهذا قال الشافعي

(1)

وقد ذكر حديث هِنْدٍ

(2)

: «وإذا دلَّت السنة وإجماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرًّا، فقد دل أن ذلك ليس بخيانة. الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه» .

فالجواب: أنا نقول: يجوز له أن يستوفي قدر حقِّه، لكن بطريق مباح،

(1)

في كتاب الأم (6/ 270).

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 776

فأما بخيانة وطريق محرمة فلا.

وقولكم: ليس ذلك بخيانة، قلنا: بل هو خيانة حقيقة، ولغة، وشرعًا، وقد سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيانة، وغايتها أنها خيانةُ مقابلةٍ ومُقاصّةٍ، لا خيانة ابتداء، فيكون كل واحد منهما مسيئًا إلى الآخر ظالمًا له، فإن تساوت الخيانتان قدرًا وصفة فقد يتساقط إثمهما والمطالبة في الآخرة، أو يكون لكل منهما على الآخر مثل ما للآخر عليه، وإن بقي لأحدهما فضل رجع به، فهذا في أحكام الثواب والعقاب.

وأما في أحكام الدنيا فليس كذلك؛ لأن الأحكام فيها مرتبة على الظواهر، وأما السرائر فإلى الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بَشَرٌ، أقْضي بنحو مما أسمع، ولعلّ بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بشيء من حقِّ أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعةً من النار»

(1)

.

فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بينهم [107 أ] بالظاهر، وأعلم المبطل في نفس الأمر: أن حكمه لا يُحِلُّ له أخذ ما يُحكَم له به، وأنه مع حكمه له به فإنما يقطع له قطعة من النار، فإذا كان الحق مع هذا الخصم في الظاهر وجب على الحاكم أن يحكم له به، ويُقِرّه بيده، وإن كانت يدًا عادية ظالمة عند الله تعالى، فكيف يسوغ لخصمه أن يحكم لنفسه، ويستوفي لنفسه بطريق محرمة باطلة، لا يحكم بمثلها الحاكم، وإن كان محقًّا في نفس الأمر؟

وليس هذا بمنزلة من رأى عين ماله أو أمَتِهِ أو زوجته بيد غاصب ظالم،

(1)

أخرجه البخاري (7169)، ومسلم (1713) عن أم سلمة.

ص: 777

فخلَّصها منه قهرًا، فإنه قد تعيَّن حقُّه في هذه العين، بخلاف صاحب الدَّين، فإن حقَّه لم يتعين في تلك العين التي يريد أن يستوفي منها، ولأنه لا يتكتّم بذلك، ولا يستخفي به، كما يفعل الخائن، بل يكابر صاحب اليد العادية ويغالبه، ويستعين عليه بالناس، فلا يُنسب إلى خيانة، والأول متكتِّم مُسْتخفٍ، متصورٌ بصورة خائن وسارق، فإلحاق أحدهما بالآخر باطل، والله أعلم.

فصل

القسم الخامس من الحيل: أن يقصد حِلَّ ما حرّمه الشارع، أو سقوط ما أوجبه، بأن يأتي بسبب نَصَبه الشارع سببًا إلى أمرٍ مباح مقصود، فيجعله المحتال المخادع سببًا إلى أمر محرم مقصودٍ اجتنابُه.

فهذه هي الحيلُ المحرمة التي ذَمَّها السلف، وحَرّموا فعلها وتعليمها.

وهذا حرام من وجهين: من جهة غايته، ومن جهة سببه:

أما غايته: فإن المقصود به إباحة ما حرّمه الله ورسوله، وإسقاط ما أوجبه.

وأما من جهة سببه: فإنه اتخذ آيات الله هُزُوًا، وقصد بالسبب ما لم يُشْرَعْ لأجله، ولا قصده به الشارعُ، بل قصد ضدَّه، فقد ضادّ الشارع في الغاية، والحكمة، والسبب جميعًا.

وقد يكون أصحابُ القسم الأول من الحيل أحسنَ حالًا من كثير من أصحاب هذا القسم؛ فإنهم يقولون: إن ما نفعله حرام وإثم ومعصية، ونحن أصحاب تحيُّل بالباطل، عُصاة لله ورسوله، مخالفون لدينه.

ص: 778

وكثير من هؤلاء يجعلون هذا القسم من الدِّين الذي جاءت به الشريعة، وأن الشارع جَوّز لهم التحيُّل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرّمه، وإسقاط ما أوجبه.

فأين حال هؤلاء من حال أولئك؟

ثم إن هذا النوع من الحيل يتضمن نسبةَ الشارع إلى العبث، وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء؛ فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة: أن تصير العقود الشرعية عبثًا لا فائدة فيها؛ فإنها لا يقصد بها المحتالُ مقاصدها التي شرعت لها، بل لا غَرض له في مقاصدها وحقائقها البتة، وإنما غرضُه التوصُّلُ بها إلى ما هو ممنوع منه، فجعلها سُترةً وجُنَّةً يتستَّر بها من ارتكاب ما نُهي عنه صِرْفًا، فأخرجه في قالب الشرع.

كما أخرجَت الجهمية التعطيلَ: في قالب التنزيه.

وأخرج المنافقون النفاق: في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي.

وأخرج الظّلمةُ الفَجَرة الظلم والعدوان: في قالب السياسة، وعقوبة الجُناة.

وأخرج المكّاسُون أكلَ المكوس: في قالب إعانة المجاهدين، وسَدّ الثغور، وعمارة الحصون.

وأخرج الروافضُ الإلحاد والكفر، والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوليائه وأنصاره: في قالب محبة أهل البيت، والتعصب لهم، وموالاتهم.

ص: 779

وأخرجت المُبَاحيَّة وفَسَقةُ المنتسبين إلى الفقر والتَّصوُّف بدَعهم وشَطْحَهم: في قالب الفقر، والزهد، والأحوال، والمعارف، ومحبة الله، ونحو ذلك.

وأخرجت الاتحادية أعظمَ الكفر [107 ب] والإلحاد: في قالب التوحيد، وأن الوجود واحد لا اثنان، وهو الله وحده، فليس هاهنا وجودان: خالق ومخلوق، ولا رب وعبد، بل الوجود كُلُّه واحد، وهو حقيقة الرب.

وأخرجت القَدَريةُ إنكار عموم قدرة الله تعالى على جميع الموجودات أفعالها وأعيانها: في قالب العَدْل، وقالوا: لو كان الربّ قادرًا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالمًا لهم، فأخرجوا تكذيبهم بالقَدَر: في قالب العدل

(1)

.

وأخرجت الجهمية جَحْدهم لصفات كماله سبحانه: في قالب التوحيد، وقالوا: لو كان له سبحانه سَمْع وبصرٌ، وقدرة، وحياة، وإرادة، وكلام يقوم به، لم يكن واحدًا، وكان آلهة متعددة.

وأخرجت الفسقة والذين يتبعون الشهوات الفسوقَ والمعاصي: في قالب الرّجاء وحُسْن الظنّ بالله تعالى، وعدم إساءة الظنّ بعفوه، وقالوا: تجنُّب المعاصي والشهوات إزراءٌ بعفو الله تعالى، وإساءة للظنّ به، ونسبةٌ له إلى خلاف الجود والكرم والعفو.

وأخرجت الخوارج قتال الأئمة، والخروج عليهم بالسيف: في قالب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر.

(1)

م: «القدر» .

ص: 780

وأخرج أرباب البدع جميعُهم بدعَهم: في قوالب متنوعة، بحسب تلك البدع.

وأخرج المشركون شِرْكهم: في قالب التعظيم لله، وأنه أجلّ من أن يُتقرّب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهة تُقرِّبهم إليه.

فكلّ صاحبِ باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق.

والمقصود: أن أهل المكْرِ والحيل المحرّمة يُخرِجون الباطلَ في القوالب الشرعية، ويأتون بصور العقود، دون حقائقها ومقاصدها.

فصل

وهذا القسم من أقسام الحيل أنواع:

أحدها: الاحتيالُ لحِلّ ما هو حرام في الحال، كالحيل الربوية، وحيلة التحليل.

الثاني: الاحتيالُ على حِلّ ما انعقد سببُ تحريمه، فهو صائر إلى التحريم ولا بدّ، كما إذا علَّق طلاقها بشرطٍ محقَّق، تعليقًا يقع به، ثم أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط، فخالعها خُلعَ الحيلة، حتى بانتْ، ثم تزوَّجها بعد ذلك.

الثالث: الاحتيالُ على إسقاط ما هو واجب في الحال، كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدَّين الواجب، بأن يُملّك ماله لزوجته أو ولده، فيصير مُعْسِرًا، فلا يجب عليه الإنفاق والأداء، وكمن يدخل عليه رمضان ولا يريد صومه، فسافر ولا غَرَض له سوى الفِطْر، ونحو ذلك.

ص: 781

الرابع: الاحتيالُ على إسقاط ما انعقد سبب وجوبه ولم يجب، لكنه صائرٌ إلى الوجوب، فيحتالُ حتى يمتنع الوجوبُ، كالاحتيال على إسقاط الزكاة، بتمليكه ماله قبل مضيّ الحَوْل لبعض أهله، ثم استرجاعه بعد ذلك، وهذا النوع ضربان:

أحدهما: إسقاط حق الله تعالى بعد وجوبه، أو انعقاد سببه.

والثاني: إسقاط حقّ المسلم بعد وجوبه، أو انعقاد سببه، كالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شُرعت دفعًا للضرر عن الشريك، قبل وجوبها أو بعده.

الخامس: الاحتيالُ على أخذِ حقِّه أو بَعضه أو بَدله بخيانة، كما تقدم، وله صور كثيرة:

منها: أن يجحده دَينه، كما جحده.

ومنها: أن يخونه في وديعته، كما خانه.

ومنها: أن يَغُشّه في بيع مَعيب كما غَشّه هو في بيع مَعِيب.

ومنها: أن يسرق مالَه كما سرق ماله.

ومنها: أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلمًا وعدوانًا، أو غرورًا وخِداعًا، أو غَبْنًا، فيقدر المستأجر له على مال، فيأخذَ تمام أجرته.

وهذا النوع يستعمله كثيرًا أرباب الديوان، ونُظّار الوقوف، والعمال، وجُباة الفَيْء والخراج والجزية والصدقة، وأمثالهم، فإن كان المال مشتركًا بين المسلمين؛ رَتعوا ورَبعوا، ورأى أحدهم أن من الغَبن أن يَفوته شيء منه، ويرى إن عدَل أن له نصفَ ذلك المال، ويسعى في السدس تكملةَ الثلثين،

ص: 782

كما قيل في بعضهم

(1)

: [108 أ]

لَهُ نِصْفُ بَيْتِ المالِ فَرْضٌ مُقَرَّرٌ

وَفي سُدُسِ التَّكْمِيلِ يَسْعَى لِيَخْلُصَا

مِنَ القَوْمِ مَنْ لَمْ يَثْنِهِمْ عَنْ مُرَادِهِمْ

عُقُوبةُ سُلْطَانٍ بِسَوْطٍ وَلا عَصَا

فصل

وقد عُرف بما ذكرنا الفرقُ بين الحيل التي تخلّص من الظلم والبغي والعدوان، والحيل التي يُحتال بها على إباحة الحرام وإسقاط الواجبات، وإن جمعهما اسمُ الحيلة والوسيلة.

وعُرف بذلك أن العِينة لا تخلّص من الحرام، وإنما يُتوسّل بها إليه، وهو المقصود الذي اتفقا عليه، ويعلمه الله تعالى من نفوسهما، وهما يعلمانه، ومَنْ شاهدهما يعلمه.

وكذلك تمليكُ مالِهِ لولده عند قُرْب الحوْلِ فرارًا من الزكاة، لا يُخلّص من الإثم، بل يغمسه فيه؛ لأنه قَصَدَ إلى إسقاط فرض قد انعقد سببه.

ولكن عُذْر من جوّز ذلك: أنه لم يُسقِطِ الواجب، وإنما أسقط الوجوب، وفرقٌ بين الأمرين؛ فإن له أن يمنع الوجوبَ، وليس له أن يمنع الواجب.

وهكذا القولُ في التحيُّل على إسقاط الشّفعة قبل البيع؛ فإنه يمنع وجوبَ الاستحقاق، ولا يمنع الحقّ الذي وجب بالبيع، فذلك لا يجوز، وهو نظير منع الزكاة بعد وجوبها، فذلك لا يجوز بحيلة ولا غيرها.

وكذلك التحيُّل على منع وجوب الجمعة عليه، بأن يسكن في مكانٍ لا

(1)

لم أجد البيتين فيما بين يديّ من المصادر.

ص: 783

يبلغه النداء، أولا يمكنه الذهابُ منه إلى الجمعة، والرجوع في يومه، أو السفر قبل دخول وقتها، ولا يجوز له التحيُّلُ على تركها بعد وجوبها عليه.

وكذلك التحيُّل على منع وجوب الإنفاق على القريب، بأن لا يكتسب مالًا يجب فيه الإنفاق، ولا يجوز له التحيُّل على إسقاط ما وجب من ذلك.

فهذا سِرّ الفرق اعتمده أصحاب الحيل.

وأما المانعون فيجيبون عن ذلك بأن هذا لو أجْدَى على المتحيِّلين لم يُعاقِبِ الله سبحانه وتعالى أصحاب الجنَّة، الذين عزموا على صِرامها ليلًا لئلا يَحضُرهم المساكين، فهؤلاء قصدوا دفع الوجوب بعد انعقاد سببه، وهو نظير التحيُّل لإسقاط الزكاة بعد ثبوت سببها.

وبأن هذا يُبطل حكمة الإيجاب؛ فإن الله سبحانه إنما أوجبها في أموال الأغنياء طُهْرَةً لهم وزكاةً، ورحمة للمساكين، وسَدًّا لفاقتهم، فالتحيُّل على منع وجوبها يعود على ذلك كله بالإبطال.

وبأن الشارع لو جوّز التحيُّل على منع الإيجاب بعد انعقاد سببه لم يكن في الإيجاب فائدة؛ إذ ما مِنْ أحد إلا ويمكنه التحيُّل بأدنى حيلة على الدفع، فيكون الإيجاب عديم الفائدة؛ فإنه إذا أوجبه وجوّز إسقاطه بعد انعقاد سبب الإيجاب عاد ذلك بنقض ما قصده.

وبأنه إذا انعقد سبب الوجوب فقد تعلق الوجوب بالمكلَّف، فلا يمكّنه الشارع من قطع هذا التعلق، ولاسيَّما إذا شارف وقت الوجوب وحضر، حتى كأنه داخل فيه، كما إذا بقي من الحول يوم أو ساعة فالإسقاط هاهنا في حكم الإسقاط بعد الحول سواءً، ومفسدته كمفسدته؛ فإن المصلحة الفائتة بالمنع بعد تلك الساعة كالمفسدة الحاصلة بالتسبُّب إلى المنع قبلها من كل وجه.

ص: 784

وبأن الحكم بعد انعقاد سببه كالثابت الذي قد صَحَّ ووُجِدَ.

وبأن الوجوب قد تحقق بانعقاد سببه، وإنما جَوّز له التأخير إلى تمام الحول توسعةً عليه، ولهذا يجوز له أداء الواجب قبل الحول، ويكون واقعًا موقعه.

ولأن الفرار من الإيجاب إنما يُقصد به الفرار من أداء الواجب، وأن يُسقط ما فرضه الله عليه عند مُضيّ الحول، وليس هذا كمن يترك اكتساب المال الذي يجبُ فيه الزكاة فرارًا من وجوبها عليه، أو ترك بيع الشّقْص فرارًا من أخذ الشفيع له، أو يترك التزوّج فرارًا من وُجوب الإنفاق، [108 ب] ونحو ذلك؛ فإن هذا لم ينعقد في حقه السبب، بل ترك ما يفضي إلى الإيجاب، ولم يتسبّب إليه، وهذا تحيُّل بعد السبب على إسقاط ما تعلّق به من أداء الواجب، واحتال على قطع سببه بعد ثبوتها.

وأيضًا فإن قطع سببيّة السبب تغييرٌ لحكم الله، وإسقاط للسببيَّة بالتحيُّل، وليس ذلك للمكلّف؛ فإن الله سبحانه هو الذي جعل هذا سببًا بحكمه وحكمته، فليس له أن يبطل هذا الجَعْلَ بالحيلة والمخادعة، وهذا بخلاف ما إذا وَهَبه ظاهرًا وباطنًا أو أنفقه، فإنه لم يحتل بإظهار أمر وإبطان خلافه على منع الإيجاب، وأداء الواجب.

وأيضًا فإنه إذا احتال على منع الإيجاب تضمن ذلك تحيُّلَه على منع أداء الواجب، ومعلوم أن منعَه أداء الواجب فقط أيسرُ من تحيُّله على الآمرين جميعًا.

وأيضًا فإنه لا يصحُّ فراره من الوجوب مع إتيانه لسببه؛ فإن الفارّ من الشيء فارّ من أسبابه، وهذا أحرصُ شيء على الملك الذي هو سبب وجوب

ص: 785

الحقّ عليه، ومن حرصه عليه: تحيّلَ على ترك الإخراج حرصًا وشُحًّا، فهو فارٌّ من أداء الواجب، ظانًّا أنه يفر من وجوبه عليه، والأول حاصل له دون الثاني.

ونُكْتَةُ الفرق: من جهة الوسيلة والمقصود؛ فإن المحتال على المحرمات وإسقاط الواجبات مقصوده فاسدٌ، ووسيلته باطلة؛ فإنه توسَّل بالشيء إلى غير مقصوده، وتوسل به إلى مقصود محرّم.

فإن الله سبحانه إنما جعل النكاح وسيلة إلى المودّة والرحمة، والمصاهرَة والنسل، وغضّ البصر، وحفظ الفرج، والتمتُّع، والإيواء، وغير ذلك من مقاصد النكاح، والمحلِّل لم يتوسّل به إلى شيء من ذلك، بل إلى تحليل ما حرّمه الله تعالى؛ فإنه سبحانه حرّمها على المطلق ثلاثًا عقوبةً له، فتوسَّل هذا بنكاحها إلى تحليلها له، ولم يتوسّل به إلى ما شُرع له، فكان القصد محرّمًا، والوسيلة باطلة.

وكذلك شرع الله البيع وسيلةً إلى انتفاع المشتري بالعين، والبائع بالثمن، فتوسل به المرابي إلى محض الرّبا، وأتى به لغير مقصوده؛ فإنه لا غرض له في تملُّك تلك العين، ولا الانتفاع بها، وإنما غرضه الربا، فتوصّل إليه بالبيع.

وكذلك شرع سبحانه الأخذ بالشفعة دفعًا للضرر عن الشريك، فتوسَّل المبطل لها بإظهار الصّرْف الذي لا حقيقة له إلى إبطالها، فكانت وسيلةً باطلة، ومقصودُهُ مُحرّمًا.

وكذلك الزكاة فرضها رحمةً منه للمساكين، وطُهْرَةً للأغنياء، فتوسّل المسقط لها إلى إبطال هذا المقصود بإظهار عقدٍ لا حقيقة له من بيع أو هبة.

ص: 786

وكذلك القرض شرع الله سبحانه فيه العدل، وأن لا يزداد على مثل ما أقرض، فإذا احتال المقرض على الزيادة فقد احتال على مقصود محرّم بطريق باطلة.

وكذلك بيعُ الثمر قبل بُدُوّ صلاحها باطل؛ لما يُفضي إليه من أكل المال بالباطل، فإذا احتال عليه بأن شَرَطَ القطع ثم تركه حتى يكمل، كان قد احتال على مقصود محرّم بشرط غير مقصود، بل قد علم المتعاقدان وغيرهما أنه لا يقطعه، ولا سيّما إن كان مما لا يُنتفع به قبل الصلاح بوجه، كالتُّوت والفِرْسِكِ، وغيرهما، فاشتراط قطعه خداع مَحْضٌ.

وكذلك سائر الحيل التي تعود على مقصود الشارع وشرعه بالنقض والإبطال؛ غاياتها مُحَرَّمة، ووسائلها باطلة لا حقيقة لها.

وكذلك الفدية والخلع التي شرعها الله ليخلّص كُلَّ واحدٍ من الزوجين من الآخر إذا وقع الشِّقَاقُ بينهما، فجعلوه حيلة للحنث في اليمين، وبقاء النكاح، والله سبحانه إنما شرعه لقطع النكاح، حيث يكون قطعه مصلحة لهما.

وبهذا يتبين لك الفرق بين الحيل التي يُتوصل بها إلى تنفيذ أمر الله سبحانه تعالى ورسوله وإقامة دينه [109 أ]، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونصر المحق، وكسر المبطل؛ والحيل التي يُتوصل بها إلى خلاف ذلك.

فتحصيل المقاصد المشروعة بالطرق التي جعلت موصلة إليها شيء، وتحصيل المقاصد الفاسدة بالطرق التي شرعت لغيرها شيء آخر.

ص: 787

فالفرق بين النوعين ثابت من جهة الوسيلة والمقصود اللذين هما: المحتال به والمحتال عليه.

فالطرق الموصلة إلى الحلال المشروع: هي الطرق التي لا خداع في وسائلها، ولا تحريم في مقاصدها، وبالله التوفيق.

فصل

وأما قولكم: إن مَنْ حلف بطلاق زوجته: ليشربنّ هذا الخمر، أو ليقتلنّ هذا الرجل أو نحو ذلك، كان في الحيلة تخليصُه من هذه المفسدة، ومن مَفسدة وقوع الطلاق.

فيقال: نعم والله قد شرع الله له ما يتخلص به، ولخلاصه طرق عديدة، فلا تتعين الحيلة التي هي خداع ومكر لتخليصه، بل هاهنا طرق عدّة، قد سلك كلّ طريق منها طائفةٌ من الفقهاء، من سلف الأمة وخلفها:

الطريق الأولى: طريقة من قال: لا تنعقد هذه اليمين بحالٍ ولا يجب فيها شيء

(1)

، سواءً كانت بصيغة الحلف، كقوله: الطلاق يلزمني لأفعلن، أو بصيغة التعليق المقصود، كقوله: إن طلعت الشمسُ، أو: إن حِضْتِ، أو إن جاء رأسُ الشهر، فأنت طالق، أو التعليق المقصود به من اليمين الحض والمنع، والتصديق والتكذيب، كقوله: إن لم أفعل كذا، أو: إن فعلتُ كذا فامرأتي طالق. وهذا اختيارُ أجلّ أصحاب الشافعي الذين جالسوه أو مَنْ هو مِنْ أجَلِّهم: أبي عبد الرحمن، وهو من أجلّ أصحاب الوجوه المنتسبين إلى الشافعي، وهذا مذهبُ أكثر أهل الظاهر.

(1)

في بقية النسخ: «يحنث فيها بشيء» .

ص: 788

فعندهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق، كالنكاح، ولم يَرُدّ مخالفو هؤلاء عليهم بحجة تَشْفِي.

الطريق الثانية: طريق من يقول: لا يقع الطلاق المحلوف به، ولا العتق المحلوف به، ويلزمه كفارة اليمين إذا حنث، وهذا مذهب ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وزينب بنت أم سلمة، وحفصة، رضي الله عنهم أجمعين، في الحلف بالعتق الذي هو قُرْبةٌ إلى الله تعالى، بل مِنْ أحَبّ القُرب إلى الله، ويَسْري في ملك الغير، فما يقول هؤلاء في الحلف بالطلاق الذي هو أبغضُ الحلال إلى الله تعالى، وأحب الأشياء إلى الشيطان؟

والسائل لهؤلاء الصحابة إنما كان امرأةً، حلفت بأن كل مملوك لها حُرّ إن لم تُفَرّق بين عبدها وبين امرأته، فقالوا لها: كفِّري عن يمينك، وخَلِّي بين الرجل وبين امرأته

(1)

.

وهؤلاء الصحابةُ أفقهُ في دين الله، وأعلم من أن يُفْتوا بالكفارة في الحلف بالعتق ويرونه يمينًا، ولا يرون الحلفَ بالطلاق يمينًا، ويُلزِمون

(1)

هذه المرأة هي ليلى بنت العجماء، ومولاها الذي أرادت أن تفرّق بينه وبين امرأته هو أبو رافع، وقد روى عبد الرزاق (8/ 486، 487) والأثرم ــ كما في فتاوى ابن تيمية (33/ 188، 35/ 255، 338) ــ جوابَ ابن عمر وحفصة وزينبَ بنت أم سلمة عن مسألتها، وروى البيهقي في الكبرى (10/ 66) جوابَهم وجوابَ ابن عباس وأم سلمة وعائشة، وروى الدارقطني (4/ 163، 164) جوابهم جميعًا إلّا زينب، واستنكر ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 211) الرواية التي فيها سؤالُها أمَّ سلمة وقال:«إنما هي زينب بنت أمّ سلمة» ، ولم أقف على سؤالها أبا هريرة إلا ما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 182) وعزاه لعبد الرزاق. وقصّة ليلى هذه صحَّحها ابن حزم في المحلى (8/ 8)، وابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 55).

ص: 789

الحانث بوقوعه؛ فإنه لا يجدُ فقيهٌ شَمّ رائحة العلم بين البابين والتعليقين فرقًا بوجه من الوجوه.

وإنما لم يأخذ به أحمد؛ لأنه لم يصح عنده إلا من طريق سليمان التيّمي، واعتقد أنه تَفَرّد به، وقد تابعه عليه محمد بن عبد الله الأنصاري، وأشعثُ الحُمراني، ولهذا لمَّا ثبت عند أبي ثور قال به، وظن الإجماع في الحلف بالطلاق على لزومه، فلم يقل به.

الطريق الثالثة: طريق من يقول: ليس الحلفُ بالطلاق شيئًا، وهذا صحيح عن طاوس، وعكرمة.

أما طاوس

(1)

فقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعمر، عن ابن جُريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئًا.

وقد ردّ بعضُ المتعصبين لتقليدهم ومذاهبهم هذا النقل، بأن عبد الرزاق ذكره في (باب يمين المُكْرَه)، فحمله على الحلف بالطلاق مُكرَهًا.

وهذا فاسدٌ، فإن الحجة ليست في التّرجمة، [109 ب] وإنما الاعتبارُ بما يُروَى في أثناء الترجمة، ولا سيَّما المتقدِّمين كابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، ووكيع وغيرهم؛ فإنهم يذكرون في أثناء التراجم آثارًا لا تُطابق الترجمة، وإن كان لها بها نوعُ تعلّقٍ، وهذا في كتبهم لمن تأمّله أكثرُ وأشهر من أن يخفى، وهو في «صحيح البخاري» وغيره، وفى كتب الفقهاء، وسائر المصنّفين.

(1)

رواه عبد الرزاق (6/ 406) عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: الحلف بالطلاق باطل ليس بشيء، قلت: أكان يراه يمينًا؟ قال: لا أدري. ليس فيه ذكر معمر، وصححه ابن تيمية كما في المجموع (33/ 127).

ص: 790

ثم لو فَهِمَ عبد الرزاق هذا، وأنه في يمين المكَرهِ، لم تكن الحجة في فهمه، بل الأخذُ بروايته، وأيّ فائدةٍ في تخصيص الحلف بالطلاق بذلك؟ بل كل مكره حلف بأيّ يمين كانت فيمينه ليست بشيء.

أما عِكْرمة

(1)

فقال سُنيد بن داود في «تفسيره» : حدثنا عَبّاد بن عَبَّاد المهلَّبي، عن عاصم الأحْوَل، عن عكرمة، في رجل قال لغلامه: إن لم أجْلِدك مئة سَوْطٍ فامرأتي طالقٌ؟ قال: لا يَجلد غلامه، ولا يُطلّق امرأته، هذا من خُطوات الشيطان.

فإذا ضممت هذا الأثر إلى أثر ابن طاوس عن أبيه، إلى أثر ابن عباس فيمن قالت لمملوكها: إن لم أُفرّق بينك وبين امرأتك فكل مملوك لي حُرّ، إلى الآثار المستفيضة عن ابن عباس في الحلف بتحريم الزوجة أنها يمينٌ يُكفّرها: تَبيّن لك ما كان عليه ابنُ عباس وأصحابُه في هذا الباب.

فإذا ضممت ذلك إلى آثار الصحابة في الحلف بالتعليقات كالحج، والصوم، والصدقة، والهَدْي، والمشي إلى مكة حافيًا، ونحو ذلك أنها أيمانٌ مُكفِّرة، تبيّن لك حقيقة ما كان عليه الصحابة في ذلك.

فإذا ضممتَ ذلك إلى القياس الصحيح الذي يستوي فيه حكم الأصل والفرع، تبيّن لك توافُقُ القياس وهذه الآثار.

فإذا ارتفعت درجةً أخرى، ووزَنَت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة، تَبيّن لك الراجحُ من المرجوح.

ص: 791