الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة بدر الكبرى
ثم خرج إلى غزاة بدر، [وهي البطشة التي أعزّ اللَّه تعالى بها الإسلام، وأهلك رءوس الكفر][ (1) ] .
قال ابن إسحاق: وبلغ [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم][بدارا- ماء كان ليخلد بن النضر، ويقال لرجل من جهينة- وبين بدر والمدينة ثمانية برد][ (2) ] ، وبلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان بن حرب، مقبل من الشام، في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجارتهم، وفيها ثلاثون رجلا من قريش، أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، و [عمرو] بن العاص بن وائل،
فلما سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه ينفلكموها،
فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلقى حربا.
وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز، يتحسس [ (3) ] الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان، أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتى قريشا
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) وأثبتناه من (ج) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط في (ج) وأثبتناه من (خ) .
[ (3) ] التحسس بالحاء: أن تتسمع الأخبار بنفسك، والتجسس بالجيم: هو أن تفحص عنها بغيرك،
وفي الحديث: «لا تجسسوا ولا تحسسوا» .
فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه.
فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، فصرخ ببطن الوادي يقول: يا معشر قريش!! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
فتجهز الناس سراعا، فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط [ (1) ] له بأربعة آلاف درهم، كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يجزئ [عنه] بعثه، فخرج عنه، وتخلف أبو لهب.
وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المدينة [يوم الاثنين][ (2) ] لثمان ليالي خلون من رمضان، فساروا حتى التقوا مع المشركين ببدر.
وقال الواقدي: ولما [تحين][ (3) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انصراف العير من الشام، ندب أصحابه للعير، وبعث طلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد بن زيد، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، قال: وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمن معه، حتى انتهى إلى نقب بنى دينار، ثم نزل بالبقيع- وهي بيوت السّقيا- يوم الأحد لثنتى عشرة [ليلة] خلت من رمضان، فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة.
[قال:] وقدم عدي بن أبى الزغباء، وبسبس بن عمرو، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه، وهم ثلاثمائة وخمسة،
[ (1) ] لاط له: أي أربى له، وقال أبو عبيد: وسمى الرّبا لياطا لأنه ملصق بالبيع، وليس بيع، وقيل للربا:
لياطا لأنه لاصق بصاحبه، لا يقتضيه، ولا يوضع عنه.
[ (2) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (3) ] في (الأصلين) : «تحقق» وما أثبتناه من (مغازي الواقدي) .
وثمانية تخلفوا ضرب لهم بسهامهم وأجورهم، وكانت الإبل سبعين بعيرا، وكانوا يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، [ومرثد]، ويقال: زيد بن حارثة، يتعاقبون بعيرا واحدا، واستعمل على الماء قيس [بن] أبي صعصعة عمرو ابن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين، فوقف لهم، فعدّهم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان [دوين][ (1) ] ماء بدر، أتاه الخبر بمسير قريش،
فأخبرهم [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ]] بمسيرهم، واستشار [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ]] الناس، قال: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم،
قال: ونزل بأدنى بدر، عشاء ليلة الجمعة، ولسبع عشرة ليلة من رمضان، واستشار في المنزل، فأشار الحباب بن المنذر بنزوله على قليب بدر، فتحول إليه، وبنى له عريش من جريد، فدخله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] .
وخرّج البخاري من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر رضى اللَّه عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك، فخرج وهو ثبت في الدرع، فخرج وهو يقول:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ذكره في كتاب التفسير [ (4) ] ، وفي غزوة
[ (1) ] دوين: تصغير دون، أي على مسافة أقل.
[ (2) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 1/ 19- 49 مختصرا.
[ (4) ](فتح الباري) : 8/ 796، كتاب التفسير، باب (5) قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
بدر، في باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
[ () ] حديث رقم (4875)، قال الحافظ في (الفتح) : هذا من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة،
وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، إن عمر قال: لما نزلت سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر، وكأن عكرمة حمله عن ابن عباس عن عمر، وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس: حدثني عمر ببعضه.
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 364، كتاب المغازي، باب (4) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم
…
حديث رقم (3953) .
قوله: «اللَّهمّ إني أنشدك»
- بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدّال، أي أطلب منك.
وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: «ما سمعنا منا شدا ينشد ضالة أشدّ منا شدة من محمد لربه يوم بدر: «اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني» .
قال السهيليّ: سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال، والأنصار يخوضون في غمرات الموت، والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش، لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء.
قوله: «اللَّهمّ إن شئت لم تعبد»
إنما قال ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه خاتم النبيين، فلو هلك هو ومن معه حينئذ. لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، واستمر المشركون يعبدون غير اللَّه، فالمعنى: لا تعبد في الأرض بهذه الشريعة.
قوله: «فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك» قال الخطّابى: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحامل النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه، وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة.
فلما قال له أبو بكر ما قال كفّ عن ذلك وعلم أنه استجيب له، لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقب بقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ.
وقال غيره: وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف، وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا. (فتح الباري) مختصرا.
وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي، من حديث ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي قال: قال يونس: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: لما كان يوم بدر. وذكر مسلم من طريق عمر بن يونس الحنفي [قال:] حدثنا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.
فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه،
فأتاه أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه [تعالى:] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، فأمده اللَّه [تعالى] بالملائكة [ (1) ] .
زاد مسلم: قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: [بينما] رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مغشيا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه بضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:
صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين [ (1) ] .
قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإتاحة الغنائم، حديث رقم (1763) .
لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا نبي اللَّه! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن نأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ما ترى يا ابن الخطاب: قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه! أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أبكى الّذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة
- شجرة قريبة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللَّه عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [ (1) ] إلى قوله: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [ (1) ] فأحل اللَّه تعالى الغنيمة لهم [ (2) ] .
قال الواقدي: كان انهزام القوم وتوليهم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببدر، وأمر عبد اللَّه بن كعب بقيض الغنائم وحملها، [وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه أن يعينوه [ (3) ]] فصلى العصر ببدر، ثم راح فمر
[ (1) ] الأنفال: 67- 69.
[ (2) ](مسلم الشرح النووي) : 12/ 327- 330، كتاب الجهاد والسير، باب (18) الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، حديث رقم (1763) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
بالأثيل [ (1) ] قبل غروب الشمس، فنزل به، وبات به، وأقبل بالأسرى، حتى إذا كان بعرق الظبية [ (2) ] ، أمر عاصم بن ثابت أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، فقدمه فضرب عنقه، ولما نزلوا يسيرا بشعب بالصفراء، قسم الغنائم بها بين أصحابه، [وقدم] زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، وتلقاه الناس يهنئونه بالروحاء حتى قدم المدينة [ (3) ][واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر][ (4) ] .
[ (1) ] الأثيل: واد طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان، فكأنه بات على أربعة أميال من بدر. (المرجع السابق) .
[ (2) ] عرق الظبية: موضع بالصفراء، وهناك قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبى معيط. قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقول: عرق الظّبية- بضم أوله- وكان عقبة بن أبى معيط قد تفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له صلى الله عليه وسلم: لئن أخذتك خارج الحرم لأقتلنك، فلما أسره ببدر وبلغ عرق الظبية، ذكر نذره فقتله صبرا، وقتل حين خرج من مضيق الصفراء النضر بن الحارث. (معجم ما استعجم) : 2/ 903.
[ (3) ](مغازي الواقدي) : 1/ 114- 115.
[ (4) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.