المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(من أحكام الحدود)   ‌ ‌(السرقة) 111 - (8) قوله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٣

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌سُورَةُ المَائِدَةِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الصيد والذبائح)

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(الحرابة)

- ‌(السرقة)

- ‌(من أحكام أهل الكتاب)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الأشربة)

- ‌(من أحكام الهدي)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌سُورَةُ الأَنْعَامِ

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام اليتامى)

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌(من أحكام اللباس والزينة)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُورَةُ الأَنفَالِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الهجرة)

- ‌سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصدقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُوْرَةُ يُوسُفَ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ النَّحْلِ

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ الإسْراءِ

- ‌(من أحكام البر والصلة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُوْرَةُ الأَنْبيَاءِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

الفصل: (من أحكام الحدود)   ‌ ‌(السرقة) 111 - (8) قوله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ

(من أحكام الحدود)

(السرقة)

111 -

(8) قوله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

أوجبَ الله سبحانه علينا في هذهِ الآية قَطْعَ يَدِ السارقِ والسارقةِ، وأطلقَ ذلكَ في جَميع الأحوالِ والصِّفاتِ.

وقد اتفقَ أهلُ العلمِ على وجوبِ قطعِهما، واتفقوا على تَخْصيصِ هذا الإطلاقِ والعُمومِ ببعضِ الأحوالِ، فاشترطوا أشياءَ تُعارِضُ هذا العمومَ:

منها: ما إذا سرقَ ما لَهُ فيهِ شبهةٌ؛ كالغانِم إذا سرقَ من الغنيمةِ قبل القسمةِ، وكالأبِ إذا سرقَ مالَ ابنِه؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ادرؤوا الحُدودَ بالشُّبُهاتِ"(1).

(1) رواه الترمذي (1424)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في درء الحد، والدارقطني في "السنن"(3/ 84)، والحاكم في "المستدرك"(8163)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 123)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(5/ 331)، عن عائشة مرفوعاً بلفظ:"ادرؤوا الحدود عن المسلمين استطعتم". وأما اللفظ الذي ذكره المصنف: فقد ذكر ابن حزم في "المحلى"(9/ 428)، وابن حجر في "الدراية" (2/ 101): أنه لم يأت مرفوعًا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 136

واختلفوا في تفاصيلِ ذلك في فروعٍ كثيرةٍ يطولُ بنا ذكرُها، وليس هو من غرضنا.

ومنها: اشتراطُ النِّصابِ.

فلم يعتبرْهُ أهلُ الظاهِرِ، وأوجَبوا القَطْعَ في القليلِ والكَثيرِ.

وبه قالَ الحسنُ البَصْرِيُّ، وابنُ بنتِ الشافعيِّ، وطائفةٌ من المتكلِّمين (1).

واستدلوا بظاهرِ الآية، وربما احتجُّوا بما روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله تعالى عنه- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لعنَ اللهُ السارقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يدُه، ويسرقُ الحَبْلَ، فتقطعُ يدُه"(2).

وقال سائرُ أهلِ العلمِ بِاشتراطِ النِّصابِ (3)، واستدلُوا بما رُويَ عن عائِشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها -: أنها قالت: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يقطعُ يدَ السارقِ إلا في رُبع دينارٍ فصاعِداً (4).

وفي رواية: لا تقطَعُ اليدُ إلا في رُبع دينارٍ فما فوقهِ (5).

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 181)، و"المغني" لابن قدامة (9/ 94).

(2)

رواه البخاري (6401)، كتاب: الحدود، باب: لعن السارق إذا لم يُسَمَّ، ومسلم (1687)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها.

(3)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 269)، و"المغني" لابن قدامة (9/ 94)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 106).

(4)

رواه البخاري (6407)، كتاب: الحدود، باب: قوله الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، وفي كم يُقطع، ومسلم (1684)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها.

(5)

رواه مسلم (1684)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، عن عائشة.

ص: 137

وفي رواية: لم تقطَعْ يدُ السارقِ في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في أقلَّ منْ ثَمَنِ المِجَنِّ (1).

وقالت أيضاً: سِمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقطع اليدُ في ربعِ دينارٍ فصاعداً"(2).

وللظاهرية أن يقولوا: هذه الرواياتُ، وإن قويَ ظهورُها، فالحديثُ الأولُ الموافقُ لظاهرِ القرآنِ أقوى منها، فإنه يَحْتَمِلُ أن تكونَ قالتْ ذلكَ بالاجتهادِ في بعضِها، وبعضُها ليس فيه أكثرُ من دَلالةِ المفهومِ، وذلك لا يُقاوِمُ المَنْطوقَ.

ولكنه يدلُّ للجماعةِ ما رُوي عن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع يدُ السارقِ في (3) دونِ ثمنِ المِجَنِّ" قال: وكان ثمنُ المِجَنِّ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عشرةَ دراهِمَ (4)، وروي في حديثِ ابنِ عمرَ -رضي الله تعالى عنه- أن ثمنَ المِجَنِّ ثلاثةُ دراهمَ (5)، فإن صَحَّ هذا، أو حديثٌ مثلُه، ففيهِ التصريحُ بالدَّلالَةِ على المَقْصودِ بالنُّطقِ والمَفهومِ، فحينئذ ينقطعُ نزاعُهم، ولا تبقى لهم حُجَّةٌ.

(1) رواه البخاري (6408)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، وفي كم يُقطع، ومسلم (1685)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، عن عائشة.

والمِجَنُّ؛ التُّرْس، وجمعه: مَجانُّ. وسُمِّيَ بذلك لأنه يواري حامِلَه، أي: يستره، "اللسان"(مادة جنن)(13/ 94).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في "ب": "بدون".

(4)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(28105)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 25)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(7/ 534).

(5)

رواه البخاري (6411).

ص: 138

وأما الحديثُ الذي يدلُّ لهم، فالجوابُ عنه ممكنٌ، وهو أن يقال: إن هذا اللفظ للمبالغة كما بولِغَ بالقليلِ المحدودِ عن الكثيرِ في قوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجِداً، ولو مثلَ مِفْحَصِ قَطَاةٍ (1)، بنى اللهُ له بيتاً في الجنة"(2).

ثم اختلف القائلون باعتبار النِّصابِ في قدره على أقوال كثيرة، والمشهورُ منها ثلاثة أقوال.

أحدها: قولُ مالِكٍ وأهلِ الحجاز (3): أنه ثلاثةُ دراهمَ من الفضة، وربعُ دينارٍ من الذهب، أو ما يساوي ثلاثةَ دراهمَ من سائِر الأشياء، فجعلَ الدراهمَ وربعَ الدينار أصلين في أنفسِهما، وجعلَ الدراهمَ أصلاً في غيرِهما.

واستدلُّوا (4) بقولِ عائشةَ -رضي الله تعالى عنها - سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُقْطَعُ اليدُ في ربعِ دينارٍ فصاعداً"(5)، وبما روى ابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قطعَ في مِجَنٍّ قيمتُه ثلاثةُ دراهم (6).

القول الثاني: ما ذهبَ إليه الشافعيُّ أنه ربعُ دينارٍ فقط (7)، وأنه أصلٌ

(1) مفحص قطاة، مَفْحَص القطاة: حيثُ تُفرِّخ فيه من الأرض، قال ابن الأثير: هو مَفْعَل من الفحص كالأُفحوص، وجمعُه: مفاحص. "اللسان"(مادة: فحص)(7/ 63).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3155)، والبزار في "مسنده"(479)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 437)، عن أبي ذر الغفاري، بهذا اللفظ.

(3)

وهو مذهب أحمد. انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (14/ 375)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 182)، و"المغني" لابن قدامة (9/ 112).

(4)

في "ب": "واستدل".

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

تقدم تخريجه.

(7)

انظر: "مختصر المزني"(ص: 263)، و"الحاوي الكبير" للماوردي =

ص: 139

للدراهِم ولسائرِ الأشياء، فلا تقطع يدُه في الثلاثَةِ الدراهمِ إلا أن تساويَ رُبْعَ دينارٍ، واعتذر عن حديثِ ابنِ عمرَ بأن صرفَ الدنانير (1) كان عندَهم يومئذٍ اثْنَي عَشَرَ دِرْهَماً، بدليلِ فعِلهم في الدِّيةِ، حيث جعلوا الديةَ من الدنانيرِ ألفَ دينارٍ، ومن الدراهِم اثْنَي عَشَرَ ألفَ درهمٍ، فالعبرةُ عندَه بربعِ الدينارِ كما وردَ في لفظِ النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالث: قول أبي حنيفةَ و (2) أهلِ العراق أنه عشرةُ دراهمَ (3)، وأنها أصلٌ لسائرِ الأشياءِ، واعتمدوا على حديثِ ابنِ عمرَ المتقدِّمِ في اعتبارِ الدراهمِ، وأما المقدارُ فإنهم لما رأوا جماعةً من الصحابة كابنِ عباسٍ وغيرِه خالفوا ابنَ عمرَ في قيمةِ المِجَنِّ فقالوا: كانَ ثمنُ المِجَنِّ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ دَراهِمَ، وجَب أَلَّا تُقْطَعَ اليدُ إلا بيقينٍ.

ومنها - أعني الشروطَ المعارضَةَ للعُموم -: الحِرْزُ.

فاشترطه جميعُ فقهاءِ الأمصارِ (4)، وإنما اختلفوا في تفاصيلِ المسائلِ، وما الذي يجوز أن يكونَ حِرْزاً، وما لا يجوزُ.

ولم يعتبْرهُ أهلُ الظاهرِ؛ لظاهرِ الآية (5).

والذي يظهرُ لي أن الحِرْزَ ليسَ شَرْطاً لوجوبِ القَطْعِ، وإنما هو شرطٌ

= (13/ 266)، و"روضة الطالبين" للنووي (10/ 110).

(1)

في "ب": "الدينار".

(2)

في "ب" زيادة: "وقول".

(3)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 64)، و"المبسوط" للسرخسي (9/ 179).

(4)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 83)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 269)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 111).

(5)

انظر: "المحلى" لابن حزم (11/ 321)، و"التمهيد" لابن عبد البر (23/ 312).

ص: 140

في تحقيقِ السرقةِ ووقوعِ اسمِ السارقِ على من أخذَ من هذا المكان؛ فإن السرقةَ أخذُ المالِ على حينِ خُفْيَةٍ (1) منَ الأعين، مع قيامِ ملاحَظَتِها، أو ما يقومُ مقامَها من الأحرازِ الموجِبَةِ للاستِخْفاء في العادة، ومنه قولهم: فلان يسارقُ النظرَ إلى فلان، إذا راقَبَ غَفْلَتَهُ لينظر إليه، فالحِرْزُ رُكْنٌ في السرقةِ لا تتصور إلَّا به، لا شرطٌ في وجوبِ القطعِ، ولهذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق، وإن كانَ أخذه خفيةً؛ لعدمِ الحرزِ منه، ولا يقال لمن غصب أو اختلس: سارق، وإن أخذه من الحرز؛ لعدم الاستخفاء.

ويدلُّ لما قلتُه ما روى أبو الزبير، عن جابرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: أضافَ رجلٌ رجلاً، فأنزلَهُ في مشربةٍ له، فوجدَ متاعاً له، فاختانَهُ، فأتى به أبا بكرٍ، فقال: خَلِّ عنه، فليسَ بسارقٍ، وإنما هي أمانةٌ اختانَها (2).

ولو كانَ الأمر على ما قالَ أهلُ الظاهرِ مُطْلَقاً، لوجبَ القَطْعُ على الخائِنِ، ولم يقلْ بهذا أحدٌ من أهلِ العلمِ، وإنَّما اختلفوا في فروعِ المسائل في تفاصيل الحرز.

وذلك كما اختلفوا في النَّبَّاشِ.

فقال مالكٌ والشافعيُّ: هو سارقٌ يجبُ عليهِ القَطْعُ (3)؛ لوجودِ معنى السرقة، وهو أخذُ المالِ خفيةً من حِرْزٍ له في العرف والعادة.

وقال أبو حنيفةَ والثوريُّ: ليسَ بسارقٍ، فلا قطعَ عليه (4)؛ لأنه أخذَ

(1) في "ب": "غفلة".

(2)

قال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير"(2/ 316): "غريب"، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (4/ 70):"لم أجده".

(3)

انظر: "المدونة الكبرى"(16/ 280)، و"الأم" للإمام الشافعي (6/ 149).

(4)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 67)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 561).

ص: 141

المالَ من غيرِ حرزٍ؛ لأنه في موضعِ ليسَ فيه ساكنٌ، وإنما تكونُ السرقةُ حيثُ تتقى الأعين، ويُحفظ من الناس.

وعلى نفي السرقةِ عَوَّلَ مُحَقِّقُو أصحابهِ فيما (1) وراء النهر (2).

* فإن قلت: قال الله سبحانه وتعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وإنما هما يمينان.

قلنا: قال الزَّجَّاجُ وأبو زكريا الفَرَّاءُ: كُلُّ مُوَحَّدٍ من خَلْقِ الإنسانِ إذا ذُكِر مضافاً إلى اثنين فصاعداً، جُمعَ، فقيل: قد هُشِمَتْ رُؤوسُهما، ومُلِئَتْ ظُهورُهما وبُطونُهما ضرباً، ومثله قوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وقوله تعالى:{مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20]، وذلك لأن الإضافةَ تبينُ أنَّ المرادَ بالجَمْعِ التثنيةُ، فإذا قلتَ: اتَّسَعَتْ (3) بطونُهما، عُلِم أَنَّ للاثنينِ بطنين، والتثنيةُ فيهما أغنتْكَ عن التثنية في بطن (4).

* وأجملَ اللهُ سبحانهَ ذِكْرَ اليدِ، وهي تقعُ على الكَفِّ وحدَهُ، وعليه معَ الساعدِ، وعليهما مع العَضُدِ، ولم يبيِّنْ أنها اليمينُ أو الشِّمالُ.

فاستَدْلَلْنا على بيانِها (5)، فوجَدْنا المُرادَ بها اليمين.

روي عن أبي بكرِ وعمرَ، ولا مُخالِفَ لهما (6).

(1) في "ب": "بما".

(2)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 112)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي. (6/ 164).

(3)

في "ب": "أشبعت".

(4)

انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (2/ 349).

(5)

في "ب": "بيانه".

(6)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 319)، و"أحكام القرآن" للجصاص =

ص: 142

وأنَّ مَحَلَّ القَطْع مَفْصِلُ الكوع (1)؛ لما روي عن أبي بكرٍ وعمرَ أيضًا -رضي الله تعالى عنهما (2) -.

وروي عن بعضِ السلفِ أنه قال: تُقْطَعُ الأصابِعُ دونَ الكَفِّ، وقيل: إنها إحدى الروايتينِ عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه (3) -.

وقالتِ الخوارجُ: من المنكب (4).

فإن قلتَ: ذكرَ اللهُ سبحانه في المحاربِينَ قطعَ أيديهم وأرجلِهم منْ خِلافٍ، ولم يذكرْ في السرقَةِ غيرَ قطعِ اليدِ، فما الحكمُ إذا قُطِعَ، ثم سرَقَ ثانياً، أيُقْطَعُ أم لا؟ وهَلْ تقطَعُ يدُه كما هي المذكورةُ في القرآن، أو رِجْلُه؟

قلت: من أجل هذا قال عطاءٌ: إذا قُطعت يُده اليمنى، فلا يعادُ عليه القطع (5).

= (4/ 62)، و"المغني" لابن قدامة (9/ 106).

(1)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 339)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 86).

(2)

انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (7/ 215)، و"الكافي" لابن قدامة (4/ 192).

(3)

انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 61)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 98).

(4)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 319)، و"المحلى" لابن حزم (11/ 357).

(5)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(18758)، وابن حزم في "المحلى"(11/ 354)، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: سرق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه؟! قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال الله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ولو شاء أمر بالرجل ولم يكن الله تعالى نسياً.

ص: 143

وهو مَحْجوج بالكافَّةِ من أهلِ العلم، فالذي عليه الناسُ أن تُقْطَعَ رجلُه اليسرى (1).

لكن قالَ ابنُ المنذر: ثبتَ عن أبي بكرٍ وعمرَ أنهما قَطَعا اليدَ بعدَ اليدِ، والرِّجْلَ بعد الرِّجْل (2)(3).

ثم إن عادَ.

فذهبَ قومٌ منهمْ عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رضي الله تعالى عنه- والزهريُّ، وحمادُ بنُ أبي سليمان، وأحمدُ إلى أنه لا قطعَ (4).

قال الزهريُّ: لم يبلغْنا في السُّنَّةِ إلا قطعُ اليدِ والرجلِ (5).

والجمهورُ كأبي حنيفةَ (6)، ومالكٍ، والشافعيِّ، وأحمدَ - في إحدى الروايتين عنه - على أنه تُقطع يدُه اليسرى، ثم إن عاد فرجلُه اليمنى (7)، ثم

(1) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 321)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 548).

(2)

نقله ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 100)، وقال: لا يصح عنهما.

(3)

انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (7/ 212)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (6/ 172).

(4)

انظر: "المحلى" لابن حزم (11/ 355)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 544)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (6/ 172).

(5)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(18770).

(6)

مذهب أبي حنيفة أنه يعزَّر بعد قطع يده ورجله، انظر:"أحكام القرآن" للجصاص (4/ 72)، و"المبسوط" للسرخسي (9/ 140).

(7)

انظر: "المدونة الكبرى"(16/ 269)، و"شرح معاني الآثار" للطحاوي (3/ 161)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 546)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (13/ 321).

ص: 144

إن عادَ فالتَّعْزيرُ عند مالكٍ والشافعيِّ (1)، وعن مالكٍ روايةٌ بقتلِه (2)؛ لحديثٍ ورد فيه (3)، لكنهم ضَعَّفوهُ (4)، والله أعلم.

* * *

112 -

(9) قوله عز وجل: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 39].

قد تقدمَ الكلامُ على التوبةِ في "سورة النساء"، والصحيحُ قبولُها كما جاء في القرآن العزيز؛ خلافاً للجمهور، وللشافعيِّ في قوله الجديد، وقد تقدم ذلك مستوفًى.

(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (6/ 150)، و"الكافي" لابن عبد البر (1/ 581).

(2)

هو قول أبي مصعب من المالكية، انظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (6/ 172).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 6)، عن عبد الله بن زيد الجهني، قال أبو نعيم نقلاً عن ابن القطان: تفرد به حزام بن عثمان، وهو من الضعف بالمحل العظيم.

(4)

انظر: "الدراية" لابن حجر (2/ 111).

ص: 145