الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام القصاص)
188 -
(3) قولهُ عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء: 33].
* جعل اللهُ سبحانَهُ في هذهِ الآيةِ لِوَلِيِّ المَقْتول ظُلْمًا سلطانًا، أَيْ: حُجَّةً وبُرهانًا على قَتْلِ القاتِلِ، وحَرَّمَ الله تَعالى عليهِ الإسرافَ في القَتْلِ، وهوَ أَنْ يأخذَ أكثرَ مِمَّا لهُ؛ بأنْ يقتلَ غيرَ القاتِل، أو يعذبَ القاتِلَ في القَتْلِ، أو يَقْتُلَهُ بما هو أغلظُ في القَتْلِ، أي: في الآلةِ التي قَتَلَ بِها.
* وفي الآية دَلالَةٌ على أن للولي أن يقتلَ بنفسِهِ؛ لأنَّ بذلكَ يُتَصوَّرُ النَّهْيُ عنِ الإسرافِ، ويتمُّ بهِ السلطانُ.
وقد اتفقَ الناسُ على ذلكَ في القتل (1).
وأَمَّا في الجُروح، ففيهِ خِلافٌ عندَ الشافعية، منهم من جعلَهُ كالقتل،
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 243)، و "كشاف القناع" للبهوتي (5/ 537)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (12/ 109)، و "مغني المحتاج" للشربيني (4/ 42)، و "الاستذكار" لابن عبد البرّ (8/ 172)، و "حاشية الدسوقي"(4/ 256)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 243).
ومنهم من مَنَعَ الوَليَّ أن يَتَوَلَى القِصاص؛ خشيةَ التَّعَدِّي في الاستيفاءِ (1).
* واختلفَ أهلُ العلمِ في حقيقةِ الوَلِيِّ: فذهب مالكٌ والزهْرِيُّ إلى أَنَّهُ العَصَبةُ من الرجالِ؛ لأنَّ القِصاصَ يُرادُ لدفعِ العارِ، فاختصَّ بهِ العَصباتُ؛ كولايةِ النِّكاحِ (2).
وذهبَ ابنُ شُبْرُمَةَ إلى أنهُ من يَرِثُ بِنَسَبٍ دُونَ سَبَبٍ، فتخرجُ الزوجةُ والزوجُ؛ لانقطاعِ الزوجِيَّةَ بالموتِ.
وذهبَ أبو حنيفةَ، والثوريُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ إلى أنه جميعُ الورثةِ؛ اعتبارًا لهُ بالدِّيَةِ (3).
وللشافعيةِ وَجْهان كالمذهبَيْنِ الأَوَّلَيْنِ.
* وفي الآيةِ دَلَالةٌ على أَنَّه لا يُستوفى القصاصُ إذا كَانَ الوَلِيُّ صَغيرًا أو مَجْنونًا حتى يَبْلُغَ هذا، ويُفيقَ هذا؛ لأنه هو الوليُّ، والسُّلطانُ ثابتٌ لَهُ، فلا يُجْعَلُ لغيرهِ، سواءٌ كانَ منفردًا بالولاية، أو مشارِكًا.
وبهِ قال الشافعيُّ، وأحمدُ، وأبو يوسُفَ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيز (4).
وذهبَ مالكٌ، وأبو حنيفةَ، ومحمدٌ إلى أنه لا ينتظرُ، بل يجوزُ للأبِ
(1) انظر: "روضة الطالبين" للنَّووي (9/ 221)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 42).
(2)
انظر: "حاشية الدسوقي"(4/ 256).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 243)، و"روضة الطالبين" للنَّووي (9/ 214)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 39)، و"المغني" لابن قدامة (8/ 276)، و"كشاف القناع" للبهوتي (5/ 533).
(4)
انظر: "مغني المحتاج" للشربيني (4/ 40)، و"المغني" لابن قدامة (8/ 276)، و"كشاف القناع" للبهوتي (5/ 533)، و"بدائع الصنائع" للكلاساني (7/ 243 - 244).
والجَدِّ أن يستوفيا لَهُ القِصاصَ في صورَةِ الانفرادِ، ويجوزُ للأخِ الكبيرِ أن يستوفيَ القِصاص في صورَةِ المُشاركةِ (1).
واختلفَ الحنفيةُ في الذي يستوفيهِ.
فقالَ بعضُهم: يستوفي حَقَّهُ وحَقَّ الصغير.
وقال بَعْضُهم: يستوفي حَقَّهُ، ويسقُطُ حَقُّ الصَّغيرِ.
وأجمعوا على أن الأخَ الكبيرَ الغائبَ يُنْتَظَرُ في استيفاءِ القِصاص.
* * *
(1) انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 252)، و"حاشية الدسوقي"(4/ 257)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 243 - 244).