المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌سُورَةُ المَائِدَةِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الصيد والذبائح)

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(الحرابة)

- ‌(السرقة)

- ‌(من أحكام أهل الكتاب)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الأشربة)

- ‌(من أحكام الهدي)

- ‌(من أحكام الشهادات)

- ‌سُورَةُ الأَنْعَامِ

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الذبائح)

- ‌(من أحكام اليتامى)

- ‌سُورَةُ الأَعْرَافِ

- ‌(من أحكام اللباس والزينة)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُورَةُ الأَنفَالِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الهجرة)

- ‌سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصدقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌سُوْرَةُ يُوسُفَ

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ النَّحْلِ

- ‌(من أحكام الطهارة)

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌(من أحكام المعاملات)

- ‌سُوْرَةُ الإسْراءِ

- ‌(من أحكام البر والصلة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام الصلاة)

- ‌سُوْرَةُ الأَنْبيَاءِ

- ‌(من أحكام المعاملات)

الفصل: ‌(من أحكام الزكاة)

(من أحكام الزكاة)

178 -

(24) قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].

* قال ابنُ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: لما تخلَّفَ عَشَرَةٌ من المُسلمين بِلا نِفاقٍ، منهم أبو لُبابَةَ، ومِرْداسٌ، وأبو قَيْسٍ، واعتذَروا، فلم يُعْذَورا حَتَّى أَوْثَقوا أَنْفُسَهم بِسواري المسجد باكين مُتَضَرِّعينَ، وحلفَ أبو لبابَةَ لا يَحُلُّهُ إلا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، نزلَ قولُه تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] فلما نزلتِ الآيةُ، أَطْلَقَهُمْ، فقالوا: هذه أموالُنا التي خَلَّفَتْنا، فأبى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْذَها، فنزلَتْ:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فأخذَ الثُّلُثَ (1).

قال الحَسَنُ: هذهِ الصدقةُ هي كَفّارةُ الذُّنوبِ التي أَصابوها، وليسَ بالزكاةِ.

قال عِكْرِمَةُ: هي صَدَقَةُ الفَرْضِ (2).

ويجوزُ أن يرادَ بها الصَّدَقتانِ: صدقةُ الطَّهارةِ من الذنوب، وصدقةُ

(1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(10303).

(2)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (8/ 244)، و "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 356).

ص: 371

التزكيةِ؛ فإنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السبب؛ بدليلِ قولي تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، فقوله تعالى:{تُطَهِّرُهُمْ} إشارةٌ إلى الصَّدَقَةِ المُطَهِّرَةِ من الذُّنوبِ، وقولُه:{وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} إشارةٌ إلى الصدقةِ الواجِبَةِ المُزَكِّيةِ، وبدليلِ قولي تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على كُلِّ مَنْ أَدَّى صدقةَ مالِه، امتثالًا لأمرِ ربِّه.

روينا في "الصحيحين" عن ابنِ أبي أَوْفى قال: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَتى قومٌ بصدقتهم، قال:"اللهمَّ صَل على آلِ فُلانٍ"، فأتاه أبي بصدقتِه، فقالَ:"اللهمَّ صَلِّ على آل أبي أَوْفى"(1).

* إذا تَمَّ هذا فقد علمنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأخذْ من كُل أموالِهم صدقةً، فقالَ:"ليسَ للمرءِ المُسْلِمِ في عَبْدِهِ، ولا في فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"(2).

وأخذَ من الإِبِلِ والغَنَم، وأَمَرَ بالأَخْذِ منَ البَقَر.

* وأجمعوا على أنه لا زَكاةَ في العُروضِ التي لم يُقْصَدْ بها التِّجارَةُ (3).

* واختلفوا فيما اتُّخِذَ للتِّجارةِ.

فأوجبَ الزكاةَ فيها فُقهاءُ الأمصار؛ لما رُوِيَ عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: أنه قالَ: أما بَعْدُ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يأمُرنا أن نُخرجَ الصدقةَ منَ الذي يُعَدُّ للبيع (4).

(1) رواه البخاري (1426)، كتاب: الزكاة، باب: صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم (1078)، كتاب: الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.

(2)

رواه البخاري (1394)، كتاب الزكاة، باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة، ومسلم (982)، كتاب: الزكاة، باب: لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، عن أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم.

(3)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 45).

(4)

رواه أبو داود (1562)، كتاب: الزكاة، باب: العروض إذا كانت للتجارة هل =

ص: 372

ولما ثبتَ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما-: أنه قالَ: ليسَ في العُروض زَكاةٌ، إلا أن يُرادَ بها التجارةُ (1)، ويروى عن عُمَرَ وعائشةَ، وحكاهُ ابنُ المنذرِ عنِ ابنِ عَبّاسٍ.

وذهبَ بعضُ العُلَماء إلى أَنَّه لا زَكاةَ فيها، وبهِ قالَ أهلُ الظاهرِ، ويُروى عن ابنِ عباسٍ (2).

قال الشافعيُّ: وإسنادُ الحديثِ عن ابنِ عباسٍ ضعيفٌ، وكان اتباعُ حديثِ ابنِ عُمَرَ لصحَّتِهِ، والاحتياطُ في الزَّكاةِ أَحَبُّ إليَّ (3).

* وها أنا أتكلمُ على جمل مختصَرَةٍ من فرائضِ الزكاة؛ لئلَّا يخلوَ كتابي عن مِثْلِها - إنْ شاءَ الله تعالى-، فأقول:

* أما الإبلُ:

فقد اتفق الناس على العملِ بكتابِ الصدقةِ الذي كتبه أبو بكرٍ لأنسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنهما- لما وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ، وهو: "بسم اللهِ الرحمنِ الرحيم، هذه فريضةُ الزكاةِ (4) التي فرضَ اللهُ على المسلمينَ التي أمرَ اللهُ، فمنْ سُئِلَها على وَجْهِها، فليْعطِها، ومن سُئِلَ فوقَها فلا يُعْطِه: في أربعٍ وعشرينَ فما دونَها: من الإِبِلِ (5): في كُلِّ خَمْسٍ شاةٌ، فإذا بلغتْ خمسًا

= فيها من زكاة؟، والطبراني في "المعجم الكبير"(7029)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 146)، وابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 130 - 131).

(1)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(10459)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 147).

(2)

انظر: "المحلى" لابن حزم (5/ 209)، و"التمهيد" لابن عبد البرّ (17/ 125) وما بعدها، و"المغني" لابن قدامة (2/ 258).

(3)

انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 147).

(4)

في "ب": "الصدقة".

(5)

في "أ" و"ب": "الغنم"، وهو خطأ.

ص: 373

وعشرينَ إلى خمسٍ وثلاثين، ففيها بنْتُ مَخاضٍ أنثى، فإن لم يكنْ فيها بنتُ مَخاضٍ، فابنُ لَبونٍ ذَكَرٌ، وليس معه شيءٌ، فإذا بلغتْ سِتًّا وثلاثينَ إلى خمسٍ وأربعينَ، ففيها بِنْتُ لَبونٍ، فإذا بلغتْ سِتًّا وأربعينَ إلى سِتَّينَ، ففيها حُقَّةٌ طَروقَةُ الفَحْلِ، فإذا بلغتْ أَحَدًا وسِتِّين إلى خَمسٍ وسَبْعين، ففيها جَذَعَةٌ، فإذا بلغتْ سِتًّا وسَبْعينَ إلى تسعينَ، ففيها بِنْتا لَبونٍ، فإذا بلغَتْ أَحَدًا وتِسْعينَ إلى عِشْرين ومِئَة، ففيها حُقَّتانِ طَرُوقَتا الفَحْلِ، فإذا زادَتْ على عِشرينَ ومِئَةٍ، ففي كل أربعينِ بِنْتُ لَبونٍ، وفي كُلِّ خَمسين حُقَّةٌ (1).

ولم يختلفوا إلا في قوله: فإذا زادت على عشرينَ ومئةٍ، ففي كُلِّ أربعينَ بنتُ لَبونٍ، وفي كُلِّ خمسينَ حُقَّةٌ؛ فإنه يعارضُهُ حديثُ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ قال: قلت لقيسِ بنِ سعدٍ: اكتبْ لي كتابَ أبي بكرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ في ورقةٍ، فكتبها ثم جاء بها، وأخبرني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتبه لجدِّهِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ في ذكرِ ما يخرجُ من فرائضِ الإبلِ، وكانَ في ذلكَ أَنَّها "إذا بلغَتْ تِسعينَ، ففيها حُقَّتانِ إلى أن تبلغَ عشرينَ ومِئةٍ، فإذا كانتْ أكثرَ من ذلكَ، ففي كُلِّ خَمسينَ حُقَّةٌ، فما فَضَلَ، فإنه يُعاد إلى أولِ فريضةِ الإبل، فما كانَ أَقَلَّ من خَمْسٍ وعشرينَ، ففيه الغَنَمُ، ففي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شاةٌ"(2).

وما رُوي عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: فإذا بلغَتْ عشرينَ ومئةٍ، استعيدت بالغنم، ففي كُلِّ خمْسٍ شاةٌ، فإذا بلغَتْ خَمْسًا وعشرينَ، ففرائضُ الإبلِ، فإذا كثرتِ الإبلُ، ففي كُلِّ خمسينَ حُقَّةٌ (3).

وما روي عن على -رضيَ اللهُ تعالى عنه- في الإبل إذا زادَتْ على

(1) رواه البخاري (1386)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الغنم.

(2)

رواه أبو داود في "المراسيل"(106)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 375)، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف"(2/ 25).

(3)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 377).

ص: 374

عشرينَ ومئةٍ قال: تُرَدُّ الفَرائِضُ إلى أَوَّلِها، فإذا كثرتِ الإبلُ، ففي كل خمسينَ حُقَّةٌ (1).

وبقولِ عليٍّ وابنِ مسعودٍ أخذَ أبو حنيفةَ، والثوريُّ (2)، وبالأولِ أخذَ جمهورُ أهلِ العلمِ، وإليه ذهبَ الشافعيُّ ومالكٌ (3).

وأجابوا عن هذه الأحاديث المعارضة:

أما حديثُ حَمَّادٍ، فمنقطعٌ بين أبي بكرِ بنِ حزمٍ وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنه مع ذلك غلطٌ.

قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: ضاعَ كتابُ حَمّادِ بنِ سلمةَ عن قيسِ بنِ سَعْدٍ، وكان يحدثُهم من حفِظه (4)، أي: هذا سببُ خطئه.

وكذا قال عليُّ بنُ المدينيِّ: ضاعَ كتابُ حَمّادِ بنِ سلمةَ (5) عنْ قيسِ بنِ سعدٍ في طريق مَكَّةَ، فكتبَها من حفظه (6).

قالوا: ويدلُّ على الغلطِ أنَّ الزُّهْرِيَّ روى كتابَ عمرِو بنِ حزمٍ عن

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 359)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2262)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 92)، وهذا لفظ البيهقي.

(2)

انظر: "الهداية" للمرغيناني (1/ 99)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 27)، و"شرح فتح القدير" لابن الهُمام (2/ 176)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 183).

(3)

انظر: "الأم" للشافعي (2/ 4)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 80)، و"المجموع" للنووي (5/ 326)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 369)، و"القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص 73)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 189)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 182 - 183).

(4)

انظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/ 20)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 94).

(5)

"ابن سلمة": ليس في "أ".

(6)

انظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/ 344).

ص: 375

أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ بمثلِ كتابِ أبي بكرٍ، وكذا رواهُ غيرُ الزُّهْرِيِّ.

وأما حديثُ ابنِ مسعودٍ، فموقوفٌ، وقالوا: إنه منقطعٌ أيضًا، والراوي غيرُ مُحْتَجٍّ به.

وأما حديثُ علي -رضي الله تعالى عنه-، فقالوا أيضًا: إنه غلطٌ عن عَلِيٍّ، فإنه ذكرَ فيهِ في الإبلِ إذا كانَتْ خَمْسًا وعشرين، ففيها خَمْسُ شياهٍ، وهذا بخلافِ روايةِ الناسِ، وبأنه رواهُ أبو إسحاقَ عن عاصمِ بنِ ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ، وروى شريكٌ عن أبي إسحاقَ عن عاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ عن عَلِيٍّ: أنهُ قال: إذا زادت الإبِلُ على عشرينَ ومئةٍ، ففي كُلِّ خَمسين حُقَّةٌ، وفي كُلِّ أربعينَ بنتُ لَبونٍ، وروى شعبةُ أيضًا عن أبي إسحاقَ عن عاصمٍ مثلَه.

وذهبَ محمدُ بنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ إلى أن ربِّ المالِ بالخِيار بينَ أن يأخذَ بما قالَ به أبو حنيفةَ، أو يأخذَ بما قالَ مالكٌ والشافعيُّ.

ثم اختلفَ القائلونَ بحديثِ أنَسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- فيما إذا زادَ على مئةٍ وعشرينَ واحدةً.

فذهبَ الشافعيُّ إلى تعيين بَناتِ اللَّبونِ إلى أن تبلغَ ثلاثينَ ومئةً، فتكون فيها (1) حُقَّةٌ وابنتا لَبونٍ، وبه قال ابنُ القاسمِ من المالكية (2).

وذهبَ ابنُ الماجشونِ إلى تعيينِ الحِقَّتينِ إلى أن تبلغَ مئةً وثلاثينَ.

وذهبَ مالكٌ إلى تخييرِ الساعي بينَ بناتِ اللَّبونِ والحُقَّتينِ (3).

(1)"فيها" ليس في "أ".

(2)

انظر: "الأم" للشافعي (2/ 5)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 89).

(3)

انظر: "القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص 73)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 189)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 182).

ص: 376

فأما الشافعيُّ فتمسَّكَ بقولِ الزُّهْرِيِّ: أقرأني سالمٌ نسخةَ كتابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفيها:"وإذا كانَتْ إحدى وتسعين، ففيها حِقَّتانِ حتى تبلُغَ عشرينَ ومئةً، وإذا (1) كانتْ إحدى وعشرينَ ومئةً، ففيها ثلاثُ بناتِ لَبونٍ، فإذا بلغتْ ثلاثينَ ومئةً، ففيها بنتا لَبونٍ وحُقَّةٌ (2) ". وتَمَسَّكَ ابنُ الماجشونِ بظاهرِ حديثِ أَنَسٍ؛ فإنهُ القدرُ الذي يستقيمُ ويجتمعُ فيه حسابُ الأربعينات والخمسينات.

وأما مالكٌ، فحمل الأمرَ على التخييرِ عَمَلًا بالدليلين.

* وأما الغنم:

فأجمعوا أيضًا على العمل بكتابِ الصدقةِ (3)، وهو ما روى ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما-: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتَب كتابَ الصدقةِ، وفيه:"في الغَنَمِ في كُلِّ أربعينَ شاةً شَاةٌ إلى عِشرينَ ومِئَةٍ، فإذا زادَتْ على ذلك واحدةً، ففيها شاتان إلى مِئَتين، فإذا زادَتْ واحدةً، ففيها ثلاثُ شياه إلى ثلاثِ مئةٍ، فإذا كانَتِ الغنمُ أكثرَ من ذلكَ، ففي كُلِّ مئةٍ شاةٌ"(4).

ولم يختلفوا إلا في الفريضَةِ الأخيرةِ، فأخذَ الجمهورُ بظاهرِ القولِ (5)،

(1) في "ب": "فإذا".

(2)

رواه ابن ماجه (1798)، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الإبل، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 288)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 88)، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

(3)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 43).

(4)

رواه أبو داود (1568)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة، والترمذي (621)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة الإبل، وابن ماجه (1798)، كتاب الزكاة، باب: صدقة الإبل.

(5)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 242)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1/ 405)، و"الأم" للشافعي (2/ 5)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 112)،=

ص: 377

وقالَ الحسنُ بنُ صالحٍ: إذا زادَتِ الغنمُ على ثلاثِ مئةِ شاةٍ شاةً واحدةً، ففيها أربعُ شياهٍ، وإذا بلغتْ أربعَ مئةِ شاةٍ وشاةً، ففيها خمسُ شياهٍ، وروي مثلُ قوله عن إبراهيمَ (1).

* وأما البقرُ: فاتفقوا على وجوب التَّبيع في ثلاثينَ، وعلى وجوبِ المُسِنَّةِ في الأربعينَ؛ لما روى طاوسٌ: أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ أخذَ من ثلاثينَ بقرةً تبَيعًا، ومن أربعينَ بقرةً مُسِنَةً، وأُتي بما دونَ ذلكَ، فأبى أن يأخذَ منهُ شيئًا، وقالَ: لم أسمعْ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيه شيئًا حتى ألقاهُ فأسأَلَهُ، فتوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أنْ يقدمَ مُعاذٌ (2).

واختلفوا في موضعين:

أحدهما: ما دونَ الثلاثينَ، فذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ عَفوٌ لا شَيْءَ فيهِ (3).

وحكيَ عن ابنِ المسيِّبِ والزُّهْرِيِّ: أَنَّهما قالا: في كل خَمْسٍ من البقرِ شاةٌ؛ كالإبل (4).

= و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 28)، و"شرح فتح القدير" لابن الهُمام (2/ 173)، و "القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص 73)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 191)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 180).

(1)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (20/ 142)، و"المحلى" لابن حزم (5/ 271).

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 259)، والإمام الشافعي في "مسنده"(901)، والبيهقي في "السنن الكبري"(4/ 98).

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 239)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1/ 404)، و "الأم" للشافعي (2/ 9)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 107)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 28)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 191)، و"الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 188).

(4)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البرّ (3/ 189)، و "المحلى" لابن حزم (6/ 2)، =

ص: 378

وروي عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ: أَنّها إذا بلغتْ خَمْسًا وعشرينَ، ففيها بقرةٌ، إلى خمسٍ وسبعينَ، ففيها بَقَرتانِ، فإذا جاوزَتْ ذلك، فإذا بلغتْ مئةً وعشرينَ، ففي كل أربعينَ بقرةٌ (1).

وقالَتْ طائفةٌ: في كُلِّ عشرينَ من البقرِ شاةٌ، إلى ثلاثين، ففيها تبَيعٌ.

الثاني: ما بين الثلاثينَ إلى الأربعينَ (2).

فذهبَ الجمهورُ، كمالكٍ، والثوريِّ، والشافعيِّ، وأحمدَ إلى أنه وَقْصٌ لا شيءَ فيه (3)؛ لما روى طاوسٌ: أن معاذَ بنَ جبلٍ أُتي بوقصِ (4) البقرِ، فقالَ: لم يأمرْني فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ (5).

وذهبَ أبو حنيفةَ في أحدِ أقوالِه إلى أنهُ لا وَقْصَ (6)، فإذا (7) زاد على الأربعينَ يجبُ فيه بالقِسْطِ من المُسِنَّةِ، فيجبُ في خَمسينَ مُسِنَّةٌ ورُبُعُ مُسِنَّةٍ؛

= و "المجموع" للنووي (5/ 368).

(1)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (2/ 275)، و"السنن الكبري" للبيهقي (4/ 99)، و"المحلى" لابن حزم (6/ 2)، و "الدراية" لابن حجر (1/ 252).

(2)

في "ب": "الستين والأربعين".

(3)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 191)، و "الأم" للشافعي (2/ 9)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 107)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 238).

(4)

وَقَص، الوَقَصُ: نحو أن تبلغ الإبل خمسًا ففيها شاة، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عشرًا، فما بين الخمس إلى العشر وَقَصٌ. وبعض العلماء يجعل الوَقَص في البقر خاصَّة.

"اللسان"(مادة: وقص)(7/ 107).

(5)

رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(901)، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 231)، وأبو داود في "المراسيل"(107)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 98).

(6)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 28).

(7)

في "ب": "وأنّ ما".

ص: 379

لأنَّ الأَصْلَ في الأوقاصِ الزكاةُ، إلَّا ما أخرجَهُ الدليلُ، وهذا لمْ يقمْ دليلٌ على إخراجِه، وإنَّما توقَّفَ فيه معاذٌ حتى يسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

ولقائِلِ أن يقولَ: لا نسلمُ عدمَ الدليلِ، بلِ الدليلُ موجودٌ، وذلكَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَهُ إلى اليمنِ، وقد علم أنهم أهلُ بقرٍ، وبَيَّنَ لهُ فرائضَ صدقَتِهم، وأنها تؤخَذُ من أغنيائِهم، وتُرَدُّ في فُقرائِهم؛ لأنه وقتُ الحاجةِ إلى البيانِ، ولو وجبَ الزكاةُ فيما دونَ الثلاثينَ، لَبَيَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقتُ البيانِ، ولهذا لم يأخذْها معاذٌ باجتهادهِ، وقد قالَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما سألَهُ عن طريقِ حكمه، فقال: أجتهدُ رأيي، ولا آلو (1)، وإنما وعدَهُم بسؤالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إما (2) طَلَبًا لليقين الذي هو خيرٌ من الاستدلال، وإما لعلمه أن الوحيَ يطرقُهُ كُلِّ حينٍ، فينسخُ اللهُ من أحكامِه ما يشاءُ، ويتركُ ما يشاءُ، والله أعلم.

* وجعلَ اللهُ سبحانَهُ الأَخْذَ إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فكذلكَ يكونُ الأَخْذُ بعدَهُ إلى الإمامِ، فيجبُ على رَبِّ المالِ بذلُ الصدقةِ إذا طلبها الإمامُ.

وقد اتفق الفقهاءُ على وجوبِ الدفعِ إلى الإمام (3) عندَ طلبِه في الأموالِ الظاهرةِ (4).

(1) رواه أبو داود (3592)، كتاب: الأقضية، باب: اجتهاد الرأي في القضاء، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 242)، والدارمي في "سننه"(167)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 347 - 348)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 362)، والبيهقي في "المدخل"(1/ 207)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق "(58/ 412).

(2)

"إمّا": ليس في "أ".

(3)

"إلى الإمام" ليس في "ب".

(4)

انظر: "المجموع" للنووي (6/ 149)، و"روضة الطالبين" للنووي (2/ 206)، و"شرح فتح القدير" لابن الهُمام (2/ 162)، و"حاشية الدسوقي"(1/ 443)، =

ص: 380

وفي الأموالِ الباطنةِ خِلافٌ عندَ الشافعيةِ والمالكية (1).

واختلفَ قولُ الشافعيِّ في وُجوبِ الدفعِ إلى الإمامِ من غيرِ طَلَبٍ، وتفصيلُه مذكور في كُتُبِ الفقهِ.

* * *

179 -

(25) قوله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113].

* منع اللهُ سبحانَهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم من الاستِغْفار للمشركينَ إذا ماتوا على شِرْكِهم؛ لأنهُ وقتُ التبيُّنِ لهم أَنَّهم من أصحابِ الجحيم.

* ومفهومُ الآيةِ يدلُّ على أنهُ يجوزُ أن يستغفرَ لهم قبلَ التبيُّنِ، ولا خفاءَ في جوازه؛ إذ الغفرانُ لهم يستلزمُ إسلامَهم، وقدْ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ حين شُجَّ وكُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمي؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ"(2)، إلا

= أما عند الإمام أحمد فلا يجب دفعها إليه إذا طلبها، وتفريقها بنفسه أفضل، انظر:"الفروع" لابن مفلح (2/ 423)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 267)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 259).

(1)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 185)، و"المجموع" للنووي (6/ 150).

(2)

رواه البخاري في "صحيحه"(4/ 1493) معلقًا، ومسلم (1791)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه، فجعل يمسح الدم عنه ويقول:"كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟! " فأنزل الله- عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} . وقد روى البخاري (3290)، كتاب: الأنبياء، باب:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} ، ومسلم (1792)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، عن عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه =

ص: 381

أن يقصدَ بالدعاءِ غفرانَ كُفرِهم معَ الاستمرارِ عليه، فهذا غيرُ جائزٍ إجماعًا.

* إذا علمتَ هذا، علمتَ أنَّ قولَ مَنْ قالَ: إنَّ الله سبحانه بعثَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أَبوَيْهِ، فآمنا به، ثم ماتا على الإيمانِ، غُلُوٌّ في الدينِ بغيرِ الحَقِّ مُؤَدٍّ إلى الكفرِ والضلالِ، فمن ظَنَّ، أو شَكَّ أَنَّ مَنْ ماتَ على الكُفْرِ يَدْخُلُ الجنةَ، فقد كَفَرَ، ونعوذُ باللهِ من قولٍ يؤدِّي إلى ضلالٍ. أَلَمْ يرَ هذا القائِلُ إلى قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أَبي وأباكَ في النّار"(1)، وقولِه في أُمِّهِ:"اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أستغفرَ لَها، فلم يَأْذَنْ لي، واستأذَنْتُهُ في أن أزورَ قبرَها، فَأَذِنَ لي"(2)، أو كما قال، فلله سبحانه أن يفعلَ في خلقِه ما يشاءُ، ويقضيَ فيهم ما يريدُ، وإن كانَ نبيُّه صلى الله عليه وسلم كريمًا عندَهُ، وعزيزًا لديه، فلا يُسْأَلُ عَمَّا يفعلُ، وهم يسألون.

* * *

= ويقول: "اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون". قلت: فظهر من هذا التخريج أنهما حديثان منفصلان، وليسا حديثًا واحدًا كما ساقه المصنف.

(1)

رواه مسلم (203)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين، عن أنس بن مالك.

(2)

رواه مسلم (976)، كتاب الجنائز، باب: استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، عن أبي هريرة.

ص: 382