الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنشدني الصيدلاني:
قَالَتْ: جُنِنْتَ عَلَى رَأْسِي فَقُلْتُ لهَا:
…
العِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَيْسَ يُفيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ
…
وَإنَما يُصْرَعُ المَجْنُونُ في الحِين
فصاحبه أحقّ بأن يُشَبَّه بعابد الوَثن، والعاكِف على التماثيل، فإن عكوف قلب العاشق على صورة محبوبه وتمثاله يُشْبه عكوفَ عابد الصَّنم على صَنمه.
وإذا كان الشيطانُ يريدُ أن يوقع العدواة والبغضاء بين المسلمين في الخمر والميسر، ويصُدّهم بذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، فالعدواةُ والبغضاءُ والصّدّ الذي يُوقعه بالعشق أعظم بكثير.
وجميع المعاصي يجتمعُ فيها هذان الوصفان، وهما العدواة والبغضاء، والصّدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، فإن التَّحابَّ والتآلُفَ إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، أي: يُلْقِي بينهم المحبة، فيُحبّ بعضهم بعضًا، فيتراحمون، ويتعاطفون، بما جعل الله لبعضهم في قلوب بعضٍ من المحبة.
وقال ابن عباس
(1)
: يُحبّهم ويحبّبُهم إلى عباده.
(1)
رواه ابن أبي شيبة (7/ 137) وهناد في الزهد (478) والبيهقي في الزهد (812) من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ورواه ابن أبي الدنيا في الأولياء (32) والطبري في تفسيره (18/ 262) والبيهقي في الزهد (811) وغيرهم من طريق ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال هَرِم بن حَيّان
(1)
: ما أقبلَ عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبلَ الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقَهُ مودّتهم ورحمتهم.
وأهل المعاصي والفسوق وإن كان بينهم نوعُ مودّةٍ وتحابٍّ، فإنها تنقلبُ عداوةً وبغضًا، وفى الغالب يتعجل لهم ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وأما في الآخرة فـ {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
وقال إمام الحُنفاء لقومه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25].
فالمعاصي كلها توجب ذلك، وتصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وذكْرُ ذلك في الخمر والميسر اللذين هما من أواخر المحرّمات: تنبيهٌ على ما في غيرهما من ذلك، مما حُرّم قبلهما، وهو أشد تحريمًا منهما، فإن ما يوقعه قتلُ النفوس، وسرقة [126 ب] الأموال، وارتكابُ الفواحش من ذلك، وما يَصُدّ به عن ذكر الله وعن الصلاة، أضعافُ أضعافِ ما يقتضيه الخمرُ والميسرُ، والواقعُ شاهدٌ بذلك.
وكم وقع وهو واقعٌ بين الناس بسبب عشق الصور: من العداوة
(1)
رواه أحمد في الزهد (ص 232) والطبري في تفسيره (18/ 262) عن قتادة قال: ذُكر لنا أنّ هرم بن حيان كان يقول
…
وذكره، ورواه البيهقي في الزهد (799) عن قتادة عن هرم بن حيان.
والبغضاء، وزوال الألفة والمحبة، وانقلابها عداوةً.
وأما صَدّه عن ذكر الله، فقلبُ العاشق ليس فيه موضعٌ لغير معشوقه، كما قيل:
مَا فِي الْفُؤَادِ لِغَيْرِ حُبِّكَ مَوْضِعٌ
…
كَلاّ وَلا أَحَدٌ سِوَاكَ يَحِلُّهُ
(1)
وأما صدّه عن الصلاة، فهو إن لم يَصُدّ عن صورتها وأعمالها الظاهرة فإنه يَصُدّ عن حقيقتها ومقاصدها الباطنة.
فصل
ومما يبيّن أن هذه الفواحش أصلها المحبة لغير الله تعالى، سواءً كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة أو غير ذلك: أنها في المشركين أكثرُ منها في المخلصين، ويوجدُ فيهم منها ما لا يوجدُ مثله في المخلصين.
قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 27 ـ 29]، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
فأخبر سبحانه أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وهو قوله:
(1)
لم أجد البيت فيما بين يديّ من المصادر.
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50]، وقال تعالى في الشيطان:{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]، وأخبرَ عنه أنه أقسم بعزّة ربه أنه يُغْوي عباده أجمعين، واستثنى أهلَ الإخلاص منهم.
وأخبرَ سبحانه عن أولياء الشيطان أنهم إذا فعلوا فاحشةً احتجُّوا بتقليد أسلافهم، وزعموا أن الله سبحانه أمَرَهُمْ بها، فاتبعوا الظن الكاذب والهوى الباطل.
قال شيخنا رحمه الله: وفى هذا الوصف نصيب كبير لكثير من المنتسبين إلى القبلة: من الصوفية، والعبّاد، والأمراء، والأجناد، والمتفلسفة، والمتكلمين، والعامة، وغيرهم، يستحلّون من الفواحش ما حَرّمه الله ورسوله، ظانِّين أن الله أباحه، أو تقليدًا لأسلافهم، وأصله العشقُ الذي يُبغضه الله، فكثيرٌ منهم يجعله دينًا، ويرى أنه يَتَقَرّب به إلى الله، إما لزعمه أنه يُزَكِّي النفس ويُهَذّبها، وإما لزعمه أنه يجمعُ بذلك قلبه على آدميٍّ، ثم ينتقل إلى عبادة الله وحده، وإما لزعمه أن الصور الجميلة مظاهرُ الحق ومَشاهدهُ، ويسميها مظاهر الجمال الأحَدِيّ، وإما لاعتقاده حُلولَ الربّ فيها أو اتحاده بها.
ولهذا تجد بين نُسّاك هؤلاء وفقرائهم وأمرائهم وأصحابهم توافقًا وتآلفًا على اتخاذ أنداد من دون الله، يحبُّونهم كحبّ الله، إما تَدَيُّنًا، وإما شهوةً، وإما جمعًا بين الأمرين، ولهذا يتآلفون ويجتمعون على السماع الشيطانيّ، الذي يهيِّج الحب المشترك، فُيَهيِّج من كل قلب ما فيه من الحُب.
وسبب ذلك: خلوّ القلب مما خُلق له من عبادة الله تعالى، التي تجمع محبته، وتعظيمه، والخضوع، والذلّ له، والوقوف مع أمره ونهيه [128 أ] ومحابّه ومساخطه، فإذا كان في القلب وجدَ حلاوة الإيمان وذَوْق طعمه، فأغناه ذلك عن محبة الأنداد وتألُّهها، وإذا خلا القلب من ذلك احتاج إلى أن يستبدل به ما يهواه، ويتخذه إلهه، وهذا من تبديل الدِّين، وتغيير فِطْرة الله التي فطر عليها عباده.
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، أي: نفسُ خلق الله لا تبديل له، فلا يخلق الخلق إلا على الفطرة، كما أن خلقه للأعضاء على السلامة من الشّقّ والقطع، ولا تبديل لنفس هذا الخلق، ولكن يقع التغيير في المخلوق بعد خلقه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يُولَدُ على الفطرة، فأبواه يُهَوّدانه، ويُنَصِّرانه، ويُمَجّسانه، كما تُنْتَجُ البيهمةُ بهيمةً جَمْعاءَ، هل تُحسّون فيها من جَدْعاء؟ حتى تكونوا أنتم تَجْدَعُونها»
(1)
.
فالقلوب مفطورة على محبة إلهها وفاطرها وتألُّهه، فصرفُ ذلك التألُّه والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة.
ولما تغيرت فِطَرُ الناس بعث الله الرسل بصلاحها، وردِّها إلى حالتها التي خُلقت عليها، فمن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومن لم يستجب لهم استمرَّ على تغيير الفطرة وفسادها.
(1)
أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658) عن أبي هريرة.
فصل
والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كلُّه لله، بل ينقص من كون دينه لله بحسب ما حصل له من فتنة العشق، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين لله، قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
فناقَضَ بين كون الفتنة وبين
(1)
كون الدين كله لله فكلٌّ منهما يناقض الآخر.
والفتنة قد فُسِّرَتْ بالشرك.
فما حصلت به فتنة القلوب، فهو إما شرك، وإما من أسباب الشرك.
وهى جنس تحته أنواع من الشبهات والشهوات.
وفتنة الذين اتخذوا من دون الله أندادًا يحبُّونهم كحبِّ الله: من أعظم الفتن.
ومنه فتنة أصحاب العِجْل، كما قال تعالى لموسى:{فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه: 85].
وكذلك فتنة العشق من أعظم الفتن، قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]، نزلت في الجَدّ بن قَيْس، لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تَبُوك قال له:«هل لك يا جَدُّ في جِلاد بني الأصفر، تتخذ منهم السَّرَارِيَّ والوُصفَاءَ؟» ، فقال جَدٌّ: ائْذَنْ لي في القعود
(1)
م: «وهي» ، وهو تحريف.
عنك، فقد عرف قومي أني مُغْرَم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن! فأنزل الله تعالى هذه الآية
(1)
.
قال ابن زيد
(2)
: يريد: لا تفتنّي بصباحة وجوههن.
وقال أبو العالية
(3)
: لا تُعَرّضني للفتنة.
وقوله تعالى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]، قال قتادة
(4)
: ما سقط فيه من الفتنة بتخلُّفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عنه أعظمُ.
فالفتنة التي فَرّ منها بزعمه هي فتنة محبة النساء، وعدم صبره عنهن، والفتنة التي وقع فيها هي فتنة الشرك والكفر في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
ولفظ الفتنة في كتاب الله تعالى يراد بها الامتحان الذي لم يفتتن صاحبه، بل خلص من الافتتان، ويراد بها الامتحان الذي حصل معه افتتان:
(1)
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (9600) عن جابر بن عبد الله بنحوه. ورواه الطبراني في الكبير (2/ 275، 12/ 122)، والأوسط (5604)، عن ابن عباس. وروِي من أوجه متعدّدة مرسلًا. وانظر: السلسلة الصحيحة (2988).
(2)
لم أقف عليه. ونقله القرطبي (8/ 158) عن محمد بن إسحاق.
(3)
ذكره الواحدي في البسيط (10/ 478).
(4)
لم أقف عليه من كلام قتادة، وروى البيهقي في الدلائل (5/ 213،214) ــ ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 32،33) ــ من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم
…
فذكرا قصة الجد بن قيس، ثم قالا: فأنزل الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} ، يقول: ما وقع فيه من الفتنة بتخلّفه عن رسول الله ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر. وانظر تفسير الطبري (11/ 492).
فمن الأول: قوله تعالى لموسى عليه السلام: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40].
ومن الثاني: قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]، وقوله:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49].
ويُطلق على ما يتناول الأمرين، كقوله تعالى:{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 ـ 3]، ومنه قول موسى:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا [127 أ] مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155]، أي: امتحانك وابتلاؤك، أُضِلَّ بها من وقع فيها، وهُدِيَ من نجا منها.
وتُطلَق الفتنة على أعمَّ من ذلك، كقوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15].
قال مقاتل
(1)
: أي: بلاء وشغل عن الآخرة.
قال ابن عباس
(2)
: فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى.
وقال الزَّجَّاج
(3)
: أعلَمَهُمُ الله عز وجل أن الأموال والأولاد ممَّا يُفتنون به.
وهذا عامٌّ في جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده، لأنه ربما عصى
(1)
أقوال المفسرين والتعليق عليها إلى قوله: «مضلات الفتن» مأخوذة من البسيط للواحدي (21/ 487 ــ 488) وقول مقاتل في تفسيره (3/ 370).
(2)
انظر: تفسير الرازي (30/ 25).
(3)
معاني القرآن (5/ 182).
الله تعالى بسببه، وتناول الحرام لأجله، ووقع في العظائم، إلا من عَصَمه الله تعالى.
ويشهد لهذا ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فجاء الحسن والحسين، وعليهما قميصان أحمران يَعْثُران، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما، فأخذهما فوضعهما في حِجْره على المنبر، وقال:«صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، رأيت هذين الصَّبيين فلم أصبر عنهما»
(1)
.
وقال ابن مسعود
(2)
: لا يقولنّ أحدُكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم إلا وهو مُشَتمِلٌ على فتنة، لأن الله تعالى يقول:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} ، فأيّكم استعاذ فليَسْتَعِذْ بالله تعالى من مُضِلّات الفتن.
(1)
رواه ابن أبي شيبة (6/ 379)، وأحمد (5/ 354)، وأبو داود (1111)، والترمذي (3774)، والنسائي (1413، 1585)، وابن ماجه (3600)، وغيرهم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال الترمذي:«حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد» ، وصححه ابن خزيمة (1456، 1801)، وابن حبان (6038، 6039)، والحاكم (1059، 7396)، والنووي في الخلاصة (2/ 804)، وابن عبد الهادي في التنقيح (1295)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1016).
(2)
رواه الطبري في تفسيره (15912، 15934)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8984)، والطبراني في الكبير (9/ 189)، وعزاه في الدر المنثور (4/ 50، 8/ 185) لأبي الشيخ وابن المنذر، قال الهيثمي في المجمع (7/ 449):«إسناده منقطع، وفيه المسعودي وقد اختلط» .
ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20]، وهذا عامٌّ في جميع الخلق، امتحن بعضهم ببعض:
فامتحنَ الرُّسُل بالمرسَل إليهم ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمُّل المشاقّ في تبليغهم رسالات ربّهم.
وامتحن المرسلَ إليهم بالرسُل، وهل يطيعونهم، وينصرونهم، ويُصَدّقونهم؟ أم يكفرون بهم، ويرُدّون عليهم، ويقاتلونهم؟
وامتحن العلماء بالجُهّال، يعلِّمونهم، ويَنصحونهم، ويَصبرون على تعليمهم، ونُصحهم، وإرشادهم، ولوازم ذلك.
وامتحَن الجهال بالعلماء، هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟
وامتحن الملوكَ بالرّعية، والرعيةَ بالملوك.
وامتحن الأغنياءَ بالفقراء، والفقراءَ بالأغنياء.
وامتحن الضعفاءَ بالأقوياء، والأقوياءَ بالضعفاء.
والسادةَ بالأتباع، والأتباعَ بالسادة.
وامتحن المالكَ بمملوكه، ومملوكَه به.
وامتحن الرجلَ بامرأته، وامرأته به.
وامتحنَ الرجالَ بالنساء، والنساءَ بالرجال.
والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين.
وامتحنَ الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بهم.
ولذلك كان فقراء المؤمنين وضعفاؤهم من أتباع الرسل فتنةً لأغنيائهم ورؤسائهم، امتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرّسُل، وقالوا: {لَوْ كَانَ