الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام النكاح)
99 -
* قال الكلبيُّ عنْ أبي صالحٍ عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: نزلتْ هذه الآية في بَناتِ أُمِّ كُجٍّ وميراثِهنَّ من أبيهنَّ (1).
وقال عروةُ عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها-: نزلت في اليتيمةِ تكونُ في حِجْرِ الرجلِ، وهو وليها، فيرغبُ في نكاحِها (2)، وقد مضى ذكرُ القصتين في أولِ السورة.
ولا اختلاف بينَ قولِ عائشةَ وابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهم-، بل يجوزُ أن يكونَ صدرُ الآية إلى قوله:{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} في اليتيمة، ويكونَ عجزُها من قوله:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} في بناتِ أُمِّ كُجٍّ.
* والاسم الموصول في قوله تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} في موضع
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
رفعٍ بالعطف (1)، إما على المبتدأ، وإما على الفاعل في {يُفتِيكُمْ} ، ومعناه:"وما يُتلى عليكم في الكتابِ يفتيكم"، أو:"ويُفتيكم ما يُتلى عليكم في الكتاب"(2).
* * *
100 -
101 (42 - 43) قوله جل جلاله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128].
* ذكر الله سبحانه حُكْمَ الرجلِ مع نسائهِ، وندبَ كُلَّ واحدٍ من الزوجِ والزوجةِ إلى إسقاطِ حَقِّهِ عندَ نشوزِ صاحِبه؛ لما فيه من البقاء على حُسْنِ العهد.
فبين اللهُ سبحانه أنه يجبُ عليه العَدْلُ بينَ أزواجه فيما يستطيعه من الواجبات؛ كالنفقةِ والكسوةِ والإيناسِ بالمبيت، ولا يجب عليه العدلُ فيما لا يدخلُ تحتَ استطاعته؛ كالمحبة والوِداد، فأيُّهما أسقطَ حَقَّهُ، وغلبَ نَفْسَه، كانَ محسناً.
فإن أرادَ فِراقها، إما لِكِبَرٍ أو دَمامةٍ، ورضيتْ بالصُّلحِ على إسقاطِ حَقِّها، وتسليمِ شيءٍ منْ مالِها؛ لبقاءِ قَسْمِها، كانت محسنةً، ولا جُناح على الرجلِ في قَبول ذلك، بل هو أفضلُ من تفارُقِهما، وإن صبرَ على كبرِها، وأوفاها حَقَّها، كان مُحْسناً (3).
(1)"بالعطف"ليس في "أ".
(2)
انظر: "معاني القرآن" للنحاس (2/ 202)، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب (1/ 209)، و"إعراب القرآن" للعكبري (1/ 393).
(3)
قلت: قول المصنف: (وإن صبر على كبرها وأوفاها حقها كان محسناً). قد يفهم=
وقد بين النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك (1) عن الله سبحانَه.
روى هشامُ بنُ عروةَ، عن أبيه قال: قالت عائشة: يا بنَ أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُفَضِّلُ بَعْضنا على بَعضٍ في القَسْمِ منْ مُكْثِه عندَنا، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو يطوفُ علينا جَميعاً، فيدنو من كلِّ امرأة من غير مَسيس، حتى يبلغَ التي هو في يومها، فيلبَثُ عندَها، ولقد قالَتْ سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ حينَ أَيِسَتْ (2) وفَرِقَتْ أن يفارقَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! يومي لعائِشةَ، فقبلَ ذلكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: تقول: في ذلكَ أنزلَ اللهُ، وفي أشباهها، أراهُ قال:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الآية (3).
وقد عُلِم هذا من بيانِ الآيةِ التي قبلها.
وأما قولُه تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء: 129]، فالمراد به العدلُ بينهنَّ بميلِ القلبِ والمحبَّةِ، فذلك غيرُ داخلٍ تحتَ
= منه: أن الوفاء بحقوق الزوجة إحسان من الزوج، وليس كذلك، بل المعنى والله أعلم:{إن تُحْسِنوُاْ} إلى زوجاتكم بزيادة المعروف وإحسان العشرة والصحبة و {وَتَتَّقُوا} الله فيهن بما لا يجوز فعله من النشوز والإعرض وعدم والوفاء بحقوقهن {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .
وقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهن وتقسموا لهن أسوة أمثالهن، فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء. انظر:"تفسير ابن كثير"(1/ 564).
(1)
ذلك " ليس في "أ".
(2)
في "ب": "أسنّت".
(3)
رواه أبو داود (2135)، كتاب: النكاح، باب: في القسم بين النساء، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 74)، بهذا السياق.
الاستطاعة، ولو حَرَصَ عليهِ الرجلُ، ولهذا تجاوزَ الله عنه (1).
وإنما نهى عن موافقةِ ميلِ القلب بميلِ الفعلِ، فهذا لا يجوز؛ كما نهى الله تعالى عنه، وكما بينه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقسمُ لنسائه في المرض، ولا يسافرُ بامرأةٍ إلا بقُرْعَةٍ، وكان يقسمُ ويعدلُ ويقولُ:"الَّلهُمَّ هذا قَسْمي فيما أَمْلِكُ، فلَا تُلْمني فيما تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ"(2).
وبين النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع كتابِ الله سبحانه أنَّ من العدلِ أن يُقيمُ الرجلُ إذا تزوَّج جديدةً عندَها سَبْعاً إنْ كانَتْ بِكْراً، أو ثَلاثاً إن كانت ثيِّباً (3)، ولا يفتقرُ إلى رِضا أزواجِه، ولا قضاءَ عليه في ذلك (4).
* * *
(1) انظر: "الأم" للشافعي (5/ 110)، و"تفسير الطبري"(5/ 313)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1083).
(2)
رواه أبو داود (2134)، كتاب: النكاح، باب: في القسم بين النساء، والنسائي (3943)، كتاب: عشرة النساء، باب: ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، والترمذي (1140)، كتاب: النكاح، باب: التسوية بين الضرائر، وابن ماجه (1971)، كتاب: النكاح، باب: القسمة بين النساء، عن عائشة، وهذا لفظ أبي داود.
(3)
رواه البخاري (2915)، كتاب: النكاح، باب: إذا تزوج البكر على الثيب، ومسلم (1461)، كتاب: الرضاع، باب: قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج، عن أنس بن مالك.
(4)
وهذا قول الجمهور، أما الحنفية فقالوا: يقسم بينهن سواء ولا يفضلها بشيء، وإن فضلها يجب عليه القضاء. انظر:"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 439)، و"المغني" لابن قدامة (7/ 240)، و"شرح فتح القدير" لابن الهمام (3/ 434)، و"الذخيرة" للقرافي (4/ 462)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 44).