الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أنه صلى الله عليه وسلم سمّ
فخرّج البخاري في الطب [ (1) ] ، وفي الجزية والموادعة [ (2) ]، من حديث الليث قال: حدثني سعيد عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: لما فتحت خيبر، أهديت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شاة فيها سمّ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقىّ عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] : من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان [فقال كذبتم، أبوكم فلان] فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أهل النار؟
قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم: اخسئوا فيها، واللَّه لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمّا؟ قالوا: نعم، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا، نستريح منك، وإن كنت نبيا، لم يضرك.
وللبخاريّ من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] إن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم، بشاة مسمومة، فأكل
[ (1) ](فتح الباري) : 10/ 300، كتاب الطب، باب (55) ما يذكر في سمّ النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (5777) .
[ (2) ](المرجع السابق) : 6/ 334، كتاب الجزية والموادعة، باب (7) ، إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟ حديث رقم (3169) .
منها، فجيء بها، [فقيل:] ألا نقتلها؟ قال: لا، [قال:] فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: قبول الهدية من المشركين [ (1) ] .
ولمسلم بهذا السند: أن امرأة يهودية أتت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل [منها] ، فجيء بها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك فقالت:
أردت لأقتلك! قال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك، أو قال: عليّ، قالوا:
ألا نقتلها؟ قال: لا،
قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ] .
وقال البخاري في آخر المغازي، في أول باب مرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته:
[ (1) ](فتح الباري) : 5/ 287، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (28) قبول الهدية من المشركين، حديث رقم (2617) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 14/ 429، كتاب السلام، باب (18) السم، حديث رقم (2190)، «اللهوات» : جمع لهات- بفتح اللام- وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، وقيل: اللحمات اللواتي في سقف أقضى الفم.
وقوله: «ما زلت أعرفها» أي العلامة، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك. أو قال: عليّ» ، فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وهي معجزة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، في سلامته من السم المهلك لغيره، وفي إعلام اللَّه تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منها له، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الذراع تخبرني أنها مسمومة، وهي المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث، أخت مرحب اليهودي، وهي امرأة سلام بن مشكم.
وقصة الشاة المسمومة رواها كل من:
ابن سعد في (الطبقات) : 2/ 200- 203، ذكر ما سمّ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
والحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 172، باب ما جاء في إشارته إلى عائشة رضى اللَّه عنها في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله وما في حديثها من أنه صلى الله عليه وسلم توفى شهيدا.
وأبو داود في (السنن) : 4/ 647، كتاب الديات، باب (6) فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟ حديث رقم (4508) ، (4509) ، (4510) ، (4511) ، (4512) ، (4513) ، (4514) ، من طرق مختلفة، وبسياقات مختلفة، بعضها مختصرا وبعضها مطولا.
وقال يونس عن الزهرىّ: قال عروة: قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما [أزال] أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 165، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4428) . قوله:«ما أزال أجد ألم الطعام» أي أحسّ الألم في جوفي بسبب الطعام. وقال الداوديّ:
المراد أنه نقص من لذة ذوقه. وقوله: «أوان» بالفتح على الظرفية.
قال أهل اللغة: الأبهر عرق مستبطن متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطّابى: يقال إن القلب متصل به (فتح الباري) .
قال القاضي عياض: واختلف [أهل] الآثار والعلماء: هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم «قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا» ومثله عن أبى هريرة، وجابر، وعن جابر من رواية أبى سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قتلها، وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قتلها.
قال القاضي: ووجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل، أنه لم يقتلها أولا حين أطلع على اسمها، وقيل له: فقال: لا.
فلما مات بشر بن البراء من ذلك [السم] سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا، فيصحّ قوله: لم يقتلها أي في الحال، ويصحّ قولهم: قتلها، أي بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) : 14/ 429- 430.