الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصَّيْدِ، وَالذَّبَائِحِ، وَمَا يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ
بَابُ الصَّيْدِ بِالْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ
[1929]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ))، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: ((وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا))، قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ، فَقَالَ:((إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ)).
[خ: 5476]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ، فَقَالَ:((إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ)).
[خ: 5483]
وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ:((إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ))، وَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَلْبِ، فَقَالَ: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا
أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ))، قُلْتُ: فَإِنْ وَجَدْتُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا آخَرَ فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، قَالَ:((فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)).
[خ: 2054]
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، وَعَنْ نَاسٍ ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
الصيد: له إطلاقان في اللغة، فيطلق ويراد به اسم المفعول، أي: المصيد، ويطلق ويراد به المصدر، أي: الصيد، وكذلك الذبائح، فتطلق ويراد بها المصدر، أي: الذبح، وتطلق ويراد بها اسم المفعول، أي: الذبيحة، فهي (فعيلة) بمعنى: مفعولة
(1)
. وهذا الكتاب عقده المؤلف رحمه الله لبيان أحكام الصيد، والمصيد، والذبائح.
وفي هذه الأحاديث: دليل على جوازِ الاصطياد بالكلب، وحِلِّ ما صاده بشروطه، وهي:
الشرط الأول: أن يكون الكلب معلَّمًا، والمعلَّم هو الذي يَرسَلُ إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر.
الشرط الثاني: الإرسال، وذلك بأن يرسله صاحبه.
الشرط الثالث: أن يكون المرسِل من أهل الذكاة، وهو المسلم، أو الكتابي.
الشرط الرابع: ألا يأكل الكلب من الصيد، فإن أكل فلا يؤكل؛ لأنه إنما
(1)
النهاية، لابن الأثير (2/ 153)، المحكم، لابن سيده (3/ 292).
أمسك على نفسه، ولم يمسك على صاحبه.
الشرط الخامس: أن يسمي المرسِلُ اللهَ عند إرسال الكلب.
الشرط السادس: ألا يكون مع كلبه كلب آخر غير معلَّم أرسله صاحبه.
فإذا وُجدت هذه الشروط الستة كان ما صاده الكلب حلالًا جائزا أكلُه.
والكلب المعلَّم يجوز اقتناؤه، أما الكلب غير المعلَّم فلا يجوز اقتناؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا- إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ- نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ))
(1)
.
وفيها: بيان فضل العلم؛ وذلك أن الكلاب تمتاز هي كذلك بقابليتها للتعلم؛ فالكلب غير المعلَّم لا يحل أكل صيده، وكذلك إذا لم يرسله صاحبه، أو إذا كان أرسله وثني أو ملحد فلا يحل أكل صيده؛ لأنه ليس من أهل الذكاة، وكذلك إذا كان معه كلب آخر غير معلم أرسله صاحبه.
واختلف في الشرط الرابع- وهو ألا يَأكل الكلب من الصيد، فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يُؤكل ما صاده
(2)
، وهو الذي يدل عليه حديث عدي رضي الله عنه، وهو مخرج في الصحيحين.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يجوز أكل ما صاده الكلب المعلَّم، ولو أكل منه، واستدلوا بحديث أبي ثعلبة رضي الله عنه عند أبي داود قال:((فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ))
(3)
، وحملوا حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه على الاستحباب، لكن هذا مرجوح.
والصواب: ما ذهب إليه جمهور العلماء من العمل بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، وأنه إذا أكل الكلب من الصيد فلا يؤكل، وأما الزيادة في حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه:((فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ)) فهي زيادة شاذة؛ لأن القاعدة أن الزيادة-
(1)
أخرجه مسلم (1574).
(2)
المغني، لابن قدامة (9/ 369).
(3)
أخرجه أبو داود (2852).
ولو كان الراوي ثقة- إذا كانت مخالفة لمن هو أوثق فإنها تُرَدُّ، كما قال الحافظ ابن حجر:((وزيادة راويهما- أي: الصحيح والحسن- مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة))
(1)
، وهذه الزيادة وقعت منافية لمن هو أوثق، فحديث عدي رضي الله عنه في الصحيحين، وهو مقدم على حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه في سنن أبي داود.
ودل حديث عدي رضي الله عنه على جواز أكل ما صاده بالمعراض إذا أصابه بحده وخَزَق، أي: دخل في الصيد، ومثله- أيضًا- لو رمى طيرًا بحجر، ثم مات بثقله فلا يؤكل، فلا بد أن يكون محددًا، له حد كالسكين، مثل الرصاصة تخرج محددة، وأما إذا أصابه بعَرْضه فلا يأكل؛ فإنه موقوذ.
والمعراض هو: عصا، أو رمح، أو خشبة في طرفها حديدة يرمي بها الصيد فيصيب بعرضه لا بحدّه.
وفيها: دليل اشتراط التسمية على الصيد، وكذلك الذبائح.
وقد اختلف العلماء في التسمية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنه يصح أكل الصيد والذبيحة ولو لم يسمِّ عليها، حتى ولو ترك التسمية عمدًا، أو سهوًا، وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله
(2)
، وهو رواية عن الإمام مالك رحمه الله
(3)
، والإمام أحمد رحمه الله
(4)
.
القول الثاني: إنه إذا ترك التسمية فلا تحل الذبيحة، سواء تركها سهوًا، أو عمدًا، وإلى هذا ذهب الظاهرية
(5)
.
القول الثالث: فيه تفصيل، وهو: أنه إذا ترك التسمية على الصيد عمدًا فلا
(1)
نزهة النظر، لابن حجر (ص 68).
(2)
المجموع، للنووي (8/ 408).
(3)
النوادر والزيادات، لابن أبي زيد (4/ 342).
(4)
المغني، لابن قدامة (9/ 367).
(5)
المحلى، لابن حزم (7/ 412).
تحل الذبيحة، وإذا تركها سهوًا ونسيانًا حلت الذبيحة، وهذا الذي ذهب إليه جمهور العلماء
(1)
، وهو الصواب، وهذا القول هو الوسط؛ لأن الناسي معفو عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} ، قال: دخل قلوبهم منها شيء، لم يدخل قلوبهم من شيء، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:((قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ))
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ))
(3)
.
مسألة: هل يجوز الأكل مما أمسك كلبٌ أرسله مَن لا دين له؟
الجواب: لا بد أن يكون المرسِل من أهل الذكاة، وهو المسلم، أو الكتابي، أما إذا كان المرسِلُ لكلب الصيد وثنيًّا، أو ملحدًا، أو مرتدًا فلا يحل صيده، كما لا تحل ذبيحته.
(1)
المغني، لابن قدامة (9/ 367).
(2)
أخرجه مسلم (126).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2043)، وابن حبان (7219).
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ:((مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ))، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ، فَقَالَ:((مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ فَإِنْ وَجَدْتَ عِنْدَهُ كَلْبًا آخَرَ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ، فَلَا تَأْكُلْ؛ إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ)).
[خ: 5475]
وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ- وَكَانَ لَنَا جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهْرَيْنِ- أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُرْسِلُ كَلْبِي، فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا قَدْ أَخَذَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ، قَالَ:((فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)).
وحَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ.
قوله: ((فَهُوَ وَقِيذٌ)): وقيذ: فعيل، بمعني مفعول، يعني: موقوذ، مثل قوله تعالى:{حرمت عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة} ، والموقوذة هي: المضروبة التي ضُربت حتى ماتت، تُضرب بعصا، أو بحجر، أو يقتلها بثقله، والموقوذة ميتة، أما الذي خزقه شيء محدد ودخل فيه فهذا يحل.
وقوله: ((دَخِيلًا)): أي: مداخلًا له بأموره، وله صلة وارتباط به.
وقوله: ((وَرَبيِطًا)): أي: مرابطًا بالنهرين.
وفي هذا الحديث: أنه إذا اجتمع حاظر ومبيح قُدم الحاظر على المبيح
(1)
، فإذا أرسلتَ كلبك المعلم ووجدتَ معه كلبًا آخر ووجدتَ صيدًا، فهذا الصيد يحتمل أن يكون قتله كلبك المعلَّم، ويحتمل أن يكون قتله الكلب الآخر، فيُغلَّب جانب الحظر، ومثله- كما سيأتي- إذا صاد صيدًا، ثم سقط في الماء فلا يدري هل قتله الماء، أو قتله السهم، فيغلب جانب الحظر، فلا يحل أكله، وكذلك- أيضًا- إذا سميتَ على كلبك والكلب الآخر لم يُسمَّ عليه.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ، وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ)).
[خ: 5484]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّيْدِ قَالَ: ((إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ، إِلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ)).
وهذا دليل آخر لقاعدة: إذا اجتمع حاظر ومبيح قُدم جانب الحظر، ولأن الأصل في الذبائح والصيد المنع، فإذا شك الإنسان هل هو ضربه بسهم،
(1)
المحصول، للرازي (2/ 323)، جمع الجوامع، للسبكي (2/ 297)، البرهان 1/ 362، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للأسنوي (276).
ثم سقط في الماء، وشك ما يدري هل قتله الماء، أو قتله السهم؟ فيُغلَّب جانب المنع والحظر، وكذلك هو الأصل في الصيد.
والحديث فيه ثلاثة مواضع يُغِلَّب فيها جانب الحظر:
الموضع الأول: إذا خالط كلبه كلابًا أخرى؛ فإنه ما يدري هل الذي قتل كلبه أو كلب غيره؛ فلا يأكل تغليبًا لجانب الحظر.
الموضع الثاني: وإذا رمى صيده ووقع في الماء فلا يأكل؛ لأنه لا يدري هل قتله الماء أم قتله سهمه؟ فلا يأكل تغليبًا لجانب الحظر.
الموضع الثالث: إذا رمى الصيد وغاب عنه يومًا أو يومين ثم وجده ليس به إلا أثر سهمه فإنه يأكل.
[1930]
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ:((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، ثُمَّ كُلُوا فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ)).
[خ: 5478]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح، وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، كِلَاهُمَا عَنْ حَيْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صَيْدَ الْقَوْسِ.
في هذا الحديث: أن هذا الحكم بالنسبة لآنية أهل الكتاب؛ لأنه قد يكون في هذه الآنية شيء من النجاسة، كلحم الميتة، أو الخمر؛ لهذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها؛ لأن أهل الكتاب قد يأكلون فيها الميتة، وقد يشربون فيها الخمر.
وفيه: أنه إذا وجد الصيد حيًّا فلا بد من ذبحه، أما إذا وجد الكلب قد قتله فإن قتله ذكاته، ولكن لو وجده حيًّا، ثم تركه حتى مات فلا يحل أكله.