الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام المواريث)
103 -
* وتسمى آيةَ الصيف؛ لأن الله سبحانه أنزلَ في الكلالةِ آيتين: آيةً في الشتاء، وهي الأولى (1)، وآيةً في الصيف (2)، وهي هذه (3).
(2)
وهذه التسمية -أعني: (آية الصيف) - توقيفية وردت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث مسلم الآتي، ومن هنا جاء علم الصيفي والشتائي من فروع علم التفسير، كما هو مؤصل في علوم القرآن. انظر:"الإتقان" للسيوطي (1/ 96).
(3)
انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 404)، و"التفسير الكبير" للرازي (11/ 95).
* والمرادُ بالكَلالةِ في الآيةِ الأولى هو مَنْ لا وَلَدَ لهُ ولا ولدَ ابنٍ، ولا أبَ ولا جَدَّ، أو مَنْ عَدا الولدَ وولدَ الابنِ والأبَ والجدَّ.
وما أعلم في ذلك خِلافاً بينَ أهلِ العلمِ (1).
وأما المرادُ بها في هذهِ الآية، فقدِ اختلفوا فيها اختلافاً عظيماً، وعظمَ شأنُ ذلكَ عليهم (2).
قال مَعْدانُ بنُ أبي طلحةَ: خطبَ عمرُ بنُ الخَطَّاب -رضي الله تعالى عنه- يومَ جمعةٍ، فذكر نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذكرَ أبا بكرٍ -رضي الله تعالى عنه- ثم قال: لا أدعُ بعدي شيئاً أهمَّ عندي من الكَلالَةِ، ما راجَعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في شيءٍ ما راجَعْته في الكَلالَة، وما أَغْلَظَ لي في شيءٍ ما أغلظَ لي فيه،
(1) ذكر المفسرون أقوالاً مروية عن السلف في تفسير الكلالة في الآية الأولى؛ منها: أنها من لا ولد له خاصة، ومنها من لا والد له، ثم ذكروا خلافاً آخر وهو: هل المراد بالكلالة الميت أو الورثة؟ انظر: "تفسير الطبري"(4/ 283 - 285)، و"معاني القرآن" للنحاس (2/ 35)، و"أحكام القرآن" للجصاص (3/ 16).
(2)
وقد ذكر ابن العربي ستة أقوال في تفسير الكلالة، قال: اختلف أهل اللغة وغيرهم في ذلك على ستة أقوال: قال صاحب "العين": الكلالة الذي لا ولد له ولا والد.
الثاني قال أبو عمرو: ما لم يكن لَحًّا من القرابة فهو كلالة، يقال: هو ابن عمي لَحًّا، وهو ابن عمي كلالة.
الثالث: وهو في معنى الثاني: أن الكلالة من بعد، يقال: كلَّت الرحم: إذا بعد من خرج منها.
الرابع: أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ولا أخ.
الخامس: أن الكلالة هو الميت بعينه، كما يقال: رجل عقيم ورجل أمي.
السادس: أن الكلالة هم الورثة والورَّاث الذين يحيطون بالميراث. انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 448).
حتى لقد (1) طَعَنَ بأصبُعِهِ في صَدْري، وقال:"يا عمرُ! ألا تكفيكَ آيةُ الصَّيْفِ التي في آخِر سورة النساء"، وإني إن أعشْ أَقْضِ فيها بقضيَّةٍ يقضي بها من يقرأُ القرآنَ ومَنْ لا يقرأُ القرآن (2).
وقال عمرُ -رضي الله تعالى عنه-: ثلاثٌ لأَنْ يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَنَهُنَّ لنا أَحَب إلينا منَ الدنيا وما فيها: الكلالةُ، والخلافةُ، وأبوابُ الربا (3).
وسأل رجلٌ عقبةَ عن الكَلَالةِ فقال: ألا تعجبون من هذا يسألُني عن الكَلالةِ، وما أعضلَ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلَتْ بهمُ الكلالَةُ (4).
والذي عليه أكثرُ الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، وادَّعى بعضُ أهلِ العلمِ الإجماعَ عليه: أن الكلالةَ ما عدا الوالدَ والولدَ (5).
وهو قولُ أبي بكر وعمرَ، رضي الله تعالى عنهما.
قال الشعبيُّ: سُئل أبو بكر عن الكَلالة، فقال: إني سأقولُ فيها قولاً برأي، فإن كانَ صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمنِّي ومنَ الشيطان، أراهُ ما خلا الولدَ والوالدَ.
فلما استُخلفَ عمرُ فقال: إني لأَستحيي من الله تعالى أن أرد شيئاً قالَهُ أبو بكرٍ (6).
(1)"لقد" ليس في "ب".
(2)
رواه مسلم (1617)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة.
(3)
رواه ابن ماجه (2727)، كتاب: الفرائض، باب: الكلالة، وعبد الرزاق في "المصنف"(19184)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(22002)، والحاكم في "المستدرك"(3188)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 225).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في: "المصنف"(31602)، والدارمي في "سننه"(2973)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(6/ 44).
(5)
انظر: "تفسير ابن كثير"(1/ 596).
(6)
رواه الدارمي في "سننه"(2972)، بهذا السياق.
وروي عن ابنِ عمرَ وابنِ عباس -رضي الله تعالى عنهم- في إحدى الروايتين عنه: أنه مَنْ ليسَ لهُ ولد (1).
وإليه ذهبَ طاوسٌ (2)، والشيعة (3).
واستدلُّوا بقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]، فلم يشترط إلا (4) فُقْدانَ الوالد.
وأجيبَ بأنَّ الوالدَ، وإن كانَ محذوفاً من اللفظ، فهو مُقَدَّرٌ فيه، ويدل عليه أن الآيةَ نزلتْ في شأنِ جابرِ بنِ عبد الله -رضي الله تعالى عنهما-، ولم يكن له يومئذ وَلَدٌ ولا والدٌ.
قال جابرٌ: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضٌ لا أعقلُ، فتوضَّأَ وصَبّوا (5) عليَّ وَضوءَهُ، فعقلتُ، فقلت: يا رسول الله! لمن الميراث؟ إنما يرثنُي كلالَةٌ، فنزلتْ آية الميراث، يريد: قولَه تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (6)[النساء: 176].
فإن قالَ قائلٌ: فما معنى قولِ من قالَ: إنَّ الكلالَةَ من لا ولدَ لَهُ، فإنه يقتضي أن الإخوة يرثونَ معَ الأبِ، وقدِ انعقدَ الإجماعُ على أن الأبَ
(1) وهو رواية عن عمر رضي الله عنه، انظر:"المصنف" لعبد الرزاق (10/ 303)، و"تفسير الطبري"(4/ 286).
(2)
انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 403).
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 58).
(4)
"إلا": ليس في "أ".
(5)
في "ب": "فصبّ".
(6)
رواه البخاري (191)، كتاب: الوضوء، باب: صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه، ومسلم (1616)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة.
يحجُب الإخوة (1)، فإن كانَ فائدَتُه توريثَ الإخوة مع الأبِ؛ كما رويَ عنِ ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، وذهبَ (2) إليه الشيعةُ، فقد قالَ القاضي عِياض: الروايةُ بهذا باطِلَة، والصحيحُ عنه موافقةُ جماعةِ أهل العلم؟ (3)
قلنا: الظاهرُ أنه أراد: من لا ولدَ له ولا والدَ، وإنما سكتَ عن ذكره؛ لئلا يدخلَ فيه الجَدُّ، والله أعلم.
* إذا تقررَ هذا، فقد أجمعَ المسلمون على حُكْم هذه الآيةِ، وعلى تنزيل الإخوة للأب مع الأخوة للأبوين منزلةَ بني الابن مع بني الصلْب، فلا يرثُ الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم شيئاً، ولا ترثُ الأخواتُ للأبِ مع الأخواتِ للأبِ والأم إذا استكملْنَ الثلثينِ شيئاً؛ كبناتِ الابنِ مع بناتِ الصُّلْبِ.
واختلفوا إذا كانَ معهنَّ ذَكَرٌ.
- فقالَ الجُمهور: يعصبُهُنَّ كما يعصِبُ ابنُ الابنِ بناتِ الابن (4).
- وقال أبو ثور: المالُ للأخ دونَهُن (5).
- وقال ابنُ مسعودِ -رضي الله تعالى عنه-: إذا استكملَ الأخواتُ الشقائقُ الثلثينِ، فالباقي للذكر، ولا يعصبُهن، وإن لم يستكملْن الثلثين،
(1) انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 67).
(2)
في "ب": "وذهبت".
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 58).
(4)
انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 259)، و"المبسوط" للسرخسي (29/ 159)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 336).
(5)
وهو قول ابن مسعود. انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 106)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 336).
فإنه يقاسمهُنَّ، للذَّكَرِ مثلُ حَظِّ الأنثيين، إلا أن يكونَ الحاصِلُ للأخواتِ أكثرَ من السُّدُسِ، فلا يزدْن على السدسِ؛ كما فعلَ في بناتِ ابنِ الابنِ مع أخيهنَّ مع بناتِ الصُّلب (1).
* وأجمعوا على أن الإخوة للأبِ والأمِّ مقدَّمون على الإخوة للأبِ (2).
* واختلفوا فيما لو تركَ بنتاً وأختاً لأبوين، وأخاً لأب.
فذهب الجُمهور إلى أن للبنتِ النِّصْفَ، والباقي للأختِ، ولا شيء للأخ.
وقال ابنُ عباسٍ: للبنتِ النصفُ، والباقي للأخ دونَ الأختِ (3)، وسيأتي مأخذُه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
* وأجمعوا على أن الإخوة للأب يقومون مقامَ الإخوة للأبوين عندَ فقدهم، كما يقومُ بنو الابن عندَ فقدِ بني الصُّلْب (4).
* وأجمعوا على أن الأخ يَعْصِبُ أخواته، فيأخذْنَ ما بقيَ بعدَ الفرض (5).
(1) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 259)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 339)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 168).
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 46)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 333)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 258)، و"الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 329).
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 54).
(4)
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 106)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 259)، و"الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 329).
(5)
انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 330)، و"المبسوط" للسرخسي (29/ 188)، و"روضة الطالبين" للنووي (6/ 14).
* واختلفوا في موضع واحد، وهو إذا توفيتِ امرأةٌ، وتركتْ زوجَها وأمَّها وأخوينِ لأمها، وإخوةً لأبيها وأمها (1).
فكان علي، وأبيُّ بنُ كعبٍ، وأبو موسى -رضي الله تعالى عنهم- يعطون الفرائضَ أهلَها، فلا يبقى للإخوة شيءٌ (2).
وبه قال ابنُ أبي ليلى، وأحمدُ (3)، وأبو ثورٍ، وداودُ (4).
وكان عمرُ وعثمانُ وزيد -رضي الله تعالى عنهم- يقسمونه بينهم (5).
وبه قالَ مالكٌ، والشافعيُّ والثوريُّ (6)؛ لأنهم
…
...
…
...
(1) وتسمى هذه المسألة في علم الفرائض بالمسألة المشتركة، أو المُشركة، أو التشريك، أو الحمارية.
(2)
وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا. انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 332)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 79)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 155).
(3)
وهو قول أبي حنيفة. انظر: "مختصر الخرقي"(ص: 84)، و"عمدة الفقه" لابن قدامة (ص: 76)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 155)، و"المبسوط" للسرخسي (29/ 154).
(4)
انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 332)، و "المغني" لابن قدامة (6/ 172)، و "تفسير ابن كثير"(1/ 461).
(5)
انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 329)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 79).
ولزيد بن ثابت روايتان في المسألة المشتركة، رواية أهل المدينة: القسمة بينهم وهو المشهور عنه، وهناك رواية أخرى: أنه لم يشركهم بالميراث. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 337).
(6)
انظر: "مختصر المزني"(ص: 140)، و"الكافي" لابن عبد البر (1/ 565).
وبه قال شريح ومسروق وابن المسيب وابن سيرين وطاوس وعمر بن عبد العزيز=
يشاركونهم (1) النَّسبَ الذي يرثون به، فوجبَ أن يشاركوهم في الميراث.
واحتجَّ الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم: "اقْسِموا المالَ بينَ أَهْلِ الفَرائِضِ على كتابِ اللهِ، فما تَرَكَتْ فَلأِوَلْى رَجُلٍ ذَكَرٍ"(2).
وتعرف هذه المسألةُ بالمُشَرِّكة (3).
فإن قال قائل: فإطلاقُ الآيةِ يقتضي أن الأخَ والأختَ لا يرثان مع وجود الولدِ على كل حال.
قلنا: المرادُ بالولدِ الذكُر.
فإن قالَ: فما دليلُك على ذلك، وعلى (4) أن الأخَ يرثُ مع البنت؟
قلنا: إجماعُ عامةِ أهلِ العلمِ على أن الابنَ يحجُبُ الأَخَ، وأما ميراثُه مع البنتِ، فالدليل عليه قولُه صلى الله عليه وسلم:"اقسموا المالَ بين أهلِ الفرائضِ على كتابِ الله، فما تركت فلأَولى رجلٍ ذكر".
فإن قال: فهذا الحديثُ يقتضي أن الأختَ لا ترثُ مع البنتِ شيئاً، فيدلنا ذلك على (5) أن المرادَ بالولدِ الذكرُ والأنثى، فحينئذ يتفقُ مفهومُ الكتابِ والسنَّةِ على أن الأختَ لا ترثُ مع البنتِ شيئاً.
= والنخعي. انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 155)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 337).
(1)
في "ب": "يشاركون في".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
في "ب": "المشتركة".
(4)
"ذلك، وعلى" ليس في "ب".
(5)
في "ب": "على ذلك".
قلنا: الحديثُ يدلُّ على ما ذكرتَ من عدمِ ميراثِ الأختِ مع البنت، وعلى عُموم الولدِ للذكرِ والأنثى.
ولهذا ذهب داودُ وطائفةٌ إلى أنها لا ترثُ مع البنتِ شيئاً، وهو قولُ ابنِ عَبّاسٍ -رضي الله تعالى عنهما (1) -.
ولكن العمومَ لا تقومُ دلالتُه إلا إذا لمْ يعارضْهُ ما هو أقوى منه.
وهذا العمومُ والإطلاقُ قد عارضَهُ ما روى ابنُ مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ابنةٍ وابنةِ ابنٍ وأختٍ: للبنتِ النصفُ، ولابنةِ الابنِ السُّدُسُ تكملة الثلثين، وما بقيَ فللأخت (2).
فذهب الجمهورُ إلى هذا النص، وخَصُّوا به العمومَ، ودلَّهم على أن المرادَ بالولدِ الذكرُ، لا عمومُ الذكرِ والأنثى، فالخلافُ آيِلٌ إلى أن الوراثةَ مع البنتِ هل هيَ كَلَالة أو لا؟
فعند الجمهورِ كلالة (3).
وعندَ ابنِ عباسٍ وداودَ ليسَ بكلالةٍ، وكانَ ابنُ الزبير يقولُ في هذه المسألةِ بقولِ ابنِ عباسٍ حتى أخبرَهُ الأسودُ بنُ زيدٍ أنَّ معاذاً قَضى في بنتٍ وأختٍ، فجعل المالَ بينهنَ نصفين (4).
فإن قلت: فالكلالةُ هل المرادُ بها الوارثُ أو الميت؟
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 334)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 258)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 59).
(2)
رواه البخاري (6355)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث ابنة ابن مع ابنة.
(3)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 452)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (6/ 29)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 334).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 424)(31070).
قلت: أما في اللغةِ؛ فإنَّها تقعُ على الوارثِ، قال ابنُ الأعرابيِّ: الكلالةُ هم بنو العَمِّ الأباعدُ (1)، قال الفرزدق:[البحر الطويل]
وَرِثْتُمْ قَناةَ المَجْدِ لا عَنْ كَلالَة
…
عَنِ ابْنَي مَناتٍ عَبْدِ شَمْسٍ وهاشِمِ (2)
ومنه قولُ جابر -رضي الله تعالى عنه-: وإنما يرثنُي كلالَةٌ (3)، وحكيَ عن أعرابى أنه قال: مالي كثيرٌ، ويرثنُي كلالةٌ مُتَراخٍ نَسَبُه (4).
وقد يقعُ على الميتِ، يقال منه: كَلَّ الرجُلُ يَكَلَّ كَلَالةً، وهي مأخوذَةٌ من التكلُّلِ، وهو الإحاطةُ بالميتِ، فإذا ذهب أبوه وولدُه، فالعَصَبَةُ محيطون به، متكللون نَسَبَهُ، ومنه سُمِّيَ الإكليل (5).
وأما المرادُ بها في القرآن، فالمراد بها هنا -والله أعلم- الوارثُ.
لما رويناه في "صحيح مسلم" من حديثِ جابرٍ (6)، فإنه إنَّما سألَ عنِ الوارثِ منَ الكَلالة، فأنزل الله سبحانه الآيةَ بياناً لسؤالِه، واستوفى (7) حُكْمَ الكلالَةِ منَ الذكورِ والإناثِ.
وهذه الكلالَةُ هي التي عَظُمَ على الصَّحابةِ أمرُها.
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 341)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 197)، و"لسان العرب"(11/ 592).
(2)
انظر: "ديوانه": (2/ 309).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (5/ 121)، و"لسان العرب" لابن منظور (11/ 592).
(5)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 58)، و"لسان العرب" لابن منظور (11/ 592).
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
في "ب": "فاستوفى".
لأن منهم منْ يورثُ الكَلالَةَ معَ الجَد؛ لأن اللهَ سبحانه قال في توريثها: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، ولم يشترط عدمَ الوالِد والجَدّ صريحًا (1).
فأما الوالدُ فاشتراطُه واجبٌ بالإجماع، وبقيَ الجَد على عدِم الاشتراط.
ومنهم من لمْ يُوَرثْها؛ كأبي بكر -رضي الله تعالى عنه (2) -.
ولما رأى الإجماعَ قامَ باشتراطِ الأبِ، وهو غيرُ مذكورٍ، وجعلَ الجَدَّ مثلَه، وهو لا يجوز أن يقعَ عندهم الكلالةُ على الميتِ، ولا يمتنع أن يقعَ على الوارثِ أيضاً، فمن أجل تحرجهم في الجَد، تحرجوا في الكلالة، -رضي الله تعالى عنهم-.
وأما المراد بالكلالةِ في آيةِ الشتاء.
فيجوزُ أن يُراد بها المَيتُ، لأن ولدَ الأم لا يرثُ مع الجَد شيئاً بالإجماع.
ويجوز أن يرادَ بها الوارثُ، ولهذا قرئ (وإن كانَ رجلٌ يُورِثُ كلالة)(3) بفتح الراء وكسرها، فمن كسَرها أوقعها على الوارِث، ومن فتحَها فيجوزُ أن يقعَ على الوارثِ أيضاً، ويكونُ التقديرُ: وإن كانَ رجلٌ يورثُ ذا كلالة، ويجوز أن يقعَ على الميتِ، وينتصب كلالة على الحالِ،
(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 21)، و "المحلى" لابن حزم (9/ 282)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 355)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 58).
(2)
انظر: "المحلى" لابن حزم (9/ 298)، و"التمهيد" لابن عبد البر (11/ 101).
(3)
قرأ بكسر الراء: الحسن، وأيوب، وقرأ الباقون بفتحها. انظر:"تفسير الطبري"(8/ 53)، و"معاني القرآن" للأخفش (1/ 162)، و "البحر المحيط" لأبي حيان (3/ 189)، وانظر:"معجم القراءات القرآنية"(2/ 115).
وهو الظاهرُ، وهذا ما انتهى إليه فَهْمي وبَحْثي في الكلالةِ، والله أعلمُ، فإن كان صواباً فمنَ الله، وإن كان خَطَأً فمنِّي، وأستغفرُ اللهَ الغفورَ الرحيمَ (1).
* * *
(1) جاء في "أ": "انتهى الجزء الأول، ويتلوه الجزء الثاني -إن شاء الله تعالى- وهو حسبنا ونعم الوكيل".
وجاء في "ب": "انتهى الجزء الأول من كتاب تيسير البيان في أحكام القرآن، تأليف الشيخ الإمام العلامة المدقق المحقق محمد بن علي بن إبراهيم الخطيب رحمه الله ونفع به وبعلومه آمين".