الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ جَوَازِ قِتَالِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ، وَجَوَازِ إِنْزَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ عَدْلٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ
.
[1768]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ:((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ- أَوْ: خَيْرِكُمْ-))، ثُمَّ قَالَ:((إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ))، قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذُرِّيَّتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ- وَرُبَّمَا قَالَ: قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)). وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُثَنَّى: ((وَرُبَّمَا قَالَ: قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)).
[خ: 3043]
وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ))، وَقَالَ مَرَّةً:((لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)).
هذا الحديث فيه: دليل على أنه لا بأس بتحكيم الإنسان في بعض القضايا، كما حكَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم سعدَ بن معاذ رضي الله عنه، وقال:((لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)).
وفيه: رد على الخوارج الذين أنكروا على عليٍّ رضي الله عنه مسألة التحكيم، وكفَّروا الفريقين.
وفيه: أن بني قريظة نقضوا العهد، وأنهم إذا نقضوا العهد صار حكمهم حكم الكافر الحربي، يخير الإمام بين قتلهم، وسبيهم، والمن عليهم.
وفيه: جواز القيام للقادم للسلام عليه، وأن هذا ليس ممنوعًا منه شرعًا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ))
(1)
، يعني: لتلقيه والسلام عليه، والقيام ثلاثة أنواع:
الأول: أن يقوم ليسلم عليه ويحييه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءت فاطمة رضي الله عنها، ((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِهَا، وَقَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ))
(2)
، وهذا لا بأس به.
الثاني: القيام للاحترام، وهذا مكروه، كما يفعل بعض الكبار إذا دخل أحدهم قاموا له، فإذا جلس جلسوا.
الثالث: أن يقوم عليه وهو جالس، وهذا النوع هو الممنوع، حتى أن الصحابة لما قاموا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس قال:((إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ، وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ))
(3)
، ويستثنى من هذا ما كان من الحراسة، كما كان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في صلح الحديبية واقفًا على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه.
وفيه: أنه لا بأس بقول سيد بالإضافة، نحو: سيدكم، سيد بني فلان، والنهي هو عن قول: فلان السيد، ولما قيل: أنت سيدنا، قال:((السَّيِّدُ اللَّهُ))
(4)
؛ سدًّا للذريعة.
(1)
أخرجه البخاري (3043)، ومسلم (1768).
(2)
أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872)، وابن حبان (6953).
(3)
أخرجه مسلم (413).
(4)
أخرجه أحمد (16307)، وأبو داود (4806).
[1769]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْعَرِقَةِ- رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ، فَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((فَأَيْنَ؟ )) فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ: أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.
[خ: 4122]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: قَالَ أَبِي: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل).
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ- وَتَحَجَّرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ- فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي أُجَاهِدْهُمْ فِيكَ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا.
قول سعد بن معاذ رضي الله عنه وهذا هو الذي اهتز له عرش الرحمن عند موته-: ((اللَّهُمَّ
فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا)) هذا ليس من تمني الموت، ولكنه من تمني الشهادة.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ
لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا
…
وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ
وَقَدْ قَالَ الْكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ
…
أَقِيمُوا قَيْنُقَاعُ وَلَا تَسِيرُوا
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا
…
كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصُّخُورُ
في هذه الأبيات: إنما قصد هذا الشاعر تحريض سعد على استبقاء بني قريظة حلفائه ويلومه على حكمه فيهم ويذكره بفعل عبد الله بن أبي ويمدحه بشفاعته في حلفائهم بني قينقاع.
@@