المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌سُورَةُ المَائِدَةِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الصيد والذبائح)

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(الحرابة)

- ‌(السرقة)

- ‌(من أحكام أهل الكتاب)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الأشربة)

- ‌(من أحكام الهدي)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌سُورَةُ الأَنْعَامِ

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام اليتامى)

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌(من أحكام اللباس والزينة)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُورَةُ الأَنفَالِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الهجرة)

- ‌سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصدقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُوْرَةُ يُوسُفَ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ النَّحْلِ

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ الإسْراءِ

- ‌(من أحكام البر والصلة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُوْرَةُ الأَنْبيَاءِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

الفصل: ‌(من أحكام الصلاة)

(من أحكام الصلاة)

174 -

(20) قوله عز وجل: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80].

* اختلف الناس في معنى هذه الآية، هل هو المنعُ أو التخيير؟ وهل هي منسوخة، أو لا؟

1 -

فذهب الجمهور إلى أن معناها التخييرُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستغفار لهم، وأن تخييرها منسوخ (1).

واختلف هؤلاء في الناسخ لها.

فذهب الجمهور إلى أن قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (2)[التوبة: 84].

وقال مقاتلُ: الناسخُ لها قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (3)[المنافقون: 6] ، وهو ضعيف جدًا؛ لأنه تخيير

(1) انظر: "قلائد المرجان"(ص: 117).

(2)

انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص 523).

(3)

رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كما في "فتح الباري"(8/ 336)، وروى الضحاك عن ابن عباس مثله كما في "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص 178).

ص: 362

مثل المنسوخِ، وليس فيه أكثر من أنه أخبرهُ الله تعالى بأنه لا يغفرُ لهم من غير ذكر عدد إلا أن يريد أنها ناسخة لمفهوم العدد، وكان قد علم أنه إذا استغفر لهم أكثر من سبعينَ مرة، غفر الله لهم فنسخ الله هذا المفهوم.

بدليل ما روينا في "صحيح البخاري" عن ابنِ عمرَ -رضي الله تعالى عنه- قال: لما توفي عبد الله بن أُبي، جاء ابنه عبدُ الله بنُ عبدِ الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصًا يكفن فيه أباه، فأعطاه، وسأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما خيرني اللهُ فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، وسأزيده على السبعين"، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (1)[التوبة: 84].

2 -

وذهب قوم إلى أن معناه (2) النهي، فلم يبح الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم الاستغفار لهم بهذا اللفظ، فلا نسخ لجواز الاستغفار (3).

بدليل قوله تعالى: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، وإنما قوله تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84] ناسخة لفعل الصلاة على عبد الله بنِ أُبي المنافقِ، هكذا نقل هذا القول واشتهر، ولكن يصادمه ويبطله ما قدمنا من حديث ابن عمر المخرج في "الصحيحين".

* فإن قلت: قد نهى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لأهل النار،

(1) رواه البخاري (4393)، كتاب: التفسير، باب:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. . .} .

(2)

في "ب": "معناها".

(3)

انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص 523).

ص: 363

فقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] ، وكان سبب نزولها وفاة أبي طالب كما رويناه في "صحيح البخاري"(1)، فكيف يستغفر النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبي ولا شك أن وفاته بعد وفاة أبي طالب؟

قلت: قد أذن الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بما أنزل (2) في "سورة المنافقين"، فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُم} إلى قوله {الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 5 - 6] ، ثم خيره الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.

فيحتمل أن يكون النهي منسوخًا بهؤلاء الآيات، وهنَّ منسوخاتٌ بقوله تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].

ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الاستغفار لأبي طالب، ويكرره بعد الهجرة اقتداء بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، كما كان يستغفر لأبيه قبل أن يخبره الله بأن المغفرة لهم متعذرة، وأن استغفاره لهم غير نافع، وكذا استغفاره للمنافقين، ثم نهاه الله عن الاستغفار لهم وقال {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية.

وهذا عندي أصحُّ وأولى من الأَوَّلِ، ويدلُّ عليه قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] أي: لا سبيلَ إلى الخُروجِ منها، ومفهومُ الخطابِ يَقْتضي أنه لا حَرَجَ في الاستغفارِ قبلَ التَّبَيُّنِ، ويَدُلُّ

(1) رواه البخاري (4398)، كتاب: التفسير، باب:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين} ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي.

(2)

في "ب": "أنزله".

ص: 364

عليهِ أيضًا تَبْيينُ اللهِ تعالى لنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَ العِلَّةِ في استغفارِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم، وأنه كانَ لِعِلَّةٍ، وقد زالَ استغفارُهُ عندَ عَدَمِها.

* * *

175 -

(21) قوله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].

* نهى الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ على المُنافقين، والقِيامِ على قُبورهم.

* وقد أجمعَ المسلمونَ على مَنْعِ الصَّلاةِ على المُنافقينَ في زَمَنِه صلى الله عليه وسلم (1)، وذلك إمَّا لأنَّ الله عز وجل عَرَّفَهُم نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم في لَحْنِ القَوْلِ، أو أَعلمَه أنهم ماتوا فاسِقين.

* ثم كرهَ مالِكٌ لأهلِ الفضلِ الصَّلاةَ على أهلِ البِدَعِ؛ زَجْرًا لهم.

* ومَنَع الإمامَ أَنْ يُصَلِّيَ على مَنْ قَتَلَهُ حَدًّا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على ماعِزٍ، ولم يَنْهَ عنِ الصَّلاةِ عليهِ (2)، خَرَّجَهُ أبو داودَ (3).

* ومنعَ قومٌ من الصَّلاةِ على قاتِلِ نفسِه (4)؛ لما روى جابرُ بنُ سَمُرَةَ: أن

(1) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 174).

(2)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 174)، و"جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص 141)، و "القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص 65).

(3)

رواه أبو داود (3186)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على من قتلته الحدود، عن أبي برزة الأسلمي.

(4)

هو مذهب الحنابلة، فلا يصلي عليه الإِمام، ويصلي عليه سائر الناس، انظر:"المغني" لابن قدامة (2/ 218)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 123)، وأجاز ذلك الجمهور، انظر:"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 361)، و "ردّ المحتار" لابن عابدين (2/ 211)، و "الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 52 - 53).

ص: 365

رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبي أن يصلِّيَ على رجلٍ قتلَ نفسَه (1).

* ومُقْتَضى هذا الخطابِ أَنَّ الصَلاةَ جائزةٌ على المؤمنين، بل أجمعَ المسلمونَ على وُجوبِها، ولم يَزَلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على مَوْتى المسلمينَ، إلَّا مَنْ كانَ مَدْيونًا؛ فإنهُ كانَ يأمرُ بالصَّلاةِ عليه، ولا يُصَلِّي عليه، ثم نُسِخَ ذلكَ (2).

* واخْتَلَفوا في الشهيدِ:

فقال مالِكٌ والشافعيُّ: لا يُغَسَّلُ، ولا يصلى عليه (3)، واحتجُّوا بما رواهُ جابرٌ -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشُهداء أُحُدٍ، فَدُفِنوا بثيابِهم، ولم يُصَلِّ عليهم، ولم يُغَسَّلُوا (4).

وقال أبو حنيفةَ: لا يُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه (5)، واستدَل بما خَرَّجَهُ أبو داودَ عنِ ابنِ عباس -رضيَ اللهُ تَعالى عنهُما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم -صَلَّى على قَتْلى أُحُدٍ، وعَلَى حَمْزَةَ، ولَمْ يُغَسَّلْ، ولم يُيَمَّمْ (6)، واستدَلَّ أيضًا بأحاديثَ مُرْسَلَةٍ.

(1) رواه مسلم (978)، كتاب: الجنائز، باب: ترك الصلاة على القاتل نفسه.

(2)

رواه البخاري (2176)، كتاب: الكفالة، باب: الدين، ومسلم (1619)، كتاب: الفرائض، باب: من ترك مالًا فلورثته، عن أبي هريرة.

(3)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البرّ (5/ 121)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 175)، و "المجموع" للنووي (5/ 215)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 349).

(4)

رواه البخاري (1278)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد.

(5)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 324 - 325)، ومذهب الإِمام أحمد: أنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، وفي رواية عنه: استحباب الصلاة، انظر:"المغني" لابن قدامة (2/ 204).

(6)

رواه أبو داود (3137)، كتاب: الجنائز، باب: في الشهيد يغسل، لكن عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بحمزة وقد مُثِّل به، ولم يصلِّ على أحد من =

ص: 366

وأجابوا بمنعِ الاحْتِجاجِ في المُرْسَل، وإن سلمَ، فهو لا يقاوِمُ المُسْنَدَ، وبأنَّ حديثَ ابنِ عَبَّاسٍ يرويه ابنُ أبي الزِّنادِ، وقد كانَ اخْتَلَّ في آخرِ عُمُرِهِ، وقد كانَ شُعْبَةُ لا يَطْعُنُ فيه.

* فإن قلتَ: نهى الله سبحانَه نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة على المُنافقين؛ لِما فيه من الاستِغْفار لهم، فما مَعْنى المَنْعُ منَ القِيام على قُبورِهم؟

قلنا: العِلَّةُ فيها واحدةٌ، والمَنْعُ لأجلِ الاستِغْفار لهم؛ فقدْ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقفُ على القبرِ بعدَ الدَّفْنِ، ويدعو للميِّتِ بالتَّثْبيتِ (1).

وأما القيامُ على قُبورِهم من غيرِ استغفارٍ، فلا حَرَجَ فيه؛ فقدْ كانَ مَوْضِعُ مَسْجِدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبورًا للمشركين.

وفي هذا دَلالَةٌ على أَنَّ حكمَ القِيام على القبورِ بالصَّلاةِ والاستغفارِ كَحُكْمِ الصَّلاةِ على المَيِّتِ قبلَ الدَّفْنِ، وبهِ قالَ الشافعيُّ وأحمد (2) وأبو داودَ (3)، وجماعةٌ، ورُوي ذلكَ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

= الشهداء غيره. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(1/ 242 - 244) أحاديث الصلاة على قتلى أحد، وعلى حمزة، وما تُكلم في رجال أسانيدها، وقد أشار إلى صحة بعض الآثار المرسلة، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" عن الشعبي، فليطلب ذلك منه، وبالله التوفيق.

(1)

رواه أبو داود (3221)، كتاب: الجنائز، باب: الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 56)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(388)، عن عثمان بن عفان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه، فقال:"استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل".

(2)

"وأحمد": ليس في "أ".

(3)

انظر: "الأم" للشافعي (1/ 271)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (3/ 174)، =

ص: 367

وقال أبو حنيفة: لا يُصَلِّي على القبرِ إلَّا الوَليُّ أَوِ الوالي إذا فاتَتْهُ الصَّلاةُ (1).

وقال مالكٌ: لا يُصَلَّى على القبرِ بحالٍ، واحتجَّ بتركِ أهلِ المدينةِ ذلك (2).

قال ابنُ القاسم: قلتُ لمالكٍ: فالحديثُ الذي جاءَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه صَلَّى على قبرِ امرأةٍ (3)؟ قالَ: قد جاءَ هذا الحديثُ، ولكنْ ليسَ عليهِ العملُ.

* إذا عرفتَ هذا، عرفتَ أنَّ المرادَ بالصلاةِ هو موضوعُها اللُّغَوِيُّ الذي هو الدُّعاءُ، لا معناها الشرعيُّ الذي هو الرُّكوعُ والسجودُ، وقد بيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم كذلك، وقد جُعِلَ التكبيرُ بمنزلةِ أَفْعالِها (4).

* واختلفَ سَلَفٌ من الصَّحابَةِ -رضيَ اللهُ تعالى عنهم- في عددِ التكبيرِ.

فاتفقَ فقهاءُ الأمصارِ على أن التكبيرَ أربعٌ، إلا ابنَ أبي ليلى وجابرَ بنَ زيدٍ؛ فإنهما قالا: هو خمسٌ وسِتٌّ.

= و "مغني المحتاج" للشربيني (1/ 346)، و "المغني" لابن قدامة (2/ 194)، و "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 121).

(1)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 311)، و "شرح فتح القدير" لابن الهُمام (2/ 119)، و "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 351).

(2)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 34)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 173).

(3)

رواه البخاري (446)، كتاب: المساجد، باب: كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان، ومسلم (956)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، عن أبي هريرة.

(4)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (6/ 335)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 313).

ص: 368

وخَرَّجَ مسلمٌ في "صحيحه" عن عبدِ الرَّحْمنِ بنِ أبي ليلى قال: كانَ زيدُ بنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ على الجِنازَةِ أَرْبَعًا وخمسًا، فسألناهُ، فقال: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يكبرُ على الجِنازة أَرْبَعًا، وخَمْسًا، وسِتًّا، وسَبْعًا، وثَمانِيًا، حتى ماتَ النَّجاشِي، فصفَّ الناسَ وراءه، وكَبَّرَ أربعًا، ثم ثبتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الأَرْبَعِ حتى تَوَفَّاهُ الله (1).

* ولَمّا لاحَظَ أبو حنيفةَ هذا المعنى، قال: ليسَ فيها قراءةٌ، وإنَّما هي دعاءٌ (2).

وكذلكَ قالَ مالِكٌ: قراءةُ القرآنُ فيها ليسَ بمَعْمولٍ به في بلدِنا، وإِنَّما نَحْمَدُ الله، ونُثْني عليهِ بعدَ التكبيرةِ الأولى، ثم نكبرُ الثانيةَ، فنصلِّي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم نكبرُ الثالثةَ، فنشفَعُ للمَيِّتِ، ثم نكبرُ الرابعةَ، ونسلمُ (3).

قال الشافعيُّ: يقرأُ بعدَ التكبيرةِ الأولى بفاتحةِ الكِتاب، ثم يفعلُ في سائرِ التكبيراتِ مثلَ ذلك (4)؛ لما رُويَ عن ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما- أنه صَلَّى على جنازَةٍ، فقرأَ بفاتحةِ الكِتاب، ثم قال: إنَّما فعلتُ ذلكَ لتعلَموا (5) أَنَّها سُنَّةٌ (6)، وبِهذا قال أحمدُ وداودُ -رحمهما الله تعالى-.

(1) رواه مسلم (957)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد يكبر على جنائزنا أربعًا، وإنه كبر على جنازة خمسًا، فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها. قلت: واللفظ الذي ذكره المصنف هو لفظ ابن عبد البر فيما رواه في "الاستذكار"(3/ 30).

(2)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 313).

(3)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 171).

(4)

انظر: "الأم" للشافعي (1/ 271)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 56)، و "مغني المحتاج" للشربيني (1/ 341).

(5)

في "أ": "ليعلم".

(6)

رواه البخاري (1270)، كتاب: الجنائز، باب: قراءة فاتحة الكتاب.

ص: 369