الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ، وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ
[1827]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو- يَعْنِي: ابْنَ دِينَارٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ- الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ، وَمَا وَلُوا)).
قوله: ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ)) جمع مقسط، وهو العادل، ومنه: قوله تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} .
وقوله: ((الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا))، أي: الذين يعدلون في حكمهم، ومن ذلك: حكم الرجل في أهله وأولاده، وفي الولايات التي يتولاها.
هذا الحديث فيه: فضل العادلين في حكمهم، ولكن في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال- لأبي ذر لما طلب الولاية-:((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)) فكيف الجمع بينه وبين حديث الباب؟ نقول: إن الأحاديث التي فيها الوعيد على تولِّي الإمارة محمولة على من لم يكن أهلًا لها، أو كان أهلًا لها، ولكن لم يعدل فيها، أما من كان أهلًا للولاية وعدل فيها فقد دلت النصوص على فضله، كما في حديث الباب، وحديث: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ
فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ؛ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))
(1)
؛ ذلك لأنه به تؤمَّن السبل، وتقام الحدود، ويُنتصف للمظلوم من الظالم، ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويجاهَد في سبيل الله تحت رايته، ويقام معه الحج.
وفي الحديث: إثبات صفة اليدين لله عز وجل، قال الله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وقال تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ، وأن يديه كلتيهما يمين، يعني: في الشرف والفضل وعدم النقص، وإلا فقد ثبت في صحيح مسلم أن لله سبحانه يمينًا وشمالًا
(2)
، لكن كلٌّ منهما يمين في البركة والشرف والفضل وعدم النقص، بخلاف المخلوق فإن يده الشمال أضعف من اليمين في الغالب.
(1)
أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).
(2)
أخرجه مسلم (2788).
[1828]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ، فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ، فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ- فِي بَيْتِي هَذَا-: ((اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)).
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قوله: ((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ)) شماسة مثلثة الشين، يقال: شمُاسة، أو شَماسة، أو شِماسة، وذكر الحافظ أنه بالكسر
(1)
.
هذا الحديث فيه: فضيلة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، فقد كان واليًا على مصر، وكان يعتني بالرعية، فمن مات له بعير أعطاه من بيت المال بعيرًا، ومن مات له عبد أعطاه عبدًا، ومن احتاج إلى النفقة أنفق عليه.
وفيه: فضل عائشة رضي الله عنها، وأنها لم تكتم الحديث، رغم ما حصل من عمرو رضي الله عنه لأخيها محمد.
وفيه: فضل الولاة الذين يرفقون بالرعية، والوعيد الشديد على من شق عليهم.
ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الولاة الظلمة بأن يشق الله عليهم، ودعاؤه للولاة العادلين بأن يرفق الله بهم- مستجاب.
(1)
تقريب التهذيب، لابن حجر (ص 342).
[1829]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:((أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
[خ: 2554]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ- يَعْنِي: ابْنَ الْحَارِثِ-.ح. وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى- يَعْنِي: الْقَطَّانَ- كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ- يَعْنِي: ابْنَ عُثْمَانَ-.ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا، مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ.
وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ حُجْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: ((الرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ، وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ سَمَّاهُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَى.
هذا الحديث فيه: دليل على عظم المسؤولية، وليس هناك أحد يستطيع التنصل منها، كل واحد مسؤول أمام الله، لكن هذه المسؤولية تختلف، وأعظمها: مسؤولية إمام المسلمين ورئيس الدولة، ثم الأمراء، وكل أمير مسؤول عن إمارته، ثم الوزراء، وكل وزير مسؤول عن وزارته، ثم القضاة مسؤولون، ومدراء المدارس ورؤساء الأقسام كلهم مسؤولون، وإمام المسجد مسؤول عن جماعة المسجد، وإن كانت ولايته ضعيفة، والمؤذن مسؤول، والرجل مسؤول عن زوجته وأولاده وخدمه ودوابه، هل يحسن إليهم، أو يسيء، والمرأة راعية في بيت زوجها على أولادها وبناتها، وهي مسؤولة عنهم، وكذلك الخادم راعٍ في مال سيده، والإنسان مسؤول عن نفسه وحده، هل يستقيم على طاعة الله، وهل يكبح جماح نفسه، ولا يتبع الهوى والشيطان، أم يستجيب لداعي الهوى والنفس؟ !
[142]
وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).
وَحَدَّثَنَاهُ يَحيَى بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَهُوَ وَجِعٌ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الْأَشْهَبِ، وَزَادَ قَالَ: أَلَّا كُنْتَ حَدَّثْتَنِي هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ ! قَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ- أَوْ: لَمْ أَكُنْ لِأُحَدِّثَكَ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ دَخَلَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ، لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ)).
وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِي سَوَادَةُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ مَرِضَ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، نَحْوَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلٍ.
وهو كقوله: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).
هذا الحديث فيه: وعيد شديد للولاة الظلمة الذين يغشون رعيتهم.
وفيه: أن غش الرعية وعدم النصح لهم من كبائر الذنوب، وأن الغاش متوعد بالنار.
وعبيد الله بن زياد هذا كان أميرًا على العراق وكان ظالمًا، فمرض معقل بن يسار الصحابي الجليل، فدخل عليه عبيد الله يزوره، فحدثه بهذا الحديث خشيةً من كتمان العلم، وكان لم يحدثه قبل ذلك؛ لأنه كان ظالمًا فكان يخشى من شره وظلمه له حال حياته، فَقَالَ لمعقل:((أَلَّا كُنْتَ حَدَّثْتَنِي هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ ! ، فَقَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ- أَوْ: لَمْ أَكُنْ لِأُحَدِّثَكَ)).
فأبلغه بأن غش الرعية من كبائر الذنوب، وأنه متوعد عليه بالنار، والحرمان من دخول الجنة.
[1830]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ))، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ ! إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ.
قوله: ((أَيْ بُنَيَّ))، أي: حرف نداء، والمنادى: عبيد الله.
وقوله: ((إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ)) يقال: الرِّعاء والرُّعاء: بكسر الراء المشددة وضمها، ومنه قوله تعالى:{قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} والرعاء: جمع راعٍ، وهو الذي يرعى الأمة ويليها.
والحطمة: الذي يحطم رعيته من الغنم والإبل وغيرها، ويسلك بها المسالك الوعرة في سَوقها ومرعاها، ولا يرفق بها، بل يعنف فيها، وإذا كان هذا في رعاية الإبل والغنم فرعاية الأمم والناس والدول أعظم وأعظم، فهذا يدل على الوعيد الشديد على الولاة الظلمة.
وقوله: ((فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم): هذا كلام قبيح من
عبيد الله غلب عليه طبعه الجاف وشراسة خلقه وظلمه، وكان الواجب عليه أن يقول: جزاك الله خيرًا، أسأل الله أن لا يجعلنا منهم، ولا يقول مقولته الشنيعة التي قال.