الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[غزوة تبوك]
ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك، في رجب سنة تسع، فأقام بها عشرين ليلة وعاد ولم يلق كيدا، وهي آخر غزوة خرج إليها بنفسه [ (1) ] صلى الله عليه وسلم، [واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: على بن أبى طالب، وقيل: سباع بن عرفطة][ (2) ] .
وقاتل صلى الله عليه وسلم مع هذه في تسع، وهي: بدر المعظمة، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في وادي القرى والغابة، ولم يكن في سائرها قتال أصلا.
[تبوك: مكان معروف، وهي نصف طريق المدينة إلى دمشق وهي غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها][ (2) ] .
[كانت يوم الخميس في رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وكان حرا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته صلى الله عليه وسلم في سائر الغزوات][ (2) ] .
[وفي (تفسير عبد الرزاق) ، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر وفي حرّ شديد، حيث كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة في الماء، وفي الظهر، وفي النفقة، فسميت غزوة العسرة][ (2) ] .
[ (1) ] المرجع السابق) : 629.
[ (2) ](المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا.
[وسببها أنه بلغه صلى الله عليه وسلم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة، أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل، فندب صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الّذي يريد، ليتأهّبوا لذلك] .
[وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا] .
[وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره وهو يقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم] .
[ولما تأهب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخروج، قال قوم من المنافقين لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ][ (1) ] .
[وأرسل صلى الله عليه وسلم إلى مكة وقبائل العرب يتنفرهم، وجاء البكاءون يستحملونه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا أجد ما أحملكم عليه، وهم الذين قال اللَّه فيهم تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ][ (2) ] .
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم في التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة، جرأة على اللَّه ورسوله، وهو قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ] [ (3) ] .
وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن
[ (1) ][التوبة: 81] .
[ (2) ][التوبة: 91] .
[ (3) ][التوبة: 90] .
مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وفيهم نزل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا] [ (1) ] .
[ولما رأى أبا ذر الغفاريّ- وكان صلى الله عليه وسلم نزل في بعض الطريق- فقال:
يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فكان كذلك] [ (1) ] .
[ولما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء، وأذرح [بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال] فأعطوه الجزية وكتب لهم صلى الله عليه وسلم كتابا] [ (1) ] .
[وفي هذه الغزوة كتب صلى الله عليه وسلم كتابا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم تجب][ (1) ] .
[وفي (مسند أحمد) أن هرقل كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنى مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذب، وهو على نصرانيته][ (1) ] .
[وفي كتاب (الأموال) لأبى عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد اللَّه نحوه، ولفظه: فقال: كذب عدوّ اللَّه، ليس بمسلم][ (1) ] .
[ثم انصرف صلى الله عليه وسلم من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشر ليلة وأقبل حتى نزل بدى أوان [بينها وبين المدينة ساعة] جاءه خبر مسجد الضرار من السماء، فدعا مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي العجلاني فقال: فخرجا فحرّقاه وهدماه، وذلك بعد أن أنزل اللَّه فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً] [ (2) ] .
[ولما دنا من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج الناس والصبيان والولائد يقلن:][ (1) ] .
[ (1) ](المواهب اللدنية) : 1/ 625- 638 مختصرا.
[ (2) ] التوبة: 107.
طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
…
ما دعا للَّه داع
[وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع [ (1) ] إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام]
[وفي البخاري [ (2) ] : «لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال:
إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم.
قالوا: يا رسول اللَّه، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر] .
[وهذا يؤيد معنى ما
[ (3) ] ، والمسابقة إلى اللَّه تعالى وإلى الدرجات العلا بالنيات والهمم، لا بمجرد الأعمال] .
[وجاء من كان تخلف عنه- فحلفوا له فعذرهم، واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه، حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
[ (1) ] ثنية الوداع: بفتح الواو، وهو اسم من التوديع عند الرحيل: وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة، واختلف في تسميتها بذلك، فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته، وقيل: في بعض سراياه المبعوثة عنه، وقيل: الوداع اسم واد بالمدينة، والصحيح أنه اسم جاهلي قديم، سمي لتوديع المسافرين (معجم البلدان) : 2/ 100، موضع رقم (2846) .
[ (2) ](فتح الباري) : 8/ 159، كتاب المغازي- باب (82) بدون ترجمة، حديث رقم (4423) .
[ (3) ] قال ابن دحية: لا يصح، وقال البيهقي: إسناده ضعيف، ورواه العسكري في (الأمثال) عن أنس به مرفوعا وسنده ضعيف، وله طريق ضعيف عن النواس بن سمعان، كما ذكره الزركشي.
وإنما كانت نية المؤمن خير من عمله، لأنها بانفرادها تصير عبادة يترتب عليها الثواب، بخلاف أعمال الجوارح، فإنّها إنما تكون عبادة إذا صاحبت النية لخبر:«من هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللَّه عنده حسنه كاملة» ولأن مكانها مكان المعرفة، أعني قلب المؤمن. (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 375- 376 حديث رقم (568) .
وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ (1) ] .
[وعند البيهقي في (الدلائل) : من حديث ابن عباس في قوله تعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (2) ] . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد،
وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول اللَّه، حتى يطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ويعذرهم] قال: وأنا أقسم باللَّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقهم: رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين!! فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقنا، فأنزل اللَّه عز وجل: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] فلما نزلت، أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم، فجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، قال:
ما أمرت أن آخذ أموالكم، فأنزل اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (4) ] .
وبمعناه رواه عطية بن سعد عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (5) ] .
[ (1) ] التوبة: 117- 118.
[ (2) ] التوبة: 102.
[ (3) ] التوبة: 102.
[ (4) ] التوبة: 103.
[ (5) ](دلائل البيهقي) : 5/ 272، حديث أبى لبابة وأصحابه.