الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الكيّ والسّعوط
فخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان، عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أبيّ بن كعب [رضى اللَّه عنه] ظبيا، فقطع منه عرقا [ثم كواه عليه] [ (1) ] . [وخرجه أبو داود بهذا الإسناد إلى قوله:] فقطع منه عرقا ولم يذكر الكيّ [ (2) ] .
وفي لفظ مسلم، من حديث شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت أبا سفيان قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] قال: رمى أبى يوم الأحزاب على أكحله، قال: فكواه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
ومن حديث أبى خيثمة، عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال:
رمى سعد بن معاذ في أكحله، [قال:] فحسمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص، ثم ورمت، فحسمه الثانية [ (4) ] .
وخرّجه ابن أيمن ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين [ (5) ] .
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 14/ 443، كتاب السلام، باب (26) لكل داء دواء، واستحباب التداوي، حديث رقم (73) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ](سنن أبى داود) : 4/ 197، كتاب الطب، باب (6) في قطع العرق وموضع الحجم، حديث رقم (3864) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 14/ 444، كتاب السلام، باب (26) لكل داء، واستحباب التداوي، حديث رقم (74) .
[ (4) ](المرجع السابق) ، حديث رقم (75) .
[ (5) ] أخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1156، كتاب الطب، باب (24) من اكتوى، حديث رقم (3494)، ولفظه:«إن رسول اللَّه كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين» .
وقد وردت أحاديث في النهى عن [الكي][ (1) ] .
[ (1) ] منها ما أخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 197- 200، كتاب الطب، باب (7) في الكيّ، حديث رقم (3865)، عن عمران بن حصين قال:«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن وما أنجحن» ، قال أبو داود: وكان يسمع تسليم الملائكة، فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه.
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 341، كتاب الطب، باب (10) ما جاء في كراهية التداوي بالكي، حديث رقم (2049)، وفيه:«فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ثم قال:
حدثنا عبد القدوس بن محمد، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين قال: نهينا عن الكي.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وعقبة بن عامر، وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1154- 1155، كتاب الطب، باب (23) الكي، حديث رقم (3489) ، «من اكتوى أو استرقى فقد بريء من التوكل» ، يريد أن كمال التوكل يقتضي ترك الأدوية، ومن أتى بها فقد بريء من تلك المرتبة العظيمة من التوكل.
وحديث رقم (3490) ، وهو حديث عمران بن الحصين المذكور في الباب.
وحديث رقم (3491) من حديث ابن عباس، وقال في آخره:«وأنهى أمتى عن الكي» .
قال الشيخ: إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعدا ليرقأ عن جرحه الدم، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي مستعمل في هذا الباب، وهو من العلاج الّذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة، والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء، وتقول في أمثالها:«آخر الدواء الكي» .
وأما حديث عمران بن حصين في النهى عن الكي، فقد يحتمل وجوها، أحدها: أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويقولون: «آخر الدواء الكيّ» ، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئة، وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك، فنهاهم عن ذلك إذا كان على ذلك الوجه.
وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على اللَّه سبحانه، وطلب الشفاء، والترجي للبرء بما يحدث اللَّه عز وجل من صنعه فيه، ويجلبه من الشفاء على أثره، فيكون الكي والدواء سببا لا علة.
وهذا أمر قد تكثر في شكوك الناس، وتخطىء فيه ظنونهم وأوهامهم، فما أكثر ما تسمعهم يقولون: لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك، ولو شرب الدواء لم يسقم، ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب، وتعليق الحوادث بها، دون تسليط القضاء عليها، وتغليب المقادير فيها، فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن، لا موجبات لها، وقد بين اللَّه جل جلاله ذلك في كتابه حيث قال: