الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ وَغَيْرِهَا
.
[1806]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ- يَعْنِي: ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ، قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِي قَرَدٍ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي، وَكُنْتُ رَامِيًا، وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ:((يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ: مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ))، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
[خ: 4194]
قوله: ((أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): جمع لقحة، وهي الناقة ذات اللبن قريبة العهد بالولادة.
وقوله: ((فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ)): لأن المدينة كانت صغيرة، ولأنه لم يكن هناك أصوات سيارات ولا نحوها، فإذا صرخ الصارخ يسمع المدينة كلها.
قوله: ((وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ)): وقوله: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ = واليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، أي: يعرِّف بنفسه حتى يهابه الأعداء.
والرجز شعر على بحر من بحور الشعراء، خفيف يستطيعه الكل.
وقوله: ((واليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ)): أي: يوم اللئيم الذي رضع اللؤم من أمه صغيرًا، وقيل: هو الذي يمص ثدي الناقة والبقرة حتى لا يسمع سؤال الفقراء، فهو يقول: اليوم هو اليوم الذي يُهزَم فيه اللئام أمثالكم.
[1807]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَهَذَا حَدِيثُهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ- وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ- حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تُرْوِيهَا، قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا، وَإِمَّا بَسَقَ فِيهَا، قَالَ: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا، وَاسْتَقَيْنَا، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ:((بَايِعْ يَا سَلَمَةُ))، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي أَوَّلِ النَّاسِ قَالَ:((وَأَيْضًا))، قَالَ: وَرَأَىنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزِلًا- يَعْنِي: لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ- قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً، أَوْ دَرَقَةً، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ:((أَلَا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟ ! ))، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ، قَالَ:((وَأَيْضًا))، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي: ((يَا سَلَمَةُ، أَيْنَ
حَجَفَتُكَ، أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ ))، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: ((إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي))، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حَتَّى
مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا، قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبْغَضْتُهُمْ، فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي، يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ، قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، قَالَ، ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنْ الْعَبَلَاتِ- يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزٌ- يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم عَلَى فَرَسٍ، مُجَفَّفٍ فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ، وَثِنَاهُ))، فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ
…
}
الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي لَحْيَانَ جَبَلٌ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ رَقِيَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ، كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، قَالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ، وَقَتَلَ رَاعِيَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، خُذْ هَذَا الْفَرَسَ، فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا
عَلَى سَرْحِهِ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ، فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ، أَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ = وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ، قَالَ: قُلْتُ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ = وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً، فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ، فَعَقَرْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ، فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ قَالَ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً، وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ، وَلَا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلَانُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ- يَعْنِي: يَتَغَدَّوْنَ- وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ، قَالَ الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ، وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا، قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ، قَالَ: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ قَالَ: فَرَجَعُوا، فَمَا
بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، قَالَ: فَإِذَا أَوَّلُهُمْ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الْأَخْرَمِ، قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ، احْذَرْهُمْ لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: يَا سَلَمَةُ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَعْلَمُ
أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ: فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ، وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَاءِي مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا غُبَارِهِمْ شَيْئًا، حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ- يُقَالُ لَهُ: ذَو قَرَدٍ- لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ، قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَيَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَخَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ- يَعْنِي: أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ- فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً، قَالَ: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ، قَالَ: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ، قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ = وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، قَالَ:
يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ، قَالَ: وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ، وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَّأْتُهُمْ عَنْهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الْإِبِلَ، وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ، وَإِذَا بِلَالٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الْإِبِلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ، وَإِذَا هُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَقَالَ:((يَا سَلَمَةُ، أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا؟ )، قُلْتُ: نَعَمْ، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، فَقَالَ:((إِنَّهُمُ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ))، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ جَزُورًا، فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ، فَخَرَجُوا هَارِبِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو
قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ))، قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
سَهْمَيْنِ: سَهْمَ الْفَارِسِ، وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا، ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ ! هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ ! فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ، قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ، قَالَ: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ، وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ، قَالَ: فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا، أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ، فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا، أَوْ شَرَفَيْنِ، ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ، قَالَ: فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ، قَالَ: أَنَا أَظُنُّ، قَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ:
تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
…
فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ هَذَا؟ ))، قَالَ: أَنَا عَامِرٌ، قَالَ:((غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ))، قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ-: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ، قَالَ: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِر
قَالَ: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ، فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ! ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ ))، قَالَ: قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ:((كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ))، ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ أَرْمَدُ، فَقَالَ:((لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ- أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ-))، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ، وَهُوَ أَرْمَدُ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
…
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهَذَا.
قوله: ((بِظَهْرِهِ)) الظهر: البعير الذي يركبه الإنسان.
وقوله: ((لَيُقْرَوْنَ)) من القِرى، أي: الضيافة.
وقوله: ((فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا)) لأن سلمة رضي الله عنه كان يستحق السهمين.
وقوله: ((لَا يُسْبَقُ شَدًّا)) شدًّا، أي: عَدْوًا على الرِّجلين.
وقوله: ((قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ)) هذه المسابقة بعد التعب العظيم في استنقاذ السرح.
وقوله: ((يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ)) - بكسر الطاء- أي: يرفعه مرة، ويضعه مرة.
وقوله: ((مُجَرَّبُ)) اسم مفعول من التجريب، والمعنى هنا: مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان.
وقوله: ((لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ)) لأنه لم يقتل نفسه، بل رجع ذباب السيف إليه بدون اختياره.
وقوله: ((الرِّكية)) هي البئر.
وقوله: ((فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا)) يعني: أزلت ما تحتها من الشوك.
وقوله: ((قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ)) أي: ابن الزنا، ولما سمع سلمة رضي الله عنه هذا القول احتمل أنهم يريدون النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا ساقهم سلمة رضي الله عنه كأنهم دواب، وأخذ سلاحهم.
وقوله: ((العَبَلَات)) ينسبهم إلى أمهم عبلة.
وقوله: ((وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ)) أي: أظهره، وأبرزه؛ ليأكل من العشب، أو بمعنى: أسقيه الماء، ثم أتركه يرعى العشب.
وقوله: ((البرَح)) أي: الشدة.
وقوله: ((فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ)) يقول هذا ليخيفهم ويرعبهم، ويقول:((وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي)).
وقوله: ((حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: شجعان النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((حَلَّأْتُهُمْ عَنْهُ)) يعني: أجليتهم عن الماء، فما ذاقوا منه قطرة.
وقوله: ((إِنَّهُمُ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ)) هذا من علامات النبوة؛ حيث
أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم في بلاد غطفان يُقرَون، فكان الأمر كما قال.
وقوله: ((فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ)) هو أخو سلمة رضي الله عنه، ويحتمل أنه أخوه من الرضاعة، وعمه من النسب.
وقوله: ((مُغَامِر)) يعني: أنه يدخل في الحروب ولا يبالي.
وقول علي رضي الله عنه:
قال علي رضي الله عنه ذلك، ثم ضرب رأس مَرْحَبٍ، فقتله، ثم كان الفتحُ على يديه، فقد انهزموا لما قُتل كبيرهم.
وقوله: ((أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ)) هو اسم من أسماء الأسد، وكان علي رضي الله عنه قد سمته أمه أولًا أسد بن هشام بن عبد مناف، لكن لما جاء أبوه أبو طالب غيَّر اسمه وجعله عليًّا.
وقوله: ((كَيْلَ السَّنْدَرَهْ)) يعني: يوفيهم بالكيل صاعًا، والمعنى: أنه يتابع القتل والضربات عليهم.
وهذا الحديث فيه: أن هذه القصة كانت في صلح الحديبية، حيث ذهب الصحابة رضي الله عنهم معتمرين، وكانوا أربع عشرة مائة، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وهم الذين قال الله فيهم:{لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} ، وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:((لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ))
(1)
، وكان صلح الحديبية الحد الفاصل بين السابقين الأولين ومن بعدهم، فمن أسلم قبل الحديبية فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعد الحديبية فليس منهم.
وفيه: معجزة من المعجزات العظيمة، وهو من دلائل النبوة، ومن دلائل قدرة الله تبارك وتعالى القائل في كتابه:{إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} فهذه ركية فيها ماء شرب منها خمسون شاة وفرغت، فبصق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ودعا فارتفع الماء حتى سقوا، واستقوا وهم ألف وأربعمائة، وملؤوا كلَّ إناء.
وفيه: أنه لا بأس من تكرار البيعة مرتين وثلاثًا للشجاع؛ تنشيطًا له،
(1)
أخرجه أحمد (14778)، وأبو داود (4653)، والترمذي (3860).
فسلمة رضي الله عنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: في أول الناس، وفي وفي أوسط الناس، وفي آخرهم.
وفي هذه البيعة بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على قتال المشركين حتى الموت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عثمان رضي الله عنه يخبرهم أنهم ما جاؤوا للقتال، وإنما جاؤوا للعمرة، فاحتبسوا عثمان رضي الله عنه، فشاع بين الصحابة أن عثمان رضي الله عنه قد قُتل، فبايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم على قتالهم حتى الموت، فلما سمعت قريش بالمبايعة خافوا وأطلقوه.
وفيه: استحباب بعث الإمام الطلائع، وبث العيون والجواسيس؛ لمعرفة أخبار العدو.
وفيه: أنه لا بأس أن يؤخذ من الغنيمة بإذن القائد ما يحتاجه الجيش.
وفيه: دليل على أنه لا بأس بالمسابقة بالأقدام، واختلف العلماء هل يجوز عليها العِوض؟ والصواب: أنه لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها فسبقها في أول الأمر، ثم سبقته بعد ذلك
(1)
.
أما العِوض فهو خاص بالمسابقة على الخيل، أو الإبل، أو الرماية، كما في حديث:((لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ))
(2)
.
وفيه: منقبة لعلي رضي الله عنه؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
وفيه: إثبات المحبة لله تعالى، والرد على من أنكرها من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية.
وفيه: الرد على الخوارج الذين يُكفِّرون عليًّا رضي الله عنه فإنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
(1)
أخرجه أحمد (26277)، وأبو داود (2578).
(2)
أخرجه أحمد (7482)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700)، والنسائي (3585)، وابن ماجه (2878).
وفيه: علامة من علامات النبوة، حيث إنه جيء بعلي رضي الله عنه وهو أرمد فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه، فبرأ.