المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى - إمتاع الأسماع - جـ ٨

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌[تتمة الفصل في طب رسول اللَّه]

- ‌ليس فيما حرّم شفاء

- ‌السُّعوط [ (2) ]

- ‌ذات الجنب [ (4) ]

- ‌الكحل

- ‌الحبة السوداء

- ‌السنا

- ‌التّلبينة [ (1) ] والحساء

- ‌اغتسال المريض

- ‌اجتناب المجذوم

- ‌وأما عرق النَّسا

- ‌وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم

- ‌الحِنَّاء

- ‌الذريرة

- ‌وأمّا أنّه [صلى الله عليه وسلم] سحر

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم سمّ

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم

- ‌وأما الكيّ والسّعوط

- ‌وأمّا الحنّاء

- ‌وأمّا السّفرجل

- ‌فصل في ذكر حركات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسكونه

- ‌وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته

- ‌[وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا ما يقوله إذا خرج من بيته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله [صلى الله عليه وسلم] إذا استيقظ

- ‌وأما أنّ قلبه [صلى الله عليه وسلم] لا ينام

- ‌وأما مناماته عليه السلام

- ‌فصل في ذكر صديق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل النّبوّة

- ‌ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء

- ‌ذكر شريك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل البعث

- ‌فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شيء

- ‌وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا كيف سيره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السّحر

- ‌ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية

- ‌ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة

- ‌وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر

- ‌وأما كونه صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا

- ‌فصل في الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي الرحلة النبويّة

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى اللَّه تعالى عنها

- ‌وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى

- ‌فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج

- ‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للَّه عز وجل ليلة الإسراء

- ‌فصل في سفر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌فصل في خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز

- ‌فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة الأبواء

- ‌[غزوة بواط]

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة ذي العشيرة

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌غزوة بنى قينقاع

- ‌غزوة السويق

- ‌غزوة قرارة الكدر

- ‌غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان]

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌غزوة بنى النضير

- ‌غزوة بدر الموعد

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة المريسيع

- ‌[غزوة الخندق]

- ‌[غزوة بنى قريظة]

- ‌[غزوة بنى لحيان]

- ‌[غزوة الغابة]

- ‌[غزوة خيبر]

- ‌[غزوة الفتح]

- ‌[غزوة حنين]

- ‌[غزوة تبوك]

الفصل: ‌وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى

‌وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى

فإنه ثابت بكتاب اللَّه العزيز، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الثابتة، المستفيضة عنه بالنقل، من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وأبى ذر، وحذيفة، وعبد اللَّه بن عباس، وأبى هريرة، وأبى سعيد الخدريّ، ومالك بن صعصعة، وأبى بن كعب وأنس بن مالك، وشداد بن أوس، وأبى ليلى الأنصاري، وعبد الرحمن بن قرظ، وأم هاني بنت أبى طالب، رضى اللَّه عنهم، حتى صار في الثبوت مصير التواتر.

قال اللَّه جلّ وعزّ سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (1) ] .

اعلم ان التسبيح هو التنزيه، والتنزيه والتبعيد مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض:

سابح، ومنه السبح في الماء، فقولك: سبحت اللَّه، أي نزّهته وبرأته مما لا يليق بجلاله، وأصل المعنى والاشتقاق، باعدته مما لا يليق به، أي جعلته بمعزل منها، متباعدا تباعد المنزلة والرتبة [ (2) ] .

[ (1) ] الإسراء: 1.

[ (2) ] قال ابن الفرج: سمعت أبا الجهم الجعفري يقول: سبحت في الأرض وسبخت فيها إذا تباعدت فيها، ومنه قوله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي يجرون، ولم يقل: تسبح، لأنه وصفها بفعل من يعقل.

وكذلك قوله: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً هي النجوم تسبح في الفلك، أي تذهب فيها بسطا، كما يسبح السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح من الخيل يمد يديه في

ص: 190

_________

[ () ] الجرى سبحا.

وقال الأزهري في قوله عز وجل: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً، قيل: السابحات السفن، والسابقات الخيل.

والتسبيح: التنزيه، وسبحان اللَّه: معناه: تنزيلها للَّه من الصاحبة والولد. وقيل: تنزيه للَّه تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف.

تقول: سبّحت اللَّه تسبيحا له أي نزّهته تنزيها، وكذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الزجّاج في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا قال: منصوب على المصدر، المعنى: أسبح اللَّه تسبيحا، قال: وسبحان في اللغة تنزيه اللَّه عز وجل عن السوء.

وسبّح الرجل: قال سبحان اللَّه، وفي التنزيل: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ.

وقال قوم: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي ما من دابة إلا وفيه دليل على أن اللَّه عز وجل خالقه، وأن خالقه مبرأ من الأسواء، ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات.

قال الأزهري: ومما يدلك. على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبدت به، قول اللَّه عز وجل للجبال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ، ومعنى أوبي: سبحي مع داود النهار كله إلى الليل ولا يجوز أن يكون معنى أمر اللَّه عز وجل للجبال بالتأويب إلا تعبدا لها.

وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها، لا نفقهها عنها، كما لا نفقه تسبيحها.

وكذلك قوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقد علم اللَّه تعالى هبوطها من خشيته، ولم يعرفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندعى بما لا نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفية نحدها.

ومن صفات اللَّه عز وجل: السّبوح القدوس، قال أبو إسحاق: السبوح: الّذي ينزه عن كل سوء، والقدوس: المبارك، وقيل: الطاهر.

وقال ابن سيده: سبوح قدوس، من صفة اللَّه عز وجل، لأنه تعالى يسبّح ويقدس، ويقال: سبّوح قدس، قال الحيانى: المجتمع عليه فيها الضم.

وسبحات وجه اللَّه، بضم السين والباء: أنواره، وجلاله، وعظمته، وقال جبريل عليه السلام: إن للَّه دون العرش سبعين حجابا، لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا، رواه صاحب (العين) .

قال ابن شميل: سبحات وجهه، نور وجهه. وفي حديث آخر: حجابه النور والنار، لو كشفه

ص: 191

والإسراء: سير الليل، يقال: سرى سرى ومسرا، وأسرى إسراء، وقيل:

أسرى، سار في أول الليل، وسرى، سار في آخره [ (1) ] .

[ () ] لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره.

وقال ابن عرفة الملقب بنفطويه. في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ: أي سبّحه بأسمائه، ونزهه عن التسمية بغير ما سمى به نفسه. قال: ومن سمى اللَّه تعالى بغير ما سمى به نفسه فهو ملحد في أسمائه، وكل من دعاه بأسمائه فمسبح له بها، إذ كانت أسماؤه مدائح له وأوصافا، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، وهي صفاته التي وصف بها نفسه، وكل من دعا اللَّه بأسمائه فقد أطاعه ومدحه، ولحقه ثواب. (لسان العرب) : 2/ 471- 474 مختصرا.

[ (1) ] أسرى: لغة في سرى، بمعنى سار في الليل، فالهمزة هنا ليست للتعدية، لأن التعدية حاصلة بالباء، بل أسرى فعل مفتتح بالهمزة، مرادف سرى، وهو مثل: أبان المرادف بان، ومثل: انهج الثوب بمعنى نهج زي بلى ف أَسْرى بِعَبْدِهِ بمنزلة ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ.

وللمبرد والسهيل نكتة في التفرقة بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء: بأن الثانية أبلغ، لأنها في أصل الوضع تقتضي مشاركة الفاعل المفعول في الفعل، فأصل ذهب به أنه استصحبه. كما قال تعالى: وَسارَ بِأَهْلِهِ.

وقالت العرب: أشبعهم شتما، وراحوا بالإبل، وفي هذا لطيفة تناسب المقام هنا، إذا قال:

أَسْرى بِعَبْدِهِ دون سرى بعبده، وهي التلويح إلى أن اللَّه تعالى كان مع رسوله في أسرائه، بعنايته وتوفيقه، كما قال تعالى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا، وقال: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا.

فالمعنى: الّذي جعل عبده مسريا، أي ساريا، وهو كقوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ.

وإذ قد كان السّرى خاصا بسير الليل، كان قوله: ليلا إشارة إلى أن السير به إلى المسجد الأقصى كان في جزء ليلة، وإلا لم يكن ذكره إلا تأكيدا على أن الإفادة- كما يقولون- خير من الإعادة.

وفي ذلك إيماء إلى أنه إسراء خارق للعادة، لقطع المسافة التي بين مبدإ السير ونهايته في بعض ليلة، وأيضا ليتوسل بذكر الليل إلى تنكيره، المفيد للتعظيم.

فتنكير ليلا للتعظيم بقرينة الاعتناء بذكره، مع علمه من فعل أسرى، وبقرينة عدم تعريفه، أي هو ليل عظيم، باعتبار جعله زمنا لذلك السري العظيم، فقام التنكير هنا مقام ما يدل على التعظيم، ألا ترى كيف احتيج إلى الدلالة على التعظيم بصيغة خاصة في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ إذا وقعت ليلة القدر غير منكرة (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 11- 12.

ص: 192

والمراد بعبده: محمد صلى الله عليه وسلم، وليلا:[أي] في جوف الليل، وقيل: في بعض الليل، لا في كله، وقيل: أي ذهب بعبده في سراة الأرض، أي متسعها [ (1) ] .

والمسجد الحرام، قيل: المراد به نفس الكعبة، وقيل: نفس المسجد الّذي فيه الكعبة، وفيه يقع الطواف والصلاة إليها، وقيل: نفس مكة، وقيل:

جميع الحرم، وقد أطلق لفظ المسجد الحرام بهذه الاعتبارات الأربعة، على الموضع الّذي [اسرى منه بالنبيّ عليه الصلاة والسلام][ (2) ] .

[ (1) ] و «عبد» المضاف إلى ضمير الجلالة هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو مصطلح القرآن، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى اللَّه تعالى، إلا مرادا به النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن خبر الإسراء به إلى بيت المقدس قد شاع بين المسلمين، وشاع إنكاره بين المشركين، فصار المراد «بعبده» معلوما.

والإضافة إضافة تشريف لا إضافة تعريف، لأن وصف العبوديّة للَّه متحقق لسائر المخلوقات، فلا تفيد إضافته تعريفا. (المرجع السابق) .

[ (2) ] ذكر الماوردي في (الحاوي) في كتاب الجزية، أن كل موضوع ذكر اللَّه فيه المسجد الحرام، فالمراد به:

الحرم، إلا في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإنه أراد به الكعبة.

وأما ابن أبى الصيف اليمنى فقال بعد ذكر المواضع الخمسة عشر [التي ذكر اللَّه تعالى فيها اسم المسجد الحرام في القرآن الكريم] : منها ما أراد اللَّه به الكعبة، كقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144]، ومنها ما أراد به مكة كقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: 1] ، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب.

ومنها ما أراد به الحرم، كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [التوبة:

28] . قال:

وقد روى النسائي في سننه، من حديث ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الكعبة.

وروى أيضا من حديث أبى هريرة: إلا الكعبة. وفي رواية ابن ماجة: وصلاته بمكة بمائة ألف. مع ذكر المساجد يظهر أنه أراد مسجد مكة، والمصلى فيه مصل بمكة.

[فإنه قال في الحديث الّذي أخرجه جابر، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل مائة ألف صلاة فيما سواه] . رواه ابن ماجة.

قال: والإنصاف أن الكل داخل في الاسم المذكور في القرآن، إلا أن الإطلاق إنما ينصرف إلى

ص: 193

فقد ثبت من حديث أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي [عليه الصلاة والسلام]، قال: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان..

وذكر حديث الإسراء. وفي رواية: بينا أنا في الحطيم- وربما قال في الحجر- مضطجعا، إذا أتانى آت.. الحديث [ (1) ] ،

فإن كان في الحجر، فقد وقع

[ () ] المسجد الّذي قدر به الطواف، ولهذا ورد: كنا في المسجد الحرام، وخرجنا من المسجد الحرام، واعتكفنا في المسجد الحرام، وبتنا فيه، ولا شك أن مساجد الحرم متعددة، واختص هو من بينها بالمسجد الحرام في العرف.

وقد ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) : عن جده، عن مسلم بن خالد، عن محمد بن الحارث، عن سفيان، عن على الأزدي، قال: سمعت أبا هريرة رضى اللَّه عنه يقول: إنا لنجد في كتاب اللَّه عز وجل أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى.

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه قال: أساس المسجد الّذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد. [الحزورة: موضع بمكة يلي البيت، وهو بفتح الحاء وسكون الزاى، والمحدثون يقولونه بتشديد الواو، وهو تصحيف، وأجياد: موضع من بطحاء مكة](معجم ما استعجم للبكرى)، (إعلام الساجد بأحكام المساجد) : 60- 61.

فالمسجد الحرام هو المكان المعدّ للسجود، أي الصلاة، وهو الكعبة والفناء المجعول حرما لها، وهو يختلف سعة وضيقا باختلاف العصور من كثرة الناس فيه للطواف، والاعتكاف، والصلاة.

والحرام: فعال بمعنى مفعول، كقولهم: امرأة حصان، أي ممنوعة بعفافها عن الناس. (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 13.

ومن ذلك ما قاله حسّان بن ثابت رضى اللَّه عنه معتذرا عن خوضه مع الذين خاضوا في حديث الإفك، فقال مخاطبا لأم المؤمنين، المبرأة، أم عبد اللَّه عائشة رضى اللَّه عنها:

حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

عقيلة حي من لؤيّ بن غالب

كرام المساعي مجدهم غير زائل

(ديوان حسان بن ثابت) : 228.

[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 371، كتاب بدء الخلق، باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3207)، وهو حديث طويل أمسكنا عن ذكره لطوله واشتهاره. وفي (المرجع السابق) : 7/ 255، كتاب مناقب الأنصار، باب (42) المعراج، حديث رقم (3887)، وفيه: «بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا إذ أتانى آت

فذكره، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (264)، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 281، كتاب تفسير القرآن، باب (18) ومن سورة بنى إسرائيل،

ص: 194

الإسراء من نفس الكعبة، لأن معظم الحجر من البيت [ (1) ] .

وإن كان من الحطيم، فقد وقع الإسراء من نفس المسجد، فإن الحطيم ما بين الركن والمقام، وما بين زمزم والحجر، على أن رواية «عند» محتملة للأمرين، فإن كان بالحجر، فإنه عند البيت، لأن الحجر لما أخرج من البيت، صار كأنه ليس منه، ولو لم يثبت أنه كان في الحجر، لصح لمن كان عند البيت أن يقال عنه أنه أسرى به من البيت، أي من عند البيت [ (2) ] .

[ () ] حديث رقم (3133) عن جابر بن عبد اللَّه مختصرا، ولفظه:«لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا اللَّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا انظر إليه» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن مالك بن صعصعة، وأبى سعيد، وابن عباس.

وأخرجه النسائي في (السنن) : 1/ 237، كتاب الصلاة، باب (1) فرض الصلاة، حديث رقم (447) .

وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 236، حديث رقم (17378) من حديث مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث رقم (17379) ، وحديث رقم (17380) ، وحديث رقم (17381) كلهم من حديث مالك بن صعصعة بسياقات مختلفة.

[ (1) ] قال الإمام النووي: قال أصحابنا: ست أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف، فإن طاف في الحج وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا، أحدهما: يجوز، لظواهر هذه الأحاديث، وهذا هو الّذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين.

والثاني: لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجا من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح، وهو الّذي نصّ عليه الشافعيّ، وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين، ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال علماء المسلمين، سوى أبى حنيفة فإنه قال: إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده، وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دما، وأجزأه طوافه.

واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر وقال: لتأخذوا [عنى] مناسككم، ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وسواء كان كله من البيت أم بعضه، فالطواف يكون من ورائه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 9/ 99- 100، كتاب الحج، باب (69) نقض الكعبة وبنائها.

[ (2) ] حطيم مكة هو ما بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها، سمى به لأن البيت رفع وترك هو محطوما، وقيل لأن العرب كانت تطرح فيه ما كانت به من الثياب، فبقي حتى حطم بطول الزمان، فيكون فعيلا بمعنى فاعل.

ص: 195

وثبت أيضا من حديث أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما]، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل.

.. الحديث، وهذا صريح في أنه كان بمكة خارج المسجد لأن بيته بمكة لم يكن بالمسجد [ (1) ] .

وروى الواقدي [رحمه الله] ، أنه أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من شعب أبى طالب [ (2) ] إلى بيت المقدس، ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة. قال الواقدي: وذلك غير ثبت، كذا رواية أنه أسرى به من بيت أم هانئ، فإنّها تدل على أن الإسراء كان من خارج المسجد.

[وقد روى إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد، وروى عبد اللَّه بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالا: الحرم كله مسجد. وعن عطاء:

الحرم مسجد كله. وعن عطاء، عن ابن عباس: الحرم كله المسجد الحرام.

ذكره عمر بن [أبى] شيبة في كتاب (أخبار مكة) ] [ (3) ] .

والمسجد الأقصى، هو مسجد بيت المقدس، سمى بذلك لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: وصف بالأقصى من العرب، أو من أهل مكة، أو من النبي صلى الله عليه وسلم، والأقصى: أفعل من القصي، والقاضي، وهو

[ () ] وقال ابن عباس: الحطيم الجدار بمعنى جدار الكعبة. وقال ابن سيده: الحطيم حجر مكة مما يلي الميزاب، سمى بذلك لانحطام الناس عليه، وإنما سمى حطيما لأن البيت رفع وترك ذلك محطوما.

(لسان العرب) : 12/ 139- 140 مختصرا.

[ (1) ](جامع الأصول) : 11/ 305- 307، في الإسراء وما يتعلق به، حديث رقم (8868) .

[ (2) ] كانت كل عشيرة تتخذ بيوتها متجاورة، ومجموع البيوت يسمى «شعبا» - بكسر الشين- وكانت كل عشيرة تسلك إلى المسجد الحرام من منفذ دورها، ولم يكن للمسجد الحرام جدار يحفظ به، وكانت المسالك التي بين دور العشائر تسمى أبوابا، لأنها يسلك منها إلى المسجد الحرام، مثل باب بنى شيبة، وباب بنى هاشم، وباب بنى مخزوم- وهو باب الصفا- وباب بنى سهم، وباب بنى تيم، وأول من جعل للمسجد الحرام جدار يحفظ به هو عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه سنة سبع من الهجرة. (تفسير التحرير والتنوير) 15/ 13 مختصرا.

[ (3) ] ما بين الحاصرتين من (خ) وليس في (ج) .

ص: 196

البعيد [ (1) ] .

وقد كثرت الأحاديث الواردة في صفة الإسراء، وتباينت كيفيته، وجاء في بعضها: أن الإسراء كان بجسده [صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها: أن الإسراء كان

[ (1) ] المسجد الأقصى: هو المسجد المعروف ببيت المقدس الكائن. بإيلياء، وهو المسجد الّذي بناه سليمان عليه الصلاة والسلام.

والأقصى: أي الأبعد، والمراد بعده عن مكة، بقرينة جعله نهاية الإسراء من المسجد الحرام، وهو وصف كاشف اقتضاه هنا زيادة التنبيه على معجزة هذا الإسراء، وكونه خارقا للعادة لكونه قطع مسافة طويلة في بعض ليلة.

وبهذا الوصف الوارد له في القرآن صار مجموع الوصف والموصوف علما بالغلبة على مسجد بيت المقدس، كما كان المسجد الحرام علما بالغلبة على مسجد مكة.

وفي هذا الوصف بصيغة التفضيل باعتبار أصل وضعها معجزة خفيّة من معجزات القرآن، إيماء إلى أنه سيكون بين المسجدين مسجد عظيم، هو مسجد طيبة، الّذي هو قصي عن المسجد الحرام، فيكون مسجد بيت المقدس أقصى منه حينئذ.

فتكون الآية مشيرة إلى جميع المساجد الثلاثة المفضلة في الإسلام على جميع المساجد الإسلامية، والتي بينها

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي» .

والمسجد الأقصى هو ثانى مسجد بناه إبراهيم عليه السلام، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم:

ففي الصحيحين عن أبى ذر قال: قلت يا رسول اللَّه، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة.

فهذا الخبر قد بين أن المسجد الأقصى من بناء إبراهيم، لأنه حدّد بمدة هي من مدة حياة إبراهيم عليه السلام، وقد قرن ذكره بذكر المسجد الحرام.

وهذا مما أهمل أهل الكتاب ذكره، وهو ما خصّ اللَّه تعالى نبيه بمعرفته، والتوراة تشهد له، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح الثاني عشر: أن إبراهيم لما دخل أرض كنعان [وهي بلاد فلسطين] ، نصب خيمته في الجبل شرقىّ بيت إيل [بيت إيل مدينة على بعد أحد عشر ميلا من أورشليم إلى الشمال، وهو بلد كان اسمه عند الفلسطينيين «لوزا» فسماه يعقوب: «بيت إيل، كما في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر التكوين] وغربىّ بلاد عاى [مدينة عبرانية تعرف الآن «الطيبة» ] وبنى هنالك مذبحا للرب (تفسير التحرير والتنوير) : 15/ 16، (العهد القديم) : 45، سفر التكوين، الإصحاح الثامن والعشرون، عدد (19) .

ص: 197

بروحه، فكان ذلك مناما، وفي بعضها: أن الإسراء كان بجسده] [ (1) ] في اليقظة إلى بيت المقدس فقط، فكانت رؤية عين، ثم عرج بروحه إلى السموات، فكانت رؤيا قلب.

وذهب إلى كل من هذه الأحاديث جماعة، ثم من الناس من يقول: كان ذلك كله في ليلة واحدة، ومنهم من يقول: كان الإسراء في ليلة، والمعراج في أخرى، وأن المعراج غير الإسراء [ (2) ] .

واختلفوا في تاريخ الإسراء، فقال أبو بكر محمد بن على بن [القاسم] الدّهنى في تاريخه: ثم أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء، بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا [ (3) ] .

قال ابن عبد البر [رحمه الله] : لا أعلم أحدا من أهل السّير، قال ما حكاه الذهبي، ولم يسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم، ولا رفعه إلى من يحتج به.

وقال أبو إسحاق [الحربي، رحمه الله] : فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة، أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفرض عليه خمسون صلاة، ثم نقصت إلى خمس صلوات، فأتاه جبريل [عليه السلام] ، فأمّه عند البيت، فصلى الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب، ثلاثا، والعشاء أربعا، والفجر ركعتين، كل ذلك نحو بيت المقدس، فلما كان الموسم من هذه السنة، لقيه الأنصار [رضى اللَّه عنهم] فبايعوه ثم انصرفوا.

[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (ج) .

[ (2) ] الواقدي من الذين فرقوا بين الإسراء والمعراج، وجعلهما في تاريخين. (تاريخ الإسلام للذهبى) :

2/ 272.

[ (3) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 213- 216، ذكر ليلة أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس.

ص: 198

قال ابن عبد البر: هكذا قال في الإسراء، قبل الهجرة بسنة، وهو قول موسى بن عقبة واختلف في ذلك عن ابن شهاب، فذكر [رحمه اللَّه تعالى] من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: ثم أسرى به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وفرض اللَّه [تعالى] عليه الصلاة.

قال ابن شهاب: وزعم ناس أنه كان يسجد نحو بيت المقدس، ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة. ويزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها، فلما قدم المدينة، استقبل بيت المقدس، وقد اختلف في ذلك.

قال ابن عبد البر: هكذا قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، وذلك بعد مبعثه بسبع سنين، أو باثني عشر سنة، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة [بعد] مبعثه صلى الله عليه وسلم.

وروى يونس عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، قال ابن شهاب: وذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أعوام، وخالفه الوقاصى عن ابن شهاب فقال:

أسرى به بعد مبعثه بخمس سنين، وقال يونس بن بكير: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن- هو الوقاصى- عن الزهري، قال: فرضت الصلاة بمكة، بعد ما أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة، وحرّمت الخمر بعد أحد.

وقال ابن إسحاق: أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- وهو بيت المقدس- وقد فشا [ (1) ] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها.

قال يونس بن بكير وغيره، عن ابن إسحاق: ثم إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم

[ (1) ] فشا: ذاع وانتشر.

ص: 199

حين افترضت عليه الصلاة- يعنى في الإسراء- فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر، فوضأ وجهه واستنشق، ومضمض، ومسح برأسه وأذنيه، ورجليه إلى الكعبين، ونضح فرجه، ثم قام [فصلى] ركعتين وأربع سجدات، فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد أقرّ اللَّه تعالى عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من أمر اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، ثم أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، هو وخديجة [رضى اللَّه عنها] ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء.

قال ابن عبد البر [رحمة اللَّه عليه] : هذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام، لأن خديجة [رضى اللَّه عنها] ، توفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاثة [أعوام]، وقيل: بأربع [سنين][ (1) ] .

وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب في الإسراء، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه في ذلك، على ما ذكرنا من رواية ابن عقبه، ورواية يونس بن بكير، ورواية الوقاصى، وهي روايات [مختلفات] على ما ترى.

وروى أحمد بن زهير [عفا اللَّه عنه] : حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: فتزوجني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد متوفّى خديجة [رضى اللَّه عنها] ، وقبل هجرته إلى المدينة بسنتين أو ثلاث.

وقال يونس عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل السّدى، قال: فرض على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [الصلوات] الخمس في بيت المقدس، ليلة أسرى به، قبل

[ (1) ](التمهيد لابن عبد البر) عند ذكر فرض الصلاة، كما أشار إليه فيه (الاستيعاب) : 1/ 40.

ص: 200

مهاجره بستة عشر شهرا.

وقال الواقدي: عن معمر بن راشد، عن عمرو بن عبد اللَّه، عن عكرمة، قال: أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من المسجد، وهو نائم في الحجر، بعد هدوء من الليل.

وقال سفيان: عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، في قول اللَّه عز وجل: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (1) ]، قال: رؤيا عين.

وقال ابن أبى الزناد: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو نائم على فراشه.

وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة عن الحسن قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو نائم على فراشه.

قال الحافظ أبو نعيم [الأصفهاني] : وحقيقة الإسراء، أوضح وأبين من أن يستقصى فيه بآحاد الأخبار، ولورود نص القرآن الكريم، يذكر المسرى، وظاهر القرآن يدل [على] أنه أسرى ببدنه يقظانا، إذ لو كان ذلك مناما على ما ذكرته الزائفة، لما اعترض فيه المشركون، وطعنوا عليه، ونسبوه فيه إلى الاستحالة، فإنه غير مستنكر في الرؤيا- رؤيا المنام- قطع تلك المسافة بين المسجدين، الحرام والأقصى، في حكم ساعة من الليل.

[ (1) ] الإسراء: 60، يقول ابن عباس: قالت عائشة، ومعاوية، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن أبى نجيح، وابن زيد: وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسرى به، وقيل: كانت رؤيا نوم، وهذا الآية تقضى بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها.

حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبّاس في قوله تعالى:

وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال: هي رؤيا عين، رآها ليلة أسرى به. (تفسير الطبري) : 15/ 76، (تفسير عبد الرزاق) : 1/ 324، مسألة رقم (1582) .

ص: 201

وقال القاضي عياض: الحق والّذي عليه أكثر الناس، ومعظم السلف، وعامة المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين: أنه أسرى بجسده صلى الله عليه وسلم والآثار تدل عليه لمن طالعها، وبحث عنها، ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل، ولا استحالة في حملها عليه، فيحتاج إلى تأويل [ (1) ] .

[ (1) ] قال القاضي عياض: ثم اختلف السلف والعلماء، هل كان إسراؤه صلى الله عليه وسلم بروحه أو جسده؟ على ثلاث مقالات: فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام، مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي، وإلى هذا ذهب معاوية، وحكى عن الحسن، والمشهور عنه خلافه، وإليه أشار محمد بن إسحاق وحجتهم قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

وما حكوا عن عائشة رضى اللَّه عنها: «ما فقدت جسد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» ،

وقوله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم» ،

وقول أنس: «وهو نائم في المسجد الحرام» وذكر القصة، ثم

قال في آخرها: «فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام» .

وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد، وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس، وجابر، وأنس، وحذيفة، وعمر، وأبى هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبى حبّة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد والحسن وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج.

وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري، وابن حنبل، وجماعة عظيمة من المسلمين، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين، والمفسرين.

وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء الّذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة والتّمدح بتشريف النبي محمد صلى الله عليه وسلم به، وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه، قال هؤلاء: ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فيكون أبلغ في المدح.

ثم اختلفت هذه الفرقتان، هل صلّى في بيت المقدس أم لا؟ ففي حديث أنس وغيره ما تقدم من صلاته فيه، وأنكر ذلك حذيفة بن اليمان، وقال: ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا.

قال القاضي- وفقه اللَّه- والحق من هذا والصحيح إن شاء اللَّه: أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة.

وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده، ولم يقل:

بعده، وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، ولو كان مناما لما كانت فيه آية

ص: 202

وقد تعقب العلامة شمس الدين أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم، قول القاضي عياض، رحمه الله، فقال: أما أن هذا مذهب الأكثر فصحيح، وبه نقول، وأما أنه لم يكن إلا ذلك، فهذا موضع نظر، وأما أن الآثار تدل عليه، فإن أراد كل الآثار فممنوع، فإن فيها ما صرّح بأنه كان نائما، ثم ذكر حديث شريك، وفيه: أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام

فذكره، وفي آخره: فاهبط [بسم] اللَّه، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. وهذا نصّ لا يحتمل التأويل [في أنه كان نائما، وإن أراد بعض الآثار أو معظمها] ، فهو صحيح، فقد ظهر وجه قول من زعم أن الإسراء كان مناما.

واستدل أبو شامة [أيضا] بقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وزعموا أن المراد بها ليلة الإسراء، [وقالوا: الرؤيا] ما كان في النوم، والّذي في اليقظة: رؤية، بالهاء، وفتنة الناس بها: أن منهم من ارتاب وتغيّر.

واستدل من ذهب إلى أنه أسرى بجسده يقظة إلى السموات، بحديث حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، ظاهره أن الإسراء إلى بيت

[ () ] ولا معجزة، ولما استبعده الكفار، ولا كذبوه، ولا ارتدّ به ضعفاء من أسلم وافتتنوا به، إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، بل لم يكن ذلك منهم إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته، إلى ما ذكر في الحديث من ذكر صلاته بالأنبياء ببيت المقدس في رواية أنس رضى اللَّه عنه، أو في السماء على ما روى غيره، وذكر مجيء جبريل له بالبراق، وخبر المعراج، واستفتاح السماء فيقال: ومن معك، فيقول: محمد، ولقائه بالأنبياء فيها، وخبرهم معه وترحيبهم به، وشأنه في فرض الصلاة، ومراجعته مع موسى في ذلك.

وفي بعض هذه الأخبار: فأخذ- يعنى جبريل- بيدي فعرج بى إلى السماء

إلى قوله: ثم عرج بى حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، وأنه وصل إلى سدرة المنتهى، وأنه دخل الجنة ورأى فيها ما ذكره. قال ابن عباس رضى اللَّه عنه: هي رؤيا عين رآها صلى الله عليه وسلم لا رؤيا منام (الشفا) : 1/ 113- 115 مختصرا.

ص: 203

المقدس، والمعراج كان في ليلة واحدة من غير نوم، ويؤيد ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر به، كذبه المشركون، وارتد جماعة ممّن أسلم! ولو كان مناما لم يستنكر لمن هو بمكة، أن يرى نفسه ببيت المقدس، وقد يرى الإنسان أعظم من ذلك، فيحدّث به، فلا ينكر عليه.

وقد اختلف الصحابة [رضى اللَّه عنهم] في رؤيته عليه الصلاة والسلام ربّه [ (1) ] ، [سبحانه و] تعالى، في ليلة الإسراء، حتى قالت عائشة رضى اللَّه

[ (1) ] قال القاضي عياض: وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه جلّ وعزّ، فاختلف السلف فيها، فأنكرته عائشة رضى اللَّه عنها: حدثنا أبو الحسين سراج بن عبد الملك الحافظ بقراءتي عليه، قال: حدثني أبى وأبو عبد اللَّه ابن عتّاب الفقيه، قالا: حدثنا القاضي يونس بن مغيث، حدثنا أبو الفضل الصقلى، حدثنا ثابت ابن قاسم، عن أبيه وجده، قالا: حدثنا عبد اللَّه بن على، حدثنا محمود بن أدم، حدثنا وكيع، عن ابن أبى خالد، عن عامر، عن مسروق، أنه قال لعائشة رضى اللَّه عنها: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعرى مما قلت- ثلاث من حدثك بهن فقد كذب: من حدثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وذكر الحديث.

وقال جماعة بقول عائشة رضى اللَّه عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود، ومثله عن أبى هريرة أنه قال: إنما رأى جبريل، واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أنه رآه بعينه، وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه، وعن أبى العالية عنه: رآه بفؤاده مرتين، وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس رضى اللَّه عنهما يسأله:

هل رأى محمد ربه؟ فقال: نعم، والأشهر عنه أنه رأى ربه بعينه، روى ذلك عنه من طرق وقال: إن اللَّه تعالى اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية، وحجته قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 11- 31] .

قال الماوردي: قيل: إن اللَّه تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد صلّى اللَّه عليهما وسلّم، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.

وحكى أبو الفتح الرازيّ، وأبو الليث السمر قندى الحكاية عن كعب، وروى عبد اللَّه بن الحارث قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس، أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدا قد رأى ربه مرتين، فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، وقال: إن اللَّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلمه موسى، ورآه محمد بقلبه.

ص: 204

_________

[ () ] وروى شريك عن أبى ذر رضى اللَّه عنه في تفسير الآية، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه.

وحكى السمر قندى عن محمد بن كعب القرظيّ، وربيع بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: هل رأيت ربك؟ قال: رأيته بفؤادى ولم أره بعيني.

وروى مالك بن يخامر، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربى، وذكر كلمة، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟

الحديث.

وحكى عبد الرزاق أن الحسن كان يحلف باللَّه لقد رأى محمد ربه، وحكاه أبو عمر الطّلمنكيّ عن عكرمة.

وحكى بعض المتكلمين هذا المذهب عن ابن مسعود.

وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ فقال نعم. وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفسه- يعنى نفس أحمد.

وقال أبو عمر: قال أحمد بن حنبل: رآه بقلبه وجبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار.

وقال سعيد بن جبير: لا أقول رآه، ولا لم يره، وقد اختلف في تأويل الآية، عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وابن مسعود، فحكى عن ابن عباس وعكرمة: رآه بقلبه، وعن الحسن وابن مسعود: رأى جبريل، وحكى عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه: أنه قال: رآه.

وعن ابن عطاء في قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، قال: شرح صدره للرؤية، وشرح صدر موسى للكلام. وقال أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعري رضى اللَّه عنه وجماعة من أصحابه، أنه رأى اللَّه تعالى ببصره وعيني رأسه، وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء عليهم السلام، فقد أوتى مثلها نبينا صلى الله عليه وسلم، وخصّ من بينهم بتفضيل الرؤية، ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز أن يكون.

قال القاضي أبو الفضل- وفقه اللَّه- والحق الّذي لا امتراء فيه، أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلا، وليس في العقل ما يحيلها، والدليل على جوازه في الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على اللَّه وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلا جائزا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الّذي لا يعلمه إلا من علمه، فقال له اللَّه تعالى: لَنْ تَرانِي أي لن تطيق، ولا تحتمل رؤيتي، ثم ضرب له مثلا مما هو أقوى من بنية موسى وأثبت، وهو الجبل، وكل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها، ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة، ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لاختلاف التأويلات في الآية.

وليس يقتضي قول من قال: في الدنيا الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على

ص: 205

عنها: قفّ شعرى، لما سألها مسروق عن ذلك، ولو كان مناما، لما قفّ [ (1) ] شعرها من سؤاله، إذ آحاد الناس يرى ذلك مناما.

وسأل أبو ذر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ وهذا دليل على أن مسراه جميعه المذكور في الحديث كان يقظة، ويرد على من زعم أنه كان مناما، بأن الرؤيا بمعنى الرؤية، وله شاهد.

وقال عكرمة عن ابن عباس: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً

[ () ] جواز الرؤية وعدم استحالتها على الجملة.

وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار، وقيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، لا تحيط به، وهو قول ابن عباس. وقد قيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وإنما يدركه المبصرون.

وكل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله تعالى:

لَنْ تَرانِي، وقوله تعالى: تُبْتُ إِلَيْكَ لما قدمناه، ولأنها ليست على العموم، ولأن من قال:

معناها لن تراني في الدنيا، إنما هو تأويل.

وأيضا فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى، وحيث تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع إليه سبيل.

وقوله: تُبْتُ إِلَيْكَ* أي من سؤالي ما لم تقدره لي، وقد قال أبو بكر الهدلى في قوله: لَنْ تَرانِي أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، وأنه من نظر إليّ مات.

وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين ما معناه أن رؤيته تعالى في الدنيا ممتنعة لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيرة عرضا للآفات والفناء، فلم تكن لهم قوة على الرؤية، فإذا كان في الآخرة وركبوا تركيبا آخر، ورزقوا قوى ثابتة باقية، وأتم أنوار أبصارهم وقلوبهم، قووا بها على الرؤية.

وقد رأيت نحو هذا الملك بن أنس رحمه الله، قال لم ير في الدنيا لانه باق، لا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رئي الباقي بالباقي.

وهذا كلام مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوى اللَّه تعالى من شاء من عباده، وأقدره على حمل أعباء الرؤية، لم تمتنع في حقه.

وقد تقدم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وتعوذ إدراكهما بقوة إلهية منحاها لإدراك ما أدركاه، ورؤية ما رأياه. واللَّه تعالى أعلم. (الشفا) 1/ 121- 123 مختصرا.

[ (1) ] أي قام من الفزع والقفقفة: الرعدة من حمى أو غضب أو نحوه، وقيل: هي الرعدة مغموما. (لسان العرب) : 9/ 288.

ص: 206

للناس، قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.

وعن ابن عباس، أن هذه الرؤيا:[ما رآه] عليه [الصلاة و] السلام قبل عمرة الحديبيّة، أنه يدخل مكة، وأخبر بذلك، فخرج معتمرا، وصده المشركون بالحديبية، فكان ذلك فتنة للناس، وامتنعوا من الحلق والنحر، وشك قوم، وتكلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه بما تكلم به، وبأن حديث شريك إنما هو حكاية حكاها عن أنس من تلقاء نفسه، فلا تعارض الروايات المتصلة من حديث أنس [ (1) ] .

فقد روى الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] ، وروى قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، وروى ثابت عن أنس، حديث الإسراء، وهم أئمة حفاظ، ولم يقل أحد منهم في روايته ما قاله شريك عن أنس، [رضى اللَّه عنه] ، وقد عد جماعة من الحفاظ هذا من أوهام شريك التي أعكروها عليه، [ونبه] مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخر، وزاد ونقص [ (2) ]، فأما قوله: قبل أن يوحى إليه، فإنه غلط [منه] ، لم يوافق عليه، فإن الإسراء قد اختلف في تاريخه، فقال الزهري [في تاريخه] : أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثمانية وعشرين شهرا.

وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من [شهر] ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة، وفرضت الصلاة عليه.

[ (1) ] قال القاضي عياض: وقوله فتنة للناس يؤيد أنها رؤيا عين، وإسراء بشخص، إذ ليس في الحلم فتنة، ولا يكذب به أحد، لأن كل أحد يرى مثل ذلك في منامه من الكون، في ساعة واحدة، في أقطار متباينة. على أن المفسرين قد اختلفوا في هذه الآية، فذهب بعضهم إلى أنها نزلت في قضية الحديبيّة، وما وقع في نفوس الناس من ذلك، وقيل غير هذا. (الشفا) : 1/ 116.

[ (2) ] ثم قال: «وليس في حديث ثابت من هذه الألفاظ إلا ما نورده على نصه» . (جامع الأصول) : 11/ 300، آخر الحديث رقم (8867) .

ص: 207

وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة.

وروى يونس بن بكير، عن عثمان بن عبد الرحمن الوحاطى، عن ابن شهاب: أن الصلاة فرضت بمكة، بعد ما أوحى إليه بخمس سنين.

فعلى قول موسى بن عقبة، إذا كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، فهو بعد مبعثه بتسع سنين، أو باثنتي عشرة سنة، على اختلافهم في مقامه بمكة قبل المبعث.

وقول الزهري أولى من قول الوحاطى، لأن ابن إسحاق قال: أسرى به وقد [فشا] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها.

ورواية الوحاطى من رواية موسى بن عقبة، لأنهم لم يختلفوا أن خديجة رضى اللَّه عنها، صلّت معه بعد فرض الصلاة عليه، وأنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وهذا يدل على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام.

وقد أجمع العلماء على أن فرض الصلاة، كان ليلة الإسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟.

وأما قول شريك [ (1) ] : وهو نائم، وفي رواية: بينا أنا عند البيت بين النائم

[ (1) ] هو شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر القرشيّ، وقيل: الليثي أبو عبد اللَّه المدني، روى عن أنس رضى اللَّه عنه وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبى عتيق، وعبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ وغيرهم.

وعنه سعيد المقبري، وهو أكبر منه، والثوري، ومالك، ومحمد بن جعفر بن أبى كثير، وإسماعيل ابن جعفر، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، وغيرهم.

قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.

وقال ابن عدي: إذا روى عنه ثقة، فلا بأس برواياته.

قال ابن عبد البر: مات سنة (44)، وقال النسائي أيضا: ليس بالقوى، وذكره ابن حبان

ص: 208

واليقظان، فلا حجة فيه على أن الإسراء كان بروحه عليه [الصلاة و] السلام دون بدنه، أو قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة [كلها] ، وقد أنكر أهل العلم [رضى اللَّه عنهم] ، رواية شريك. [واللَّه أعلم] .

قال الحافظ عبد الحق [رحمه الله] في كتاب (الجمع بين الصحيحين) :

هذا الحديث بهذا اللفظ، من رواية شريك بن [عبد اللَّه بن] أبى تمر [ (1) ] ، عن أنس رضى اللَّه عنه، [وقد زاد فيه] زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة.

وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقدمين، والأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت البناني، وقتادة- يعنى عن أنس- فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث [ (2) ]، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا، هي المعول عليها.

انتهى.

ولئن سلمنا أنه كان نائما إذ أتاه الملك، فقد نبه، وأسرى به، كما جاء

في حديث أبى سعيد الخدريّ، [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم فأيقظنى، كذلك أربع مرات، فإذا أنا بكهيئة [الخيال] ، فأتبعته حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة يقال لها:

[ () ] في (الثقات) وقال: ربما أخطأ، وقال ابن الجارود: ليس به بأس، وليس بالقوى، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. قال الساجي: كان يرى القدر. (تهذيب التهذيب) : 4/ 296- 297، ترجمة رقم (588) .

[ (1) ] ترجمته في التعليق السابق.

[ (2) ] راجع ترجمته في التعليق السابق.

ص: 209

البراق، فركبته..

الحديث.

وزعم من قال: إن الإسراء إلى بيت المقدس، كان يقظة بجسده صلى الله عليه وسلم، وأن الإسراء إلى السموات كان مناما بروحه، [عليه الصلاة والسلام] ، أن المشركين إنما استبعدوا، وأنكروا، وشنعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه [عليه الصلاة والسلام] أتى بيت المقدس ورجع من ليلته، ولو كان صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السموات منضما إلى ذلك، لكان الاستبعاد أكبر، والشناعة به أتم، [واللَّه سبحانه وتعالى أعلم] ، فحيث لم يذكروا ذلك البتة، علم أن النبي عليه السلام، إنما ادعى أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس فحسب، والعروج به إلى السموات كان مناما.

وحديث شريك لا ينافي ذلك، لأنه ليس فيه ذكر [الإسراء] إلى بيت المقدس، إنما فيه بيان العروج إلى السماء في نومه، وأيضا فإن اللَّه تعالى تمدح بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فلم يذكر إلا الانتهاء به إلى المسجد الأقصى، ولو كان انتهى به إلى أكثر من ذلك لذكره، فإنه كان أعظم للآية، وأبلغ في المدح.

وأجيب بأن اللَّه تعالى قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، ثم قال ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فأثبت- سبحانه- أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في الصورة التي خلق عليها بعين بصره، وهكذا كان كل شيء رآه في تلك الليلة، إنما هو بعين بصره.

وأما اقتصار شناعة أهل الكفر على ذكرهم مسراه إلى بيت المقدس دون السموات، [فلأنهم] أرادوا تكذيبه عليه السلام بما شاهده الناس وعلموه، دون ما غاب عنهم، مما لم يعلموا كنهه، ولم يذكروا أنه صعد السموات، لأنه عندهم معلوم كذبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس، لأنهم كانوا

ص: 210

يخبروا به، [ومتحققون] أنه عليه السلام لم يره قط، فعدوا قوله: أنه أسرى به إلى السموات من جنس قوله: أن الملك يأتيه منها في طرفة عين، وكان ذلك مستقرا عندهم استحالته، ولا يعلم إلا من جهته، إذ لا دليل عليه من خارج يشاهدونه، إلا قيام صدقه بالمعجزة، وقد عاندوا فيها، بخلاف إخباره أنه أتى بيت المقدس في ليلته، فإنه أمكنهم استعلام صدقه في ذلك، فطالبوه بنعته، فجلاه اللَّه له، فطفق يخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، ولم يكن عليه السلام أتى بيت المقدس قبل الإسراء، فكان معلوما عندهم من حاله أنه لم يره قط، وإلا لما طالبوه بنعته.

وعلى هذا، جاءت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تشنيعا عليهم، ونداءا بما علموا صدقه فيه، فأصروا على تكذيبه، فلهذا اقتصر اللَّه تعالى على ذلك، دون ذكر صعوده إلى السماء.

وزعم من قال: بأن [الإسراء] إلى بيت المقدس وإلى السموات، وقع أكثر من مرة واحدة، تارة في المنام، وتارة في اليقظة، بأن هذا فيه جمع بين الأحاديث المختلفة، وعليه، يخرج أيضا الاختلاف في المكان الّذي وقع منه الإسراء، وهذه اختيار أبى نصر بن أبى القاسم القشيري، وأبى القاسم السهيليّ، وأبى بكر محمد بن العربيّ، والمهلب بن أبى صفرة، وإليه مال أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابورىّ الواعظ.

قال: وترتيب الأخبار أن يقال: كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معاريج، منها ما كان حقيقة، ومنها ما كان رؤيا، وعليه عوّل أبو شامة وقال: أنه أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم مرارا قبل البعثة وبعدها.

فأما قبل البعثة، فكان في النوم على ما شهد له حديث شريك، وكان ذلك من جملة ما أخبرت عنه عائشة رضى اللَّه عنها، وأجملته من حاله

ص: 211

حين قالت: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم.. الحديث. وكانت الحكمة في ذلك، التدرج له، والتسهيل عليه، لضعف القوى البشرية.

وأما بعد تحقق البعثة والوحي إليه، تركه اللَّه ما شاء أن يتركه، ثم أسرى به يقظة، واستدل لذلك، ثم قال: أول ما أسرى به يقظة كان إلى بيت المقدس، وقد جاءت أحاديث تدل على ذلك، ثم تارة عرج به إلى السماوات، ولم يأت فيها بيت المقدس، وهو ظاهر حديث أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن مالك بن صعصعة، فوقع كل منهما مفردا.

ثم جمع له الأمر، أن في ليلة أخرى أسرى به إلى بيت المقدس، ورفع منه إلى السماء، وهو ظاهر حديث ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، ويجوز أن تكون هذه الحالة وقعت ثانية، لأنه كان عليه السلام قد تأنس به لإسرائه إلى بيت المقدس، فكرر عليه ذلك، وتمم بصعوده إلى السماء، ثم لما تأنس بصعوده إلى السماء، استغنى عن توسط بيت المقدس، فرفع من مكة إلى السماء، والأحاديث على اختلافها لا تخرج عن هذه الأحوال، فنزل على كل حال ما يليق بها منها، وبعض ذلك ظاهر، وبعضه فيه خفاء.

ويدل على أن الإسراء وقع مرارا، اختلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لموسى، فإنه أخبر مرة أنه رآه قائما يصلى في قبره، ومرة أنه صلّى ببيت المقدس بجماعة من الأنبياء، وذكر موسى منهم، ومرة قال: إنه رآه في السماء السادسة، وفي حديث آخر رآه في السماء السابعة.

وعلى ذلك أيضا، يحمل [الاختلاف] في وقته، فقيل: في رمضان، وقيل: في ربيع الأول، وقيل: في رجب، والكل صواب إن شاء اللَّه تعالى.

ثم إنه ظاهر في بعض الأحاديث، أنه صعد إلى السماء على ظهر البراق، كما في حديث مالك بن صعصعة.

ص: 212

وقد ذهب العارف محيي الدين أبو عبد اللَّه محمد بن العربيّ الخاتمى الصوفىّ، إلى أن الإسراء وقع ثلاثين مرة، بحسب اختلاف الأحاديث التي جمعها في كتاب، فجعل كل حديث إسراء، ولم أقف على كتابه هذا.

وقال البيهقي: وقد أوردوا أحاديث رؤية الأنبياء ليلة الإسراء، وليس بين هذه الأحاديث منافاة، فقد يراه قائما يصلى في قبره، ثم يساريه إلى بيت المقدس كما أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، فيراه فيه، ثم يعرج به إلى السماء السادسة، كما عرج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، فيراه في السماء، وكذلك سائر من رآه من الأنبياء في الأرض ثم في السماء، والأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء، [فلا ينكر] حلولهم في أوقات بمواضع مختلفات، كما ورد خبر الصادق به

.

ص: 213