الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ
.
[1783]
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:((امْحُهُ))، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ، قُلْتُ: لِأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ.
[خ: 2698]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ كِتَابًا بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ- وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ- أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن البَرَاءِ قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا، فَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ- السَّيْفِ وَقِرَابِهِ- وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، قَالَ لِعَلِيٍّ:((اكْتُبْ الشَّرْطَ بَيْنَنَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ))، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَرِنِي مَكَانَهَا))، فَأَرَاهُ مَكَانَهَا، فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ، قَالُوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ، فَأْمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ.
وقَالَ ابْنُ جَنَابٍ- فِي رِوَايَتِهِ-: مَكَانَ: تَابَعْنَاكَ: بَايَعْنَاكَ.
[1784]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فِيهِمْ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:((اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ، فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ:((اكْتُبْ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ))، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ: اسْمَكَ، وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ))، فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ:((نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا)).
[1785]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ- وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ- يَوْمَ صِفِّينَ- فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ:((بَلَى))، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: ((بَلَى))، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ !
فَقَالَ: ((يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا)).
قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ، فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ! فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ ! قَالَ:((نَعَمْ، فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَجَعَ)).
[خ: 3182]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ- بِصِفِّينَ-: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ، إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا أَمْرَكُمْ هَذَا.
لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ نُمَيْرٍ: إِلَى أَمْرٍ قَطُّ.
وَحَدَّثَنَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلَاهُمَا عن الأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِهِمَا: إِلَى أَمْرٍ يُفْظِعُنَا.
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ- بِصِفِّينَ- يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِي خُصْمٍ إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا مِنْهُ خُصْمٌ.
[1786]
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوْزًا عَظِيمًا} - مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ-: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا.
وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
[قوله: ((لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا)) وفي رواية للبخاري: ((لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ))
(1)
والمراد: بـ ((ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)) ما هنا في رواية مسلم: ((الدُّنْيَا جَمِيعًا)).
وهذا كان بعد صلح الحديبية، وقد سمى الله صلح الحديبية فتحًا.] [*]
قوله: ((عَنْ أَبِي حَصِينٍ)) بفتح الحاء وكسر الصاد.
وقوله: ((لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ)) وهو يوم الحديبية، وأبو جندل هو العاص بن سهيل بن عمرو، جاء يرصف في قيوده، والنبي صلى الله عليه وسلم يكتب كتابًا مع سهيل، فجاء مسلمًا يرمي بنفسه بين المسلمين، قال: يا أيها الناس قد عذبني المشركون، فقال سهيل: من الشروط أنك ترد علينا هذا العاصي، فقال الذي معه: لم نكتب إلى الآن الكتاب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رده إليهم
(2)
.
وقوله: ((مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِي خُصْمٍ إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا مِنْهُ خُصْمٌ)) المراد: الناحية والجهة، كالشيء الذي يتشقق على الإنسان، إذا سددنا هذا انفتح هذا، والمعنى: أن كل الأمور التي مضت، منها صلح الحديبية إذا وضعنا سيوفنا على عاتقنا، وأوقفنا القتال أضفى بنا إلى أمر حميد، إلا مسألة صفين؛ فإنها أضفت بنا إلى الشدة.
هذه الأحاديث في صلح الحديبية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد جاؤوا معتمرين، فصدهم كفار قريش، ثم وقع الصلح بينهم.
(1)
أخرجه البخاري (4177)
(2)
أخرجه البخاري (2731)
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ورد ما بين معكوفين في الأصل الإلكتروني
وفيها: دليل على جواز مصالحة الكفار عند الحاجة، وقد صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فأخذ بعض العلماء أنه لا يجوز الصلح مع الكفار أكثر من عشر سنين، وقال بعضهم: يجوز الصلح دون تحديد مدة، ولكنه لا يجوز الصلح الدائم
(1)
.
وفيها: جواز قبول الشروط التي فيها غضاضة على المسلمين إذا كان فيها مصلحة، فإن قريشًا صالحت النبي صلى الله عليه وسلم واشترطوا شروطًا فيها غضاضة على المسلمين، منها: أن من جاء منهم من أهل مكة مسلمًا فإن المسلمين يردونه عليهم، ومن جاء من المسلمين مرتدًّا فإنه لا يُرد عليهم.
وفيها: أن بعض الصحابة امتعض من غضاضة هذه الشروط، حتى إن عمر رضي الله عنه اشتد عليه الأمر، وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ! ))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا))، ثم بعد ذلك لم يصبر، فذهب إلى أبى بكر رضي الله عنه، ((فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ ! فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِثْلَ مَقَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَهُ صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على الفقه العظيم لأبي بكر رضي الله عنه، والصبر والقوة في الحق، والتميُّز على عمر رضي الله عنه، وفي رواية:((فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ))
(2)
.
وهذه الشروط التي قبلها المسلمون صار فيها الخير والمصلحة والفتح والبركة، فقد وضعت الحرب أوزارها، واختلط المشركون بالمسلمين،
(1)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (8/ 39 - 41)، المغني، لابن قدامة (8/ 459)، جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، للأبي (1/ 269)، شرح روض الطالب (3/ 224).
(2)
أخرجه البخاري (2731).
وسمعوا القرآن، ولانت قلوبهم، وأسلم كثير منهم، وتفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لقتال اليهود، وفُتحت خيبر؛ ولهذا سماه الله تعالى فتحًا، قال تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} .
وقد نفَّذ النبي صلى الله عليه وسلم شروط الصلح، فالذين أسلموا ردهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يرجعوا إلى الكفار، ووقفوا في طريق قافلة الكفار يقطعونها حتى آذوهم، وأخذوا تجارتهم، حتى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: خذهم، ونزل القرآن بأنه من جاء من النساء مسلماتٍ فلا يصح أن يردوهم إلى الكفار، فلم يردهم النبي صلى الله عليه وسلم: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {.
ثم بعد سنتين نقضت قريش العهد، فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم، وفَتَحَ مكَّة.
وفيها: دليل على أنه في الصلح لا بأس للإنسان أن يذكر اسمه، واسم أبيه، إذا كان مشهورًا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ))، ولما لم يقبلوا هذا قال:((مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ))، ولم يقل: ابن عبد المطلب.
قال بعض العلماء: لا بد أن يذكر أربعة أشياء: اسمه، واسم أبيه، واسم جده، ونسبته، وإذا كان مشهورًا فلا حرج أن يذكر اسمه واسم أبيه فقط
(1)
.
وفيها: أن من الشروط التي اشترطتها قريش على النبي صلى الله عليه وسلم: أن يرجع هذا العام، ولا يعتمر، قالوا: لئلَّا تسمع العرب بأنه ضُغط علينا، وفي العام القادم يعتمر المسلمون، بشرط ألا يدخلوا إلا بجلبان السلاح، أي: بالسلاح الخفيف، والحكمة في ذلك: أنهم لا يستطيعون حينها الدفاع عن أنفسهم، وكذلك لئلَّا يتحدث الناس أنهم دخلوا بالسلاح.
واشترطوا كذلك: ألا يقيموا في مكة أكثر من ثلاثة أيام بعد العمرة.
وفيها: أن هذه العمرة التي مُنع المسلمون منها تحلل منها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عمرة تامة، وسُمِّيَت العمرة التي بعدها عمرةَ القضاء، من المقاضاة والمصالحة، لا من قضاء العمرة التي صُدُّوا عنها.
وفيها: أنه قد شق على الصحابة رضي الله عنهم رجوعهم ولم يتموا العمرة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا بأن يحلقوا رؤوسهم ويذبحوا؛ لأنهم
(1)
مواهب الجليل، للحطاب (5/ 80)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي (5/ 187)، المغني، لابن قدامة (4/ 543).
محصورون، والمُحْصَر: هو الممنوع من الوصول إلى البيت الحرام، أو الممنوع من عرفة، أو الممنوع من الحج، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبه أحد وتوقفوا، فكرر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر، فلم يفعل أحد؛ وليس ذلك عصيانًا لأمره صلى الله عليه وسلم، ولكن رجاء أن يسمح الكفار لهم، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم يراجعهم حتى يتموا العمرة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، :((فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا))
(1)
، وكان هذا رأيًا سديدًا لأم سلمة رضي الله عنها، وهو يدل على رجاحة عقلها، وبعض النساء قد يكون عندها رأي يفوق رأي الرجال، وكم من امرأة خير من آلاف الرجال.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وذبح هديه وحلق رأسه، فتتابع الناس، كل يذبح، ويحلق، ويسابق بعضهم بعضًا، حتى كاد يضر بعضهم بعضًا، والسبب في ذلك: أنهم علموا أن الأمر انتهى، ولا أمل لهم أنهم يذهبوا إلى مكة.
(1)
أخرجه البخاري (2731).