الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو صالح
(1)
: الأعمال.
والكل حق، فإن الأسباب هي الوُصَل التي كانت بينهم في الدنيا، تَقَطّعَتْ بهم أحوجَ ما كانوا إليها.
وأما أسبابُ الموحِّدين المخلصين لله فاتّصلتْ بهم، ودامَ اتصالها بدوام معبودهم ومحبوبهم، فإن السبب تبعٌ لغايته في البقاء والانقطاع.
فصل
إذا تَبَيّن هذا، فأصلُ المحبّة المحمودة التي أمَر الله تعالى بها، وخَلَق خَلْقَه لأجلها: هي مَحَبّتُه وحدَه لا شريك له، المتضمنّةُ لعبادته دون عِبادةِ ما سواه. فإن
العبادة تَتَضَمّن غاية الحُبّ بغاية الذّلّ
، ولا يصلحُ ذلك إلا لله عز وجل وحده.
ولما كانت المحبة جنسًا تحته أنواعٌ مُتفاوتة في القَدْر والوصف، كان أغلبُ ما يُذكر فيها في حق الله تعالى: ما يختَصّ به ويليقُ به، كالعبادة والإنابةِ والإخْباتِ، ولهذا لا يُذكر فيها لفظ العشق، والغرام، والصَّبابة، والشَّغَف، والهوى، وقد يذكر لها لفظ المحبة، كقوله تعالى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، وقوله:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
ومدارُ كُتُب الله تعالى المنزّلة من أوّلها إلى آخرها: على الأمر بتلك
(1)
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1498) من طريق السدي عن أبي صالح، وعزاه في فتح الباري (11/ 393) لعبد بن حميد.
المحبّة ولوازمها، والنهي عن محبّة ما يضادّها ويلازمها، وضرب الأمثال والمقاييس لأهل المحبتين، وذِكْرِ قصصهم، ومآلهم، ومنازلهم، وثوابهم، وعقابهم.
ولا يجدُ حَلاوة الإيمان بل لا يَذُوق طَعْمَه إلا مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، كما في «الصحيحين»
(1)
من حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثلاثٌ مَنْ كُنّ فيه وَجَد حلاوة الإيمان، وفي لفظ: لا يجد طَعم الإيمان إلا مَن كان فيه ثلاث: مَنْ كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يَكْرَه أن يرجعَ في الكفر بعد إذ أنقذه الله تعالى منه، كما يكره أن يُلقى في النار» .
وفى «الصحيحين»
(2)
أيضًا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» .
ولهذا اتفقت دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم ــ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ــ على عبادة الله وحده لا شريك له.
وأصل العبادة وتمامها وكمالها هو المحبة، وإفرادُ الربِّ سبحانه بها، فلا يشرك العبد به فيها غيره.
والكلمة المتضمنة لهذين الأصلين: هي الكلمة التي لا يدخل في الإسلام إلا بها، ولا يعصم دمَه ومَالَه إلا بالإتيان بها، ولا ينجو [121 أ] من
(1)
البخاري (21)، ومسلم (43).
(2)
البخاري (15)، ومسلم (44).
عذاب الله إلا بتحقيقها بالقلب واللسان، وذِكْرُها أفضلُ الذكر، كما في «صحيح ابن حِبّان»
(1)
عنه صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله» . والآية المتضمنة لها ولتفضيلها سيدة آي القرآن
(2)
، والسورة المختصَّة بتحقيقها تعدل ثلث القرآن
(3)
، وبها أرسل الله سبحانه جميع رسله، وأنزل جميع كتبه، وشرع جميع شرائعه، قيامًا بحقِّها وتكميلًا لها.
وهي التي يدخل بها العبد على ربِّه، ويصير في جواره، وهي مَفْزع أوليائه وأعدائه، فإن أعداءه إذا مسّهم الضّرّ في البرّ والبحر فزِعوا إلى توحيده، وتبرَّأوا من شركهم، ودَعَوْه مخلصين له الدين.
وأما أولياؤه فهي مفزعهم في شدائد الدنيا والآخرة.
ولهذا كانت دعواتُ المكروب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، رب العرش الكريم»
(4)
.
ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فَرّج الله كربه: «لا إله إلا
(1)
صحيح ابن حبان (846)، ورواه أيضًا الترمذي (3383)، والنسائي في الكبرى (10667)، وابن ماجه (3800)، والبيهقي في الشعب (4/ 90)، وغيرهم من طرق عن موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله، قال الترمذي:«حسن غريب» ، وتبعه البغوي في شرح السنة (1269)، وصححه الحاكم (1834، 1852)، وهو في السلسلة الصحيحة (1497).
(2)
يقصد بها آية الكرسي.
(3)
أي سورة الإخلاص.
(4)
أخرجه البخاري (7426)، ومسلم (2730) عن ابن عباس.
أنت سبحانك! إني كنت من الظالمين»
(1)
.
وقال ثوبان
(2)
رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا راعَه أمر قال: «الله ربي، لا أُشرِك به شيئًا» ، وفى لفظ
(3)
قال: «هو الله لا شريك له» .
وقالت أسماء بنت عُمَيْس
(4)
: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولها عند الكرب: «الله، الله ربي، لا أُشرِك به شيئًا» .
وفى «الترمذي»
(5)
من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، عن
(1)
أخرجه أحمد (1/ 170)، والترمذي (3505)، والنسائي في الكبرى (10491) عن سعد بن أبي وقاص. وهو حديث حسن.
(2)
رواه النسائي في الكبرى (10493)، والطبراني في الدعاء (1031) وفي مسند الشاميين (424)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 297)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 219)، كلّهم من طريق سهل بن هاشم عن الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ثوبان به مرفوعا، وأُعِلّ بالوقف، وهو في السلسلة الصحيحة (2070).
(3)
هذا اللفظ ذكره الذهبي في الميزان (3/ 336) في ترجمة سهل بن هاشم الشامي، وعزاه للأزدي.
(4)
رواه ابن أبي شيبة (6/ 20)، وابن راهويه (2135)، وأحمد (6/ 369)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 239)، وأبو داود (1527)، والنسائي في الكبرى (10483، 10485)، وابن ماجه (3882)، والطبرانيّ في الكبير (24/ 135)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 360)، والبيهقي في الشعب (7/ 257)، وغيرهم، واختُلف في إسناده، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 696). وفي الباب عن ابن عباس وأنس وعائشة رضي الله عنهم.
(5)
سنن الترمذي (3505)، وبهذا الإسناد رواه أحمد (1/ 170)، والبزار (1186)، والنسائي في الكبرى (10492)، وأبو يعلى (772)، والطبراني في الدعاء (124)، والبيهقي في الشعب (1/ 432، 7/ 256)، والضياء في المختارة (1041، 1042)، وفي إسناده بعض الاختلاف، وصحّحه الحاكم (1862، 3444، 4121)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 167، 10/ 244): «رجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن محمد بن سعد وهو ثقة» ، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/ 11)، وهو في السلسلة الصحيحة (1744). وقد جاء أيضًا من طريق مصعب بن سعد، ومن طريق سعيد بن المسيب، ومن طريق أبي أمامة بن سهل، ثلاثتهم عن سعد بنحوه.