الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الِاسْتِخْلَافِ وَتَرْكِهِ
[1823]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ، قَالُوا: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ: لَا عَلَيَّ، وَلَا لِي، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ- وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
[خ: 7218]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ- وألفاظهم متقاربة- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ: أَعَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ، قَالَتْ: إِنَّهُ فَاعِلٌ، قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ، قَالَ: فَكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلًا حَتَّى رَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ، أَوْ رَاعِي غَنَمٍ، ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ! قَالَ: فَوَافَقَهُ قَوْلِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عز وجل يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي لَئِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
قوله: ((حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ))، يعني: لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي- وهو يصلي بالناس الفجر- ست طعنات إحداهن تحت سرته
(1)
.
وقوله: ((رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ))، أي: أنا راغب فيما عند الله تعالى، وراهب من عذابه.
وقوله: ((لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ: لَا عَلَيَّ، وَلَا لِي)) هذا من تواضعه رضي الله عنه، فهو يودُّ حين يلقى ربه أن يكون الأمر كفافًا، ما له حسنات، ولا عليه سيئات، مع أنه من السابقين رضي الله عنه، وهذا من عظيم خوفه من الله عز وجل.
وقوله: ((قَالُوا: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا))، يعني: يكفي أني تحملت تبعاتها في حياتي، فهل أتحملها- أيضًا- بعد مماتي؟ وهذا من ورع عمر رضي الله عنه مع سيرته العادلة، وجهاده، وصحبته الطويلة للنبي (، فودَّ أن يحصل على الكفاف، وترك الأمر شورى بين الستة المعروفين، وهم: الزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
وقوله: ((فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ- وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) وهذا دليل على أنه يجوز للخليفة أن يستخلف وليًّا للعهد بعده، ويجوز أن يترك، أما دليل الاستخلاف فيؤخذ من عزمه صلى الله عليه وسلم الذي حكته عائشة، وهو لا يعزم إلا على أمر جائز، وقد فهم أبوبكر رضي الله عنه من عزمه الجواز، ولهذا استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما واتفق الناس على قبوله، ورجح عمر الترك؛ لأنه الذي وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مسألة: هل ما فعله أبو بكر رضي الله عنه من الاستخلاف أولى أو ما فعله عمر رضي الله عنه؟
والجواب: ما فعله أبو بكر رضي الله عنه من عهده إلى واحد بعده أولى من ترك الشورى لستة؛ لما فيه من جمع الكلمة.
(1)
الاستيعاب، لابن عبد البر (3/ 1154).
وفي الحديث: دليل أن على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالانتخاب والاختيار، لا بالنص، ومن أدلة هذا: قول عمر رضي الله عنه.
وقيل: إنها ثبتت بالنص، والذين قالوا بالنص اختلفوا، فمنهم من قال: بالنص الجلي، ومنهم من قال: بالنص الخفي، واستدلوا بأدلة، منها:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم أبا بكر ليؤم الناس في مرض موته
(1)
.
2 -
حديث المنام، الدلو الذي دلي من السماء وأخذه بعرقيها صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بعرقيها أبو بكر
(2)
.
3 -
حديث المرأة التي جاءت، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لم أجدك قال صلى الله عليه وسلم: «فائتي أبا بكر»
(3)
.
4 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا»
(4)
.
لكن الواقع أن هذه ليست صريحة، والصواب: أن خلافة أبي بكر إنما ثبتت بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وأما هذه الأمور التي ذكروها فهي مرشدة، ترشد الناس وتدلهم على اختيار أبي بكر، كما قال شيخ الإسلام
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).
(2)
أخرجه البخاري (3676)، ومسلم (2393).
(3)
أخرجه البخاري (7361)، ومسلم (2386).
(4)
أخرجه البخاري (466)، ومسلم (2382).
(5)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (35/ 47 - 49)، منهاج السنة، لابن تيمية (1/ 139 - 141).