الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما مناماته عليه السلام
[ (1) ]
[ (1) ] سئل ابن الصلاح عن تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42] .
أجاب: اللَّه يقبض الأنفس حين انقضاء أجلها بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، واللَّه يقبضها أيضا عند نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، ويرسل الأخرى التي لم تقبض بموت أجسادها حتى تعود إلى أجسادها، إلى أن يأتى الأجل المسمى لموتها.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لدلالات المتفكرين، على عظيم قدرة اللَّه سبحانه، وعلى أمر البعث، فإن الاستيقاظ بعد النوم شبيه ودليل عليه.
وقد نقل أن في التوراة: يا ابن آدم، كلما تنام تموت، وكلما تستيقظ تبعث، فهذا واضح، والّذي يشكل في ذلك أن النفس المتوفاة في المنام أهي الروح المتوفاة عند الموت؟ أم هي غيرها؟ فإن كانت هي الروح فتوفيها في النوم يكون بمفارقتها الجسد أم لا؟ وقد أعوز الحديث الصحيح، والنص الصريح، والإجماع أيضا لوقوع الخلاف فيه بين العلماء:
فمنهم: من يرى أن للإنسان نفسا تتوفى عند منامه، غير النفس التي هي الروح، والروح لا تفارق الجسد عند النوم، وتلك النفس المتوفاة في النوم هي التي يكون بها التمييز والفهم، وأما الروح: فيها تكون الحياة، ولا تقبض إلا عند الموت، ويروى معنى هذا عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
ومنهم: من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، واختلف هؤلاء في توفيها:
فمنهم: من يذهب إلى أن معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، وهذا موافق للأول من وجه، ومخالف من وجه.
ومنهم: من ذهب إلى أن الروح تتوفى عند النوم، بقبضها من الجسد ومفارقتها له، وهذا الّذي نجيب به، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء اللَّه، فإذا أرادت جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك اللَّه أرواح الأموات عنده، وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها.
فالفرق بين القبضتين والوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أنها تعود إليه، فلا
فخرج أبو عبد اللَّه محمد بن عائد بن عبد الرحمن بن عبيد اللَّه القرشي، في كتاب (المغازي)، قال: أخبرنى الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، قال: إن اللَّه تبارك وتعالى، بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، فأراه اللَّه رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، رأى بينا هو بمكة، أتى سقف بيته، فنزع خشبة خشبة، حتى إذا فرغ، أدخل فيه سلم من فضة، ثم سوّل منه رجلان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فأردت أن أستغيث، فحبساني ومنعانى الكلام، وقعد أحدهما إلى كذا، وقعد الآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في
[ () ] تخرج خروجا ينقطع به العلاقة بينها وبين الجسد، بل يبقى أثرها الّذي هو حياة الجسد باقيا فيه، فأما في حالة الموت، فالروح تخرج من الجسد مفارقة له بالكلية، فلا تخلف فيه شيئا من أثرها، فلذلك تذهب الحياة معها عند الموت دون النوم.
ثم إن إدراك كيفية ذلك والوقوف على حقيقة متعذر، فإنه من أمر الروح، وقد استأثر بعلمه الجليل تبارك وتعالى، فقال سبحانه: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85] .
وأما قوله تعالى: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ فإن الأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة التي تقبض من الحشيش ونحوه، والأحلام: جمع حلم، وهي الرؤيا مطلقا، وقد تختص بالرؤيا التي تكون من الشيطان، فمعنى الآية أنهم قالوا للملك: إن الّذي رأيته أحلام مختلطة ولا يصح تأويلها.
وقد أفرد بعض أهل التعبير اصطلاحا لأضغاث الأحلام، من شأنها أنها لا تدل على الأمور المستقبلة، وإنما تدل على الأمور الحاضرة أو الماضية، ونجد معها أن يكون الرائي خائفا من شيء. أو راجيا لشيء.
وقال عليّ رضى اللَّه عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل، فهي الرؤيا الكاذبة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كما تنامون فكذلك تموتون، وكما توقظون فكذلك تبعثون. وسئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه، أينام أهل الجنة؟ قال: لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها. [قال في (العلل المتناهية) : وقد روى بإسناد أصلح من هذا] حديث رقم (1553) . (دلائل البيهقي) :
7/ 11- 31 هامش مختصرا.
جنبي، فنزع ضلعين من جانبي، كما ينزع غلق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي، وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: نعم القلب قلبه، قال: قلب رجل صالح، ثم أدخل القلب في مكانه، وردّ الضلعين كما يرد غلق الصندوق الشديد، ثم ارتقيا، ورفعا السلم، فاستيقظت، فإذا سقف البيت كما هو، فقلت: حلم] [ (1) ] .
[وذكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة بنت خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، وقالت: أبشر، فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، أخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا واللَّه خيرا فأبشر.][ (1) ] .
[قال ابن عائذ: وأخبرنى محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء، أنه أخبره عن أبيه عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: ثم بعث اللَّه محمدا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على رأس خمس سنين من بنيان الكعبة، فكان أول شيء أراه اللَّه تعالى إياه من النبوة، رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، والحق ثقيل، والإنسان ضعيف، فذكر ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة ابنة خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، فقالت: أبشر، فإن اللَّه لا يصنع بك إلا خيرا، فحدّثها أنه رأى بطنه طهّر، وغسل، ثم أعيد كما كان، وقالت: وهذا واللَّه خيرا][ (2) ] .
وخرّج الحافظ أبو موسى، محمد بن أبى بكر بن أبى عيسى المديني الأصبهاني، من طريق الفرج بن فضالة: حدثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ذات يوم، ونحن في صفّة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) وأثبتناه من (خ) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، وما أثبتناه من (خ) .
رأيت البارحة عجبا، رأيت رجلا من أمتى أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه، فردّ ملك الموت عنه [ (1) ] .
[ورأيت رجلا من أمتى قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه، فاستنقذه من ذلك] .
ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الشياطين، فجاء ذكر اللَّه عز وجل، فطرد الشياطين عنه [ (1) ]] [ (2) ] .
ورأيت رجلا من أمّتى قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته، فاستنقذته من أيديهم [ (3) ] .
ورأيت رجلا من أمتى يتلهث- وفي رواية يلهث- عطشا، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاء صيام شهر رمضان، فسقاه وأرواه [ (4) ] .
ورأيت رجلا من أمتى، ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاء غسله من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي.
ورأيت رجلا من أمتى من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن قوفه ظلمة، وهو متحيّر [فيه] ، فجاء حجّه وعمرته فأخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور.
ورأيت رجلا من أمتى يتقى بيده وجهه وهج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار، [وظلا] على رأسه [ (5) ] .
[ (1) ](مجمع الزوائد) : 7/ 179.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، وما أثبتناه من (خ) .
[ (3) ] اتحاف السادة المتقين) : 8/ 119.
[ (4) ](المرجع السابق) .
[ (5) ](مجمع الزوائد) : 7/ 179.
ورأيت رجلا من أمتى يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولا لرحمه فكلموه، فكلمه المؤمنون، وصافحوه، وصافحهم.
ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الزبانية، فجاء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من أيديهم، وأدخله في ملائكة الرحمة [ (1) ] .
ورأيت رجلا من أمتى جاثيا على ركبتيه، وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه، فأخذ بيده، فأدخله على اللَّه عز وجل [ (2) ] .
ورأيت رجلا من أمتى قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من اللَّه عز وجل، فأخذ صحيفته، فوضعها في يمينه [ (3) ] .
ورأيت رجلا من أمتى خفّ ميزانه، فجاءه أفراطه فثقّلوا ميزانه [ (4) ] .
ورأيت رجلا من أمتى قائما على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من اللَّه [عز وجل] ، فاستنقذه من ذلك ومضى.
ورأيت رجلا من أمتى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية اللَّه [عز وجل] ، فاستنقذته من ذلك.
ورأيت رجلا من أمتى قائما على الصراط، يرعد كما [ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه باللَّه عز وجل، فسكّن رعدته ومضى][ (5) ] .
[ورأيت رجلا من أمتى يزحف على الصراط، ويحبو أحيانا، ويتعلق
[ (1) ] المرجع السابق.
[ (2) ](اتحاف السادة المتقين) : 7/ 323.
[ (3) ](مجمع الزوائد) : 7/ 179.
[ (4) ](المرجع السابق) .
[ (5) ](المرجع السابق) .
أحيانا فجاءته صلاته عليّ، فأقامته على قدميه، وأنقذته] [ (1) ] .
[ورأيت رجلا من أمتى انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللَّه، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة][ (2) ] .
[قال أبو موسى: هذا حديث حسن جدا، رواه عن سعيد بن المسيب، عمر بن ذرّ، وعلى بن زيد بن جدعان. قال: والفرج بن فضالة بن النعمان ابن نعيم، أبو فضالة، كان وسطا في الرواية، ليس بالقوى ولا المتروك. وأبو جبلة سعيد بن هلال، كأنه مدني، لا يعرف بغير هذا، ذكره ابن أبى حاتم عن أبيه هكذا. وذكره الحاكم أبو عبد اللَّه بغير هذا الحديث، وأحاله على مسلم بن الحجاج، ورواه عن الفرج بن فضالة، بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي، قاضى بغداد، كان جميل [المذهب] ، حسن الطريقة] [ (2) ] .
[وخرّج مسلم [ (3) ] ، وأبو داود [ (4) ] ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رأيت ذات ليلة في ما يرى النائم، كأنّا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب] [ (2) ] .
[وخرّج البخاري في المناقب، في باب: علامات النبوة في الإسلام [ (5) ] ،
[ (1) ](المرجع السابق) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 36- 37، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2270) .
[ (4) ](سنن أبي داود) : 5/ 286، كتاب الأدب، باب (96) ما جاء في الرؤيا، حديث رقم (5025)، وابن طاب: رجل معروف من أهل المدينة، نسب إليه نوع خاص من التمر. (معالم السنن) .
[ (5) ](فتح الباري) : 6/ 778، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3622) .
من حديث حماد بن سلمة، وخرّج مسلم في الرؤيا [ (1) ] ، من حديث أبى أسامة، قالا جميعا: عن بريد، عن أبى بردة، [عن] جده، عن أبى موسى رضى اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، [فذهب وهلى] أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه، أنى هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد، ثم هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت أيضا فيها بقرا، واللَّه خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء اللَّه [به] من الخير بعد، وثواب الصّدق الّذي أتانا اللَّه بعد يوم بدر] [ (2) ] .
[وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب: إذا رأى بقرا تنحر [ (3) ]، وفي باب: إذا هزّ سيفا في المنام [ (4) ] ، من حديث أبى أسامة بهذا الإسناد،
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 37- 38، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2272) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) .
[ (3) ](فتح الباري) : 12/ 521، كتاب التعبير، باب (39) إذا رأى بقرا تنحر، حديث رقم (7035) .
[ (4) ](فتح الباري) : 12/ 528، كتاب التعبير، باب (44) إذا هزّ سيفا في المنام، حديث رقم (7041)، قال الحافظ: ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة- رضوان اللَّه تعالى عليهم- عبّر عن السيف بهم، وبهزّه عن أمره لهم بالحرب، وعن القطع فيه بالقتل فيهم، وفي الهزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبّر به عن اجتماعهم والفتح عليهم.
ولأهل التعبير في «السيف» تصرف على أوجه: منها، أن من نال سيفا فإنه ينال سلطانا، إما ولاية، وإما وديعة، وإما زوجة، وإما ولدا فإن سله من غمده فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده، فإن انكسر الغمد وسلم السيف فبالعكس، وإن سلما أو عطبا فكذلك وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات، ونصله بالأم وذوى الرحم، وإن جرد السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه، وربما عبر السيف بسلطان جائر.
وقال بعضهم: من رأى أنه أغمد السيف فإنه يتزوج، أو ضرب شخصا بسيف فإنه يبسط لسانه فيه، ومن رأى أنه يقاتل آخر وسيفه أطول من سيفه فإنه يغلبه، ومن رأى سيفا عظيما فهي فتنة،
وقال: عن أبى موسى، أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه وفي الّذي قبله: فإذا هي اليمامة أو البحر. وقال: فإذا هم المؤمنون يوم أحد. وذكر طرفا منه في غزوة بدر [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: أراه عن رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] . وذكره أيضا في غزوة أحد [ (2) ] .] [ (3) ] .
[وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمسلمين بمكة: قد رأيت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان] [ (3) ] .
وخرّج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تنفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: هو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لما جاءه المشركون يوم أحد، كان رأى رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] أن يقيم بالمدينة يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: يخرج بنا رسول اللَّه نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا، وقالوا: يا رسول اللَّه! أقم، فالرأي رأيك، فقال: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها، حتى يحكم اللَّه بينه وبين عدوه، قالوا: وكان مما قال لهم رسول اللَّه للَّه، يومئذ قبل] أن يلبس الأداة:
إني رأيت أنى في درع حصينة، فأولتها المدينة، وإني مردف كبشا، فأوّلته
[ () ] ومن قلد سيفا قلد أمرا، فإن كان قصيرا لم يدم أمره، وإن رأى أنه يجر حمائله فإنه يعجز عنه. (فتح الباري) .
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 390، كتاب المغازي، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3987) .
[ (2) ](فتح الباري) : 7/ 476، كتاب المغازي، باب (27) من قتل من المسلمين يوم أحد، حديث رقم (4081) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) ، واستدركناه من (خ) .
كبش الكتيبة، [وإني] رأيت [أن] سيفي ذا الفقار فلّ، [فأولته] فلّا فيكم، ورأيت بقرا تذبح، فبقر واللَّه خير، فبقر واللَّه خير [ (1) ] .
ومن حديث حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أنس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم، كأنى مردف كبشا، وكأن ظبّة سيفي انكسرت، فأولت أنّى أقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبّة سيفي، قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة رضى اللَّه عنه، وقتل طلحة، بن أبى طلحة ابن عبد العزى بن عثمان، بن عبد اللَّه بن عبد العزى، بن عثمان بن عبد الدار بن قصي [وكان] صاحب اللواء. وخرّجه الإمام أحمد به نحوه [ (2) ] .
وقال الواقدي في مغازيه- وقد ذكر غزاة أحد-: رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح واجتمع المسلمون وخطب فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأنى في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته، ورأيت بقرا تذبح، ورأيت كأنى مردف كبشا، فقال الناس: يا رسول اللَّه! فما أولتها؟ قال [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:] أما الدرع الحصينة، فالمدينة-، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته، فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبّح، فقتلى في أصحابى، وأما مردف كبشا، فكبش الكتيبة، نقتله إن شاء اللَّه
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 3/ 205، باب ذكر ما أرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في منامه من شأن الهجرة وأحد، وما جاء اللَّه به من الفتح بعد.
[ (2) ](مسند أحمد) : 1/ 447، حديث رقم (2441) .
[تعالى][ (1) ] .
حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ورأيت في سيفي فلا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وخرج البخاري في كتاب (المغازي) في وفد بنى حنيفة، وخرّج مسلم أيضا من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال:
هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، أوتيت خزائن الأرض- وقال البخاري: فأوتيت بخزائن الأرض- فوضع في يدي سوارين- وقال البخاري: في كفّى سوارين- من ذهب، فكبرا عليّ وأهمانى، فأوحى إلى أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما:
صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (2) ] .
وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ.
. الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام.
[ (1) ]
(مغازي الواقدي) : 1/ 208- 209، (سيرة ابن هشام) : 4/ 8 رؤيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومشاورته القوم، قال ابن هشام: «وحدثني بعض أهل العلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رأيت بقرا لي تذبح؟ قال:
فأما البقر فهي ناس من أصحابى يقتلون، وأما الثلم الّذي رأيت في ذباب سيفي، فهو رجل من أهل بيتي يقتل.
[ (2) ](فتح الباري) : 8/ 112، كتاب المغازي، باب (71) وفد بنى حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، حديث رقم (4375) .
وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، إذا أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ.
. الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام [ (1) ] .
وخرّج في باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة، فأسكنه [موضعا] آخر، من حديث موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة- وهي الجحفة- فأولت أن وباء المدينة نقل إليها [ (2) ] ،
[ (1) ](المرجع السابق) : 12/ 523، كتاب التعبير، باب (40) النفخ في المنام، حديث رقم (7037) .
قوله: «فكبرا عليّ» ، قال القرطبي: وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حليه النساء ومما حرم على الرجال.
قوله: «فأولتهما الكذابين» ، قال القاضي عياض: لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم حينئذ. بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير موضعهما، لأنه ليس من حلية الرجال، وكذلك الكذب يضع الخبر في غير موضعه، وفي كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما.
وقال ابن العربيّ: السوار من حلى الملوك الكفار، كما قال تعالى: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ. واليد لها معان: منها القوة، والسلطان، والقهر.
قال: ويحتمل أن يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار، وهو من أسامى ملوك الفرس، قال:
وكثيرا ما يضرب المثل بحذف بعض الحروف.
وقال القرطبي في (المفهم) : مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا، فكانوا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان، وبهرجا على أهلها بزخرف أقوالهما، ودعواهما الباطلة، انخدع أكثرهم بذلك، فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين، وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه، والزخرف من أسماء الذهب.
(فتح الباري) : مختصرا، وأخرجه مسلم في كتاب الرؤيا حديث رقم (2274) .
[ (2) ](المرجع السابق) : باب (41) إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه موضعا آخر، حديث رقم (7038) .
وخرّجه في باب المرأة السوداء [ (1) ] ، وفي باب المرأة الثائرة [بهذا] الإسناد نحوه [ (2) ] .
وخرّج الترمذي من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ورقة، فقالت له خديجة رضى اللَّه عنها: إنه كان صدقك، ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أريته في المنام وعليه ثياب بياض، ولو كان من أهل النار، لكان عليه لباس غير ذلك،
قال: هذا حديث غريب. وعثمان ابن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوى [ (3) ] .
وخرّج مسلم [ (4) ] والترمذي [ (5) ] من طريق وهب بن جرير، [قال:] حدثنا أبى، عن أبى رجاء العطاردي، عن حمزة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ هذا آخر حديث لمسلم في كتاب الرؤيا، ولم يذكر منه غير هذا الّذي كتبناه، وهو أيضا آخر حديث في كتاب الرؤيا عند الترمذي ولفظه فيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى بنا الصبح، أقبل على الناس بوجهه وقال: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ثم قال بعده: هذا حديث حسن [ (6) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) : باب (42) المرأة السوداء، حديث رقم (7039) .
[ (2) ](المرجع السابق) : باب (43) المرأة الثائرة الرأس، حديث رقم (7040) .
[ (3) ](سنن الترمذي) : 4/ 468، كتاب الرؤيا، باب (10) ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو، حديث رقم (2288) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 40 كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2275) .
[ (5) ](سنن الترمذي) : 4/ 471، كتاب الرؤيا، باب (10) ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو، حديث رقم (2294) ، وأخرجه البخاري في الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، وفي التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
[ (6) ] راجع التعليق السابق.
قال: ويروى هذا عن عوف وجرير بن حازم، عن أبى رجاء، عن سمرة رضى اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة. قال: وهكذا روى محمد بن بشار هذا الحديث عن وهب بن جرير مختصرا [ (1) ] .
وخرجه البخاري في باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، وهو آخر أبواب كتاب التعبير، من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [يعنى مما] يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فقص عليه ما شاء اللَّه [تعالى] أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة: إنه أتانى الليلة آتيان وأنهما ابتعثانى، وإنهما قالا لي:
انطلق، وإني انطلقت معهما، وإن أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم [عليه] بصخرة، وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى [يصح] رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل به [المرة] الأولى، قال: قلت لهما: سبحان اللَّه! ما هذان؟ فقال: قالا لي: انطلق.
قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه، وإذا هو يأتى أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه- قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق- قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان اللَّه! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق.
فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول، فإذا فيه
[ (1) ](سنن الترمذي) : تعليقا على الحديث رقم (2294) .
لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء [عراة] ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهم: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت كأن يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع [حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتى ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة] فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق.
قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها، ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت لهما: ما هذا؟
ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق.
فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال:
وإذا نهر معترض يجرى، كأن ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، فذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال:
قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصرى صعدا، فإذا
قصر مثل [الربابة] البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك قال: قلت لهما:
بارك اللَّه فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قال:
قلت لهما: فإنّي قد رأت منذ الليلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ [قال:] قالا لي: إنا سنخبرك.
أما الرجل الأول الّذي أتيت عله يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة.
وأما الرجل الّذي أتيت عليه يشر شر شدقه إلى قفاه [ومنخره إلى قفاه] ، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.
وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور، [فهم] الزناة والزواني.
وأما الرجل الّذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا.
وأما الرجل الكريه المرآة الّذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه [مالك] خازن جهنم.
وأما الرجل الطويل الّذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول اللَّه! وأولاد المشركين؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.
وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا، وشطر منهم قبيحا، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز اللَّه عنهم [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 542- 544، كتاب التعبير، باب (48) تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، حديث رقم (7047) .
قوله: «باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح» فيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر
_________
[ () ] عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم، قال:«لا تقصص رؤياك على امرأة، ولا تخبر بها حتى تطلع الشميس» .
وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير: أن المستحب أن يكون تعبير الرؤيا من بعد طلوع الشمس إلى الرابعة [من الشروق] ، ومن العصر إلى قبل المغرب، فإن الحديث دال على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس، ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة.
قال المهلب: تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات، لحفظ صاحبها لها، لقرب عهده بها، قبل ما يعرض له نسيانها، ولحضور ذهن العابر، وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه، وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه، فيستبشر بالخير، ويحذر من الشر، ويتأهب لذلك، فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكف عنها، وربما كانت إنذارا لأمر فيكون له مترقبا.
[وقد] كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مشارك في ذلك منهم، لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووثق بإصابته، كقولك: كان زيد من العلماء بالنحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36] ، أي من المجيدين في عبارة الرؤيا، وعلما ذلك مما رأياه منه، هذا من حيث البيان.
وأما من حيث النحو: فيحتمل أن يكون
قوله: «هل رأى أحد منكم رؤيا»
مبتدأ، والخبر مقدم عليه على تأويله هذا القول، مما يكثر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقوله.
قوله: «وإنهما ابتعثانى» ،
معنى ابتعثانى: أرسلانى، يقال: ابتعثه إذا أثاره وأذهبه، وقال ابن هبيرة: معنى ابتعثانى: أيقظاني، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه، فرأى ما رأى في المنام، ووصفه بعد أن أفاق على منامه كاليقظة، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما.
قوله: «وإني انطلقت معهما» ، زاد جرير بن حازم في روايته:«إلى الأرض المقدسة» ، وعند أحمد:«إلى أرض فضاء أو مستوية» ، وفي حديث على:«فانطلقا بى إلى السماء» .
قوله: «وإنا أتينا على رجل مضطجع» ، في رواية جرير:«مستلق على قفاه» .
قوله: «وإذا آخر قائم عليه بصخرة» ، في رواية جرير:«بفهر أو صخرة» ، وفي حديث على:«فمررت على تلك وأمامه آدمي، وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي» .
قوله: «يهوى»
بفتح أوله وكسر الواو، أي يسقط، يقال: هوى- بالفتح- يهوى هويا، سقط إلى أسفل. وضبطه ابن التين بضم أوله من الرباعي، وقال: أهوى من بعد، وهوى- بفتح الواو- نم قرب.
قوله: «بالصخرة لرأسه فيثلغ»
- بفتح أوله وسكون المثلثة اللام بعدها غين معجمة- أي يشدخه، وقد وقع في رواية جرير:«فيشدخ» والشدخ: كسر الشيء الأجوف.
_________
[ () ] قوله: «فيتدهده الحجر»
- بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة- وفي رواية اللشمهينى: «فيتدأدأ» بهمزتين بدل الهاءين، وفي رواية النسفي، وكذا هو في رواية جرير بن حازم:«فيتدهدأ» بهاء ثم همزة، وكل بمعنى. والمراد: أنه دفعه من علو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط، والهمزة تبدل من الهاء كثيرا، وتدأدأ تدحرج، وهو بمعناه.
قوله: «فيتبع الحجر»
أي الّذي رمى به «فيأخذه» .
قوله: «فلا يرجع إليه»
أي إلى الّذي شدخ رأسه.
قوله: «حتى يصح رأسه» ، وفي رواية جرير:«حتى يلتئم» ، وعند أحمد:«عاد رأسه كما كان» ، وفي حديث على:«فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبيا» .
قال ابن العربيّ: جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة.
قوله: «فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد» ،
وفي كتاب الجنائز ضبطه «كلوب» ،
ووقع في حديث على: «فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلّوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه» .
قوله: «فيشرشر شدقه إلى قفاه»
أي يقطعه شقا، والشدق جانب الفم،
وفي رواية جرير: «فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه» .
قال ابن العربيّ: شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وعلى هذا تجرى العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا.
قوله: «وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا»
بغير همز للأكثر وحكى الهمز، أي رفعوا أصواتهم مختلطة، ومنهم من سهّل الهمزة.
قال في (النهاية) : الضوضاء أصوات الناس ولغطهم، وكذا الضوضى بلا همز مقصور.
وقال الحميدي: المصدر بغير همز.
قوله: «كريه المرآة»
بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث، قال ابن التين: أصله المرأية تحركت الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وزنه مفعلة، أي قبيح المنظر.
قوله: «عنده نار يحشها»
قال الجوهري: حششت النار أحشاها حشا: أوقدتها. وقال في (التهذيب) : حششت الناد بالحطب: ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار. وقال ابن العربيّ:
حشّ النار: حرّكها.
قوله: «فأتينا على روضة معتمة»
قال الحافظ: الّذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام، فوصفها بشدة الخضرة، كقوله تعالى: مُدْهامَّتانِ [الرحمن: 64] .
قوله: «فانتهينا إلى المدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة»
اللبن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع
_________
[ () ] لبنة، وأصلها ما يبنى به من طين.
قوله: «فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم» ،
هذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح- والثاني هو المراد، ويريده قوله في صفتهم:«هؤلاء قوم خلطوا» أي عمل كل منهم صالحا وخلطه بعمل سيئ.
قوله: «فقعوا في ذلك النهر»
بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص.
قوله: «كأن ماءه المحض»
بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة، هو اللبن الخالص من الماء، حلوا كان أو حامضا.
قوله: ذهب ذلك السوء عنهم، أي صار القبح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة.
قوله: فيرفضه»
بكسر الفاء ويقال بضمها، قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن، عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس.
قوله: «وينام عن الصلاة المكتوبة،
هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ: «وعلمه اللَّه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار» .
فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل، بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة، ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين، ترك القراءة وترك العمل.
قوله: «فهم الزناة»
مناسبة العرى لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.
قوله: «فإنه آكل الربا» .
قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجرى في الذهب، والذهب أحمر، وأما إلقام الملك الحجر، فإنه إشارة إلى أنه لا يغنى عنه شيئا، وكذلك الربا، فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، واللَّه من ورائه محقه.
قوله: «خازن جهنم»
إنما كان كريه الرؤية، لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار.
قوله: «وأما الرجل الطويل الّذي في الروضة فإنه إبراهيم»
وإنما اختص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأنه أبو المسلمين، قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الحج: 78]، وقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ [آل عمران: 68] .
قوله: «وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح» ،
كذا في الموضعين بنصب الشطر
…
ولغير أبى ذر «شطر» في الموضعين بالرفع، و «حسنا» و «قبيحا» بالنصب، ولكل وجه.
_________
[ () ]
وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإسراء وقع مرارا، يقظة ومناما، على أنحاء شتى، وفيه أن العصاة يعذبون في البرزخ.
وفيه نوع من تلخيص العلم، وهو أن يجمع القضايا جملة، ثم يفسرها على الولاء، ليجتمع قصورها في الذهن، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن لمن يحفظه، وعن الزنا، وأكل الربا، وتعمد الكذب، وأن الّذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات، حتى النبي والشهيد.
وفيه الحث على طلب العلم، واتباع من يلتمس منه ذلك، وفيه فضل الشهداء، وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام، لاحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء، كما تقدم في الإسراء، أنه رأى آدم في السماء الدنيا، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر، فيضحك ويبكى، مع أن منزلته هو في عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته.
وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها، وفضل تعبيرها، واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح، لأنه الوقت الّذي يكون فيه البال مجتمعا.
وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة، وأراد أن يعظهم أو يفتيهم، أو يحكم بينهم.
وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره، بل يشرع كالخطيب.
قال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزنا ففيها خفاء، وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور، ثم خائف حذر حال الفعل كأن تحته نار.
وقال أيضا: الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول: على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال. والثاني: إما بدنىّ أو مالي، فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب، وأنهم أربع درجات: درجات النبي،
وخرجه في آخر كتاب الجنائز، في باب أولاد المشركين، من حديث جرير ابن حازم، عن أبى رجاء، بتقديم وتأخير، وزيادة بعض ألفاظ [ (1) ] .
وخرّج في كتاب الإيمان، في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، من حديث إبراهيم بن [سعد] ، عن صالح، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون عليّ، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثّديّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] وعليه قميص يجرّه، قالوا:[فما] أوّلت ذلك يا رسول اللَّه؟ قال [صلى الله عليه وسلم] : الدين [ (2) ] .
وخرّجه في كتاب التعبير في باب القميص في المنام [ (3) ] ، من حديث إبراهيم، بسنده.. الحديث، ولم يقل: عليّ، وقال: ومرّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، وخرّجه مسلم به [ (4) ] .
[ () ] ودرجات الأمة أعلاها الشهداء، وثانيها من بلغ، وثالثها من كان دون البلوغ (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ](فتح الباري) : 3/ 321- 322، كتاب الجنائز، باب (93) بدون ترجمة، حديث رقم (1386) .
[ (2) ](فتح الباري) : 1/ 100، كتاب الإيمان، باب (15) تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، حديث رقم (23) .
[ (3) ](فتح الباري) : 12/ 488- 489، كتاب التعبير، باب (17) القميص في المنام، حديث رقم (7008) .
قوله: «منها ما يبلغ الثديّ»
بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء، جمع ثدي بفتح ثم سكون، والمعنى: أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة، بل فوقها.
وقوله: «ومنها ما يبلغ دون ذلك»
يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر، فيكون أطول، ويحتمل أنه دونه من جهة العلو، فيكون أقصر، ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى، عن ابن المبارك، عن يونس عن الزهري، في هذا الحديث:
«فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى «أنصاف ساقيه» .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 51/ 168- 169، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر
وخرّجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، قال:
أخبرنى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم، رأيت الناس عرضوا عليّ، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجترّه، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: الدين.
ذكره في كتاب التعبير، وترجم عليه باب: جر القميص في [المنام][ (1) ] .
وخرّج في باب اللبن، من حديث يونس عن الزهري، قال: أخبرنى حمزة ابن عبد اللَّه، أن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى إني لأرى الرىّ يخرج في أظافيرى، ثم أعطيت فضلي [يعنى] عمر رضى اللَّه عنه، [قالوا] : فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال [صلى الله عليه وسلم] : العلم [ (2) ] . و [خرجه] في
[ () ] رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2390) .
[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 489- 490، كتاب التعبير، باب (18) جر القميص في المنام، حديث رقم (7009) .
[ (2) ](فتح الباري) : 12/ 486، كتاب التعبير، باب (15) اللبن، حديث رقم (7006) .
قوله: «باب اللبن» أي إذا رئي في المنام بماذا يعبر؟ قال المهلب: اللبن يدل على الفطرة، والسنة، والقرآن، والعلم.
قال الحافظ: وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة، كما أخرجه البزار من حديث أبى هريرة رفعه:«اللبن في المنام فطرة» ،
وعند الطبراني من حديث أبى بكرة رفعه: «من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة،
ومن حديث أبى هريرة: «أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل: الحمد للَّه الّذي هداك للفطرة» .
وذكر الدينَوَريّ: أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل، وأنه لشاربه مال حلال، وعلم، وحكمة. قال: ولبن البقر خصب السنة ومال حلال، وفطرة أيضا. ولبن الشاة مال، وسرور، وصحة جسم. وألبان الوحش شك في الدين، وألبان السباع غير محمودة، إلا أن لبن اللبؤة مال، مع عداوة لذي أمر.
قال ابن العربيّ: اللبن رزق يخلقه اللَّه طيبا بين أخباث من دم وفرث، كالعلم، نور يظهره اللَّه
المناقب [ (1) ] ، وخرجه في كتاب التعبير، في باب إذا أعطى فضله غيره في النوم [ (2) ] ، من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، وخرجه في كتاب العلم، في باب فضل العلم [ (3) ] ، كذلك.
وخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب [ (4) ] ، ومن حديث الليث عن ابن عقيل، عن ابن شهاب [ (5) ] .
[ () ] في ظلمة الجهل، فضرب به المثل في المنام.
قال بعض العارفين: الّذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، ويحفظ العمل عن غفلة وزلل، وهو كما قال، لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم، والّذي ذكره قد يقع خارقا للعادة، فيكون من باب الكرامة.
وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه، وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها، وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه، قال: والّذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها، وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها، ففهموا مراده، فسألوه، فأفادهم، وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات.
وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم باللَّه لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فضله عمر، فيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم باللَّه، بحيث كان لا يأخذه في اللَّه لومة لائم.
وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي، والحال، والمستقبل، وهذه أوّلت على الماضي، فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع، لأن الّذي أعطيه من العلم كان قد حصل له، وكذلك أعطيه عمر، فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه صلى الله عليه وسلم من العلم، وما أعطيه عمر رضى اللَّه عنه..
(فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 50 كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب أبى حفص القرشي العدوي رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3681) .
[ (2) ](فتح الباري) : 12/ 516، كتاب التعبير، باب (34) إذا أعطى فضله غيره في النوم، حديث رقم (7027) ، وقيل الرّيّ اسم من أسماء اللبن.
[ (3) ](فتح الباري) : 1/ 238، كتاب العلم، باب (22) فضل العلم، حديث رقم (82) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 196، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2391) .
[ (5) ](المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث السابق [بدون رقم] .
وخرّج الحاكم من حديث معتمر بن سليمان، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر، أنه سمع أبا بكر بن سالم يحدث عن أبيه، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما]، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في النوم أنى أعطيت عسّا مملوءا لبنا، فشربت منه حتى تملأت، حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم، ففضلت فضلة، فأعطيتها عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ؟
فقال: أصبتم.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] .
ولم يخرجاه [ (2) ] .
وخرّجا من حديث يونس عن ابن شهاب، أن [سعيد] بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم، رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللَّه [تعالى] ، ثم أخذها ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه [تعالى] يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا، فأخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر [رضى اللَّه عنه] ، [حتى] ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب.
أورده البخاري في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وأورده في كتاب
[ (1) ](المستدرك) 3/ 92، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4496)، قال الحافظ الذهبي في (التخليص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 26، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب (5)
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا» ،
حديث رقم (3664) .
قوله: «وفي نزعه ضعف» أي أنه على مهل ورفق.
قوله: «واللَّه يغفر له» قال النووي: هذا دعاء من المتكلم، أي أنه لا مفهوم له. وقال غيره: فيه إشارة إلى قرب وفاة أبى بكر، وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
التعبير [ (1) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. وخرّجه مسلم عن الليث أيضا [ (2) ] ، وعن إبراهيم بن سعد، عن صالح، بإسناد يونس، نحو
[ () ] وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً، فإنّها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه، لأن سببه قصر مدته، فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه.
قوله: «فاستحالت في يده غربا» بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة، أي دلوا عظيمة.
قوله: «فلم أر عبقريا» بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة، والمراد به كل شيء بلغ النهاية، وأصله أرض يسكنها الجن، ضرب بها العرب المثل في كل شيء عظيم. وقيل: قرية يعمل بها الثياب البالغة في الحسن، والعطن: هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت.
قال البيضاوي: أشار بالبئر إلى الدين الّذي هو منبع ماؤها حياة النفوس، وتمام أمر المعاش والمعاد، والنزع منه إخراج الماء، وفيه إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه، وقوله:«يغفر اللَّه له» إشارة إلى ضعفه- المراد به الرّفق- غير قادح فيه، أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة، واختلاف الكلمة، إلى أن اجتمع ذلك في آخر أيامه وتكمل في زمان عمر، وإليه الإشارة بالقوة.
وقد وقع عند الإمام أحمد من حديث سمرة: «أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، رأيت كأن دلوا من السماء دليت، فجاء أبو بكر فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع» .. الحديث ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوى، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 512- 513، كتاب التعبير، باب (29) نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف، حديث رقم (7021)، وفي هذا الحديث والّذي قبله (7020) : أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء أنه يلي ولاية جليلة، وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة، وقد تعبر البئر بالمرأة، وما يخرج منها بالأولاد، وهذا الّذي أعتمده أهل التعبير، ولم يعرجوا على الّذي قبله، فهو الّذي ينبغي أن يعوّل عليه، لكنه بحسب حال الّذي نزع الماء. (فتح الباري) مختصرا.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 170، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2392) .
حديثه [ (1) ] .
وخرّجه البخاري في كتاب التوحيد، في باب المشيئة والإرادة، من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه]، وقال في آخره: حتى ضرب الناس حوله بعطن [ (2) ] .
وخرّجه مسلم [ (3) ] من حديث إبراهيم، عن صالح، قال: قال الأعرج
[ (1) ](المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق مختصرا بدون رقم.
قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر. فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره، وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا. وأنزل اللَّه تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ثم توفى صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضى اللَّه عنه سنتين وأشهرا. وهو المراد بقوله: صلى الله عليه وسلم ذنوبا أو ذنوبين، وهذا شك من الراويّ، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة، وقطع دابرهم واتساع الإسلام، ثم توفى فخلفه عمر رضى اللَّه عنه فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين، لما فيها من الماء الّذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقى لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم. وتدبير أمورهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أبى بكر رضى اللَّه عنه:«وفي نزعه ضعف» ، فليس فيه حطّ من فضيلة أبى بكر، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده، والأموال، وغيرها من الغنائم، والفتوحات، ومصّر الأمصار، ودوّن الدواوين.
وأما قوله: «واللَّه يغفر له» ، فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة، كانوا يقولون: افعل كذا واللَّه يغفر لك.
قال العلماء وفي كل هذا إعلام بخلافة أبى بكر وعمر، وصحة ولايتهما، وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها. (شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا.
[ (2) ](فتح الباري) : 13/ 549 كتاب التوحيد، باب (31) في المشيئة والإدارة، حديث رقم (7475) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 171، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) ، من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث [بدون رقم] .
وغيره: إن أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ينزع.. بنحو حديث الزهري.
وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب الاستراحة في المنام، من حديث عبد الرّزاق، عن معمر، عن همام أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، رأيت أنى على حوض أسقى الناس، فأتانى أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليريحنى، فنزع ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فأتى ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ منه، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض ينفجر [ (1) ] .
وخرّجه مسلم من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحارث، أن أبا [يونس] مولى أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، حدثه عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه]، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم، أريت أنى أنزع على حوضي أسقى الناس، فجاءني أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليروّحنى، فنزع دلوين وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فجاء ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] فأخذه منه، فلم أر نزع رجل أقوى منه، حتى تولى الناس، والحوض ملآن يتفجّر [ (2) ] .
وذكره البخاري في مناقب عمر رضى اللَّه عنه، من طريق [عبيد] اللَّه ابن عمر قال: حدثني [أبو بكر] بن سالم، عن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر
[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 513، كتاب التعبير، باب (30) الاستراحة في المنام- حديث رقم (7022) .
قوله: «الاستراحة في المنام» قال أهل التعبير: إذا كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره، وتكون الدنيا تحت يده، لأن الأرض أقوى ما يستند إليه، بخلاف ما كان منبطحا فإنه لا يدرى ما وراءه.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 171، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (18) .
رضى اللَّه [عنهما]، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أريت في المنام أنى أنزع بدلو بكرة [على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، نزعا ضعيفا، واللَّه يغفر له، ثم جاء عمر [رضى اللَّه عنه] فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريّه، حتى روى الناس وضربوا بعطن] [ (1) ] .
وخرّجاه من حديث موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، وخرّجه البخاري من حديث شعيب بن حرب، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا نافع أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] حدثه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينما أنا على بئر أنزع منها إذا جاءني أبو بكر وعمر [رضى اللَّه عنهما] ، فأخذ أبو بكر [رضى اللَّه عنه] الدلو، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، فغفر اللَّه له، ثم أخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من يد أبى بكر، فاستحالت في يده غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريه، حتى ضرب الناس بعطن. ذكره في كتاب التعبير في باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس [ (2) ] . وخرجه في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه، من حديث وهب بن جرير، أخبرنا صخر عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:.. الحديث، وقال فيه: واللَّه يغفر له، وقال في آخره:
فنزع حتى ضرب الناس بعطن،
وقال بعد هذا: وقال وهب: العطن، مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت [ (3) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 50، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3682) .
[ (2) ](فتح الباري) : 12/ 509، كتاب التعبير، باب (28) نزع الماء من البئر حتى يروى الناس، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (7019) .
[ (3) ](فتح الباري) : 7/ 26، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب (5)
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا» ،
حديث رقم (3676) .
وخرّج الحافظ ابن الجوزي وغيره، من طريق مطر الوراق وهشام، كلاهما عن ابن سيرين: عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأنى أنزع على غنم سود، وخالطها غنم عفر، إذ جاء أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فنزع ذنوبين وفيهما ضعف، ويغفر اللَّه له، إذ جاء عمر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو، فاستحالت غربا، فأروى الناس، وصدر الشاء، فلم أر عبقريا يفرى فريه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فأوّلت أن الغنم السوداء العرب، وأن العفر إخوانهم من هذه الأعاجم [ (1) ] .
وخرّج البخاري في كتاب النكاح، في باب الغيرة، من حديث يونس عن الزهري، أخبرنى ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جلوس، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم، رأيتني في الجنة [ (2) ] .
وخرجه مسلم في المناقب، من حديث يونس، أن ابن شهاب أخبره عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه]، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا، قال أبو هريرة [رضى اللَّه عنه] : فبكى عمر رضى اللَّه عنه، ونحن جميعا في ذلك المجلس [مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم][ (3) ] ، ثم قال عمر [رضى اللَّه عنه] بأبي أنت يا رسول اللَّه، أعليك أغار [ (4) ] ؟
[ (1) ](تاريخ أصفهان لأبى نعيم) : 1/ 8.
[ (2) ](فتح الباري) : 9/ 400، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5227) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 173، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2395) .
وقال البخاري: فبكى عمر [رضى اللَّه عنه] وهو في المجلس، وقال:
أو عليك يا رسول اللَّه أغار؟ [ (1) ] . ورواه مسلم أيضا من حديث صالح، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله [ (2) ] .
وخرجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. ذكره في كتاب بدء الخلق، في باب صفة [الجنة][ (3) ] ، وفي مناقب عمر [رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، و] في التعبير، في باب القصر في المنام [ (5) ] .
وخرجه أيضا في التعبير، من حديث معمر، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟
قالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من
[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 400، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5227) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 174، كتاب فضائل الصحابة باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، الحديث الّذي يلي الحديث رقم (2395)[بدون رقم] .
[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 391، كتاب بدء الخلق، باب (8) ما جاء في صفة الجنة وأنه مخلوقة، حديث رقم (3242) .
[ (4) ](فتح الباري) : 7/ 50، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب (6) مناقب عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (3680) .
[ (5) ](فتح الباري) : 12/ 514، كتاب التعبير، باب (31) القصر في المنام، حديث رقم (7023) ، وهذه المرأة هي أم سليم، وكانت في قيد الحياة حينئذ، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إلى جانب قصر عمر، فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة، لقول الجمهور من أهل التعبير: أن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها، فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق.
وأما وضوئها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى، وطهارتها جسما وحكما، وأما كونها إلى جانب قصر عمر، ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته، وكان كذلك.
قوله: «أعليك أغار» فهو من المقلوب لأن القياس أن يقول: أعليها أغار منك. وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيرة عمه.
غيرتك، قال: وعليك أغار يا رسول اللَّه [ (1) ] ؟ وخرجه في النكاح، في باب الغيرة [ (2) ] . وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن عمرو، وابن المنكدر [أنهما] سمعا جابرا [رضى اللَّه عنه] ، يخبر عن النبي فذكره [ (3) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما]، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأنى أتيت بكثلة تمر، فعجمتها في فمي، فوجدت فيها نواة آذتني، فلفظتها، ثم أخذت فيها نواة، فلفظتها] ، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: دعني، فلأعبرها، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبرها، قال [رضى اللَّه عنه:] هو جيشك الّذي بعثت، يسلمون ويغنمون، فيلقون رجلا، فينشدهم ذمتك، فيدعونه، ثم
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (7024)، قوله:«القصر في المنام» قال أهل التعبير: القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين، ولغيرهم حبس وضيق، وقد يفسر دخول القصر بالتزويج.
[ (2) ](فتح الباري) : 9/ 399، كتاب النكاح، باب (108) الغيرة، حديث رقم (5226) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 172، كتاب فضائل الصحابة، باب (2) من فضائل عمر رضى اللَّه عنه، حديث رقم (2394) .
قوله: «الغيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء. قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب، وهيجان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين.
هذا في حق الآدمي.
وأما في حق اللَّه تعالى، فقال الخطابي: أحسن ما يفسر به، ما فسر به، حديث أبى هريرة:«وغيرة اللَّه أن يأتى المؤمن ما حرّم اللَّه عليه» .
قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق اللَّه الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، وهو تفسير يلازم التغير فيرجع الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتاب العزيز الغضب والرضا.
وقال ابن العربيّ: التغير محال على اللَّه بالدلالة القطعية، فيجب تأويله بلازمه، كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك.
ثم قال: ومن أشرف وجوه غيرته تعالى، اختصاصه قوما بعصمته، يعنى فمن ادعى شيئا من ذلك لنفسه عاقبه، قال: وأشد الآدميين غيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغار للَّه ودينه، ولهذا كان لا ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم.
يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، ثم يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، قال صلى الله عليه وسلم: كذاك قال الملك [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق، وقال: أخبرنا معمر عن قتادة، عن الحسن بن عمران بن حصين، عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: أكثرنا الحديث ذات ليلة، عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم غدونا [إليه]، فقال:
عرضت عليّ الأنبياء [الليلة][ (2) ] بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة [والنبي ومعه العصابة] ، والنبي ومعه النفر، والنبي وليس معه أحد، حتى مرّ [عليّ][ (2) ] موسى عليه الصلاة والسلام، ومعه [كبكبة] من بنى إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل [لي][ (2) ] هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل [قال] [ (2) ] فقلت: أين أمتى؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال [ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال] [ (2) ] فقيل لي: أرضيت؟
فقلت: رضيت يا رب، [قال:] [ (2) ] فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فداكم أبى وأمى، إن استطعتم أن تكونوا من السبعين الألف فافعلوا، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الأفق، فإنّي قد رأيت ثم ناسا يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن رضى اللَّه عنه فقال: أدع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن يجعلني من السبعين فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع اللَّه يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجعلني منهم؟ فقال: قد سبقك بها عكاشة.
[ثم تحدثنا][ (2) ]، فقلنا: من ترون هؤلاء السبعين الألف. قوم ولدوا في الإسلام، ثم لم يشركوا باللَّه شيئا حتى ماتوا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
[ (1) ](مسند أحمد) : 4/ 397، حديث رقم (14864)، وفيه:«يسلم ويغنم» .
[ (2) ] زيادة للسياق من (مسند أحمد) .
صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون [ (1) ] .
وخرّج البخاري ومسلم، من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان [رضى اللَّه عنها] فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت [رضى اللَّه عنهما] . [فدخل] عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما، فأطعمته، ثم جلست تفلى رأسه، فنام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ما يضحك؟ قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة- يشك أيهما- قال: قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه [تعالى] أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول اللَّه؟
قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه [تعالى] ، كما قال في [الأولى]، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يجعلني منهم، قال:
أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، [بن أبى سفيان] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
خرجه البخاري بهذا السند في باب الدعاء بالجهاد، والشهادة للرجال والنساء [ (2) ] ، وفي كتاب الإستئذان [ (3) ] ، وكذلك خرجه أبو
[ (1) ](مسند أحمد) : 1/ 662- 663، حديث رقم (3796) .
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 12، كتاب الجهاد والسير، باب (3) الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، حديث رقم (2788) ، (2789) .
[ (3) ](فتح الباري) : 11/ 83، كتاب الاستئذان، باب (41) من زار قوما فقال عندهم، حديث رقم (6282) ، (6283) .
قوله: «قال عندهم» أي وقت القيلولة، والفعل الماضي منه ومن القول مشترك، بخلاف المضارع
داود [ (1) ] ، وخرجه الترمذي أيضا من حديث مالك، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] ، وأخرجوه من حديث يحى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وخرجه البخاري من حديث الليث، عن محمد بن يحى بن حبان، عن أنس، ومن حديث أبى إسحاق [بن] عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (4) ] .
[ () ] فقال يقيل: من القائلة، وقال يقول: من القول: وقد تلطف النضير المناوى حيث قال في لغز.
قال قال النبي قولا صحيحا
…
قلت قال النبي قولا صحيحا
قال المهلب: في هذا الحديث مشروعية القائلة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة، وتأكد المحبة.
قوله: «ثبج هذا البحر» الثبج بفتح المثلثة والموحدة ثم جيم: ظهر الشيء وقال الخطّابى: متن البحر وظهره، وقال الأصمعي: ثبج كل شيء وسطه، وقال أبو على في (أماليه) : قيل: ظهره، وقيل:
معظمه، وقيل: هوله، وقال أبو زيد في (نوادره) : ضرب ثبج الرجل بالسيف أي وسطه، وقيل: ما بين كتفيه، والراجح أن المراد هنا ظهره، كما وقع في التصريح به، والمراد أنهم يركبون السفن التي تجرى على ظهره. كما وقع في التصريح به، والمراد أنهم يركبون السفن التي تجرى على ظهره. (فتح الباري) مختصرا.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 3/ 14، كتاب الجهاد، باب (10) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (2490) ، (2491) مختصرا.
[ (2) ](سنن الترمذي) : 4/ 152- 153، كتاب فضائل الجهاد، باب (15) ما جاء في غزو البحر، حديث رقم (1645)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم، وهي خالة أنس بن مالك رضى اللَّه عنه.
[ (3، 4) ](فتح الباري) : 6/ 21- 22، كتاب الجهاد والسير، باب (8) فضل من يصرع في سبيل اللَّه فمات فهو منهم، حديث رقم (2799) و (2800) .
وفي (مسلم بشرح النووي) : 13/ 61- 62، كتاب الإمارة، باب (49) فضل الغزو في البحر، حديث رقم (1912) .
في هذا الحديث معجزات للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: منها إخباره ببقاء أمته بعده، وأنه تكون لهم شوكة وقوة
_________
[ () ] وعدد، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون معهم، وقد وجد بحمد اللَّه تعالى كل ذلك.
وفيه فضيلة لتلك الجيوش، وأنهم غزاة في سبيل اللَّه تعالى، واختلف العلماء متى جرت هذه الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر، قال أهل السير والأخبار: أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [كان ذلك في سنة (28 هـ) وكان معاوية في هذه الغزوة ومعه زوجته فاختة، فأتى قبرص وفتحها، وتوفيت أم حرام بها ودفنت هناك وقبرها فيها يزار](شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا.
وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء، وكذا قاله: الجمهور وكره مالك ركوبه للنساء، لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما فيما صغر من السفيان، مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال، [لكن في هذه الأيام فالسفن مجهزة بكافة حاجات الإنسان المعيشية خلال رحلته في الباخرة مهما طال وقتها، الأمر الّذي تنتفى معه هذه الكراهة] .
قال القاضي: وروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه عنهما منع ركوبه، وقيل: إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات.
وقد روى عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن ركوب البحر، إلا لحاج أو معتمر أو غاز. وضعف أبو داود هذا الحديث وقال: رواته مجهولون. (شرح النووي على صحيح مسلم) مختصرا.
وهذا الحديث [حديث الباب] أخرجه أيضا كل من:
ابن ماجة في (السنن) : 2/ 927، كتاب الجهاد، باب (10) فضل غزو البحر، حديث رقم (2776) .
والنسائي في (السنن) : 6/ 347- 349، كتاب الجهاد باب (40) فضل الجهاد في البحر، حديث رقم (3171) ، (3172) .
والدارقطنيّ في (السنن) : 2/ 129، باب فضل غزاة البحر، حديث رقم (2426) .
والإمام مالك في (الموطأ) : 309، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد، حديث رقم (1002) بسياقه أتم.
والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 124، حديث رقم (13108) ، 4/ 165- 116، حديث رقم (13379) كلاهما مختصر جدا.
وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، عن عطاء، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، رضى اللَّه [عنهما]، قال: خرج إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما فقال:
إلى رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي، وميكائيل عليه السلام عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، مثلك ومثل أمتك، كمثل ملك اتخذ دارا، ثم بنى فيها بيتا، ثم جعل فيها مائدة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فاللَّه هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، من أجابك دخل [الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (1) ] .
وخرّجه البيهقي من حديث عبد اللَّه بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن على بن الحسين، وتلا هذه الآية: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، فقال: حدثني جابر بن عبد اللَّه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما.. فذكر الحديث [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث سليم بن حبان، أخبرنا سعيد بن مينا [قال] : أخبرنا- أو سمعت- جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنها يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن
[ (1) ](المستدرك) 2/ 369، كتاب التفسير، تفسير سورة يونس عليه السلام عند قوله تعالى: اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، حديث رقم (3299) باختلاف يسير في اللفظ، وما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصلين) ، وصوبناه من (المستدرك)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] هذه الفقرة هي صدر الحديث السابق رقم (3299) من (المستدرك) .
العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها بفقهها، فقالوا: فالدار، الجنة، والداعي، محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدا فقط أطاع اللَّه، ومن عصى محمدا فقد عصى اللَّه، ومحمد فرق بين الناس [ (1) ] .
وخرّج الحاكم [ (2) ] من طريق محمد بن فضيل، عن حصين، بن عبد الرحمن عن ابن أبى ليلى، عن أبى أيوب رضى اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في المنام غنما سودا، يتبعها غنم عفر، يا أبا بكر، أعبرها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، هي العرب تتبعك، ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا عبرها الملك سحرا.
وخرّج من حديث عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنما كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟
قال: [العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم، قالوا: العجم يا رسول اللَّه؟
قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس] [ (3) ] .
قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري
[ (1) ](فتح الباري) : 13/ 310- 311، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (2) الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً حديث رقم (7281) .
[ (2) ](المستدرك) : 4/ 437، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8193) ، وقد سكت عنه الذهبي في التلخيص.
[ (3) ](المستدرك) : 4/ 437، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8194) ، وما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصلين) وصوبناه من (المستدرك)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري.
ولم يخرجاه.
وخرج من حديث يحى بن محمد بن يحى الذهلي، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف، حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء، وإنه قال ذات غداة: أنه أتاني الليلة آتيان ملكان، فقعد أحدهما عند رأسي، والأخر عند رجلي، فقال الّذي عند رجلي للذي عند رأسي: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثله ومثل أمته، كمثل قوم سفّر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينا هم كذلك، إذ أتاهم رجل مرجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء [أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء] ، فأكلوا، [وشربوا] ، وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال، فقلت لكم إن وردت بكم رياضا عشبة، وحياضا رواء تتبعوني قالوا: بلى، فقال: إن بين أيديكم رياضا أعشب من هذا، وحياضا أروى من هذه، فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق واللَّه، لنتبعن، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا، نقيم عليه [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] .
وخرّج الحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعى، قال: أخبرنى هاشم ابن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال:
أخبرتنى أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر،
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 439، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8200) وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) وقال الحافظ الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
دون ما رأيت به المرة الأولى، ثم اضطجع، فاستيقظ، وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق، للحسين رضى اللَّه عنه، فقلت لجبريل:
أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها [ (1) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتانى الليلة ربى في أحسن صورة، قال: أحسبه في المنام [قال: كذا في الحديث]، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، فوضع يده بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال: في نحري- فعلمت ما في السموات وما في الأرض، قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، قال: في الكفارات والمفازات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنى إليك غير مفتون، قال: والدرجات، إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام [ (2) ] . قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبى قلابة وبين ابن عباس رضى اللَّه عنها في هذا الحديث، [وقد رواه قتادة عن أبى
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 440، كتاب تعبير الرؤيا، حديث رقم (8202) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مرّ هذا على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ](سنن الترمذي) : 5/ 342، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، وحديث رقم (3233) ، وما بين الحاصرتين في آخره من (الترمذي) .
قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس] .
ثم ذكر من طريق هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أبى قلابة، عن خالد ابن اللجلاج، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتانى ربى في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربى وسعديك، قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: ربى لا أدرى، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد، فقلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات، والكفارات، وفي نقل الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن يحافظ عليهنّ عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه [ (1) ] .
قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وفي الباب: عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا الحديث [عن] معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه عن النبي بطوله، وقال: إني نعست فاستثقلت نوما، فرأيت ربى في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ [ (2) ] .
وخرّج من طريق يحيى بن أبى كثير، عن زيد بن سلام، عن أبى سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، أنه حدثه عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، قال: احتبس عنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى، أي عين الشمس، فخرج سريعا، فثوب بالصلاة، فصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتجوز في الصلاة، فلما
[ (1) ](سنن الترمذي) : 5/ 342- 343، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، حديث رقم (3234) .
[ (2) ](المرجع السابق) : 343 تعليقا على الحديث السابق رقم (3234) .
سلم، دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم، كما أنتم، ثم انفتل إلينا، ثم قال: أما [إني] سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، قال: إني قمت من الليل فتوضأت، وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، قالها ثلاثا، قال:
فرأيته وضع كفه بين كتفىّ، فوجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هن؟ قلت: مشى الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد [بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام] ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قلت: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنها حق، فادرسوها، ثم تعلموها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن [يزيد بن] جابر، قال:
حدثنا خالد بن اللجلاج، قال حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه، عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح.
وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث زهير بن محمد، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، [قال:] إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس، مشرق الوجه، أو مسفر الوجه، فقلنا: يا رسول اللَّه! إنا نراك مسفر الوجه، أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعني وأتانى ربى عز وجل الليلة في أحسن صورة، فقال: يا محمد، فقلت: لبيك ربى وسعديك، قال:
فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، أي رب، قال ذاك مرتين أو ثلاثا، قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين كتفي، حتى تجلى لي ما في السموات والأرض [وليكون من الموقنين] قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: المشي على الأقدام، والجلوس في المسجد خلاف الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكاره، فمن فعل ذلك عاش بخير، [ومات بخير] ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في الناس، فتوفني غير مفتون [ (2) ] . [قال: والدرجات بذل الطعام،
[ (1) ](سنن الترمذي) : 5/ 343- 344، كتاب تفسير القرآن، باب (39) ومن سورة (ص) ، حديث رقم (3235) .
والملأ الأعلى: الملائكة المقربون، واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود إلى السماء، وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها، وقد سماها مخاصمة، لأنه ورد مورد سؤال وجواب، وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة، فلهذا أحسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه (زاد المعاد) :
1/ 137.
[ (2) ](مسند أحمد) : 1/ 607، حديث رقم (3474) ، بزيادة ونقصان.
وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام] [ (1) ] .
وقال الواقدي في غزوة الطائف: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر رضى اللَّه عنه: إني رأيت أنى أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك، [فأهراق] ما فيها،
قال أبو بكر [رضى اللَّه عنه] : ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: وأنا لا [أرى] ذلك [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد [رحمه الله] ، من حديث حماد بن سلمة، حدثنا الأشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رأيت كأن دلوا دليت من السماء، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب، فانتشطت منه، فانتضح عليه منها شيء [ (3) ] . [ثم جاء على فأخذ بعراقيبها، فانتشطت وانتضح عليه منها شيء][ (4) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث إسماعيل بن عياش: سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: سمعت عن عبد اللَّه بن الحرث، قال:
[ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) . وأخرجه أيضا في (المسند) : 6/ 322- 323، حديث رقم (21604) بزيادة ونقصان وتقديم وتأخير.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 3/ 936، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (3) ](مسند أحمد) : 5/ 653، حديث رقم (19730) باختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 31- 32، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4637)، وقال فيه:«بعراقيبها» .
[ (4) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: بينا أنا في منامي أتتنى الملائكة، فحملت عمود الكتاب من تحت وسادتي فعمدت به إلى الشام، ألا فالإيمان حيث تقع الفتن بالشام [ (1) ] .
ومن حديث زيد بن واقد قال: حدثني بشر بن [عبد] اللَّه، عن أبى إدريس الخولانيّ، عن أبى الدرداء رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب، فأتبعته بصرى فعهد به إلى الشام.
. الحديث [ (2) ] .
وخرّج الحاكم من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا: قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كذلك البر، قال: وكان أبر الناس بأمه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. قال ابن عيينة وغيره: قالوا فيه: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجنة، ولم يذكروا فيه النوم ولا برّ أمه [ (3) ] .
[وخرّج عثمان بن سعيد الدارميّ] من حديث محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عمرو بن أبان بن عثمان، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أريت الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضى اللَّه عنه نيط برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
قلنا: أما الرجل الصالح، فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأما ما ذكر ما نوط بعضهم ببعض، فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه
[ (1) ](مسند أحمد) : 5/ 222، حديث رقم (17321) .
[ (2) ] انظر التعليق السابق.
[ (3) ](المستدرك) : 4/ 167، كتاب البر والصلة، حديث رقم (7247)، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم وأخرجاه مختصرا.
[تعالى] به نبيه صلى الله عليه وسلم [ (1) ] . قال الدارميّ: فسمعت يحيى بن معين يقول:
محمد بن حرب يسند هذا الحديث، والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا، وإنما هو عمر بن أبان، ولم يكن لإبان بن عثمان أن يقال له:
عمرو [ (2) ] .
وخرّج الحاكم من حديث زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة البارحة، فنظرت فيها، فإذا جعفر رضى اللَّه عنه يطير مع الملائكة، وإذا حمزة رضى اللَّه عنه متكئ على [سرير] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ][ولم يخرجاه] .
وخرجه من حديث على بن عبد اللَّه المديني قال: حدثني أبى عبد اللَّه ابن جعفر، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [رأيت] جعفر بن أبى طالب [رضى اللَّه
[ (1) ] أخرجه أبو داود في (السنن) : 5/ 30- 31، كتاب السنة، باب (9) في الخلفاء، حديث رقم (4636)، (دلائل البيهقي) : 6/ 348، (كنز العمال) :(14963) .
[ (2) ] فعلى ما ذكره أبو داود عنهما يكون الحديث منقطعا، لأن الزهري لم يسمع من جابر. وقوله:«نيط» معناه: علق، والنوط: التعليق، والتنوط: التعلق. (معالم السنن) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 32، حديث رقم (14407)، (مسند أحمد) : 5/ 222، حديث رقم (17321) .
[ (3) ](المستدرك) : 3/ 217، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4890)، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : سلمة بن وهرام ضعفه أبو داود.
وسنده في (المستدرك) : حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدثنا محمد بن المثنى، حدثني عبيد اللَّه بن عبد المجيد الحنفي، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن سلمة بن وهرام: عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وأخرجه أيضا بسياقة أخرى في مناقب جعفر بن أبى طالب، حديث رقم (4933) ، وقد حذفه الحافظ الذهبي من (التلخيص) لضعفه.
عنه] ملكا يطير مع الملائكة بجناحين.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ][ولم يخرجاه] .
ومن حديث معن بن زائدة [الأسدي الكوفي قائد الأعمش] عن الأعمش، عن أبى صالح، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رأيت كأنى دخلت الجنة، فرأيت لجعفر [رضى اللَّه عنه] درجة فوق درجة زيد [رضى اللَّه عنه] فقلت: ما كنت أظن أن زيدا يدون أحدا، فقيل: يا محمد، تدري بم رفعت درجة جعفر [رضى اللَّه عنه] ؟ قال صلى الله عليه وسلم:
قلت: لا، قيل: لقرابة ما بينك وبينه [ (2) ] .
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .
ومن حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام كأن أبا جهل أتانى فبايعني، فلما أسلم خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه، قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد صدق اللَّه تعالى رؤياك يا رسول اللَّه، هذا كان إسلام خالد رضى اللَّه عنه، [فقال:] ليكونن غيره
حتى أسلم عكرمة بن أبى جهل رضى اللَّه عنه، [وكان] ذلك تصديق رؤياه [ (3) ] . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] .
[وقال الزبير بن بكار: قال عمى مصعب بن عبد اللَّه: وزعم من يعلم أن قيام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عكرمة بن أبى جهل، وفرحه به، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4935)، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : المديني واه.
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4938)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : منكر، وإسناده مظلم.
[ (3) ](المرجع السابق) : ذكر مناقب عكرمة بن أبى جهل، حديث رقم (5060)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
رأى في منامه الجنة، ورأى فيها عذقا مذللا فأعجبه، فقال: لمن هذا؟ فقيل لأبى جهل، فشق ذلك عليه، وقال: ما لأبى جهل والجنة؟ واللَّه لا يدخلها،
فلما رأى عكرمة أباه مسلما، ناول ذلك العذق عكرمة بن أبى جهل] [ (1) ] .
وخرج الحاكم من حديث الربيع بن سليمان، حدثنا بشر بن بكر التنيسي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليم بن عامر الكلاعي، حدثني أبو أمامة الباهلي [رضى اللَّه عنه قال:] سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [يقول:] بينا أنا نائم إذا أتانى رجلان فأخذا بضبعي، فأتيانى جبلا وعرا، فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، قلت:
ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بى، فإذا [أنا] بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الذين يفطرون قبل تحلة صومهم [ (2) ] .
ثم انطلق بى، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا [وأسوئه] منظرا، فقلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الزانون والزواني، ثم انطلق بى، فإذا أنا بنساء ينهشن ثديهن الحيات، فقلت: ما بال [هؤلاء] ؟.
فقال: [هؤلاء] اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن.
ثم انطلق بى، فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من [هؤلاء] ؟
قالوا: [هؤلاء][ذراري] المؤمنين، ثم [تشرف بى شرفا] ، فإذا أنا بثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، قلت: من [هؤلاء] ؟ [قالوا] : [هؤلاء] جعفر بن أبى طالب، وزيد، [و] ابن رواحة [رضى اللَّه عنهم] ، ثم [تشرف بى
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) واستدركناه من (خ) .
[ (2) ] إلى هنا ذكره الحاكم في (المستدرك) : 1/ 595، كتاب الصوم، حديث رقم (1568)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.
شرفا] آخر، فإذا أنا بثلاثة نفر، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] إبراهيم، وموسى، وعيسى، [عليهم الصلاة والسلام] ، وهم ينتظرونك.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بجميع رواته، غير سليم بن عامر، وقد احتج به مسلم، [وخرّجه ابن حبان في صحيحه، خلا قوله: قالوا: [هؤلاء] على بن أبى طالب، وزيد، وابن رواحة] [ (1) ] .
[ (1) ](الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : 16/ 536- 537، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، باب (6) صفة النار وأهلها، حديث رقم (7491) ، وهو آخر أحاديث الكتاب، وقال في هامشه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير بشر بن أبى بكر فمن رجال البخاري، وسليم بن عامر فمن رجال مسلم، وابن جابر: هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر، وهو في (صحيح ابن خزيمة) حديث رقم (1986) بأطول منه.