الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ذلك: أن يشتريها لنفسه بغير جنس ما أذن له فيه، فإنه إذا اشتراها لنفسه بجنس ما أذن له فيه يضمن ذلك عَزْلَ نفسه في غيبة موكّله، وهو ممتنع، فإذا اشتراها بغير الجنس حصل الشراء له، ولم يكن ذلك عزلًا لنفسه.
المثال الخامس عشر: إذا وكّله في بيع جارية، ووكّله آخر في شرائها
، فإن قلنا: الوكيل يتولَّى طرفي العقد جاز أن يكون بائعًا مشتريًا لهما.
وإن منعنا ذلك فالطريق: أن يبيعها لمن يستوثق منه أن يشتريها منه، ثم يشتريها لموكّله، فإن خاف أن لا يفي له المشتري الذي يستوثق
(1)
منه، فالحيلة: أن يبيعه إياها بشرط الخيار، فإن وفّى له بالبيع وإلا كان مُتمكِّنًا من الفَسْخ.
المثال السادس عشر: لا يملك خُلْع ابنته بصداقها، فإن ظهرت المصلحة في ذلك لها فالطريق: أن يتملكه عليها، ثم يَخلعها من زَوجها به، فيكون قد اختلعها بماله.
والصحيح: أنه لا يحتاج إلى ذلك، بل إذا ظهرت المصلحة في افتدائها من الزوج بصداقها جاز ذلك، وكان بمنزلة افتدائها من الأسر بمالها، وربما كان هذا خيرًا لها.
المثال السابع عشر: إذا وكّله أن يشتري له متاعًا فاشتراه، ثم أراد أن يبعث به إليه، فخاف أن يهلك، فيضمنه الوكيل، فطريق التخلص من ذلك: أن يستأذن الوكيلُ أن يعمل في ذلك برأيه، ويُفوّض إليه ذلك، فإذا أذِن له فبعث به فتلف لم يضمنه.
(1)
في الأصل: «يوثق» .
المثال الثامن عشر: إذا أراد أن يُسلِم وعنده خمرٌ أو خنازير، وأراد أن لا يَتلف عليه، فالحيلة: أن يبيعها لكافر قبل الإسلام، ثم يسلم، وتكون له المطالبة بالثمن، سواءً أسلم المشتري أو بقي [89 أ] على كفره.
نصَّ على هذا أحمد في مجوسي باع مجوسيًّا خمرًا، ثم أسلما، يأخذُ الثمن الذي
(1)
قد وجب له يوم باعه.
المثال التاسع عشر: إذا كان له عصيرٌ، فخاف أن يتخمّر، فلا يجوز له بعد ذلك أن يتخذه خلًا، فالحيلة: أن يُلقي فيه أولًا ما يمنع تخمُّره، فإن لم يفعل حتى تخمّر وجب عليه إراقته، ولم يجز له حَبْسه حتى يتخلّل، فإن فعل لم يطهر ولم يُبح؛ لأن حبسه معصية، وعَوده خلًّا نِعمةٌ، فلا يستباح بالمعصية.
المثال العشرون: إذا كان له على رجل دينٌ مؤجل، وأراد رَبُّ الدين السفر، وخاف أن يَتْوَى
(2)
ماله، أو احتاج إليه، ولا يمكنه المطالبة قبل الحُلول، فأراد أن يضع عن الغريم البعض، ويُعجل باقيه، فقد اختلف السلف والخلف في هذه المسألة:
فأجازها ابن عباس، وحرّمها ابن عمر.
وعن أحمد فيها روايتان، أشهرهما عنه: المنع، وهي اختيار جمهور أصحابه.
والثانية: الجواز، حكاها ابنُ أبي موسى، وهي اختيار شيخنا.
(1)
«الذي» زيادة من ت.
(2)
في الأصل: «يفوت» ، والمثبت من النسخ الأخرى.
وحكى ابنُ عبد البر في «الاستذكار»
(1)
ذلك عن الشافعي قولًا.
وأصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول، ولا يحكونه!
وأظن أن هذا إن صح عن الشافعي فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط، بل لو عَجّلَ له بعض دينه وذلك جائز، فأبرأهُ من الباقي، حتى لو كان قد شرَط ذلك قبل الوضع والتعجيل، ثم فعلاه بناءً على الشرط المتقدم، صحّ عنده؛ لأن الشرط المؤثّر في مذهبه: هو الشرط المقارن، لا السابق.
وقد صرّح بذلك بعض أصحابه، والباقون قالوا: لو فعل ذلك من غير شرط جاز، ومرادُهُم الشرط المقارن.
وأما مالك فإنه لا يُجوّزه مع الشرط، ولا دونه، سدًّا للذريعة.
وأما أحمد فيجوّزه في دَين الكتابة، وفى غيره عنه روايتان.
واحتج المانعون بالآثار والمعنى.
أما الآثار: ففي «سنن البيهقي»
(2)
عن المقداد بن الأسود، قال: أسلفتُ رجلًا مئة دينار، ثم خرج سَهْمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: عَجّل تسعين دينارًا، وأحُطّ عشرة دنانير، فقال: نعم. فذكرت
(3)
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «أكلت ربًا مقدادُ! وأطعمته» .
وفي سنده ضعف.
وصحّ عن ابن عمر
(1)
: أنه قد سئل عن الرجل يكون له الدّين على رجل إلى أجلٍ، فيضع عنه صاحبُه، ويُعجّل له الأجر، فكره ذلك ابن عمر، ونهى عنه.
وصح عن أبي المنهال
(2)
، أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: لرجل عليّ دينٌ، فقال لي: عَجّل لي لأضع عنك، قال: فنهاني عنه، وقال: نهى أمير المؤمنين يعنى عمر أن يبيع العين بالدين.
وقال أبو صالح مولى السّفاح واسمه عُبيد: بعتُ بزًّا من أهل السوق إلى أجل، ثم أردت الخروج إلى الكوفة، فعرضوا عليّ أن أضع عنهم، ويَنْقُدوني، فسألت عن ذلك زيد بن ثابت، فقال: لا آمرك أن تأكل هذا ولا تُؤكِله. رواه مالك في «الموطأ»
(3)
.
وأما المعنى: فإنه إذا تعجّل البعض وأسقط الباقي فقد باع الأجل بالقدْر الذي أسقطه، وذلك عين الربا، كما لو باع الأجل بالقَدْر الذي يريده، إذا حلّ عليه الدين، فقال: زدني في الدين وأزيدك في المدة، فأي فرقٍ بين أن تقول: حُطّ من الأجل، وأحطّ من الدين، أو تقول: زد في الأجل، وأزيد في الدين؟
(1)
رواه مالك (1352) عن عثمان بن حفص عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه، ومن طريق مالك رواه الطحاوي في شرح المشكل (11/ 61)، والبيهقي في الكبرى (6/ 28). ورواه بعضهم من طريق ميسرة عن ابن عمر.
(2)
رواه عبد الرزاق (8/ 72) والبيهقي في الكبرى (6/ 28) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال به.
(3)
الموطأ (1351)، ورواه أيضًا عبد الرزاق (8/ 71)، ومن طريق مالك رواه الطحاوي في شرح المشكل (11/ 61، 62) والبيهقي في الكبرى (6/ 28).
قال زيد بن أسْلم: كان ربا الجاهلية: أن يكون للرجل على الرجُل الحقُّ إلى أجل، فإذا حلّ الحقّ قال له غريمه: أتقضي أم تُربي؟ فإن قضاه أخذه، وإلا زاده في حقه، وأخّر عنه في الأجل، رواه مالك
(1)
.
وهذا الربا مُجْمَعٌ [89 ب] على تحريمه وبطلانه، وتحريمه معلومٌ من دين الإسلام، كما يُعلم تحريمُ الزنى، واللواط، والسرقة.
قالوا: فنقصُ الأجل في مقابلة نقصِ العِوض كزيادته في مقابلة زيادته، فكما أن هذا ربا، فكذلك الآخر.
قال المبيحون: صحّ عن ابن عباس
(2)
رضي الله عنهما: أنه كان لا يرى بأسًا أن يقول: أُعَجّل لك وتضعُ عني، وهو الذي روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أمر بإخراج بني النضير من المدينة جاءه ناسٌ منهم، فقالوا: يا رسول الله! إنك أمرت بإخراجهم، ولهم على الناس ديون لم تحلّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ضعوا وتعجّلوا» .
(1)
رواه مالك (1353) عنه، ومن طريق مالك رواه البيهقي في الكبرى (5/ 275). ورواه الطبري في تفسيره (7826) من طريق ابن وهب عن ابن زيد عن أبيه قال:«إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن» ، ثم بيّن ذلك.
(2)
رواه عبد الرزاق (8/ 72)، والطحاوي في شرح المشكل (11/ 61)، والبيهقي في الكبرى (6/ 28) من طريقين عن عمرو بن دينار عن ابن عباس. ورواه عبد الرزاق (8/ 72) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس. ورواه عبد الرزاق (8/ 429) وابن أبي شيبة (4/ 471) ــ ومن طريقه البيهقي (10/ 335) ــ من طريق جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس في الرجل يقول لمكاتبه: عجِّل لي وأضع عنك: لا بأس به، وعزاه البوصيري في الإتحاف (5/ 461) للحاكم.
قال أبو عبد الله الحاكم
(1)
قلت: هو على شرط «السنن» . وقد ضعفه البيهقي. وإسناده ثقات، وإنما ضُعّف بمسلم بن خالد الزَّنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتجّ به.
وقال البيهقي
(2)
: «باب من عُجّل له أدنى من حَقه قبل محله، فوضع عنه، طيّبَةً به أنفسهما» .
وكأن مراده أن هذا وقع بغير شرط، بل هذا عَجّل، وهذا وَضَع، ولا محذور في ذلك.
قالوا: وهذا ضد الربا؛ فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محضٌ بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، خلاف الربا المجمع عليه؛ فإن ضرره لاحقٌ بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورةً ومعنًى.
(1)
رواه الطحاوي في شرح المشكل (4277)، والطبراني في الأوسط (817، 6755)، والحاكم (2325)، والبيهقي في الكبرى (6/ 28)، وخلاصة ما أُعلّ به الإرسال والاضطراب وضعف راويه وجهالة آخر، فرجّح أبو حاتم إرساله كما في العلل (1134)، وضعّفه العقيلي (3/ 251)، والدارقطني (3/ 46)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 132)، والذهبيّ، وقال ابن كثير في البداية (4/ 87):«في صحته نظر» ، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 234):«فيه مسلم بن خالد وهو ضعيف وقد وُثِّق» ، ومع ذلك قال المصنف في أحكام أهل الذمة (1/ 396):«إسناده حسن، ليس فيه إلا مسلم بن خالد، وحديثه لا ينحطّ عن رتبة الحسن» .
(2)
السنن الكبرى (6/ 27).
قالوا: ولأن مقابلة الأجل
(1)
بالزيادة في الربا ذريعةٌ إلى أعظم الضرر، وهو أن يَصير الدرهمُ الواحدُ ألوفًا مؤلّفة، فتشتغل الذمة بغير فائدة، وفي «ضعْ وتعجَّل» تتخلّص ذمة هذا من الدَّين، وينتفع ذاك بالتعجيل له.
قالوا: والشارع له تطلّع إلى براءة الذمم من الديون، وسَمّى الغريم المدين: أسيرًا، ففي براءة ذمته تخليصٌ له من الأسر، وهذا ضد شَغْلها بالزيادة مع الصبر.
وهذا لازمٌ لمن قال: يجوز ذلك في دَين الكتابة، وهو قول أحمد، وأبي حنيفة؛ فإن المكاتب مع سَيّده كالأجنبي في باب المعاملات، ولهذا لا يجوز أن يبيعه درهمًا بدرهمين، ولا يُبايعه بالربا، فإذا جاز له أن يتعجل بعض كتابته، ويضع عنه باقيها، لما له في ذلك من مصلحة تعجيل العتق، وبراءة ذمّته من الدّين، لم يمنع ذلك في غيره من الديون.
ولو ذهب ذاهبٌ إلى التفصيل في المسألة، وقال: لا يجوز في دَين القرض، إذا قلنا بلزوم تأجيله، ويجوز في ثمن المبيع والأجرة، وعوض الخُلْع، والصَّداق: لكان له وجهٌ؛ فإنه في القرض يجب رَدّ المثل، فإذا عجّل له وأسقط باقيه خرج عن موجب العقد، وكان قد أقرضه مئة، فوَفّاه تسعين بلا منفعة حصلت للمُقرض، بل اختصّ المقترض بالمنفعة، فهو كالمُرْبي سواءً في اختصاصه بالمنفعة دون الآخر.
وأما في البيع والإجارة فإنهما يملكان فسخ العقد، وجعل العوض حالًا أنقصَ مما كان، وهذا هو حقيقة الوضع والتعجيل، لكن تحيّلا عليه، والعبرة في
(1)
في الأصل: «الأصل» .