المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم - إمتاع الأسماع - جـ ٨

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثامن]

- ‌[تتمة الفصل في طب رسول اللَّه]

- ‌ليس فيما حرّم شفاء

- ‌السُّعوط [ (2) ]

- ‌ذات الجنب [ (4) ]

- ‌الكحل

- ‌الحبة السوداء

- ‌السنا

- ‌التّلبينة [ (1) ] والحساء

- ‌اغتسال المريض

- ‌اجتناب المجذوم

- ‌وأما عرق النَّسا

- ‌وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم

- ‌الحِنَّاء

- ‌الذريرة

- ‌وأمّا أنّه [صلى الله عليه وسلم] سحر

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم سمّ

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى

- ‌وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم

- ‌وأما الكيّ والسّعوط

- ‌وأمّا الحنّاء

- ‌وأمّا السّفرجل

- ‌فصل في ذكر حركات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسكونه

- ‌وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته

- ‌[وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا ما يقوله إذا خرج من بيته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌وأمّا مشيه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله [صلى الله عليه وسلم] إذا استيقظ

- ‌وأما أنّ قلبه [صلى الله عليه وسلم] لا ينام

- ‌وأما مناماته عليه السلام

- ‌فصل في ذكر صديق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل النّبوّة

- ‌ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء

- ‌ذكر شريك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل البعث

- ‌فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شيء

- ‌وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا كيف سيره صلى الله عليه وسلم

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا

- ‌وأمّا ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السّحر

- ‌ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية

- ‌ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة

- ‌وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره

- ‌وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر

- ‌وأما كونه صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا

- ‌فصل في الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي الرحلة النبويّة

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه

- ‌وأمّا سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى اللَّه تعالى عنها

- ‌وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى

- ‌فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج

- ‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للَّه عز وجل ليلة الإسراء

- ‌فصل في سفر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌فصل في خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز

- ‌فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة الأبواء

- ‌[غزوة بواط]

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة ذي العشيرة

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌غزوة بنى قينقاع

- ‌غزوة السويق

- ‌غزوة قرارة الكدر

- ‌غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان]

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌غزوة بنى النضير

- ‌غزوة بدر الموعد

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة المريسيع

- ‌[غزوة الخندق]

- ‌[غزوة بنى قريظة]

- ‌[غزوة بنى لحيان]

- ‌[غزوة الغابة]

- ‌[غزوة خيبر]

- ‌[غزوة الفتح]

- ‌[غزوة حنين]

- ‌[غزوة تبوك]

الفصل: ‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم

‌فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج

[فقد] روى من حديث أنس، فتارة يرويه أنس عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يرويه عن أبى [ذرّ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يرويه دون ذكرهما.

‌فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم

فخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، [قال] حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه [تعالى] عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافرة عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، [قال:] فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام، بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة [ (1) ] .

[ (1) ]«البراق» بضم الباء الموحدة، قال أهل اللغة: البراق اسم الدابة التي ركبها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. قال الزبيدي في (مختصر العين)، وصاحب (التحرير) : هي دابة كانت الأنبياء صلوات اللَّه وسلام عليهم يركبونها. وهذا الّذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها، يحتاج إلى نقل صحيح.

قال ابن دريد: اشتقاق البراق من البرق إن شاء اللَّه تعالى، يعنى لسرعته، وقيل: سمى بذلك لشدة صفائه، وتلألئه، وبريقه، وقيل: لكونه أبيض.

وقال القاضي: يحتمل أنه سمى بذلك لكونه ذا لونين، يقال: شاه برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. قال: ووصف في الحديث بأنه أبيض، وقد يكون من نوع الشاة البرقاء، وهي

ص: 214

قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال:

جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بآدم عليه السلام، فرحّب بى، ودعا لي بخير [ (1) ] .

[ () ] معدودة في البيض، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 569، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (259) .

قوله صلى الله عليه وسلم: «فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات اللَّه عليهم»

أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة: إحداهما: بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة، والثانية: بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة.

قال الواحدي: أما من شدده فمعناه المطهر، وأما من خففه فقال أبو على الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدرا، أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ* ونحوه من المصادر، وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان الّذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منها. وقال الزجاج: البيت المقدس المطهر، وبيت المقدس أي المكان الّذي يطهر فيه من الذنوب. (المرجع السابق) .

قوله: صلى الله عليه وسلم: «فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء»

الحلقة بإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا.

قال الجوهري: حكى يونس عن أبى عمرو بن العلاء حلقة بالفتح، وجمعها حلق وحلقات. وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها، والمراد حلقة باب مسجد بيت المقدس واللَّه أعلم. وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطى الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، إذا كان الاعتماد على اللَّه تعالى. (المرجع السابق) .

قوله: «اخترت الفطرة»

فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، ومعناه واللَّه تعالى أعلم: اخترت علامة الإسلام، والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا، طيبا، طاهرا، سائغا للشاربين، سليم العاقبة. أما الخمر فإنّها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل. واللَّه تعالى أعلم.

(المرجع السابق) .

[ (1) ]

قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه» .

أما

قوله: «عرج»

فبفتح العين والراء، أي صعد،

وقوله: «جبريل»

فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه، فقيل له:

«من أنت» ، فينبغي أن يقول: زيد، مثلا، إذا كان اسمه زيدا، ولا يقول: أنا، فقد جاء الحديث

ص: 215

[قال:] ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، [قيل] : وقد بعث إليه؟

قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، عليهما السلام، فرحبا بى، ودعوا لي بخير [ (1) ] .

ثم عرج [بنا] إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟

قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، [قيل:] وقد بعث إليه؟ قال:

قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، [إذ] هو قد أعطى شطر الحسن، قال فرحب بى، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا، قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال اللَّه [تبارك و] تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.

[ () ] بالنهى عنه، ولأنه لا فائدة فيه.

وأما قول بواب السماء: «وقد بعث إليه» فمراده: وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات، وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة، فهذا هو الصحيح، واللَّه أعلم بمعناه.

ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره، وأن كان القاضي قد ذكر خلافا، أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة، أو عما ذكرته، قال القاضي: وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقية، وحفظة موكلين بها، وفيه إثبات الاستئذان. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) .

[ (1) ]

قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بآدم فرحّب بى ودعا لي بخير» ثم قال في السماء الثانية: «فإذا أنا بابني الخالة، فرحبا بى ودعوا» ،

وذكر صلى الله عليه وسلم في باقي الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم نحوه، فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب، والكلام الحسن، والدعاء لهم، وإن كانوا أفضل من الداعي، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بابني الخالة» ،

قال الأزهري: قال ابن السكيت: يقال لهما: ابنا عم، ولا يقال: ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة، ولا يقال ابنا عمة.

ص: 216

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال:

جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال:

جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال:

جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مسند ظهره إلى البيت المعمور [ (1) ] ، وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه.

ثم ذهب بى إلى السدرة المنتهى [ (2) ] ، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال [ (3) ] ، فلما غشيها اللَّه ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليّ ما أوحى، فعرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى عليه السلام، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربى فقلت: [يا رب] ، خفف على أمتى،

[ (1) ]

قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور» ،

قال القاضي: يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها.

[ (2) ] هكذا وقع في كل الأصول «السدرة» بالألف، وفي الروايات بعد هذا «سدرة المنتهى» . قال ابن عباس، والمفسرون، وغيرهم: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهى إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وحكى عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه أنها سميت بذلك لكونها ينتهى إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر اللَّه تعالى. (المرجع السابق) .

[ (3) ] القلال بكسر القاف: جمع قلة، والقلة جرّة عظيمة تسع قريتين أو أكثر.

ص: 217

فحط عنى خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربى [ (1) ] تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال يا محمد، انهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب له شيئا، فإن عملها، كتبت له سيئة واحدة.

قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه.

[وفي بعض الطرق: أنه صلى الله عليه وسلم راجع، وخفف عنه في كل مراجعة، وفي أخرى: أنه خفف عنه أولا الشطر، ثم خفف عنه ثانيا تخفيفا واحدا إلى الخمس، فتكون المراجعة على هذا مرتين، وفي أخرى: أن التخفيف كان عشرا عشرا، إلى المرة الأخيرة، فكان التخفيف فيها خمسا، وبقيت هذه الخمس][ (2) ] .

[والجمع بينهما أن يقال: لا تعارض، إنما فيه إجمال في بعضها، وتفصيل في الأخرى، لأن قوله فخفف عنى الشطر، أعم من كونه خففه مرة واحدة، أو في مرار متعددة، ولذا ذكر التفصيل والإجمال، وحمل الإجمال على التفصيل ولا تعارض. وللَّه الحمد][ (2) ] .

[وأما الحديث الّذي رواه حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، وفيه: فحط عنى خمسا، من أفراد مسلم، والّذي اتفقا عليه من حديث

[ (1) ] معناه رجعت إلى الموضع الّذي ناجيته منه أولا، فناجيته فيه ثانيا، (المرجع السابق) .

[ (2) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) .

ص: 218

أنس، أنه حطّ عنه عشرا عشرا، وزعم ابن الجوزي: أن هذه الرواية التي فيها فحط عنى خمسا، غلط من الراويّ.] [ (1) ] .

وخرّج مسلم أيضا من حديث بهز [قال:] حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا [ثابت عن] أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتيت فانطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت [ (2) ] .

ومن حديث حماد بن سلمة، [قال:] حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، ثم قال:

هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان إلى أمه- يعنى ظئره- فقالوا: إن

[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من النسخة (خ) وأثبتناه من (ج) .

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 573، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفرض الصلوات، حديث رقم (260) .

قوله صلى الله عليه وسلم: «فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت»

معنى «شرح» ، شقّ، كما قال في الرواية التي بعد هذه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم أنزلت»

هو بإسكان اللام وضم التاء، وهكذا ضبطناه، وكذا هو في جميع الأصول والنسخ، وكذا نقله القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى عن جميع الروايات، وفي معناه خفاء، واختلاف.

قال القاضي: قال الوقشى: هذا وهم من الرواة وصوا به «تركت فتصحف» . قال القاضي: فسألت عنه ابن السراج فقال: أنزلت في اللغة بمعنى تركت صحيح، وليس فيه تصحيف.

قال القاضي: وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت، فهو ضد رفعت، لأنه قال: انطلقوا بى إلى زمزم ثم أنزلت، أي ثم صرفت إلى موضعي الّذي حملت منه.

قال: ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبى بكر البرقاني، وأنه طرف حديث، وتمامه «ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا» هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى (المرجع السابق) .

ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط أنزلت بفتح اللام وإسكان التاء، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها.

(المرجع السابق) .

ص: 219

محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس رضى اللَّه عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره [صلى الله عليه وسلم][ (1) ] .

وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى سليمان بن بلال قال:

[حدثني] شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن [يوحى] إليه، وهو نائم في المسجد

[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (261) .

قوله: «ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه» أما الطّست: فبفتح الطاء وإسكان السين المهملتين، وهي إناء معروف، وهي مؤنثة، قال: وحكى القاضي عياض كسر الطاء لغة، والمشهور الفتح كما ذكرنا، ويقال فيها: طسّ بتشديد السين وحذف التاء، وطسّة أيضا، وجمعها طساس، وطسوس، وطسات. (المرجع السابق) .

وأما «لأمه» فبفتح اللام وبعدها همزة، على وزن ضربه، وفيه لغة أخرى: لاءمه بالمد، على وزن آذنه، ومعناه: جمعه، وضمّ بعضه إلى بعضه، وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا، فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس باللازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان أول الأمر، قبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم أواني الذهب والفضة. (المرجع السابق) .

قوله: «يعنى ظئره» هي بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة، وهي المرضعة [من غير الأم الوالدة]، ويقال أيضا لزوج المرضعة ظئر. قوله:«فاستقبلوه وهو منتقع اللون» هو بالقاف المفتوحة أي متغير اللون، قال أهل اللغة: امتقع لونه، فهو ممتقع، وابتقع بالباء فهو مبتقع، فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن.

قال الجوهري وغيره: والميم أفصحهنّ، ونقل الجوهري اللغات الثلاث عن الكسائي، قال: ومعناه تغير من حزن أو فزع.

وقال الهروي في (الغريبين)، في تفسير هذا الحديث: يقال: انتقع لونه، وانتقع، وامتقع، واستقع، وانتسف وانتشف- بالسين والشين- والتمع، والتمغ- بالعين والغين- وابتسر، والتهم، (المرجع السابق) .

قوله: «كنت أرى أثر المخيط في صدره» هو بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء، وهي الإبرة.

وفي هذا دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل، ولا خلاف في جوازه، إلا أن ينظر بشهوة فإنه يحرم، إلا الزوج لزوجته ومملوكته إلا أن يكون لحاجة البيع والشراء، والتطبيب والتعليم ونحوهما، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) مختصرا.

ص: 220

الحرام

وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني، [وقدّم] فيه شيئا وأخر، وزاد ونقص. هكذا قال مسلم [ (1) ] .

وخرّجه البخاري من حديث سليمان عن شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام فقال [أولهم] : أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، أو قال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى في ما يرى قلبه، والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فتولاه جبريل عليه السلام ثم عرج به إلى السماء.. هذا الّذي ذكره البخاري من هذا الحديث، وذكره في كتاب المناقب، وترجم عليه باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا [ينام قلبه][ (2) ] .

وخرّجه في كتاب التوحيد، في باب: وكلم اللَّه موسى تكليما بهذا السند، ولفظة: سمعت ابن مالك يقول: ليلة أسرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: [هو خيرهم]، [فقال] أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، [فيما] يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند [بئر] زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبّته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه،

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 575 كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (262) .

[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 718- 719، كتاب المناقب، باب (24) كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، حديث رقم (3570) .

ص: 221

ثم أتى [بطست] من ذهب، فيه تور من ذهب، محشورا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعنى عروق حلقه- ثم أطبقه.

ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: [معى محمد] قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد اللَّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلّم عليه فسلم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنىّ، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، قال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك.

ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى:

من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا.

ثم عرج إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك.

كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت، منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة، لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلامه للَّه، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه، حتى

ص: 222

جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللَّه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.

ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلى خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار [عليه] جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه:[يا رب] خفف عنا، فإن أمتى لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، واللَّه لقد راودت بنى إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا، وقلوبا، وأبدانا، وأبصارا، وأسماعا، فارجع [فليخفف] عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل.

فرفعه عند الخامسة، فقال:[يا رب] ، إن أمتى ضعفاء أجسادهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال:

لبيك وسعديك، [قال] : إنه لا يبدل القول لدىّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهن خمس عليك.

فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد واللَّه راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول اللَّه

ص: 223

صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا موسى! قد واللَّه استحييت من ربى مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم اللَّه، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام [ (1) ] .

وقد انتقد الحافظ أبو محمد أحمد بن على بن حزم، رحمه الله [تعالى]، حديث شريك هذا فقال: وما وجدنا للبخاريّ ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، ثم عليه في تخريجه الوهم، مع اتفاقهما، وحفظهما، وصحة معرفتهما،

[ (1) ](فتح الباري) : 13/ 584- 585، كتاب التوحيد، باب (37) ما جاء في قوله اللَّه عز وجل:

وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (7517)، قوله:«فاستيقظ وهو في المسجد الحرام» ، قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء، لأن إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنما كان في بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهده الملأ الأعلى، لقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فلم يرجع إلى حال بشريتة صلى الله عليه وسلم إلا وهو بالمسجد الحرام.

وأما

قوله في أوله: «بينا أنا نائم» ،

فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه.

وفي

قوله في الرواية الأخرى: «بينا أنا بين النائم واليقظان أتانى الملك»

إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه.

وهذا كله يبنى على توحيد القصة. وإلا فمتى حملت على التعدد، بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة، فلا يحتاج ذلك.

قال الحافظ ابن حجر: قيل: اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنه أول من تلقاه عند الهبوط، ولأن أمته أكثر من أمة غيره، ولأن كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن وتشريعا وأحكاما، أو لأن أمة موسى كانوا كلفوا من الصلاة ما ثقل عليهم. فخاف على أمة محمد مثل ذلك، وإليه الإشارة بقوله:«فإنّي بلوت بنى إسرائيل» ، قاله القرطبي.

وأما قول من قال: إنه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح، لأن حديث مالك بن صعصعة أقوى من هذا، وفيه: أنه لقيه في السماء السادسة.

وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة، وصعد موسى إلى السابعة، فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال، وبطل الرد المذكور، واللَّه تعالى أعلم. (فتح الباري) .

ص: 224

ثم ذكر هذا الحديث. وقال عقيبة: فهذه ألفاظ معجمة بلا شك، والآفة من شريك من ذلك.

[وأما] قوله: إن ذلك كان قبل أن يوحى إليه، وأنه حينئذ فرضت عليه الخمسون صلاة، وهذا بلا خلاف بين أحد من أهل العلم، إنما كان قبل الهجرة بسنة، وبعد أن أوحى إليه بنحو اثنتي عشرة سنة.

ثم قوله: إن الجبار دنا فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وعائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، تروى أن الّذي دنا فتدلى، جبريل عليه السلام.

قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، رحمه الله، في مسألة الانتصار لإمامى الأمصار، رحمهما اللَّه [تعالى] : ورأيت لأبى عبد اللَّه الحميدي بخط يده: ذكرت للقاضي الفقيه- أطال اللَّه [تعالى] مدته، وقرن بالسلامة أوبته- حديثين يتبعهما الحافظ على رواتهما، وأخرجت في الصحيح على ذلك لغرض لعله وقع لمخرجهما، وأردت أن أبين لك الحديثين، لتقف عليهما، وتعرضهما على من ربما وجد مخرجا لهما، وذكر الحديثين بلفظ ابن حزم، ثم قال عقبيهما: وقد عرضت هذا الاعتراض الّذي رأيته لبعض الحفاظ، على جماعة من المتحققين بعلم الحديث، فكلهم تحيّر في وجه المخرج في ذلك، وذكر لي أن لأبى سليمان الخطابي في ذلك كلاما، ذكره في كتاب (أعلام الحديث) ، الّذي [ألفه] في شرح معاني كتاب (الجامع الصحيح) ، وذكر كلام أبى سليمان على حديث شريك.

قال ابن طاهر: [و] الحميدي سلك طريق أستاذه في التحريف، [لأنه] نسب البخاريّ ومسلما، إلى أنهما أخرجا هذين الحديثين لغرض وقع لهما، مع العلم بعلتهما، وهذا ارتكاب كبيرة في حقهما، فإنّهما معروفان

ص: 225

بالإنصاف، غير متعصبين لفرقة، لم يسلكا في تصنيفهما ما سلكه المصنفون قبلهما أو بعدهما، من نصرة مذهب واحد، وإنما نصرا الصحيح وأخرجاه، ولذلك رفع اللَّه عز وجل كتابيهما، وجعلهما حجة بين المسلمين، لما علم من صدق نيتهما في ذلك، ولو سلكا طريق التعصب، لخرجا عن حيّز التحكيم، لأن شرط الحكم أن ينصف بين الخمصين، ورأينا الفرق قاطبة تحتج بما أخرجاه، [ويلتزم] الخصم ذلك من خصمه، فصح بذلك ما قلناه.

قال جامعه ومؤلفه [عفى اللَّه عنه] : في كلام ابن طاهر هذا تحامل على الحميدي، فإنه لم يرد قط أن البخاريّ ومسلما، خرجا الحديثين لغرض سيئ، لكن أعلم أنهما- ومكانهما من العلم مكانهما- أخرجا ذلك مع ما فيهما [مما] ينتقد، لشيء من الأشياء قصداه، لا أنهما خفي عليهما ما ظهر لغيرهما، والحميدي لا يخفى عليه البتة شيء مما ذكره ابن طاهر، من جميل مقصد البخاري ومسلم فيما أخرجاه في صحيحيهما، واللَّه تعالى الموفق.

قال ابن طاهر: إن كلامه في شريك، شيء لم يسبقه إليه أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل قبلوه، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، ثم ذكر عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ليس به بأس، وذكر عن ابن [عدي] أنه قال: شريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدّث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عن نفسه فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروى عن ضعيف، ثم قال: فحكم ابن عدىّ، أن الآفة إنما تأتينا من الراويّ عنه، والراويّ عنه هذا الحديث سليمان بن بلال، أحد ثقات أهل المدينة، ومن عدّله مالك فمن بعده من الأئمة، لا يسمع فيه قول المتأخر بحال، فلما ثبتت عدالته، خرج عما قاله ابن حزم، وأن الآفة ليست

ص: 226

من شأنه، ويقول: إنّ الوهم في قوله: «وذلك قبل أن يوحى إليه» صحيح، وبالوهم لا يسقط حديث المحدّث الثقة الحافظ، على أن هذا الوهم قديم على من روى عنه هذا الحديث إلى عصر ابن حزم، ولم يستدركه أحد وقد قال يحيى بن معين: لو تركنا أحدا لكثرة غلطه، لتركنا حديث عيسى ابن يونس، على أن هذا الوهم ليس فيه ارتكاب كبيرة يترك لأجلها حديثه، وإنما هو وهم في التاريخ، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ، لترك جماعة من أئمة المسلمين لاختلافهم في التواريخ في [الوفيات] وغيرها، ولعله أراد أن يقول: وذلك بعد أن أوحى إليه بنحو من كذا، فقال: وذلك قبل أن يوحى إليه، جريان اللسان، وهذا الوهم على الحقيقة، إنما يأتى من جهة ثلاثة: إما أنس رضى اللَّه عنه، وإمّا شريك، وإمّا سليمان، فلم خصّه من بينهم بهذا الوهم؟ فدلّ جميع ذلك عن أن كلامه في شريك لا وجه له. وأما احتجاجه بقول عائشة رضى اللَّه عنها، فذكره ابن طاهر من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أشوع، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت:] قلت [لها] : دَنا فَتَدَلَّى، قالت: ذاك جبريل [عليه السلام]، ثم قال: وهذا حديث مخرج في الصحيحين من حديث أبى أسامة، وحماد بن سلمة، عن زكريا بن أبى زائدة، ويعد في أفراد زكريا، عن سعيد بن عمرو بن أشوع.

والحديث موقوف على عائشة [رضى اللَّه عنها] لم يتجاوز به غيرها، فيكون مع اتفاقه والتفرد الّذي في إسناده، قول واحد من الصحابة، [رضى اللَّه عنهم] والكلام عليه من وجهين:

أحدهما: أن قولها يدل على [أن] الموحى جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، وأجمعت الأمة على [أن] الموحى هو اللَّه عز وجل، لقوله [تبارك] وتعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

ص: 227

والوجه الثاني: خلاف أنس وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، أما حديث أنس، فقد تقدم من حديث شريك، المخرّج في الصحيحين، وأما حديث ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، فذكره ابن طاهر من طريق أبى القاسم البغوي، [قال:] حدثنا سعيد [بن] يحيى الأموي، قال: حدثني أبى، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبى سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما]، في قول اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: فدنا ربه عز وجل [منه] ، فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، قال: قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] : ورواه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال ابن طاهر: وهذا إسناد متصل، ورجاله ثقات، وهو من أصح الروايات في التفسير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] .

ورواه عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وأخرج من حديثه في كتاب البخاري، ثم ذكر أيضا من حديث الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا على بن مسلم، حدثنا سفيان عن عمر، وعن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال:

هي رؤيا عين رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: شجرة الزقوم.

وأخرجه البخاري في صحيحه، عن على بن [المديني] ، والحميدي عبد اللَّه بن الزبير، كليهما عن سفيان بن عيينة، هذا في التفسير، والقدر، والبعث، ثم ذكر أيضا من طريق أبى القاسم البغوي، حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا عبد اللَّه بن داود، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: أدركت خمسين أو سبعين من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس، لم يقوموا حتى يقولوا: هو كما قلت،

ص: 228

أو صدقت.

وقد سئل الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ عن معنى هذا الحديث- يعنى قول عائشة رضى اللَّه عنها: من حدثك أن محمدا [صلى الله عليه وسلم] رأى ربه؟ - فقال: معناه في الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم حيث عرج به، صار إلى الآخرة، فلما صحّ الإسناد إلى هذين الصحابيين، كان الرجوع إلى قولهما أولى بلا خلاف بين أئمة المحدثين وهو ظاهر الآية، فلا يترك الظاهر مع قوليهما، ويرجع إلى قول من فسّر القرآن على حسب رأيه ومراده، وتأويل من تأوله، على وفق مذهبه واجتهاده [وبذلك صح] ما رسمناه، وأن البخاري ومسلما في تخريجهما هذا الحديث مصيبان، وأن المعترض عليهما دخل عليه الوهم في نقده عليهما، لأنه وإن كان إماما مفتيا في علوم شتى، إلا أن كلامه على هذا الحديث يدل على أنه لم يسلك طريق الحفاظ في تعليل الحديث.

وذلك أن الحفّاظ النقّاد، إنما يعللون الحديث من طريق الإسناد، الّذي هو المرقاة إليه، وهذا الرجل علل من حيث اللفظ، ولم يقف على أن لهذا اللفظ متابعات مع صحة النقل إليهما، والدليل على ذلك، أنه لو شرع في تعليله من طريق الإسناد، لوجد طريقا إلى ذلك، لاختلاف الرواة على أنس في إيراد هذا الحديث، على أن الجواب عن الاختلاف إن اعترض عليه معترض من أهل الصنعة، هو أن هذا الحديث رواه عن أنس أربعة من ثقات التابعين، فسلك كل رجل منهم في إيراده غير طريق صاحبه.

[وروى] أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، عن أنس، عن أبى ذر جندب بن جنادة، وتابع عقيلا- يعنى في روايته- عن ابن شهاب يونس ابن يزيد الإملي، وعنه مخرّج في الصحيحين، ورواه أبو خطاب قتادة بن دعامة السدوسي، عن أنس [بن] مالك، عن مالك بن صعصعة الأنصاري.

ص: 229

وهذا الحديث أخرجه البخاري من كتابه في أربعة مواضع، عن هدبة بن خالد، وتابع قتادة على روايته عن أنس عباد بن على. هكذا ذكره البخاري في بعض الروايات عنه.

وروى أبو محمد ثابت بن أسلم البناني، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلا، ولم يذكر بينهما أحدا، ورواه أبو عبد اللَّه شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر الليثي، عن أنس رضى اللَّه عنه، موقوفا عليه، ثم صح النقل إلى كل واحد منهم، مع حفظهم وإتقانهم، فاحتجنا أن نطلب لهذا الاختلاف وجها، إذ ليس في بعض الأسانيد من يحمل عليه، فيسقط من طريق الترجيح.

فلم يبق إلا أن نقول: هذه قصة جرت بمكة، لم يحضرها أنس [رضى اللَّه عنه] ، وإنما [سمعها] من غيره، سمعها أولا من أبى ذر، ومالك بن صعصعة، ثم سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك: أنا رأيناه سمع أحاديث من صحابى، ثم رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في روايته عن عبادة ابن الصامت، مشهور عند أهل الحديث.

ثم ذكر ابن طاهر من طريق البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك [قال:] فقدمت المدينة، فلقيت عتبانا فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابنى في بصرى بعض الشيء، فذكر الحديث بطوله، فأنس رضى اللَّه عنه سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع، وهو أصغر منه، ولم يقتصر على قوله، حتى رحل إلى المدينة، فسمعه من عتبان، على أن هذا الحديث الّذي رحل لأجله، وسمعه من غيره، لا يقاوم حديث الإسراء في الجلالة والشهرة، فتحققنا أنه سمعه بعد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه، رواية جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه

ص: 230

عنهما] ، وغيره لهذا الحديث، ممن لم يحضر القصة.

ثم ذكر حديث ابن وهب: حدثني يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب:

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عز وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه.

ورواه عقيل، ومعمر، وابن أخى الزهري، عن الزهري كذلك

[ومفاده] أن [جابرا][رضى اللَّه عنه] لم يحضر هذه القصة، فإن قيل: فما السبب في هذا التفصيل؟ ولم لم يجمع بينهما وبين روايته، أو يقتصر على بعضها، إما على قول أحدهما أو على ما سمعه هو؟.

الجواب أنه رضى اللَّه عنه أراد أن يؤدى عن كل واحد ما سمعه منه، ويفصل حديثه من حديثهم، لأن الجمع بين هذه الثلاثة يصعب، لما فيه من تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان، أو لعله ذكر حديث مالك عقيب حديث إلى ذر [رضى اللَّه عنه] ، أو حديث أبى ذر عقيب حديث مالك، ثم ذكر حديثه بعدهما، فحمل كل واحد من الرواة ما حدثه به من الطرق، واقتصر على إيراده منها، لما قدمنا من صعوبة الجمع بين الطرق.

والدليل على هذا: أن قتادة وثابتا من كبار أصحابه البصريين، حافظان متقنان جليلان، كانا في عصر واحد، ومصر واحد، نقل قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ونقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم بذلك ما قلناه.

ثم ذكر عن أبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم قال: سألت أبى عن حديث رواه الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] في المعراج، ورواه قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لأبى:

أيهما أشبه؟ قال: أنا لا أعدل بالزهري أحدا من أهل عصره، ثم قال: إني

ص: 231

لأرجو أن يكونا جميعا صحيحين.

قال ابن طاهر: وأما الكلام على إيقاف شريك للحديث، فإن الشيخ: أبا سليمان الخطابي- رحمه اللَّه تعالى- أشار إلى تعليل هذا الحديث من وجهين، أحدهما: إيقاف شريك له، والثاني: تفرده بهذه الزيادة، والجواب: أن هذا الحديث من طريق شريك، وإن كان موقوفا من حيث الحقيقة، مسندا لأنه قد روي من غير وجه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يزيده بيانا طريق ثابت المتصل.

وأما الجواب عن زيادته: فلا خلاف بين أهل الصّنعة، أن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد صححنا ثقته مع متابعة ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] له على روايته.

واعلم أن إنكارهما لم يصدر عن معرفة صحيحة بعلم الحديث وصناعته، إنما ورد من جهة أخرى، وهي أنهما استبشعا هذه اللفظة وأنكراها، ولم يجدا طريقا إلى رفعها إلا من هذا الوجه الّذي انتقص عليهما، ثم إن القرآن والسنة، غير خاليين من هذا النوع، وأخبار الصفات غير عارية من مثل هذا الفن الّذي أنكراه، على أنهما ممن يثبت الصفات ويؤمن بها. انتهى كلام ابن طاهر، وفيه ما يقبل، وما ينتقد.

وأما [ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن صعصعة [بن مالك] ، رضي الله عنهما، فخرجه البخاري في كتاب [مناقب الأنصار][ (1) ] من حديث همام [عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه] عن مالك بن صعصعة [قال] : أن [نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثه]

[ (1) ] في (الأصلين) : في كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب ما أثبتناه، وسياق أول هذه الفقرة مضطرب في (الأصلين) .

ص: 232

عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا، إذا أتاني آت، فقد- قال: وسمعته يقول:

فشق- ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصّه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت [بطست] من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة، قال أنس [رضي الله عنه] : نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال:

محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم [عليه السلام] فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟

قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يحيى وعيسى [عليهما السلام] وهما ابنا خالة، قال:

هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت، فردّا، ثم قالا:

مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح.

ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟

قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف، فسلم عليه، فسلمت عليه، فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ص: 233

ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس [عليه السلام]، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون [عليه السلام]، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى، فسلم عليه [فسلمت عليه] فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته، أكثر مما يدخلها من أمتي.

ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا

ص: 234

ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات.

ثم رفع لي البيت المعمور، [يدخله كل يوم سبعون ألف ملك][ (1) ] ، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك.

ثم فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني واللَّه قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله: فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي [ (2) ] .

[ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصلين) وليس في رواية البخاري التي نحن بصددها.

[ (2) ](فتح الباري) : 7/ 255- 257، كتاب مناقب الأنصار، باب (42) حديث رقم (3887) .

ص: 235

_________

[ () ]«المعراج» بكسر الميم، وحكى ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد، وقد اختلف في وقت المعراج، فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال، [ذكرها الحافظ في (الفتح) : 7/ 257، وما بعدها] .

قوله: «عن مالك بن صعصعة» أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار، ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك، [له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 10/ 16، ترجمة رقم (22) قال الحافظ ابن حجر: نسبه ابن سعد فقال: مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار] .

قوله «في الحطيم وربما قال في الحجر»

هو شك من قتادة، كما بينه

أحمد عن عفان عن همام ولفظه: «بينا أنا نائم في الحطيم» ، وربما قال قتادة:«في الحجر» ،

والمراد بالحطيم هنا الحجر، وأبعد من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم، هل هو الحجر أم لا؟ لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع فيها ذلك، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها، وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ:«بينا أنا عند البيت» ، وهو أعم.

وفي حديث أم هانئ عند الطبراني: أنه بات في بيتها، قال: «ففقدته من الليل فقال:

إن جبريل أتاني» . والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيتها، فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق.

قوله صلى الله عليه وسلم: «مضطجعا» زاد في بدء الخلق: «بين النائم واليقظان»

وهو محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث:

«فلما استيقظت» ،

فإن قلنا بالتعدد، فلا إشكال، وإلا حمل على أن المراد باستيقظت: أفقت، أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال، بمشاهدة الملكوت، ورجع إلى العالم الدنيوي.

قوله: «من نغره» بضم المثلثة وسكون المعجمة، وهي الموضع المنخفض الّذي بين الترقوتين.

قوله: «إلى شعرته» بكسر المعجمة، أي شعر العانة، وفي رواية مسلم:«إلى أسفل بطنه» ، وفي بدء الخلق:«من النحر إلى مراق بطنه» .

ص: 236

_________

[ () ] قوله: «من قصّة» بفتح القاف وتشديد المهملة، أي رأس صدره.

وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به.

وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) ، ولكل منهما حكمة، فالأولى عن طفولته صلى الله عليه وسلم لاستخراج حظ الشيطان، والثانية عند إرادة العروج إلى السماء، ليتأهب للمناجاة، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. قال القرطبي في (المفهم) : لا يلتفت لإنكار الشقّ ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: «فغسل قلبي»

قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة، لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض.

قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلب صلى الله عليه وسلم مع القدرة على أن يمتلئ إيمانا وحكمة بغير شق- الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطي برؤية شق بطنه، وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا، ولذلك وصف بقوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى واختلف هل كان شق الصدر وغسله مختصا به صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره من الأنبياء؟ فقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة.

قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم أتيت بدابة»

قيل: الحكمة في الإسراء به صلى الله عليه وسلم راكبا مع القدرة على طي الأرض له، إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يختص به، يبعث إليه بما يركبه.

قوله: «دون البغل وفوق الحمار أبيض» كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا، أو بالنظر للفظ البراق، والحكمة لكونه بهذه الصفة الإشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بداية لا توصف بذلك في العادة (فتح الباري) .

قوله: «فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم» هذا يوضح أن الّذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار، أي هو البراق، وقع بالمعنى، لأن أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة.

قوله: «يضع خطوه» بفتح المعجمة أوله: المرة الواحدة، وبضمها: الفعلة.

ص: 237

_________

[ () ] قوله: «عند أقصى طرفه» بسكون الراء وبالفاء، أي نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره.

قوله: «حتى أتى السماء الدنيا» ظاهرة أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء، وهو مقتضى كلام ابن أبي جمرة المذكور قريبا، وتمسك به أيضا من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، فأما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقى المعراج، وهو السلم كما وقع مصرحا به

في حديث أبي سعيد عن ابن إسحاق والبيهقي في (الدلائل)، ولفظه:«فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته»

فذكر الحديث

قال: «ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصليت، ثم أتيت بالمعراج» .

وفي رواية ابن إسحاق: «سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فلم أر قط شيئا كان أحسن منه، وهو الّذي يحد إليه الميت عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء»

الحديث.

وفي رواية كعب: «فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب، حتى عرج هو وجبريل» وفي رواية لأبي سعيد في (شرف المصطفى) أنه «أتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه منضد باللؤلؤ، وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة» .

وأما المحتج بالتعدد فلا حجة له، لاحتمال أن يكون التقصير في ذلك الإسراء من الراويّ. (فتح الباري) .

قوله: «أرسل إليه» ؟ أي للعروج، وليس المراد أصل البعث، لأن ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الأعلى، وقيل: سألوا تعجبا من نعمة اللَّه عليه بذلك، أو استبشارا به، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقي إلا بإذن اللَّه تعالى، وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه، وقوله:«من معك» ؟ يعشر بأنهم أحسوا معه برفيق، وإلا لكان السؤال بلفظ «أمعك أحد» ، وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة، وإما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها، يشعر بأمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة. (فتح الباري) .

وفي قول: «محمد» دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية، وقيل: الحكمة في سؤال الملائكة: «وقد بعث إليه» ؟ أن اللَّه تعالى أراد إطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم على أنه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا: «أوبعث إليه» ؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، وإلا لكانوا يقولون: ومن محمد؟ مثلا (فتح الباري) .

قوله: «مرحبا به» أي أصاب رحبا وسعة، وكنى بذلك عن الانشراح، واستنبط منه ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول الملك:«مرحبا به»

ص: 238

_________

[ () ] ليس ردا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب، والسياق يرشد إليه.

قوله: «فنعم المجيء جاء» قيل: المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير:«جاء فنعم المجيء مجيئه» .

وقال ابن مالك: في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو الصفة عن الموصوف في باب نعم، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص بمعناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها، فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير نعم المجيء الّذي جاء، أو نعم المجيء مجيء جاءه، وكونه موصولا أجود، لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة، (فتح الباري) .

قوله صلى الله عليه وسلم: «فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي»

هذا من أقوى ما استدل به على أن اللَّه سبحانه وتعالى كلم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة.

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم:

أن للسماء أبوابا حقيقية وحفظة موكلين بها.

وفيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان، ولا يقتصر على أنا، لأنه ينافي مطلوب الاستفهام.

وأن المار يسلم على القاعد، وإن كان المار أفضل من القاعد.

وفيه استحباب تلقى أهل الفضل بالبشر، والترحيب، والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه.

وفيه جواز الاستناد إلى القبلة، بالظهر وغيره، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور، وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة.

وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل.

وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار، لما وقع من الإسراء بالليل ولذلك كانت أكثر عيادته بالليل،

وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل، وقال:«عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» .

وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه عالج الناس قبله وجربهم.

ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة، وقد قال موسى في كلامه: إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة- قال:

ويستفاد منه أن مقام الرضا والتسليم، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثمّ استبدّ موسى عليه السلام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف، دون إبراهيم عليه

ص: 239

وخرّج البخاريّ أيضا في [كتاب] بدء الخلق، في باب ذكر الملائكة، من حديث همام عن قتادة، ومن حديث سعيد وهشام عن قتادة، حدثنا أنس عن مالك بن صعصعة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان

الحديث إلى آخره بمعنى هذا، وقال في آخره: إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا [ (1) ] .

وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، لعله قال: عن مالك بن صعصعة- رجل من قومه- قال: قال نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة: فقلت للذي معي: ما

[ () ] السلام، مع أن للنّبيّ صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة، ورفعة المنزلة، والاتباع في الملة.

وقال غيره: الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها، وأنهم خالفوه وعصوه.

وفيه أن الجنة والنار قد خلقتا، لقوله في بعض طرقه:

«عرضت عليّ الجنة والنار» .

وفيه استحباب الإكثار من سؤال اللَّه تعالى وتكثير الشفاعة عنده، لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في إجابته مشورة موسى عليه السلام في سؤال التخفيف.

وفيه فضيلة الاستحياء، وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وإن لم يستشر الناصح في ذلك (فتح الباري) .

[ (1) ]

(فتح الباري) : 6/ 371- 373، كتاب بدء الخلق، باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3207)، وفي آخره: وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في البيت المعمور» .

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 581- 583، كتاب الإيمان باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (264) .

ص: 240

يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه، فاستخرج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة.

ثم أتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار، ودون البغل، يقع خطوة عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا سماء الدنيا، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل:

وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقال: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، قال: فأتينا على آدم صلى الله عليه وسلم.

. وساق الحديث بقصته، وذكر أنه لقي في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون.

قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة، فأتيت على موسى عليه السلام، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزته بكى، فنودي: ما يبكيك؟

قال: رب هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة، أكثر مما يدخل من أمتي، قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة، فأتيت على إبراهيم.

وقال في الحديث: وحدث نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، أنه رأى أربعة أنهار، يخرج من أصلهما نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت:

يا جبريل! ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات.

ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟

قال: هذا البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم.

ص: 241

ثم أتيت بإناءين، أحدهما لبن، والآخر خمر [ (1) ] ، فعرضا عليّ، فاخترت اللبن، فقيل: أصبت، أصاب اللَّه بك أمتك على الفطرة، ثم فرضت عليّ كل يوم [ (2) ] خمسون صلاة، ثم ذكر قصتها.. إلى آخر الحديث. هكذا أورد مسلم هذا الحديث كما كتبنا.

وخرّج بعده من طريق معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة. أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال

فذكر نحوه، وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، فغسل بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا [ (3) ] .

وأما حديث أنس عن أبي ذرّ، فخرجه البخاري من حديث الليث [ (4) ] ، وخرجه مسلم من حديث ابن وهب [ (5) ] ، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس [بن] مالك [رضى اللَّه عنه قال:] كان أبو ذر [رضي الله عنه] يحدث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا.

[ (1) ] في (صحيح مسلم) : «أحدهما خمر، والآخر لبن» .

[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .

[ (3) ](المرجع السابق) : حديث رقم (265) .

[ (4) ](فتح الباري) : 6/ 461- 463، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) .

[ (5) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 576- 580، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (263) .

ص: 242

فلما جئنا السماء الدنيا، قال جبريل [عليه السلام] [ (1) ] لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، [معي] [ (1) ] محمد صلى الله عليه وسلم قال: فأرسل إليه؟

قال: نعم، ففتح، [قال:] فلما علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد، عن يمينه أسوده، وعن يساره أسوده، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، [قال] : قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه والأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، الأسودة التي عن يساره أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.

قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية، [فقال] لخازنها: افتح، فقال له خازنها، مثل ما قال خازن السماء الدنيا، ففتح، فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السموات:

آدم، وإدريس، وعيسى، وموسى، وإبراهيم، صلوات اللَّه عليهم [أجمعين][ (2) ] ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة، [قال:] [ (2) ][فلما مرّ جبريل ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قال ثم مرّ، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس][ (2) ] .

ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، [قال] : قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، قال: ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قلت:

من هذا؟ قال: عيسى ابن مريم، قال: ثم مررت بإبراهيم [عليه

[ (1) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .

[ (2) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .

ص: 243

السلام] [ (1) ] فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم.

قال ابن شهاب: وأخبرنى ابن حزم أن ابن عباس [رضي الله عنهما] ، وأبا حبة الأنصاري، كانا يقولان: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت [لمستوى][ (1) ] أسمع فيه صريف الأقلام.

قال ابن حزم: وأنس بن مالك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ففرض اللَّه عز وجل على أمتي خمسين صلاة، قال: فرجعت بذلك حتى مرّ بموسى، فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت:

فرض عليهم خمسين صلاة، قال لي موسى: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربي عز وجل، فوضع شطرها.

قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربّي فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدّل القول لدي، قال: فرجعت إلى موسى فقال:

راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي [ (2) ] .

قال: ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك.

وقال البخاري: حبائل اللؤلؤ، وقال بعد قوله: فوضع شطرها: فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال:

[ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .

[ (2) ](المرجع السابق) .

ص: 244

ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فرجعت، فوضع عني شطرها.. الحديث ترجم عليه باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء [ (1) ] .

وذكر مسلم في كتاب الإيمان، في أحاديث الإسراء [ (2) ] ، وذكره البخاري أيضا في كتاب الأنبياء، في ذكر إدريس [ (3) ] ، من حديث يونس عن الزهري، ومن حديث يونس عن ابن شهاب، قال: أنس [رضي الله عنه] : كان أبو ذر

بنحو ما تقدم، وقال فيه: فقال موسى: ما الّذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسون صلاة، قال: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك.

فرجعت، فراجعت ربي، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فذكر مثله، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فأخبرته فقال: راجع ربّك، فإن أمتك لا تطيق ذلك،

[ (1) ](فتح الباري) : 1/ 605، كتاب الصلاة، باب (8) كيف فرضت الصلوات في الإسراء، حديث رقم (349) .

قوله «جنابذ اللؤلؤ» ، «حبائل» : قال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري:

فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما، ولا واحدة منهما، ولا وقفت على معناهما.

وذكر غيره أن الجنابذ شبه القباب، واحدها جنبذة بالضم، وهو ما ارتفع من البناء، فهو فارسيّ معرب، وأصله بلسانهم كنبذه بوزنه لكن الموحدة مفتوحة، والكاف ليست خالصة،

ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة، عن أنس قال:«لما عرج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ» .

وقال صاحب (المطالع) : في الحبائل قيل: هي القلائد والعقود، أو هي من حبال الرمل أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل، جمع حبل، وهو ما استطال من الرمل، وتعقب بأن الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة، أو حبيلة، بوزن عظيمة.

وقال بعض من اعتنى بالبخاري: الحبائل جمع حبالة، وحبالة جمع حبل على غير قياس، والمراد أن فيها عقودا وقلائد من اللؤلؤ.

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 576- 580، كتاب الإيمان باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (263) .

[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 461- 462، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) .

ص: 245

فراجعت ربي

الحديث، وقال في آخره: فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، كما قال مسلم في حديثه [ (1) ] .

قال ابن عبد البر: ورواه أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس [رضي الله عنه] عن أبي، وليس بشيء، وإنما هو عن أبي ذر واللَّه أعلم.

وخرّج من حديث شعبة عن قتادة، قال: سمعت أبا العالية يقول: حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم يعني ابن عباس- قال: ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ليلة][ (2) ] أسري به، فقال: موسى آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة، وقال: عيسى جعد مربوع،

وذكر مالكا خازن [النار][ (3) ] ، وذكر الدجال [ (4) ] .

وذكره البخاري في كتاب الأنبياء، وفي كتاب بدء الخلق، من حديث شعبة عن قتادة، ومن حديث سعيد عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عم نبيكم- يعني ابن عباس- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي، موسى رجلا أدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق

[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 462، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (5) ذكر إدريس عليه السلام، حديث رقم (3342) .

[ (2) ] في (الأصلين) : «حين» وصوبناه من (البخاري) .

[ (3) ] في (الأصلين) : «جهنم» وصوبناه من (البخاري) .

[ (4) ](فتح الباري) : 6/ 530، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (34) قول اللَّه تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3396) .

قوله: «كأنه من رجال شنوءة» بفتح المعجمة، وضم النون، وسكون الواو بعدها همزة، ثم هاء تأنيث: حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة، وهو عبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد، ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله، والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو. (فتح الباري) .

قال ابن قتيبة: سمي بذلك من قولك: رجل فيه شنوءة أي تقزز، والتقزز بقاف وزايين: التباعد من الأدناس (فتح الباري) .

ص: 246

إلى [الحمرة] والبياض، سبط الشعر، ورأيت مالكا خازن النار في آيات أراهنّ اللَّه، فلا تكن في مرية من لقائه [ (1) ] .

وخرّجه مسلم في كتاب الإيمان، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يعني مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران، رجل آدم، طوال، جعد، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم، مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، وأرى مالكا خازن النار، والدجال، في آيات أراهن اللَّه إياه، فلا تكن في مرية من لقائه.

قال: كان قتادة يفسرها أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام [ (2) ] .

وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ]، من حديث معمر عن الزهري قال:

أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، حين أسري به- وقال البخاري: ليلة أسري بي- لقيت موسى عليه السلام، فإذا رجل- حسبته قال: مضطرب- رجل الرأس، كأنه من

[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 386، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال أحدكم «آمين» والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم كم ذنبه،

حديث رقم (3239)، ثم قال: قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: تحرس الملائكة المدينة من الدجال.

(المرجع السابق) : 350، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (24) قول اللَّه تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3396) مختصرا.

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 585، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (267) .

[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 529، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (24) قول اللَّه تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، حديث رقم (3394) .

[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 589- 590، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات، وفرض الصلوات، حديث رقم (272) .

ص: 247

رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ربعة، أحمر، كأنما خرج من ديماس- يعني حمّاما- قال: ورأيت إبراهيم صلوات اللَّه عليه، وأنا أشبه ولده به، قال: فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما أنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك.

لفظهما فيه متقارب.

ذكره البخاري في باب: واذكر في الكتاب مريم [ (1) ]، وذكر في باب: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (2) ] ، حديث معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي، رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب رجل، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر.. الحديث إلى آخره، وفيه: فقال: أخذت الفطرة- ولم

[ (1) ](فتح الباري) : 6/ 589، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (48) قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا،

حديث رقم (3437) ولفظه:

«قال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي: لقيت موسى، قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس- يعني الحمام، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة- أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك» .

[ (2) ](المرجع السابق) : 6/ 529، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (23) . قول اللَّه تعالى:

وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ إلى قوله تعالى: مُسْرِفٌ كَذَّابٌ، وقعت هذه الترجمة بغير حديث.

واختلف في اسم هذا الرجل، فقيل: هو يوشع بن نون، وبه جزم ابن التين، وهو بعيد، لأن يوشع ابن نون كان من ذرية يوسف عليه السلام، ولم يكن من آل فرعون.

والصحيح أن المؤمن المذكور كان من آل فرعون، واستدل لذلك الطبري بأنه لو كان من بني إسرائيل لم يصغ فرعون إلى كلامه ولم يستمع منه، اختلف في اسمه على أقوال ذكرها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) .

ص: 248

يشك- ولم يقل فيه: يعني الحمام، وقال: اشرب أيهما شئت.

وخرّج مسلم [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس، لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال:

فرفعه اللَّه لي انظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى [ابن] مريم [عليه السلام] قائما يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم [عليه السلام] قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم- يعني نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام.

وأخرجاه معا من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن [قال:] سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي الله عنهما]، أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه [ (2) ] ، ذكره البخاري في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره في كتاب التفسير،

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 594، كتاب الإيمان، باب (75) ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، حديث رقم (278) .

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 593، كتاب الإيمان، باب (75) ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، حديث رقم (276) .

ص: 249

وقال بعقبة: زاد يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن أخي شهاب عن عمه: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس.. نحوه [ (1) ] . وخرجه الترمذي بمثله [ (2) ] .

وخرّج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك [رضي الله عنه]، [قال:] إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أتيت على موسى ليلة أسري بي، عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره [ (3) ] .

وله من حديث مالك بن معول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة، عن [مرة]، عن عبد اللَّه [رضي الله عنه] قال: لما أسري برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فقبض منها، قال: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، قال: فراش من ذهب، فأعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك باللَّه من أمته شيئا المقحمات [ (4) ] .

[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 499، كتاب التفسير، باب (3) أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، حديث رقم (4710) .

[ (2) ](سنن الترمذي) : 5/ 281، كتاب تفسير القرآن، باب (18) ومن سورة بني إسرائيل، حديث رقم (3133) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن مالك بن صعصعة وابن سعيد وابن عباس.

وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 360، حديث رقم (14616) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.

[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 141، كتاب الفضائل، باب (42) من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (164) ولفظه: أتيت، وفي رواية هدّاب: مررت على موسى ليلة أسري بي

إلخ.

[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 3/ 5، كتاب الإيمان باب (76) في ذكر سدرة المنتهى، حديث رقم (279) .

ص: 250

وخرجه النّسائي [ (1) ] والترمذي [ (2) ] بنحوه أو قريب منه.

وخرج البيهقي من حديث عمرو بن الحارث، عن عبد اللَّه بن سالم الأشعري، عن الزبيدي محمد بن الوليد بن عامر، [قال:] حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، أن جبير بن نفير [قال:] حدثنا شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول اللَّه! كيف أسري بك؟

قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، وأتاني جبريل [عليه السلام][ (3) ] بدابة بيضاء، فوق الحمار ودون البغل، فقال:

اركب، فاستصعبت عليّ، فدارها بأذنها ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فأنزلني فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة.

فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم

[ (1) ](سنن النسائي) : 1/ 243، كتاب الصلاة، باب (1) فرض الصلاة، وذكر اختلاف الناقلين في إسناد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه واختلاف ألفاظهم فيه، حديث رقم (450) .

[ (2) ](سنن الترمذي) : 5/ 366- 367، كتاب تفسير القرآن، باب (53) ومن سورة النجم، حديث رقم (3276) .

قوله: «المقحمات» ، هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك باللَّه غفر له المقحمات والمراد واللَّه أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلا فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على إثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من الأمة أي يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول أن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقا وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الأخبار وإن اقتضته في الأمر والنهي ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) .

[ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 251

بلغنا أرضا، فقال: انزل، فنزلت، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. [عليه السلام][ (1) ] .

ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا، بدت لنا قصور، فقال: انزل، فنزلت، فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى [عليه السلام][ (1) ] المسيح ابن مريم.

ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء اللَّه.

وأخذني من العطش ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر العسل، أرسل إليّ بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني اللَّه عز وجل، فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثراة له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة، إنه ليهدى.

ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الّذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن [مثل] الزرابي، قلت: يا رسول اللَّه: كيف وجدتها؟

قال: مثل الجمة السخنة.

ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش بمكان [كذا] وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم:

هذا صوت محمد.

[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 252

ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتى أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول اللَّه! أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك، فقال: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: يا رسول اللَّه! إنه مسيرة شهر، فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني انظر فيه، لا يسلني عن شيء إلا أنبأته عنه، قال أبو بكر:

أشهد أنك رسول اللَّه.

فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة، قال: فقال: إن من آية ما أقول لكم: أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتوكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل أدم، عليه مسح أسود، وغرارتان سوداوان.

فلما كان ذلك اليوم، أشرف الناس ينتظرون، حتى كان قرب من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الّذي وصفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقا في أحاديث غيره [ (1) ] .

وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يونس عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضي الله عنه] قال: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، بإيلياء بقدحين من خمر ولبن،

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 1/ 354- 357، باب الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وما ظهر في ذلك من الآيات.

[ (2) ](فتح الباري) : 10/ 37، كتاب الأشربة، باب (1) قول اللَّه تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، حديث رقم (5576)، وقال في آخره: تابعه معمر وابن الهاد وعثمان بن عمر عن الزهري.

[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 2/ 589- 590، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، حديث رقم (272) .

ص: 253

فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد للَّه الّذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر، غوت أمتك.

وقال صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، قال: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس، لقي فيه إبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم السلام، وأنه أتى بقدحين، قدح لبن، وقدح خمر، فنظر إليهما، ثم أخذ قدح اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: هديت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك.

ثم رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه، قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: [فتجهزوا] ، وكلمه نحوها ناس من قريش، إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له: هل لك في صاحبك! يزعم أنه قد جاء بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة.

فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة، ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح! قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فيها سمي أبو بكر الصديق.

قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي الله عنه] يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عز وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه.

وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال: حدثني

ص: 254

يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك [رضي الله عنه] قال: لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبراق، فكأنها أمرّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فو اللَّه إن ركبك مثله.

وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال [له] [ (1) ] جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق، فقالوا: السلام عليكم يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل:

أردد السلام يا محمد، فردّ السلام.

ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء، والخمر، واللبن، فتناول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل:

أصبت الفطرة، لو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، ثم بعث له آدم، فمن دونه من الأنبياء [عليهم السلام][ (1) ] فأمّهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة.

ثم قال له جبريل [عليه السلام][ (1) ] : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الّذي أراد أن تميل إليه، فذلك عدو اللَّه إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك، فإبراهيم، وموسى،

[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 255

وعيسى [ (1) ] . [عليهم السلام][ (2) ]

وقال النضر بن شميل: أخبرنا عوف [قال:][ (2) ]، حدثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس [رضي الله عنهما] : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لما كانت ليلة أسري بي، ثم أصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعلمت بأن الناس يكذبوني، قال: فقعد معتزلا حزينا، فمر به أبو جهل عدو اللَّه، فجاء فجلس، فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم][ (2) ] : نعم، فقال: ما هو؟ قال: إني أسري بي الليلة، فقال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث، إذا دعا قومه، قال: أرأيت إن دعوت إليك قومك، أتحدّثهم بما حدثتني؟ قال: نعم، فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤيّ، [هلم!][ (2) ]، قال: فانفضّت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما، فقال أبو جهل: حدّث قومك بما حدثتني، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال:

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: فمن بين مصفق واضع يده على رأسه مستعجب للكذب، قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فذهبت [أنعت فما زلت][ (2) ] حتى التبس عليّ بعض النّعت، قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، قال:

فنعته وأنا انظر إليه: وقد كان مع هذا حديث لم يحفظه عوف، قال:

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 12/ 361- 362.

[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 256

فقالوا: أما النعت فقد واللَّه أصاب [ (1) ] .

وخرّج أبو داود الطيالسي، من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة [رضى اللَّه عنه قال] : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق، وهو دابة أبيض، فوق الحمار ودون البغل، فلم يزايلا. ظهره، هو وجبريل [عليه السلام][ (2) ] ، حتى انتهيا به إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء، فاستفتح جبريل، فأراه الجنة والنار، ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت نعم، قال: اسمع يا أصيلع، إني لأعرف، وجهك، ولا أدرى ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش، قال: فأين تجده صلّاها؟ فتأولت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ إلى آخر الآية، قال: فإنه لو صلّى لصليتم كما يصلون في المسجد الحرام، قال: قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، قال: أكان يخاف أن يذهب منه، وقد آتاه اللَّه بها؟ [ (3) ] .

قال البيهقي: وبمعناه رواه حماد بن زيد، عن عاصم، إلا أنه لم يحفظ صفة البراق، وكان حذيفة لم يسمع صلاته في بيت المقدس [ (3) ] .

وقد روينا في الحديث الثابت عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه][ (2) ] وغيره:

أنه صلّى فيه، وأما الربط، فقد رويناه أيضا في حديث غيره، والبراق دابة مخلوقة، وربط الدواب عادة معهودة، وإن كان اللَّه عز وجل القادر على

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 363- 364، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 508. حديث رقم (2815) من مسند عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما.

[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

[ (3) ](المرجع السابق) : 364، وقد أخرجه الترمذي في (السنن) : 5/ 287- 288. كتاب تفسير القرآن باب (18) ومن سورة بنى إسرائيل، حديث رقم (3147) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي في (الكبرى) .

ص: 257

حفظها، والخبر المثبت أولى من النّافى [ (1) ] .

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن أبى بكر بن أبى سبرة، وغيره من رجاله، قالوا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت، ليلة سبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نائم في بيته [ظهرا] أتاه جبريل وميكائيل، فقالا: انطلق إلى ما سألت اللَّه، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتى بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء، فلقى فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، وأرى الجنة والنار، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولما انتهيت إلى السماء السابعة، لم أسمع إلا صريف الأقلام، وفرضت عليّ الصلوات الخمس، ونزل جبريل [عليه السلام] فصلى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلوات في مواقيتها] [ (2) ] .

وخرّج البيهقي من حديث سعيد بن منصور قال: حدثنا الحارث بن عبيد الإيادي، عن أبى عمران الجونى، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال:

[قال] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بينا أنا جالس، إذ جاء جبريل عليه السلام، فوكز بين كتفي، فقمت يعنى إلى شجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد جبريل في أحدهما، وقعدت في الآخر، فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، فلو شئت أن أمسّ السماء مسست، فالتفتّ إلى جبريل، فإذا هو كأنه جلس، فعرفت فضل علمه باللَّه عليّ، فتح لي باب من أبواب السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دوني حجاب رفرف الدّرّ والياقوت، فأوحى إليّ ما شاء اللَّه أن يوحى. قال البيهقي، وقال غيره في

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 365.

[ (2) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 213، ذكر المعراج وفرض الصلوات.

ص: 258

هذا الحديث: ولطّ دوني الحجاب رفرف الدر والياقوت [ (1) ] . هكذا رواه الحارث بن عبيد.

ورواه حماد بن سلمة، عن أبى عمران الجونى، عن محمد بن عمير بن عطارد، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في ملأ من أصحابه، فجاءه جبريل، فنكت في ظهره، فذهب به إلى الشجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد في أحدهما، وقعد جبريل في الآخر فتسامت بنا حتى بلغت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، فدلى بسبب، وهبط النور، فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه جلس، فعرفت فضل خشيته، فأوحى إليّ: نبيا ملكا أو نبيا عبدا، أو إلى الجنة، ما أنت؟ [فأومأ] [ (2) ] إليّ جبريل وهو مضطجع: أن تواضع، قال: قلت: لا، بل نبيا عبدا [ (3) ] .

وخرج من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، [عن] سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: لما أسرى بى، مرّت بى رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة ابنة فرعون وأولادها، [كانت تمشطها][ (4) ]، فسقط مشطها من يدها فقالت: بسم اللَّه، فقالت بنت فرعون: أبى؟ قالت: ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك اللَّه، قال: فدعاها، فقال: ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربى وربك

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 368. 369.

[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

[ (3) ](دلائل البيهقي) : 2/ 369، مرسل، وله شاهد عند الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 460- 461، حديث رقم (7120) مختصرا من مسند أبى هريرة، دون قصة الشجرة.

[ (4) ] ليست في (دلائل البيهقي) .

ص: 259

اللَّه [عز وجل]، قال: فأمر ببقرة من نحاس [ (1) ] فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها.

قالت: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي، وعظام ولدى في موضع، قال: ذاك لك، لمالك علينا من الحق، قال: فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا، حتى بلغ رضيعا فيهم، فقال: قعى يا أمه، ولا تقاعسى، فإنا على الحق، قال: وتكلم أربعة وهم صغار، هذا وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى [ابن] مريم عليه السلام [ (2) ] .

[ (1) ] قدر كبير من نحاس.

[ (2) ](دلائل البيهقي) : 2/ 389.

وأما الثلاثة الذين تكلموا في المهد،

فخرّج البخاري من حديث جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بنى إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلى؟

فقالت: اللَّهمّ لا تمته حتى تريه وجه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه، وسبّوه، فتوضأ وصلّى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبنى صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بنى إسرائيل، فمرّ راكب ذو شارة، فقالت: اللَّهمّ اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللَّهمّ لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصّه، قال أبو هريرة: كأنى انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه، ثم مرّ بأمة فقالت: اللَّهمّ لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال:

الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل» ، أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (48) قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، حديث رقم (3436) .

قوله: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» ،

قال القرطبي: في هذا الحصر نظر، إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بعد.

ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبى الّذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرّح بالمهد في حديث أبى هريرة.

ص: 260

_________

[ () ] وفيه تعقيب على النووي في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد، والسبب في قوله هذا، ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد، والبزار، وابن حبان، والحاكم:«لم يتكلم في المهد إلا أربعة» ، فلم يذكر الثالث الّذي هنا، وذكر شاهد يوسف، والصبى الرضيع الّذي قال لأمه- وهي ماشطة بنت فرعون- لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار:«اصبري يا أمه فإنا على الحق» .

وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبى هريرة، فيجتمع من هذا خمسة، ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين، لكنه موقوف، وروى ابن أبى شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس، إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة.

وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود «أن امرأة جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر، ومعها صبي يرضع، فتقاعست، فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق» .

وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد، أخرجه الثعلبي، فإن ثبت صاروا سبعة.

وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد. وفي (سير الواقدي) أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد، وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة، وقصته في (دلائل النبوة للبيهقي) من حديث معرض- بالضاد المعجمة- واللَّه تعالى أعلى وأعلم (فتح الباري) .

وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن الاستمرار فيها نافلة، وإجابة الأم وبرها واجب قال النووي وغيره: إنما دعت عليه فأجيبت، لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها، كذا قال النووي، وفيه نظر، بسط القول فيه الحافظ في (الفتح) .

وفي الحديث أيضا عظم برّ الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا، لكن يختلف الحال فيه بحسب المقاصد.

وفيه الرّفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب، لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرّفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل.

وفيه أن صاحب الصدق مع اللَّه لا تضره الفتن.

وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه، لأنه أستنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه.

وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمّهما، وأن اللَّه تعالى يجعل لأوليائهم عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا، وزيادة لهم في الثواب.

وفيه إثبات كرامات الأولياء، ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم.

وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك.

وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، وأن المفزع في الأمور المهمة إلى اللَّه يكون بالتوجه

ص: 261

وخرّجه الحاكم بسنده، ومتنه،

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ (1) ] .

وخرج أيضا من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا أبو محمد ابن راشد الحمامي، عن أبى هارون العبديّ، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: يا رسول اللَّه، أخبرنا عن ليلة أسرى بك فيها، قال: قال اللَّه عز وجل: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى [ (2) ] بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، قال: فأخبرهم، قال: بينما أنا قائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم، ثم أيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، [ثم عدت في النوم، ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا][ (2) ] .

فإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته ببصرى حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبيهه بدوا بكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين، يقال له: البراق، وكانت الأنبياء [صلوات اللَّه عليهم][ (2) ] تركبه قبلي، يقع حافره مدّ بصره، فركبته.

فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني

[ () ] إليه بالصلاة.

وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الّذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة (فتح الباري)، (مصنف ابن أبى شيبة) : 6/ 342- 343، كتاب الفضائل، باب (7) ما ذكر فيما فضل به عيسى عليه السلام، حديث رقم (31864)، (مسند أحمد) : 2/ 592- 593، حديث رقم (8010) مسند أبى هريرة رضى اللَّه عنه، (المستدرك) : 2/ 650، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4161)، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 411- 413، كتاب التاريخ، باب (5) المعجزات، ذكر خبر ثان يصرح بأن غير الأنبياء قد يوجد لهم أحوال تؤدى إلى المعجزات، حديث رقم (6489) .

[ (1) ] راجع التعليق السابق.

[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 262

أسألك، يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه.

فبينما أنا أسير عليه، [إذ دعاني داع عن يسارى: يا محمد! أنظرني أسألك يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه] .

وبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها اللَّه، [فقالت] : يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليها، ولم أقم عليها، حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها به.

فأتانى جبريل عليه السلام بإناءين، أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة، فقلت: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ قال: فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي اليهود، أما أنك لو أجبته أو وقفت عليه، [لتهودت] أمتك.

قال: وبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يسارى، فقال: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصّرت أمتك.

فبينما أنا أسير، إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة خلقها اللَّه، تقول: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبها، ولم أقم عليها، قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة.

قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كله واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الّذي تعرج عليه أرواح بنى آدم، فلم ير الخلائق أحسن

ص: 263

من المعراج ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج.

قال: فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك. قال: وقال اللَّه عز وجل: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟

قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئة يوم خلقه اللَّه على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين.

ثم مضت هنية، فإذا بأخونة- يعنى بالخوان: المائدة التي يؤكل عليها-، عليها لحم مشرح، ليس يقربها أحد، وإذا بأخونة أخرى، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال:

هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام.

ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم، خرّ يقول: اللَّهمّ لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطؤهم، قال: فسمعتهم يضجون إلى اللَّه سبحانه، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلوا الربا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.

قال ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، قال: فتفتح على أفواههم، ويلقمون ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى اللَّه عز وجل، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال هؤلاء من

ص: 264

أمتك يأكلون أموال اليتامى ظلما إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن [يصحن] إلى اللَّه عز وجل، قلت: يا جبريل! من هؤلاء النساء؟ قال:

هؤلاء الزناة من أمتك.

قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام تقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون، فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟

قال: هؤلاء الهمّازون من أمتك اللمازون.

ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق اللَّه، قد فضّل عن الناس بالحسن، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ.

ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ.

ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس، قد رفعه اللَّه مكانا عليا، فسلمت عليه وسلّم عليّ.

ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء، ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرّته من طولها، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا المحب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ.

ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم، كثير الشعر، لو كان عليه قميصان، لنفذ شعره دون القميص، وإذا هو

ص: 265

يقول: يزعم الناس أنى أكرم على اللَّه من هذا، بل هذا أكرم على اللَّه منى، قال: قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، قال:

ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ.

ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساندا ظهره إلى البيت المعمور، كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ.

وإذا بأمتي شطرين، شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد، قال: فدخلت البيت المعمور، ودخل معى الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرّمد، وهم على خير، فصليت أنا ومن معى في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معى، قال: والبيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.

قال: ثم رفعت إلى السدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطى هذه الأمة، وإذا فيها عين تجرى يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما الكوثر، والآخر يقال له: نهر الرحمة، فاغتسلت فيه، فغفر لي، ما تقدم من ذنبي وما تأخر.

ثم إني دفعت إلى الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟

قالت: لزيد بن حارثة، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمرة لذة للشاربين، وأنهار من عسل وصفى، وإذا رمانها كأنه الدّلاء عظما، وإذا بطير كالبخاتي هذه، فقال عندها صلى الله عليه وسلم [وعلى جميع أنبيائه] [ (1) ] : إن اللَّه قد أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت،

[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 266

ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

قال: ثم عرضت عليّ النار، فإذا فيها غضب اللَّه وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني.

ثم إني دفعت إلى السدرة المنتهى، فتغشى لي، وكان بين وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، قال: وقال:

فرضت عليّ خمسون صلاة، وقال: لك بكل حسنة عشر، [وإذا] هممت بالحسنة فلم تعملها، كتبت لك حسنة، وإذا عملتها كتبت لك عشرا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها، لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها، كتبت عليك سيئة واحدة.

ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك؟ قلت: بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا تطيقه تكفر، فرجعت إلى ربى فقلت [يا رب] ، خفف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم فوضع عنى عشرا، وجعلها أربعين، فما زلت اختلف بين موسى وربى، [كلما] أتيت عليه، قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بما أمرت؟ قلت: أمرت بعشر صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف عن أمتك فرجعت إلى ربى فقلت: أي ربّ، خفّف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم، فوضع عنى خمسا، وجعلها خمسا، فناداني ملك عندها: تمت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها.

ثم رجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: بخمس صلوات، قال:

ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فسله التخفيف لأمتك، فقلت: رجعت إلى ربى حتى [استحييته][ (1) ] .

[ (1) ] زيادة للسياق.

ص: 267

ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب، إني رأيت البارحة بيت المقدس، وعرج بى إلى السماء، ورأيت كذا، ورأيت كذا، فقال أبو جهل بن هشام:

ألا تعجبون مما يقول محمد، يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا! وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرا، ومنقلبة شهرا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة، قال: فأخبرهم [بعير] لقريش لما كان في مصعدى، رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة، وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا، فقال أبو جهل:

يخبرنا بأشياء؟ فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل، فإن يكن محمد صادقا فسأخبركم، وإن يكن كاذبا فسأخبركم، فجاءه ذلك المشرك فقال:

يا محمد! أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل.

قال: فرفع لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته، فقال: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا، فقال الآخر: صدقت، فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما قال، أو نحو هذا من هذا الكلام [ (1) ] .

وخرّج البيهقي أيضا من حديث عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قال: أتى بفرس فحمل عليه، قال: كل خطوة منتهى أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام.

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 392 وما بعدها.

ص: 268

فأتى على قوم [ (1) ] يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل اللَّه، يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتّر عنهم من ذلك شيئا، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال:

هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة.

ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع، والزقوم، ورضف جهنم، وحجارتها، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم اللَّه، وما اللَّه بظلام للعبيد.

ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضج طيب، ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضج الطيب، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هذا الّذي يقوم وعنده امرأة حلالا طيبا، فيأتى المرأة الخبيثة، فتبيت معه حتى يصبح.

ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها شيء إلا قصعته، يقول اللَّه عز وجل: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ [صِراطٍ] تُوعِدُونَ [ (2) ] .

ثم مرّ على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها، قال: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك، عليه أمانة لا يستطيع أداءها، وهو يزيد عليها.

ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما

[ (1) ] في (دلائل البيهقي) : «فأتى قوم» وما أثبتناه من (الأصلين) .

[ (2) ] الأعراف: 86.

ص: 269

قرضت عادت كما كانت، ولا يفتّر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة.

ثم أتى على حجر صغير، يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يدخل من حيث خرج، ولا يستطيع، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها، فيريد أن يردّها ولا يستطيع.

ثم أتى على واد، فوجد فيه ريحا باردة طيبة، ووجد ريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جبريل! ما هذه الريح الباردة الطيبة؟ وريح المسك؟ وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب ائتني بأهلى وبما وعدتني، فقد كثر عرفي، وحريرى، وسندسى، وإستبرقى، وعبقري، ولؤلؤى، ومرجانى، وفضتى، وذهبي، وأباريقى، وفواكهى، وعسلى، وخمرى، ولبني، فائتني بما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بى وبرسلي، وعمل صالحا، ولم يشرك بى شيئا، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشينى أمنته، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضنى جزيته، ومن توكل على كفيته، وأنا اللَّه لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ (1) ] قالت: قد رضيت.

[ (1) ] المؤمنون: 1- 14.

ص: 270

ثم أتى على واد، فسمع صوتا منكرا، قال: يا جبريل! ما هذا الصوت؟

قال: هذا صوت جهنم، يقول: ائتني بأهلى وما وعدتني، فقد كثر سلاسلى، وأغلالى، وسعيرى، وزقومى، وحميمي، وحجارتى، وغسّاقى، وغسلينى، وقد بعد قعرى، واشتد حرى، فائتنى بما وعدتني، فقال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت.

قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل، فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت قالوا: يا جبريل! من هذا معك؟

قال: محمد رسول اللَّه وخاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء.

قال: ثم أتى أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم، قال فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد اللَّه الّذي اتخذ إبراهيم خليلا، وأعطانى ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا [للَّه][ (1) ] يؤتم بى، وأنقذنى من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما.

قال: ثم إن موسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي كلمني تكليما، واصطفاني برسالته وكلماته، وقربني إليه نجيا، وأنزل عليّ التوراة، وجعل هلاك آل فرعون على يدي، ونجى بنى إسرائيل على يدي.

قال: ثم إن داود أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي خوّلني ملكا، وأنزل عليّ الزبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الطير، والجبال، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب.

ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي سخر لي الرياح، والجن، والإنس، وسخر لي الشياطين، يعملون ما شئت من محاريب

[ (1) ] زيادات للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 271

وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات

وعلمني منطق الطير، وكل شيء، وأسال لي عين القطر، وأعطانى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.

ثم إن عيسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي علمني التوراة والإنجيل [و] جعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحى الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني من الذين كفروا، وأعاذنى وأمى من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليها سبيل.

ثم إن محمدا أثنى على ربه فقال: كلكم قد أثنى على ربه، وإني مثن على ربى، فقال: الحمد للَّه الّذي أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل عليّ الفرقان فيه تبيانا لكل شيء، وجعل أمتى خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتى أمة وسطا، وجعل أمتى هم الأولون، وهم الآخرون، وشرح صدري، ووضع عنى وزري، ورفع لي ذكرى، وجعلني فاتحا وخاتما. فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتى بإناء منها فيه ماء، فقيل له: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب منه حتى روى، ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أريده، فقيل له: قد أصبت، أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. قال ثم صعد به إلى السماء.. فذكر الحديث بنحو ما رويناه بالأسانيد الثابتة إلى أن قال:

ثم صعد بى إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟

قال: محمد، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء.

فدخل فإذا برجل أشمط، جالس على كرسي عند باب الجنة، وعنده قوم بيض الوجوه، وقوم سود الوجوه، وفي ألوانهم شيء، فأتوا نهرا، فاغتسلوا

ص: 272

فيه، فخرجوا منه، وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم إنهم أتوا نهرا آخر، فاغتسلوا فيه، فخرجوا [وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا النهر الثالث، فخرجوا] وقد خلصت [من][ (1) ] ألوانهم مثل ألوان أصحابهم، فجلسوا إلى أصحابهم.

فقال: يا جبريل! من هؤلاء بيض الوجوه؟ وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا النهر [فخرجوا] [ (1) ] وقد خلصت ألوانهم؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم، هو أول رجل شمط على وجه الأرض، وهؤلاء بيض الوجوه، قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، فتابوا فتاب اللَّه عليهم، فأما النهر الأول، فرحمة اللَّه، وأما النهر الثاني، فنعمة اللَّه، وأما النهر الثالث، فسقاهم ربهم شرابا طهورا ثم انتهى إلى السدرة [المنتهى][ (1) ]، فقيل لي: هذه السدرة، إليها منتهى كل أحد من أمتك، يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، قال: وهي شجرة يسير الراكب في أصلها عاما لا يقطعها، وأن الورقة منها مغطية الخلق.

قال: فغشيها نور الخالق، وغشيتها الملائكة، فكلمه ربه عند ذلك، قال له: سل، قال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له [الجبال][ (2) ] والجن والإنس، وسخرت له الشياطين والرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ

[ (1، 2) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 273

الأكمه والأبرص، ويحى الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان فلم يكن له عليهما سبيل.

فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، قال: وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معى- يعنى بذلك الأذان- وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك [أمة وسطا] وجعلت أمتك هم الأولون، وهم الآخرون وجعلت من أمتك أقواما قلوبهن أنا جيلهم، وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا، وآخرهم مبعثا، وآتيتك سبعا من المثاني، لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما.

قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فضلني ربى، أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلب عدوى الرعب [من][ (1) ] مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت الأرض كلها لي مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتح الكلام، وخواتمه، وجوامعه، وعرضت عليّ أمتى، فلم يخف عليّ التابع والمتبوع.

ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشّعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه، صغار الأعين، كأنما خزمت أعينهم بالمخيط، فلم يخف عليّ ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة، فرجعت إلى موسى.. فذكر الحديث بمعنى ما روينا في الأسانيد الثابتة، غير أنه قال في آخره: قال:

فقيل له: اصبر على خمس، فإنّهم يجزين عنك بخمس، كل خمس بعشر أمثالها، قال: فكان موسى أشدّ عليهم حين مرّ به، وخيرهم حين رجع

[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .

ص: 274

إليه [ (1) ] .

قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : هكذا ساق البيهقي هذا الحديث كما أردته، وأن الوضع لائح عليه، ولولا أن الأئمة روته لما ذكرته.

قال البيهقي: وقد روى في المعراج أحاديث أخر: منها حديث أبى حذيفة، إسحاق بن بشر، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما][ (2) ] ، وجوير عن الضحّاك، عن ابن عباس. وإسحاق بن بشير متروك، لا [يفرح][ (3) ] بما ينفرد به [ (4) ] .

ومنها حديث إسماعيل بن موسى القواريري عن عمر بن سعد المصري، من بنى نصر بن قعين، قال: حدثني عبد العزيز، وليث بن أبى سليم، وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب- بعضهم يزيد في الحديث على بعض- عن على بن أبى طالب، وعن عبد اللَّه بن عباس، ومحمد بن إسحاق بن يسار، عن من حدثه عن ابن عباس، وعن سليم- أو سلم- العقيلي، عن عامر الشعبي، عن عبد اللَّه بن مسعود، وجويبر، عن الضحاك ابن مزاحم، قالوا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ راقدا، وقد صلّى العشاء الآخرة

فذكر حديثا طويلا، يذكر فيه عدد الدرج [ (5) ] والملائكة، وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة اللَّه [تعالى][ (6) ] ، إن صحت الرواية، [قال: وذلك حديث [راويه] مجهول، وإسناده منقطع] [ (7) ] .

[ (1) ](دلائل البيهقي) : 2/ 397- 403.

[ (2) ] زيادة للسياق.

[ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.

[ (4) ](المرجع السابق) : 404.

[ (5) ] في (المرجع السابق) : «عدد الروح» وما أثبتناه من الأصلين وهو الأصوب، ولعلها درج الجنة.

[ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .

[ (7) ] ما بين الحاصرتين ليس في (المرجع السابق) ، وهو في الأصلين فقط.

ص: 275

وخرج النسائي من حديث سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن أبى مالك، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه]، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت، ومعى جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصلّ، ففعلت، فقال:

أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر.

ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم اللَّه عز وجل موسى عليه السلام.

ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام.

ثم دخل بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم.

ثم صعد بى إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة، عيسى ويحى [عليهما السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى [عليه السلام] ثم صعد إلى السماء السابعة، فإذا فيها [إبراهيم] ، عليه وعليهم السلام.

ثم صعد بى فوق سبع سماوات، فأتينا سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابة، فخررت ساجدا، فقيل لي:[إني] يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك.

ص: 276

فرجعت إلى إبراهيم، فلم يسألنى عن شيء، ثم أتيت على موسى، فقال: كم فرض [اللَّه][ (1) ] عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال:

فإنك لا تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك [فاسأله] التخفيف، فرجعت إلى ربى، فخفف عنى عشرا، ثم أتيت موسى، فأمرنى بالرجوع، فرجعت فخفف عنى عشرا، ثم ردّت إلى خمس صلوات، قال:

فارجع إلى ربك، [فاسأله] التخفيف، فإنه فرض على بنى إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما، فرجعت إلى ربى [عز وجل] [ (1) ] فسألته التخفيف. فقال:

إني يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فخمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك، فعرفت أنها من اللَّه [تبارك وتعالى][ (1) ] صرّى، فرجعت إلى موسى [عليه السلام] [ (1) ] فقال: ارجع، فعرفت أنها من اللَّه صرّى [ (2) ] :[أي حتم] ، فلم أرجع [ (3) ] .

وخرج أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في أول تاريخه [ (4) ] ، من حديث أبى نعيم عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، [فذكر] حديثا طويلا فيه: أن اللَّه تعالى خلق مدينتين، [إحداهما] بالمشرق، والأخرى بالمغرب، أهل المدينتين جميعا من ولد آدم، فالمدينة التي بالمشرق، من بقايا عاد، من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب، من بقايا ثمود، من نسل الذين آمنوا بصالح.

[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن النسائي) .

[ (2) ] صرّى: بكسر الصاد المهملة وفتح الراء المشددة آخرها ألف مقصورة، أي عزيمة باقية لا تقبل النسخ.

(حاشية السندي) .

[ (3) ](سنن النسائي) : 1/ 241- 242، كتاب الصلاة باب (1) فرض الصلاة، حديث رقم (449) .

[ (4) ](تاريخ الطبري) : 1/ 69 وما بعدها.

ص: 277

[و] اسم التي بالمشرق بالسريانية: قرقيسيا، وبالعربية جابلق [ (1) ]، واسم التي بالمغرب بالسريانية: برجيسيا، وبالعربية: جابرس [ (2) ] ، ولكل مدينة

[ (1) ] جابلق بالباء الموحدة المفتوحة وسكون اللام، روى أبو روح، عن الضحاك، عن ابن عباس. أن جابلق مدينة بأقصى المغرب، وأهلها من ولد عاد، أهل جابرس من ولد ثمود، ففي كل واحدة منهما بقايا ولد موسى عليه السلام، كل واحدة من الأمتين.

ولما بايع الحسن بن عليّ بن أبى طالب معاوية، قال عمرو بن العاص لمعاوية: قد اجتمع أهل الشام والعراق، فلو أمرت الحسن أن يخطب، فلعله يحصر، فيسقط من أعين الناس، فقال: يا ابن أخى، لو صعدت، وخطبت، وأخبرت الناس بالصلح، قال: فصعد المنبر، وقال بعد حمد اللَّه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إنكم لو نظرتم ما بين جابرس وجابلق، ما وجدتم ابن نبي غيري وغير أخى، وإني رأيت أن أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكنت أحقهم بذلك، ألا إنا بايعنا معاوية، وجعل يقول: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ (لَكُمْ) وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، فجعل معاوية يقول: انزل، انزل. (معجم البلدان) :

2/ 105- 106، موضع رقم (2868) .

[ (2) ] جابرس: مدينة بأقصى المشرق، يقول اليهود: إن أولاد موسى عليه السلام هربوا، إما في حرب طالوت، أو في حرب بخت نصّر، فسيرهم اللَّه، وأنزلهم بهذا الموضع، فلا يصل إليهم أحد، وإنهم بقايا المسلمين، وإن الأرض طويت لهم، وجعل الليل والنهار عليهم سواء، حتى انتهوا إلى جابرس، فهم سكانها، ولا يحصى عددهم إلا اللَّه، فإذا قصدهم أحد من اليهود قتلوه، وقالوا: لم تصل إلينا حتى أفسدت سنتك، فيستحلون دمه بذلك.

وذكر غير اليهود أنهم بقايا المؤمنين من ثمود، وبجابلق بقايا المؤمنين من ولد عاد (المرجع السابق) : 2/ 105، موضع رقم (2865) .

وذكر القزويني في ترجمة جابرس هذه حديثا عن ابن عباس، - اللَّه أعلم بصحته- عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أسرى به قال لجبريل عليه السلام: إني أحب أن أرى القوم الذين قال اللَّه تعالى فيهم: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فقال جبريل عليه السلام: بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا، وست سنين راجعا، وبينك وبينهم نهر من رمل يجرى كجرى السهم، لا يقف إلا يوم السبت، لكن سل ربك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأمّن جبريل عليه السلام، فأوحى اللَّه تعالى إلى جبريل عليه السلام، أن أجبه ما سأل، فركب البراق، وخطا خطوات، فإذا هو بين أظهر القوم، فسلم عليهم، فسألوه: من أنت؟ فقال: أنا النبي الأمي! فقالوا: نعم، أنت الّذي بشر بك موسى، عليه السلام، وإن أمتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأيت قبورهم على باب دورهم، فقلت لهم: لم ذاك؟ قالوا: لنذكر الموت صباحا ومساء، وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلا وقتا بعد وقت

ص: 278

منها عشرة آلاف باب، ما بين كل باب [منهما] فرسخ، يئوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراس، عليهم السلاح، ثم لا تنوبهم الحراسة عد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فو الّذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم، وضجيج أصواتهم يسمع الناس من جميع أهل الدنيا، هذه وقعة الشمس حين تطلع، وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج ومأجوج.

وإن جبريل انطلق بى إليهم ليلة أسرى بى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى [عبادة] اللَّه، فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بى إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين اللَّه وعبادته، فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين من أحسن منهم، فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم، فأولئك مع المسيئين منكم.

ثم انطلق بى إلى الأمم الثلاثة، فدعوتهم إلى دين اللَّه وإلى عبادته، فأنكروا ما دعوتهم إليه، وكفروا باللَّه، وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج، وسائر من عصى اللَّه في النار.

. وذكر الحديث بطوله [ (1) ] .

وعمر بن الصبح بن عمران أبو نعيم التيمي- ويقال: العدوي الخراساني السمرقندي- يروى عن أبان بن أبى عياش، وقتادة، [والأوزاعي] وطائفة، وعنه مخلد بن يزيد الحراني، وعيسى غنجار، ومحمد بن حميد الحمصي، وآخرون، وهو [متهم] .

قال البخاري: حدثنا على بن جرير قال: سمعت عمر بن الصبح يقول:

أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال إسحاق بن راهويه: أخرجت خراسان

[ () ] فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما لي لا أرى بنيانكم مستويا؟ قالوا: لئلا يشرف بعضنا على بعض، ثم ذكر الحديث بطوله. (المرجع السابق) : ص 105 هامش، نقلا عن (آثار البلاد) :27.

[ (1) ](تاريخ الطبري) : 2/ 69 وما بعدها.

ص: 279

ثلاثة، لم يكن [لهم في الدنيا] نظير- يعنى في البدعة والكذب- جهم ابن صفوان، وعمر بن صبح، ومقاتل بن سليمان. وقال [ابن] عدي: منكر الحديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ، لا متنا، ولا إسنادا. وقال الدارقطنيّ:

متروك، له في ابن ماجة حديث في الجهاد [ (1) ] .

وخرّج أبو نعيم من حديث الواقدي، قال مالك بن أبى الرجال، عن عمر ابن عبد اللَّه، عن محمد بن كعب، أن أبا سفيان قال [لقيصر] في آخر القصة أيها الملك، ألا أخبرك عنه خبرا، تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟

قلت: إنه يزعم أنه خرج من أرضنا- أرض الحرم- في ليلة، فجاء مسجدكم هذا- مسجد إيليا- ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيليا عند رأس قيصر، فقال بطريق إيليا، عند رأس قيصر، فقال: بطريق إيليا، قد علمت تلك الليلة، قال: فنظر إليه قيصر، فقال: وما علمك بهذا؟

قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كنت تلك الليلة، أغلقت الأبواب كلها، غير باب واحد، فاستعييت عليه عمالى، ومن يحضرني كلهم علاجه، فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول جبلا، فدعوت النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا: هذا باب سقط عليه النحاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح، فننظر من أين أتى.

قال: فرجعت وتركت الناس مفتوحين، فلما أصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الّذي في زاوية المسجد منقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال:

قلت لأصحابى: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلّى الليلة في مسجدنا [نبي] .

[ (1) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 7/ 407- 408، ترجمة رقم (722) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، وحديثه في (سنن ابن ماجة) في كتاب الجهاد، باب رقم (7) فضل الرّباط في سبيل اللَّه، حديث رقم (2766) .

ص: 280

قال أبو نعيم: حدّث أبو عبد اللَّه الجرشى، [حدثنا] يونس من أرقم الكندي، [قال] أخبرنا سعيد بن دينار، عن أبى الجارود زياد بن المنذر، عن أبى العلاء، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا نتحدث أن [بدء] هذا الأذان إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، [قال:] ففزع لذلك فزعا شديدا وقال: عمدتم إلى أجسم دينكم، فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.

قال: قلت: هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال: هذا واللَّه هو الباطل، قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء، فانتهى إلى مكان من السماء، وقف به، وبعث اللَّه ملكا، فقام من السماء مقاما، ما قامه قبل ذلك، قيل له: علمه الأذان، فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال اللَّه:

صدق عبدي، أنا اللَّه الأكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أرسلته، وأنا اخترته، وأنا ائتمنته، فقال الملك: حي على الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، ودعا إلى فريضتي وحقي، فمن أتاها محتسبا لها، كانت كفارة لكل ذنب.

فقال الملك: حي على الفلاح، قال اللَّه: صدق عبدي، هي الفلاح، وهي النجاح، فقال الملك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أقمت فريضتها، وعدتها، ومواقيتها. ثم قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

تقدم، فتقدم، فأم أهل السماء، فتم له شرفه على سائر الخلق.

وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد، عن على بن زيد، عن أبى الصلت، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسرى بى، لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوق-[قال عفان:

فوقى]-[ (1) ] ، فإذا أنا برعد، وبرق، وصواعق، [قال][ (1) ] فأتيت على قوم

[ (1) ] زيادة للسياق من (مسند أحمد) .

ص: 281

بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا، فلما [نزلت] إلى السماء الدنيا، نظرت أسفل منى، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال:

هذه الشياطين [يوحون] على أعين بنى آدم، أن لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب] [ (1) ] .

وروى ابن ماجة منه، قصته آكل الربا] [ (2) ] .

وذكر أبو القاسم، الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، في كتاب (التنزيل) في الآيات السّفرية، قال: وأنزل بيت المقدس، وقوله تعالى في الزخرف: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ (3) ] نزلت عليه صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وقد عدّها غير ابن حبيب في الشامي، والأول أحسن مما ذكره.

[ (1) ](مسند أحمد) : 3/ 33، حديث رقم (8426) ، من مسند أبى هريرة، ونحوه بزيادة ونقصان وتقديم وتأخير حديث رقم (8539) .

[ (2) ](سنن ابن ماجة) : 762، كتاب التجارات، باب (58) التغليظ في الربا، حديث رقم (2273)، قال في (مجمع الزوائد) : في إسناده على بن زيد بن جدعان. وهو ضعيف.

[ (3) ] الزخرف: 45.

قال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة اللَّه وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كقوله جلت عظمته: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. قال مجاهد في قراءة عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا، وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي وابن مسعود رضى اللَّه عنه، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة واللَّه أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد أسلم: وأسألهم ليلة الإسراء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له، واختار ابن جرير الأول واللَّه أعلم. (تفسير ابن كثير) : 4/ 139، وما بين الحاصرتين سقط من (ج) وأثبتناه من (خ) .

ص: 282