المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة، وذي المجاز - إمتاع الأسماع - جـ ٨

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌[تتمة الفصل في طب رسول اللَّه]

- ‌ليس فيما حرّم شفاء

- ‌السُّعوط [ (2) ]

- ‌ذات الجنب [ (4) ]

- ‌الكحل

- ‌الحبة السوداء

- ‌السنا

- ‌التّلبينة [ (1) ] والحساء

- ‌اغتسال المريض

- ‌اجتناب المجذوم

- ‌وأما عرق النَّسا

- ‌وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم

- ‌الحِنَّاء

- ‌الذريرة

- ‌وأمّا أنّه [صلى الله عليه وسلم] سحر

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم سمّ

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم

- ‌وأما الكيّ والسّعوط

- ‌وأمّا الحنّاء

- ‌وأمّا السّفرجل

- ‌فصل في ذكر حركات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسكونه

- ‌وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته

- ‌[وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا ما يقوله إذا خرج من بيته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله [صلى الله عليه وسلم] إذا استيقظ

- ‌وأما أنّ قلبه [صلى الله عليه وسلم] لا ينام

- ‌وأما مناماته عليه السلام

- ‌فصل في ذكر صديق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل النّبوّة

- ‌ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء

- ‌ذكر شريك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل البعث

- ‌فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شيء

- ‌وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا كيف سيره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السّحر

- ‌ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية

- ‌ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة

- ‌وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر

- ‌وأما كونه صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا

- ‌فصل في الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي الرحلة النبويّة

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى اللَّه تعالى عنها

- ‌وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى

- ‌فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج

- ‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للَّه عز وجل ليلة الإسراء

- ‌فصل في سفر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌فصل في خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز

- ‌فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة الأبواء

- ‌[غزوة بواط]

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة ذي العشيرة

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌غزوة بنى قينقاع

- ‌غزوة السويق

- ‌غزوة قرارة الكدر

- ‌غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان]

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌غزوة بنى النضير

- ‌غزوة بدر الموعد

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة المريسيع

- ‌[غزوة الخندق]

- ‌[غزوة بنى قريظة]

- ‌[غزوة بنى لحيان]

- ‌[غزوة الغابة]

- ‌[غزوة خيبر]

- ‌[غزوة الفتح]

- ‌[غزوة حنين]

- ‌[غزوة تبوك]

الفصل: ‌فصل في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة، وذي المجاز

‌فصل في خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز

اعلم أنه كانت للعرب أسواق يجتمعون بها في تجاراتهم، ويجتمع إليها سائر الناس، فإذا انقضت لا يصل إليها أحد، ولا يرجع منها أحد إلا بخفيه، وكانت أعظم هذه الأسواق [عشرة أسواق] ، منها ما يقوم في أشهر الحرم، ثم لا يقوم إلى مثل ذلك من قابل، ومنها ما لا يقوم في أشهر الحرم ويقوم في غيرها.

فمن الأسواق العشرة: عكاظ، في أعلا نجد، قريب من عرفات، وكانت تقوم في النصف من ذي القعدة، وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها، وهوازن، وغطفان، والأحابيش- وهم الحرث [من بنى][ (1) ] عبد مناة، وعضل، والمصطلق، وطوائف أفناء العرب، فإذا نزلوها في نصف ذي القعدة، لا يبرحون حتى [يروا][ (1) ] هلال ذي الحجة، فإذا رأوه انقشعت.

وكان قيامها فيما بين نخلة والطائف، بينها وبين الطائف عشرة أيام، وبها نخل وأموال لثقيف، ولم يكن فيها عشور [ (2) ] ولا خفارة [ (3) ] ، وكانت فيها أشياء ليست في شيء من أسواق العرب، كأن يوافي [بالأسرى][ (1) ]

[ (1) ] زيادة للسياق.

[ (2) ] عشر القوم يعشرهم عشرا بالضم، وعشورا، وعشّرهم: أخذ عشر أموالهم، والعشّار: قابض العشر.

(لسان العرب) : 4/ 570.

[ (3) ] الخفير: المجير، فكل واحد منهم مجير لصاحبه، والاسم من ذلك كله الخفرة، والخفارة: الأمان وخفير القوم: مجيرهم الّذي يكونوا في ضمانه ما داموا في بلاده. (المرجع السابق) : 253.

ص: 309

فيفادون بها، وكان بيعهم في السرار، وإذا وجب البيع [وعند التاجر فيها ألف ممن يريد الشراء، ومن لا يريد أشركه في الربح][ (1) ] .

خرّج البيهقيّ من حديث سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قدم وفد إياد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن قس بن ساعدة الإيادي فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر، أو على ناقة حمراء، وهو ينادى في الناس،

فذكره [ (2) ] .

وقال جابر بن عبد اللَّه: مكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عشر سنين يتتبّع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنه، وفي [المواسم][ (3) ]، ويقول: من يؤوينى؟ من ينصرني؟

ومجنة سوق من أسواق العرب، بين عكاظ وذي المجاز، كانت بأسفل مكة، على بريد منها، وهي سوق لكنانة، وأرضها من أرض كنانة.

وخرّج الدارقطنيّ من حديث ابن نمير، عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد [قال] [ (4) ] : حدثنا أبو ضمرة جامع بن شداد، عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرتين، مرة بسوق ذي المجاز، وأنا في تباعة لي- هكذا قال- أبيعها، فمرّ وعليه حلة حمراء، وهو ينادى

[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) ، واستدركناه من (ج) .

[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 102، حديث قسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدىّ بن مالك، من بنى إياد، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف، أو عصا، وأول من قال في كلامه: أما بعد، وكان يفد على قيصر الروم زائرا فيعظمه، ويكرمه، وهو معدود في المعمرين، طالت حياته، وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، ورآه في عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك، فقال: يحشر أمة واحدة، خطب الناس بعكاظ وبشرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وحثهم على اتباعه، وذلك قبل البعثة.

[ (3) ] زيادة للسياق.

[ (4) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .

ص: 310

[بأعلى] صوته: [يا أيها][ (1) ] الناس! قولوا: لا إله إلّا اللَّه تفلحوا، ورجل يتبعه بالحجارة، قد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول:[يا أيها] الناس! لا تطيعوه فإنه كذاب، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا غلام [بنى][ (1) ] عبد المطلب، قلت: من هذا الّذي يتبعه يرميه؟ قالوا: عمه عبد العزّى- وهو أبو لهب-.

فلما ظهر الإسلام، وقدم المدينة، أقبلنا في ركب من الرَّبَذَة، وجنوب الرَّبَذَة، حتى نزلنا [قريبا][ (1) ] من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلّم، فرددنا عليه، فقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من [الرَّبَذَة][ (2) ] ، وجنوب الرَّبَذَة، [قال: ومعنا] [ (2) ] جمل أحمر، قال: تبيعوني جملكم؟ قلنا نعم، قال: بكم؟ قلنا: بكذا و [كذا][ (2) ] صاعا من تمر، قال: فما استوضعنا شيئا، وقال: قد أخذته.

ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم، أنا رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى تستوفوا.

قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فلما كان من الغد دخلنا المدينة، فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، يخطب الناس وهو يقول: يد المعطى [العليا][ (2) ] ، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يديه

[ (1، 2) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .

ص: 311

حتى [رأينا][ (1) ] بياض إبطيه، فقال: ألا لا يجنى والد على ولده [ (2) ] .

[وخرجه الحاكم وابن حبان][ (3) ] .

[وذكر ابن سعد عن عبد اللَّه بن عون، عن عمرو بن سعيد، أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخى- يعنى النبي صلى الله عليه وسلم فأدركنى العطش فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخى! قد عطشت- وما قلت له ذاك وأنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع- قال: فثنى وركه، ثم نزل فقال: يا عم! أعطشت؟ قال: قلت: نعم، قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا [بالماء]، قال: اشرب يا عم، قال: فشربت] [ (4) ] .

[وروى عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس، عن العباس رضى اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بنى أبيك ممنعة، فهل أنت مخرجي إلى السوق غدا، حتى تعرفني منازل قبائل الناس؟ قلت: نعم، قال: فخرجت به، فأتيت به سوق عكاظ- وكانت مجمع العرب- قال: فقلت هذه كندة ولفها، وهي أفضل من يحج البيت من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بنى عامر بن صعصعة، فاختر لنفسك، قال: فبدأ بكندة، فأتاهم، فقال:

ممن [القوم] ؟ فقالوا: من أهل اليمن، قال: من أي اليمن؟ قالوا: من كندة، قال: من أي كندة؟ قالوا: من بنى عمرو بن معاوية، قال: فهل لكم إلى خير؟ قالوا: وما هو؟ قال: تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وتقيمون الصلاة،

[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .

[ (2) ](سنن الدارقطنيّ) : 3/ 44- 45، كتاب البيوع، حديث رقم (186) .

[ (3) ](الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 8/ 130- 131، كتاب الزكاة، باب (9) صدقة التطوع، حديث رقم (3341) وأخرجه النسائي في الزكاة، باب أيتهما اليد العليا؟ عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى بهذا الإسناد، وهو إسناد صحيح.

[ (4) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 152- 153، ذكر علامات النبوة في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه.

ص: 312

وتؤمنون بما جاء به من عند اللَّه] .

[قال ابن الأجلح: وحدثني أبى عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الملك للَّه يجعله حيث شاء، قالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. قال الكلبي في حديثه: فقال جئتنا لتصدنا عن آلهتنا، وتنابذ العرب، ألحق بقومك، فلا حاجة لنا بك] .

[فانصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عندهم، فأتى بكر بن وائل فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بكر بن وائل، قال: من أي بكر بن وائل؟ قالوا: من بنى قيس بن ثعلبة، قال: كيف [الغلبة] ؟ قالوا: كثير مثل الثرى، قال: فكيف المنعة؟ قالوا: لا منعة، جاورنا فارس، فنحن لا نمنع منهم، ولا نجير عليهم، قال: فتجعلون للَّه عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا اللَّه ثلاثا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، وتكبروه ثلاثا وثلاثين، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق عنهم] .

[وكان عمه أبو لهب يتبعه، فيقول للناس: لا تسمعوا منه، ولا تقبلوا قوله، قال: ثم مرّ أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، هذا في الذروة منّا، أيّ شأنه تسألونى؟ فأخبروه بما دعاهم، وقالوا: زعم أنه رسول اللَّه، قال: لا ترفعوا لقوله رأسا، فإنه مجنون، يهذى من أم رأسه، قالوا: لقد رأينا ذلك، حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر] .

[وروى يزيد بن هارون، عن جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد] .

[وروى أبو الزبير عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث سبع سنين، يتبع الحاج

ص: 313

في منازلهم في المواسم، بعكاظ ومجنة، يعرض عليهم الإسلام، وبعكاظ رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قسّ بن ساعدة، وحفظ كلامه] .

[وخرج] الحاكم من حديث يونس بن بكير، حدثنا يزيد بن زياد بن أبى الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق [بن] عبد اللَّه المجازي، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرتين [ (1) ] ، رأيته بسوق ذي المجاز- وأنا في بياعة لي- فمرّ وعليه حلة حمراء، فسمعته يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه، تفلحوا،

ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بنى عبد المطلب، قلت: من الرجل الّذي يرجمه؟ قيل لي: هو عمه عبد العزّى أبو لهب.

فلما أظهر اللَّه الإسلام خرجنا من الرَّبَذَة، ومعنا ظعينة لنا، حتى نزلنا قريبا من المدينة، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم علينا وقال: من أين القوم؟ فقلنا: من الرَّبَذَة، ومعنا جمل أحمر، فقال:

تبيعوننى الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر، قال: أخذته

وما استقضى، فأخذ بخطام الجمل، فذهب به حتى توارى في حيطان المدينة، فقال بعضنا لبعض: تعرفون الرجل؟ فلم يكن منا أحد يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضا، فقالوا: أتعطون جملكم من لا تعرفون؟

فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدرنكم، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.

فلما كان العشىّ، أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، أنتم الذين جئتم من الرَّبَذَة؟ قلنا: نعم، قال: أنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى

[ (1) ] في (المستدرك) : «مرّ بسوق ذي المجاز» .

ص: 314

تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا.

ثم أتينا المدينة من الغد، فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثمّ رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء [بنو] ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا ثأرنا، فرفع رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] يديه حتى رأيت بياض إبطيه فقال: لا تجنى أم على ولد، لا تجنى أم على ولد،

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .

ولأبى نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال: [حدثنا] محمد بن [مكاره، حدثنا] ابن أبى الزياد، قال: حدثني أبى قال: رأيت رجلا يقال له: ربيعة بن عباد، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمر في فجاج ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا، قال: فما يؤذيه أحد إلا أنهم يتبعونه، قال: فقالوا: هذا ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إلا رجل أحول، وضيء، ذو غديرتين، يتبعه في فجاج ذي المجاز وهو يقول: إنه صابئ كاذب، قال: فقلنا: من هذا؟ قالوا: عمه أبو لهب.

قال أبو نعيم: ورواه زيد بن أسلم، وسعيد بن خالد القارظي، وحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، في آخرين، عن ربيعة [ (2) ] .

[ (1) ](المستدرك) : 2/ 668- 669، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4219) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : روى ابن أبى شيبة بعضه، وابن ماجة بعضه.

[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 292- 293 مطولا، وبسياقه أتم من هذه التي اختصرها المقريزي، وزاد أبو نعيم في آخرها: قال الشيخ رحمة اللَّه عليه: ومن القبائل التي سماهم الواقدي أنه عليه السلام عرض عليهم نفسه، ودعاهم إلى الإسلام: بنو عامر، وغسّان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر من هوازن، وثعلبة بن العكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو الجيش أنس بن رافع [أو ابن رافع] .

وأخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 216، ذكر دعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبائل العرب في المواسم.

ص: 315